الجمعة  29 آذار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

في العدد 33: العملة المزيفة .. انتشار محدود في غزة يُضر باقتصادها المنهك

مواطنون: صعوبة التفريق بين الأصلي والمزيف من العملات يُكبدنا خسائر كبيرة.. والعقوبات غير رادعة

2015-02-24 12:27:09 AM
في العدد 33: العملة المزيفة .. انتشار محدود في غزة يُضر باقتصادها المنهك
صورة ارشيفية

 تُجار وصرّافون: اللون والملمس والوزن علامات لاكتشاف العملات المزيفة

د. معين رجب: مروجو العملات المزيفة "أشخاص عديمو المسؤولية" ويتربحون على أصحاب الدخل المحدود
 
 
غزة - محاسن أُصرف
 
أُصيب رزق أبو حسين (33عامًا)، بحالة من الصدمة بعدما قدم للسائق ورقة نقدية بقيمة 100 شيقل ليخصم أجرته، فعنفه متهمًا إياه بالنصب كون الورقة النقدية مزيفة.
 
ويؤكد القصاص لـ"الحدث" أنه حصل على الورقة النقدية من بقالة في الحي الذي يسكنه، ولم يعلم أنها مزيفة، ورغم محاولاته الكثيرة للاعتذار من السائق إلا أن الأخير -وفق قوله-رفض الاعتذار، موضحًا أنها ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها للنقود المزيفة.
 
واضطر القصاص لأن يقطع طريقه، وينزل من سيارة الأجرة؛ كونه لا يملك سوى الورقة التي عرضها على السائق، يقول ذهبت للبقال لأعيد الورقة النقدية له لكنه رفض، مؤكدًا هو الآخر أنه تلقاها من أحد الزبائن ومرت من بين يديه دون أن يكتشف زيفها مثله تمامًا، يقول القصاص: "تكبدت الخسارة وحدي، لكني بتّ أكثر حرصًا في التدقيق بالنقود، فتكفيني خسارة واحدة".
 
وبين الحين والآخر تنتشر في قطاع غزة العملات المزيفة من فئات مختلفة؛ ما يُسبب إرباكًا في الحركة التجارية والنشاطات الاقتصادية، ويُشير مواطنون في أحاديث متفرقة لـ"الحدث" إلى أن صعوبة تفريقهم بين النقود الأصلية والمزيفة ومرور الأخيرة من بين أيديهم وكثيراً من التُجار، وحتى الصرّافين الذين لا يملكون جهازاً لكشف العملات المزيفة يوقعهم في مشاكل كبيرة ومواقف محرجة جدًا، بل ويزج بهم في دائرة الاتهام أحيانًا، خاصة إذا مرت عليهم العملة المزيفة وتعاملوا تلقائيًا معها كالأصلية واستخدموها في تعاملاتهم اليومية.
 
وبحسب خبراء، فإن عدم وجود خبرة ومتابعة من الجهات المختصة بالإضافة إلى سوء الأوضاع الاقتصادية بالقطاع وارتفاع معدلات الفقر والبطالة بين المواطنين إلى أعلى مستوياتها خلال السنوات الأخيرة، ناهيك عن التضييق الإسرائيلي وحرمان الفلسطينيين من حقوقهم الإنسانية، دعا البعض منهم إلى تجربة الكسب السريع والمرتفع الناتج عن عملية التزوير.
 
لا نُفرّقها
 
ويشكو بعض سائقي الأجرة في غزة من تكرار تعرضهم لعملات مزيفة من فئة 10 شواقل و5 شواقل و100 شيقل، وأوضح السائق إسماعيل خضير أن انتشار العملة المزيفة بات أكثر في السنوات العشر الأخيرة، مرجعًا السبب إلى وصولها لغزة عبر الأنفاق، وقال :"الآن حجم التداول بها ليس كالسابق لكنها موجودة وتعترضنا بين الحين والآخر".
 
