الخميس  25 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

الإعلام المسؤول وحريته/ بقلم: أنور الخطيب

هنا نلتقي

2015-11-24 10:40:11 AM
الإعلام المسؤول وحريته/ بقلم: أنور الخطيب
صورة ارشيفية

 

في برنامجه المهم (آخر كلام)، طرح الإعلامي أحمد زكارنة في إذاعة صوت فلسطين، قضية حساسة تناولت الحرية الإعلامية. وبما أن كتابة هذا المقال تتم قبل إذاعة البرنامج، إلا أنني تابعت المشاركات الكثيرة المنشورة في صفحة البرنامج على موقع "الفيسبوك".

يعتقد كثيرون أن موضوع الحرية الإعلامية قد أُشبع بحثاً ومناقشة، وبالتالي فهو موضوع مكرر، إلا أنه غير ذلك، فمناقشة موضوع الحرية الإعلامية تزداد أهمية مع اتساع الفضاء الإعلامي بأنواعه الورقية والصوتية والمرئية والإلكترونية، وأهميته تعود إلى المفهوم المغلوط للحرية كمبدأ ثقافي وسياسي وإنساني، والذي تتفرع منه حرية الرأي والتعبير، إذ لكل مبدأ قوانينه المحكومة بالنظام العام والخصوصية الجغرافية والمجتمعية والسياسية والتطور الثقافي للمجتمعات، فما هو مقبول من حريات، بمعناها الشامل، في الغرب، غير مقبول في الشرق، وينطبق على جزئياتها وتفرعاتها الأمر ذاته، فالممارسات المجتمعية لا يمكن استيرادها كما هي، وإنما يمكن استيراد مفاهيمها ومعالجتها لتنسجم مع الواقع الحالي للمجتمعات المستوردة.

كان الوطن العربي إلى وقت قريب محكوماً بسياسات الحزب الواحد، الذي ينتج إعلاماً واحداً، أي وجهة نظر واحدة، ومن يخالفها كان يوضع في السجون والمعتقلات، وأخف تهمة كانت توجه لهذا (الناشز) هي الإضرار بالأمن الوطني والقومي. ولا تزال هذه السياسات تمارس حتى الآن، وتشمل الدول التي تعرضت لنار (الربيع العربي)، إذ تغير فيها الأشخاص ولم تتغير الأنظمة.

الإعلام على أهميته، جزء من الثقافة المجتمعية، بعاداته وتقاليده وأعرافه، ويتمتع بالحرية بالدرجة ذاتها الذي يتمتع فيها المجتمع بحرية التفكير والرأي والتعبير والمعتقد، مع احترام كل رأي للرأي الآخر، وباختصار احترام الآخر، والقبول به. وهذا الأمر لا يترسخ إلا بقوانين تحمي الحريات العامة والشخصية، وتنبذ الكراهية والتمييز، مع التطبيق العادل للقوانين.

إن أزمة الوطن العربي تكمن في القدرة على التشريع والتقاعس في التطبيق، وهذا يعود إلى الفساد بوجوهه كافة، وإلى المحسوبيات التي حولت البلاد إلى قوى نفوذ وعصابات ظاهرة وخفية تتحكم بإيقاع المجتمعات اليومية. إن هكذا حال لا يمكن أن تزدهر فيه الحرية الإعلامية، لأن مصادرة الرأي تأخذ أشكالا عديدة تصل إلى التصفيات الجسدية، وتاريخنا السحيق والحديث مليء بالشواهد.

المجتمع الفلسطيني ليس استثناء استنادا إلى الطرح السابق، لكنه استثناء من حيث كونه مجتمعاً يرضخ تحت احتلال استيطاني بغيض، ما يتطلب نضالا شرساً ويوميا يستند إلى إستراتيجية واضحة وشفافة من شقين؛ الشق الأول يتعلق بالخطاب الإعلامي الداخلي، والشق الثاني يتعلق بالخطاب الإعلامي الخارجي، الموجه إلى الأشقاء والأصدقاء، والإعلام الموجه إلى العدو. وللأسف، لا وجود لهذه الإستراتيجية إلا، ربما على الورق أو في الأذهان. أي ينطبق على المجتمع الفلسطيني ما ينطبق على العربي، القدرة في التشريع والتقاعس في التنفيذ.

الإعلام الفلسطيني منذ ولدت الثورة الفلسطينية وتكونت من عشرات التنظيمات، لم تطبق مبدأ (الاتفاق على الأسس المشتركة والعمل من أجل فلسطين)، بل طبقت مبدأ التنافس القائم على المصادرة، وهذا ما أدى إلى اقتتالات عنيفة بالسلاح، راح ضحيتها خيرة الشباب الفلسطيني المناضل.

الآن، تغيرت أسماء بعض التنظيمات، وتغير العمل الوطني الفلسطيني، لكن الخطاب الإعلامي لم يتغير، لا يزال مستنداً إلى الإقصاء والمصادرة، ولا يستند إلى الأسس المشتركة والعمل من أجل فلسطين. وكل جهة تعتقد أنها الأجدر بتحمل مسؤولية هذا الشعب الفقير إلى الله، وتحملها لمسؤوليتها يقتضي إلغاء الآخر، حتى أصبح الكيان الفلسطيني دولتين وشعبين وسياستين ومجتمعين، وفشلت كل المساعي لتوحيدهما أو تحقيق المصالحة بينهما، بينما وسائل الإعلام التابعة لكل طرف تستميت في تعرية الطرف الآخر سياسياً وأخلاقياً ووطنياً.

الإعلام أداة نضال ومقاومة وتحرير، وهو بندقية حقيقية، إذا صوبناها إلى غير هدفها الحقيقي، العدو، تخسر دورها وقيمتها، فطريق التحرير وبناء الدولة لا علاقة له بالحريات الإعلامية بما تعنيه من تناحر وإسفاف، وإنما بالرأي البناء الذي يزيد من لحمة الشعب وتماسكه الاجتماعي والوطني والثقافي.

الفلسطينيون في حاجة ماسة إلى العمل الوطني الشامل، الذي يغطي الثقافة الفلسطينية والتراث والسياسة والفن والاقتصاد والرياضة وغيرها، ويحملون هذا العمل في الوسائل الإعلامية، التي يجب أن تتحلى بالشفافية الداخلية، والحزم الخارجي.

الفلسطينيون كتبوا وثيقة الاستقلال منذ سنوات طويلة، لكنهم لم يعلموا الفرد الفلسطيني كيف يكون مستقلا غير تابع، والتبعية تختلف عن الانتماء، ولم يضعوا أيضا إستراتيجية البناء، وتبرير الفشل على "خصوصية القضية" عمل لا يلجأ إليه سوى كل فاشل. ودور الإعلام الحقيقي، وحريته الحقيقية هي في قراءة التاريخ الفلسطيني الثوري وغير الثوري، بروح وطنية لا تحمل الضغينة ولا الاتهامات، ولكن بمسؤولية، وهذا هو الإعلام المسؤول.. حسب رأي.