الثلاثاء  16 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

الحريات ملوية الذراع في بلد الأحرار / بقلم نور عودة

وَعَلامَةُ رَفْعِهِ الفِكرَة

2015-11-24 10:44:36 AM
الحريات ملوية الذراع في بلد الأحرار / بقلم نور عودة
صورة ارشيفية

 

في سياق الحديث عن الحريات في فلسطين، تجد الكثير من الصحافيين والمختصين والمسؤولين يحرفون النقاش من جوهر الموضوع إلى جوانبه في محاولة لتبرير وتمرير تصرفات غير قانونية وغير مقبولة.

وفي هذا الإطار، وفي الحديث عما جرى من تعدي على الزميلة نائلة خليل وحقها الطبيعي في العمل بحرية كما ينص القانون، ذهب البعض الى استعراض ما تفعله العربي الجديد - وهي وسيلة إعلام ممولة قطريا - من نشر تقارير وصفت بالمسيئة والقول: إن الحريات في فلسطين لن تكون مرهونة لمال النفط القطري في هذا السياق.

محاولة التعويم هذه ليست بريئة لأنها تحرف النقاش عن الأخطاء التي ارتكبت فلسطينياً بحق نائلة وتركز على ما يجمع عليه الكل الفلسطيني وهو أن كل أموال الدنيا لا يمكن أن تكون أغلى من فلسطين وقضيتها الوطنية. لكن هؤلاء لا يدركون أن تصرفاتهم وأقوالهم تسيء لفلسطين ولقضيتها، لا بل تعطي من يتربص بالقضية الوطنية ذخيرة إضافية للتشهير والتحريض.

العقلية التي ترى مصلحة في فرد العضلات على الصحافي وملاحقته تنتمي إلى عصور مضت وولت وإلى أنظمة تتهاوى الواحدة تلو الأخرى ولا مكان لها في فلسطين، وطن الأحرار وأيقونة التحرر والنضال في العالم. وحتى لا أتهم بتجاهل الرأي الآخر الذي يصر أن الملاحقة تتم في إطار القانون وضرورة احترامه من قبل وسائل الإعلام العاملة في فلسطين، أنوه لما يلي:


١) العربي الجديد قدم طلبا بالترخيص قبل عام وتم استلامه في وزارة الاعلام باعتباره مكتملا ولم ترسل الوزارة إلى ممثلي الصحيفة في الوطن أي إخطار بعكس ذلك. وعليه، وبموجب العرف والقانون، صمت الوزارة كان بمثابة الموافقة وتقاعسها عن إنهاء المعاملة أو رفضها هو تقصير في أداء الواجب في أحسن الأحوال وتصيد مبيت في أسواها.

 
٢) التركيز على مقالة رأي سخيفة ومسيئة كتبت خارج فلسطين غير منطقي وغير مقبول، سيما أن الحديث يدور حول مقال رأي. بمعنى آخر، هؤلاء يحتجون على رأي كتب ثم ينادون بالحريات فيحبسون أنفسهم في تناقض مسيء للجميع.

 
٣) هناك عشرات وسائل الإعلام العربية والغربية والإسرائيلية التي تعمل في فلسطين ليل نهار بهدف الإساءة والتحريض. هل المنطق الذي برر ملاحقة نائلة سيلاحق هؤلاء ويمنعهم من العمل ويغلق مكاتبهم؟ وهل الإغلاق سيحسن صورة فلسطين أو يمنع هذه الوسائل من الاستمرار في سياستها التحريرية؟ 


٤) في الحديث عن القانون ولزام احترامه، تتوارد أسئلة عديدة منها على سبيل المثال لا الحصر: لماذا لم تستخدم وزارة الإعلام حقها في الرد على التقارير اللا-مهنية أو الادعاءات الكاذبة الواردة في تقارير العربي الجديد وغيره من وسائل الإعلام الأكثر تأثيرا كقناة الجزيرة؟ أليس هذا تقاعساً عن الواجب؟ ولماذا لم تقاضي الوزارة يوماً وسيلة إعلام خرجت عن المهنية وامتهنت التحريض والتشهير والتشويه بدل اللجوء للإغلاق والملاحقة؟

٥) ما الإجراء القانوني الذي يفسر استجواب الصحافية نائلة خليل وحجز هويتها واخراجها بكفالة ثم اختفاء كل هذا الملف وتسليم الهوية لنقيب الصحافيين الذي حرص على مسك العصاة من النصف والتركيز على مهاجمة العربي الجديد لتبرير الدفاع عن نائلة.

