الخميس  25 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

أركان الدولة.. والسيادة/ بقلم: سامي سرحان

2014-11-25 01:42:02 PM
 أركان الدولة.. والسيادة/ بقلم: سامي سرحان
صورة ارشيفية

أركان الدولة أية دولة في الفقه الدستوري هي الأرض والشعب والسلطة أو السيادة على هذه الأرض والشعب، وامتثال الشعب طوعاً لسلطته. ويضيف الفقهاء الدستوريون ركناً رابعاً مهماً لأركان الدولة هو الاعتراف الدولي بهذه الدولة وقبولها عضوا في المجتمع الدولي يتعامل معها باحترام وندية. وما تسعى إليه القيادة الفلسطينية منذ نشوء الصراع العربي-الإسرائيلي هو تثبيت الكيانية الفلسطينية في حدود معترف بها؛ يمارس الشعب الفلسطيني حياته الطبيعية عليها.
وحق الشعب الفلسطيني الطبيعي والتاريخي والقانوني في الاستقلال والعيش في دولته بحرية وسيادة، ثابت وراسخ لا يتزعزع لا يؤثر فيه الاحتلال أو احلال أو استيطان، ومن هنا تسعى القيادة الفلسطينية عبر مجلس الأمن الدولي إلى الحصول على قرار بالاعتراف بدولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وبقرار آخر يجدد مدة زمنية لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية التي تُعرف اليوم بالضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية. وهي تعمل جاهدة للوصول إلى هذا الهدف رغم إدراكها للعقبات التي تعترض طريقها والفيتو الأمريكي الأعمى الذي ينتظرها في مجلس الأمن ومحاولات ثنيها عن مسعاها.
وما يُفاجئنا على هذا الصعيد، مواقف عدد من الدول الغربية الفاعلة في الساحة الدولية، والتي باعترافها في الدولة الفلسطينية وإنهاء الاحتلال قيمة عملية، كألمانيا وفرنسا وبريطانيا، هذه الدول التي واكبت الصراع العربي - الإسرائيلي منذ بدايات القرن العشرين، وكانت سببا في تغيب الشعب الفلسطيني وشطبه من الخارطة السياسية والجغرافية، وما زالت مترددة في الاعتراف بدولة للشعب الفلسطيني وحقه في السيادة والاستقلال وإنهاء الاحتلال البغيض لأرضه.
فالسيدة "انجيلا ميركل" المستشارة الألمانية ترفض الاعتراف بدولة فلسطين من جانب واحد، بمعنى أنها تريد اتفاقاً تفاوضيا فلسطينياً إسرائيلياً على حل الدولتين قبل الاعتراف بدولة فلسطين. وتتجاهل السيدة "ميركل" في تصريحها أن منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية فيما بعد فاوضت حكومات إسرائيل المتعاقبة مدة عشرين عاما منذ أوسلو وحتى اليوم من أجل إقامة دولة فلسطينية في حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، ولم تثمر هذه المفاوضات عن نتيجة، فقط ما أثمرته كان مزيدا من مصادرة الأرض المخصصة للدولة الفلسطينية والاستيطان فيها، وتقطيع أوصالها بالمستوطنات والطرق الالتفافية والجدران العازلة وتهويد مدينة القدس الشرقية وإضعاف السلطة القائمة لهدم أركان الدولة العتيدة.
والسيدة "ميركل" والحالة هذه تزيد عشرين عاماً إضافية من التفاوض الفلسطيني-الإسرائيلي تكون نهايتها اختفاء معالم فلسطين، واختفاء الشعب الفلسطيني مرة أخرى من المشهد السياسي والجغرافي لمنطقة الشرق الأوسط.
ألمانيا كما بريطانيا وفرنسا مسؤولة عن كارثة الشعب الفلسطيني منذ اتفاقية سايكس-بيكو ومروراً بوعد بلفور والانتداب البريطاني على فلسطين وبلاد الشام في مطلع القرن الماضي، حيث وضعت أسس الكيان الإسرائيلي على أنقاض الكيان الفلسطيني. وقد نمت إسرائيل وترعرعت تحت الرعاية البريطانية الفرنسية، واعترف العالم بها دولة في حدود التقسيم بقرار دولي. وعززت ألمانيا هذا الوجود بنازيتها وعنصريتها ومحرقتها ضد اليهود، وأغدقت عليها الأموال والدعم السياسي الأعمى كما الولايات المتحدة حتى لا تتهم قيادتها بالنازية أو معاداة السامية. وكل ذلك يحدث على حساب الشعب الفلسطيني ضحية القرن العشرين ومازالت مأساته ممتدة في القرن الحادي والعشرين.
إن العودة إلى مفاوضات على أساس حل الدولتين كما تطالب بذلك السيدة "ميركل"، وكما طالب السيد "لوران فابيوس" رئيس وزراء فرنسا، تكون نتيجتها الاعتراف بدولة فلسطين هو من قبيل العبث السياسي في ظل التجربة التي عشناها، ونجزم أن حكومة نتنياهو لا تريد العيش بسلام مع الشعب الفلسطيني سواء في دولتين متجاورتين مستقلتين، ولا في دولة واحدة لكل مواطنيها، فإسرائيل ماضية في مشروعها الصهيوني الاستيطاني الاحتلالي الاحلالي وبنفس الوتيرة التي بدأتها في القرن التاسع عشر، ولا أدل على ذلك من مشروع القانون الذي سيطرحه نتنياهو على الكنسيت بسحب ما أسماه "الإقامة" للفلسطينيين في وطنهم، فالفلسطيني في عرف وشريعة نتنياهو هو "مقيم" وليس مواطنا في وطنه، ويمكن طرده وسحب الإقامة منه كأي أجنبي مقيم في دولة أخرى مثل ألمانيا أو فرنسا أو بريطانيا. فالهوية التي قد يحملها العربي الفلسطيني في دولة إسرائيل هي مجرد تأشيرة دخول وإقامة مؤقته، وليست دليل مواطنة خاصة وأن الكنيست أقرت أحد لجانها بالأمس بإحدى القراءات أن الدولة الإسرائيلية هي دولة الشعب اليهودي، وألغت كون اللغة العربية لغة رسمية في البلاد، فهي بذلك تحرم مليون ونصف عربي فلسطيني من المواطنة وتحرمهم من التعامل مع هذه الدولة بلغتهم الأم المستخدمة في البلاد قبل قيام دولة إسرائيل.
مع هكذا حكومة وهكذا تطرف وعنصرية لا يمكن التفاوض على حقوق للشعب الفلسطيني وهذا ما تؤكده تشريعاتها وممارساتها العنصرية ضد الشعب الفلسطيني وهذا ما يجب أن تدركه السيدة "ميركل والسيد فابيوس" في التعامل مع فلسطين.