الخميس  25 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

إنذار... من بحر الاسكندرية بقلم: نبيل عمرو

2014-09-15 11:19:29 AM
 إنذار... من بحر الاسكندرية
بقلم: نبيل عمرو
صورة ارشيفية
 
بقلم: نبيل عمرو
 
بعد أن أُطفئت أنوار الاحتفالات في غزة، وكان ذلك من قبيل صحوة متأخرة، على أن المبالغة في الاحتفالات ستؤذي مشاعر عشرات الآلاف من ذوي الشهداء ومئات الآلاف من المصابين وذويهم، ومثلهم عدد أو يزيد ممن سيستقبلون فصل الشتاء المبكر، وهم بلا منازل.
وبعد أن برد الجرح النازف والملتهب، وبدأ المصابون يشعرون بالآلام، وبعد أن اكتشف العوامُ من أهل غزة، أن الحصار بدل أن يُرفع ازداد قسوة، وأن المعتدي الإسرائيلي يسرب أخبارا عن جولة جديدة تكون أقسى وأشد، بعد كل ذلك وهو كثير وكبير، فُجعنا بمأساة بحر الإسكندرية، حيث الموت غرقا نال من بعض أهلنا وشاء العلي القدير ان ينجي عدداً اكبر من أهلنا كذلك، وقيل أن بعض السوريين والمصريين كانوا من بين الغرقى، فما الذي دفع هؤلاء إلى أن يهجروا غزة ويسكنوا البحر، ميممين وجوههم اليائسة شطر أي مكان آخر لعلهم يعيشون أو يمكنوا أطفالهم من العيش؟
إن الذين غرقوا في بحر الإسكندرية، وغيرهم ممن يزال يتأهب للغرق، كانوا يعرفون أنهم حين يركبون البحر إلى أي مكان سيتعرضون لشتى أنواع المخاطر، فإما أن يوضعوا في السجون بتهمة التسلل غير المشروع إلى بلد آخر، وإما أن يضل مركبهم البدائي طريقه فيضيعون في البحر فيموتون جوعا وعطشا، وإما أن يغرق المركب في قاع البحر لتنتهي الرحلة بالموت.
إن الذين غرقوا أو نجوا، فكروا بهذا الخطر وتوقعوه ولكن المأساة في أنهم اختاروه، فهل نقرأ رسالة الغرقى أو الذين سيغرقون كما ينبغي أن تقرأ؟ وهل ندرك الخطر الكامن في أن بعض الفلسطينيين يفضلون احتمال الموت غرقا على مكابدة القسوة المتمادية على أرض الوطن؟
إن الظاهرة التي كان بحر الاسكندرية أحد صرخات الاستغاثة بشأنها، ينبغي ألا تحاكم من خلال البحث عن العصابة التي جمعت الناس تحت جنح الظلام ووضعتهم في تابوت كبير بين اسمه الباخرة، بل أن ما ينبغي الاهتمام به هو معالجة هذه الظاهرة من جذورها، وكلمة السر في هذه المعالجة، كيف نقنع المواطن الذي يريد الهجرة إلى أي مكان بما ذلك قاع البحر أن الإنسان عندنا هو أغلى ما نملك.
وقد يقول قائل أن هؤلاء الذين يهاجرون سرا أو علنا، هم أقلية نجد مثلها في كل زمان ومكان، وهذا القول إن بدا في ظاهره صحيحا إلا أنه في مغزاه بعيد تماما عن خصوصيات الحياة الفلسطينية، وأهم هذه الخصوصيات الاعتقاد الفلسطيني الشامل، بأن البشر على أرض فلسطين هم ضمانة  بقائها فلسطينيا، وحين تسجل الأرقام أن نسبة مئوية من الفلسطينيين ترغب في المغادرة وإلى الأبد، فهذا جرس إنذار يقرع ليملئ آذاننا وأرواحنا، ويدعونا ألا نغمض أعيننا عن هذه الظاهرة وأن نسرع إلى معالجتها من أساسها بدل الهروب إلى التفسيرات السطحية والساذجة، كالقول أن هذا يحدث في كل زمان ومكان.