الجمعة  29 آذار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

عودة إلى المربع الأول / بقلم: سامي سرحان

2015-06-30 03:08:49 PM
 عودة إلى المربع الأول / بقلم: سامي سرحان
صورة ارشيفية
 
تعيد التصريحات الإسرائيلية الأخيرة الصراع في الشرق الأوسط وتحديداً الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي إلى المربع الأول والحلول الصفرية إما نحن وإما هم.
 
فأحد المسؤولين الاسرائيليين "مزور" يقول لقد صنعنا معروفا للعرب "عرب 48" حين منحناهم الهوية في إسرائيل وهو يعتبر المواطنة والهوية الاسرائيلية منّة ومعروفاً قدمته اسرائيل للمواطن العربي الفلسطيني في الداخل الاسرائيلي رغم أنّه صاحب الارض تجذّر فيها قبل قيام الكيان الاسرائيلي بآلاف السنين وهي وطنه ووطن أجداده الأولين.
 
وهذا التصريح يكشف أن فكرة الترانسفير لا تزال تراود قادة اسرائيل بترحيل عرب فلسطين "عرب الداخل" قسراً من وطنهم ونزع الجنسية والمواطنة الاسرائيلية عنهم. وهي تكشف أبعاد الدعوات الإسرائيلية بـ"يهودية الدولة" التي أضحت شرطاً للدخول في مفاوضات فلسطينية-اسرائيلية لن تفضي إلى حل يعترف بحقوق الشعب الفلسطيني في دولة مستقلة عاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من حزيران 1967. إنما هي دعوة للتخلص من المواطن العربي الفلسطيني في الداخل وتهجيرهم خارج ما يسمى "الدولة اليهودية" وهذه هي القضية الاولى.
 
أما القضية الثانية فيكشف عنها نفتالي بينت زعيم حزب البيت اليهودي المشارك في الائتلاف الحكومي القائم برئاسة بنيامين نتنياهو . فالسيد بينت يدعو إلى تغيير قواعد اللعبة مع حركة حماس في قطاع غزة. ودعوته تقوم على السماح بإعادة اعمار ما دمرته الحرب الاسرائيلية الأخيرة مقابل تخلي حركة حماس عن فكرة تطوير قدراتها العسكرية أي "الكفاح المسلح". بمعنى آخر أن تسلك حركة حماس نهج التسوية المتبع لتمكنها اسرائيل من حكم قطاع غزة والإنفراد به وترسيخ إمارة غزة. وثمّة مصادر عدة تقول بوجود مفاوضات سرية وعلنية بين اسرائيل وحماس حول هذا الأمر لربط القطاع مع العالم الخارجي عبر خط بحري وليس مع الضفة الغربية أو القدس الشرقية.
 
وهذا الامر يقضي على حلم الدولة الفلسطينية المتصلة جغرافياً وبشرياً الموحدة للضفة والقطاع والقدس في حدود الرابع من حزيران 67.
 
ويكمل هذا التوجه ما كشف عنه ليبرمان في تصريحاته الداعية إلى التخلص من رمز وحدة الشعب الفلسطيني في المرحلة الراهنة، الرئيس محمود عباس رئيس دولة فلسطين التي يعترف بها العالم، ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، ورئيس السلطة الوطنية الفلسطينية التي جاءت نتيجة اتفاق أوسلو المفترض أنه يحكم العلاقة الفلسطينية-الاسرائيلية في المرحلة الراهنة، ورئيس حركة فتح التي قادت وتقود النضال الوطني الفلسطيني منذ العام 1965. فالمهاجر الروسي الى فلسطين قريبا، ليبرمان يقول: "عباس ليس شريكا ويجب تنحيته من أجل السلام"، فأيّ سلام يتحدث عنه الاسرائيليون في غياب ما يمثله الرئيس محمود عباس من ثبات على المبادئ التي تحفظ الحد الادنى من حقوق الشعب الفلسطيني؟
 