ويذكر خضير أنه على الرغم من حرصه وتدقيقه في النقود التي يمنحها له الركاب لخصم أجرتهم إلا أنه تعرض لكثير من الخسائر نتيجة مرور عملة مزيفة عليه وعدم كشفها، وكانت آخر مرة تكبد فيها خسارة نتيجة العملة المزيفة قبل شهر تقريبًا حيث صّرَف لأحد الركاب ورقة بقيمة 200 شيقل وبعد حين اكتشف أنها مزيفة، يقول "يومها خسرت 194 شيقلاً، واضطررت لأن أدفعهم لصاحب السيارة من أجرتي الشهرية".
 
ويدعو خضير إلى ضرورة محاسبة من يروجون العملات المزيفة ويتسببون بخسائر كبيرة للمواطنين الذين يصعب عليهم التفريق بين العملات المزيفة والأصلية، قائلاً :" إن دقة الطباعة وعدم وجود فروق كبيرة في الملمس والشكل واللون تجعل من الصعوبة على الناس العاديين اكتشاف عيب العملة المزيفة".
 
تنشط بعد تجديد العملات
 
إلى ذلك، يُقر خالد البرعصي مدير شركة البرعصي للصرافة بغزة بمدى ضرر تداول العملات المزيفة على المواطن ومجمل الاقتصاد الفلسطيني المنهك أصلاً، مطالبًا المؤسسات الرسمية بوضع حد لانتشارها خاصة وأن القطع النقدية المزيفة عالية الدقة، ولا يكاد المواطن العادي التفريق بينها وبين الأصلية.
 
ويذكر البرعصي أن عمليات التزييف تنشط عادة بعد إدخال البنك المركزي تغييرات على العملات بإصدار نُسخ حديثة منها، لافتًا إلى أنه بعد إصدار فئة الـ( 50شيقلاً) بحلتها الجديدة تم تزييفها بشكل متطابق إلى حد كبير مع الورقة الأصلية، بالإضافة إلى تزييف الـ 10 شواقل و100 شيقل وحتى 100 دولار، وفيما يتعلق بآلية التفريق بين المزيف والأصلي من العملات أكد البرعصي من واقع خبرته أنه ليس صعبًا، وبيَّن أن العملة المعدنية بفئاتها المختلفة يُمكن التمييز بين الأصلي والمزيف منها عبر التأكد من لونها ووزنها ونعومتها، بالإضافة إلى أن الأصلية يُكتب عليها كلمة (شيقل) بينما المزيفة يُكتب (شيكل) وتكون مختلفة بشكل بسيط جدًا من حيث الوزن واللون، وأضاف ورقة 50 شيقلاً المزيفة تكون كتابة الرقم فيها باللون الأسود بينما الأصلية باللون الأخضر، عدا وجود الخيط المائي فيها، وهو غير موجود في المزيفة.
 
وبالمرور في ميدان فلسطين وسط مدينة غزة تساءلت "الحدث" عن مدى انتشار العملات المزيفة في الأسواق وكانت الإجابة وفق إفادات التُجار أنه ينشط تداولها وتنشر في أوقات محددة، ومن ثمَّ تعود إلى وضعها الطبيعي، وقال أحد تُجار العملة بالسوق رفض الكشف عن اسمه: "غالبًا تنتشر عمليات التزوير بعد إصدار عملة جديدة"، وأشار إلى أنه تعرض لعدة مواقف بعد إصدار ورقة جديدة من فئة 100 دولار، قائلاً: "أحد الأشخاص حاول تبديل عملة مزيفة من فئة 100 دولار إلى العملة الأصلي، ولكني اكتشفتها سريعًا"، وأضاف أن الرجل وضع ورقتين مزيفتين مع العملة الأصلية المراد تبديلها حتى تنطلي علىّ، ولكني اكتشفتها، وحين واجهه بأنها مزيفة تظاهر بأنه لا يعلم وفر هاربًا.
 
عمليات ضبط
 
وتجتهد أجهزة الشرطة الفلسطينية والمباحث العامة في ملاحقة المروجين للعملات المزيفة محاولة القضاء على الظاهرة، وإن كانت تظهر في فترات محددة وقصيرة، وقال بيان صادر عن المباحث العامة في غزة: إن عمليات التزييف للعملات في قطاع غزة محدودة وممارسيها أفراد وليسوا شبكات الأمر الذي يجعلها لا ترتقي إلى الظاهرة.
 