هل يدرك هؤلاء أنه في الوقت الذي تم ملاحقة الزميلة نائلة خليل، كان الاحتلال يلاحق الصحافيين الفلسطينيين ويغلق الاذاعات في الخليل ويعتقل الزملاء في مدن اخرى؟ هل انتبه هؤلاء إلى الموقف الذي وضعوا فيه فلسطين؟ هل يدركون أنهم وبمحاولة تصفية الحسابات هذه يتصرفون ويتحدثون بذات المنطق القمعي الذي يتحدث به كل نظام استبدادي في تعليله قمع الحريات وملاحقة الصحافيين؟

هل يعي هؤلاء أن فلسطين قبلت التزامات قانونية كثيرة بموجب الاتفاقيات الدولية التي انضمت اليها والتي تضمن فضاءات لا سقف لحرياتها؟ هل يعلم هؤلاء أنه وبموجب هذه الالتزامات، ستقف فلسطين في المحافل الدولية لتستعرض مدى التزامها بالاتفاقيات وحينها سيتم مساءلتها عن هذه الاجراءات التي تتعدى على القانون الفلسطيني أولا وأن هذه المساءلة ستحرف الانتباه عن مخالفات وجرائم الاحتلال؟! مخطئ وواهم من يعتقد أن هذه التصرفات وهذه العقلية لن يتم البحث فيها والتداول بها، ليس من باب الحرص على الحريات وحماية حقوق الصحافيين الفلسطينيين وإنما من باب حرف الأنظار عما ترتكبه اسرائيل من جرائم. 

يا سادة يا كرام، حماية فلسطين تكون بالعمل الصحيح واحترام القانون لا توظيفه لغايات القمع. يا إخوان، مصلحة فلسطين هي أن تواجه الكذب بالحقيقة والتشهير بالبينة والحجة بأفضل منها. مصلحتنا أن نتعامل مع الصحافي الفلسطيني باعتباره قلماً مسلولا ضد الاحتلال وأن ندعمه حتى يأخذ مكانه الصحيح في صدارة الاعلام حول العالم. مصلحة قضيتنا الوطنية أن يكف هؤلاء عن استنساخ تجارب وتصرفات أثبتت فشلها وأن يتسموا بالمصداقية والاتساق في الحديث عن الحريات فلا يمجدوها حينا ويهاجموها أحيانا أخرى. حماية جبهتنا الداخلية تتم بالالتزام بالقوانين والقيم الانسانية التي يتبناها النظام السياسي لأنها تعكس قيم المجتمع، والدفاع عنها في مواجهة كل محاولات التشهير والتشويه والتحريض الموجودة وهي كثيرة.

نحن في عصر السرعة والفضاءات المفتوحة؛ عصر تتمنى فيه السلطات البلجيكية على المواطنين عدم الحديث عن ملاحقة المتهم الرئيس في هجمات باريس الارهابية في وسائل التواصل الاجتماعي لكنها لا تجرؤ على تعطيل هذه الوسائل أو حجبها لأن ذلك غير ممكن وغير مجدي، بل مضر. نحن في زمن الانفتاح بما له وما عليه فلا تجرونا لغياهب الانغلاق. وأخيرا، لا تقارنوا الحريات والنظام السياسي في فلسطين بمحيطه الإقليمي البائس. هذه فلسطين! وطن الأحرار والثوار... واجبنا أن يكون وضعها ومكانتها بما يليق بها وبشعبها... لا تقارنونا بأحد فنحن لا نريد أن نشبه أحداً سوى أنفسنا.