لقد رفضت اسرائيل ما قيل عن "مبادرة فرنسية" قبل وصول حاملها وزير الخارجية لوران فابيوس إلى المنطقة ورفضت الجهود الدولية من أجل التوصل إلى تسوية "متوازنة" تعطي اسرائيل كلّ ما تريد وتعطي الفلسطينيين جزءاً ضئيلاً من حقوقهم، وجاء الرفض الاسرائيلي للمبادرة الفرنسية بالصيغة القديمة المعهودة:
 
أولا: رفض الإملاءات الدولية، أي انها تريد مفاوضات عقيمة مباشرة مع الفلسطينيين لا تؤدي إلى دولة ولا إلى أي شكل من التسوية، وتجربة العقدين الماضيين بعد أوسلو من المفاوضات الثنائية وبرعاية الولايات المتحدة لم تسفر عن شيء سوى عن تكثيف الاستيطان ومحو معالم الضفة الغربية وتواصلها جغرافياً وتعزيز السيطرة الأمنية والاقتصادية في الأغوار وتهويد القدس الشرقية. بل إن اسرائيل استبعدت الدور الأمريكي بإفشال جهود المبعوث الأمريكي، وزير الخارجية جون كيري وجاهرت بعدائها لرئيس أكبر دولة في العالم وحامية إسرائيل، الولايات المتحدة لأنه تمسك الى حد ما بحل الدولتين الذي يردده لفظاُ نتنياهو ويعمل على تفويضه عمليا كل يوم. وهذا الامر دعا الأمم المتحدة إلى التنديد الضمني بسياسة نتنياهو ومطالبته بترجمة أقواله إلى أفعال حول حل الدولتين بوقف الاستيطان.
 
ثانيا: عدم العودة إلى حدود الرابع من حزيران 1967. المفترض بها ان تكون حدود الدولة الفلسطينية العتيدة وهذا الأمر يعيدنا إلى تفسيرات القرار 242 حول الانسحاب من الأراضي المحتلة أو من "أراضِ محتلة" وهو اليوم يعني إبقاء المستوطنات المقامة على الاراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وعدم الانسحاب من الأغوار تحت شتى الذرائع وعدم الانسحاب من القدس الشرقية والإصرار على بقائها، "عاصمة موحدة وأبدية" للدولة العبرية.
 
وثالثا: الحدود القابلة للدفاع، وقد أُشبع هذا الموضوع نقاشاً هو الآخر منذ صدور القرار 242 فلم تعد هناك حدود يمكن الدفاع عنها لأي دولة في العالم، فالصواريخ عابرة القارات ومتعددة الرؤوس النووية وغير النووية تنطلق من قواعدها في أي مكان على الأرض إلى أي مكان آخر عليها لا تصدّها الصواريخ المضادة للصواريخ ولا القبة الحديدية أو الفولاذية ولا حرب النجوم. واذا سلمنا جدلاً بهذا المبدأ الواهن فهل يحق لإسرائيل إعادة احتلال سيناء للوقوف على ضفاف قناة السويس الشرقية للحفاظ على أمنها مع مصر، وهل يحق لها الاحتفاظ بمرتفعات الجولان السورية وربما احتلال جبال صنين وسط لبنان للحفاظ على أمنها شمالا. وهل هي تفكر باحتلال جبال السلط وسلسلة جبال الأردن الغربية ليكون لها حدود آمنة قابلة للدفاع.
 
إن الاتفاق السياسي هو ما يضمن الحدود والأمن والسلام بين الدول، الاتفاق القائم على العدل، وهو ما لا ترغب به إسرائيل وبالتحديد حكومة السيد بنيامين نتنياهو ورموزها مع الشعب الفلسطيني ورئيسه أبو مازن الذي يتمسك بحل الدولتين عن طريق التفاوض وليس اللجوء الى العنف، دولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران 1967 عاصمتها القدس الشرقية إلى جانب دولة إسرائيل الآمنة.
 
ولقد أضاع الإسرائيليون فرصة سلام حقيقي مع زعيم الشعب الفلسطيني الراحل الشهيد ياسر عرفات الذي مدّ لهم غصن الزيتون، وهم يعملون الآن على تقويض السلطة الفلسطينية وما يدعو إليه الرئيس أبو مازن من سلام عادل، معيدين الصراع إلى مربعه الأول.