الأربعاء  24 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

حارتنا ضيقة وبنعرف بعض أحمد زكارنة

2014-10-14 04:11:05 PM
حارتنا ضيقة وبنعرف بعض
أحمد زكارنة
أحمد زكارنة

تجليات

 

في هذا الزمن "الداعشي"، تبدو كل الأمور خليطاً من "الدواعش المهجنة" في أفضل أحوالها، فالعرب، كما العجم، اجتاحتهم حمى ما يسمى بالـ "سوشال ميديا" أو الإعلام الاجتماعي، فابتلي واقع الصحافة بمن لا علاقة لهم بالصحافة، تماماً كما ابتليت أرضنا المباركة بأنجس من خلق الله على الأرض.

 

أن يكون كل مواطن صحفياً هو أمر ليس عيباً، ولكنه أمر سيء السمعة، سيء حد البشاعة في كثير من الأحيان، ذلك كون الكثير من هؤلاء يظنون أن علينا السمع والطاعة في العسر واليسر لكل ما يفتون فيه وبه، سواء بعلم أو دون علم.. والإشكال أن فتواهم باتت تُحمل بغير وجه مهنية لما كانت تسمى إلى وقت قريب بـ "صاحبة الجلالة" تلك التي ركبها الجميع من أعلى وأسفل على حد سواء.

 

وهنا يتأتى السؤال، كيف لنا معالجة قضايانا المصيرية، والكل قادة والكل صاحب رأي حكيم؟ منْ يكتبُ لمنْ؟ وما هو الحد الفاصل بين الكاتب والقارئ، المرسل والمتلقي؟ من سيشرح لنا عن الحريّة والعدالة، عن الاضطهاد والظلم، المقاومة والثورة، عن الطغاة ووحشيتهم، عن حق الشعوب بالعيش بكرامة؟

 

لا مشكلة عندي، وربما ليس من حقّي أصلاً تقييم فعل الآخرين، كما أن الأمر لا يتعلق مطلقاً بمن درس وتخصص في مجال الصحافة والإعلام، كما أنني مؤمن تماماً بضرورية الاختلاف وتعدد وجهات النظر والسبل والأدوات، ولكن الإشكال الحقيقي في "الإعلام الشعبي"، أنه يقوم على الاستسهال، ورفض فكرة الحوار الحضاري المرتكز على تبادل المعلومات وتقصى أثر المؤكد منها، وعدم تقبل حق الآخر في قول روايته، والاختلاف إن وجد.. الإشكال أن هذا الشكل من الصحافة لا يؤسس لمجتمع مدني يقبل بالآخر وتباينه مع أفكارنا وثقافتنا.

 

إن الصحافة مادة ثقيلة الخطى في زمن سريع الإيقاع، ليست بحاجة إلى من تعلم كتابة الأحرف، وإنما إلى من يتقن فن الكلام. وهو دور من أشتغل ومارس هذه المهنة لسنوات أثقلته بالخبرات والمعارف، ليؤسس قاعدة يرتكز عليها وينطلق منها ويبني فوقها.

 

 نعم نحن بحاجة إلى هذا الإعلام الشعبي ليكمل نتاج الصورة والمعلومة، ولكن يبدو أن الهدف الملحّ والعاجل لتضخيمه بهذا الشكل، يقع ضمن استراتيجيّة الإلهاء، وابتكار المشاكل، واستثارة العاطفة عوضاً عن إعمال الفكر، تلك النقاط التي كتبها نعوم تشومسكي في استراتيجياته الإعلامية للتحكم في الشعوب، وهو ما يأخذنا بدوره لفكرة العميل الذي انحسر جلّ دوره في وضع الرجل غير المناسب في المكان غير المناسب.

 

ونعم، قد يأخذ بعض هؤلاء فرص غيرهم ممن يستحقون، وقد يجدون من يدعمهم، ليس لأنهم يملكون ما لا يملك غيرهم من خبرات مهنية، وإنما لكون المُلحّ والعاجل لا يطلب سواهم. ولكن مهما قدموا وتقدموا في أماكنهم المصطنعة هذه، حتماً لم ولن يستمروا طويلاً، ليس لأن الآخرين أفضل منهم، وإنما لأن المثل العربي الأصيل لم يترك نافلة إلا وقالها وتوقف عندها، ومنها أن: "حارتنا ضيقة وبنعرف بعض".