وتمكن قسم مباحث الشيخ رضوان في غزة مطلع شهر يناير الماضي من ضبط شبكة تزوير عملات من فئة 100 شيقل على قدر عالٍ من الاحتراف، وأكدت الشرطة الفلسطينية في بيان على موقعها الإلكتروني نُشر بتاريخ 6/1/2015 أن المباحث العامة في حي الشيخ رضوان ألقت القبض على ثلاثة أشخاص امتهنوا تزييف عملة من فئة 100 شيقل وترويجها بين المواطنين هم (ع.ع) ، (م.ج) ، (ب.ع) دون الكشف عن هويتهم كاملة، وأوضح بيان الشرطة أن المزيفين الثلاثة اعترفوا بالجريمة وسلموا المباحث كميات الأوراق المزيفة والأدوات التي يستخدمونها في التزييف من أوراق وطابعة وغيرها، وجنوبًا إلى مدينة خان يونس أفصح قسم مباحث البلد بالمدينة أنهم ألقوا القبض على المزور (أ.س) والذي عمد إلى تزييف عملة من فئة المئة دولار. وقالت المباحث: إنها بعد القبض على المجرمين تمت إحالتهم إلى الجهة المعنية لاستكمال التحقيق وإيقاع العقوبات بحقهم، وفق الجرم المرتكب بما يُحقق الردع وعدم العودة إلى الجرم مجددًا.
 
وتُشير تحريات الشرطة والمباحث في القطاع إلى أن المزيفين للأوراق المالية خاصة فئة 100 شيقل والـ50 شيقلاً والـ100 دولار يلجأون إلى شراء طابعات بمواصفات رقمية "الديجيتال"، ومن ثمَّ يقومون عبر ماسح ضوئي بتصوير العملة الورقية عليه، وفي خطوة تالية تتم معالجة الصور على برنامج معادلة الألوان على الكمبيوتر ومقاربته لأفضل حد مع العملة الأصلية، ومن ثمَّ طباعتها على الورق الأبيض العادي وليس الورق الخاص بصناعة النقود.
 
عقوبات غير رادعة
 
وبحسب قانون العقوبات الفلسطيني فإن عملية التزوير تندرج في إطار الجناية، يُعاقب مرتكبها بالحبس لمدة أقصاها خمس سنوات إذا ضُبط المزور متلبسًا، وتم حيازة أدوات التزوير لديه من طابعة وأوراق وغيرها، وتزيد إلى سبع سنوات بحق من يُهرب أموالاً من الخارج إلى فلسطين.
 
وتبدو هذه العقوبة غير رادعة لدى العديد من التُجار والمواطنين الذين شددوا على ضرورة تعديل القوانين بما يتناسب مع الجرم المرتكب وتأثيره على حياة المواطنين، وتقول ميرفت حسام من بلدة جباليا: "القوانين الفلسطينية مترهلة وفي كثير من الأحيان الأحكام لا تتناسب مع الجرم المرتكب"، لافتة إلى أن بعض المزورين يعودون لأعمالهم المشبوهة من جديد بعد خروجهم من السجن، وأهابت السيدة التي تعرضت لأكثر من مرة لمواقف محرجة نتيجة حيازتها لأموال مزيفة تلقتها من بقال أو سائق تاكسي دون أن تعرف أو يعرف هي بأنها مزيفة أهابت بالجهات المعنية تشديد العقوبة على مرتكبي جرائم التزييف بما يُحقق الردع وفي المقابل توعية المواطنين بآليات مواجهة تلك الآفة.
 
ضرر اقتصادي
 
وينسحب الضرر لـ"النقود المزيفة" على الاقتصاد الوطني ككل خاصة بعد تراكم الظاهرة وقوة تأثيرها وفقًا لحجم انتشارها، وفي هذا السياق قال د. معين رجب، الأكاديمي والخبير في الشأن الاقتصادي الفلسطيني: "إن تداول النقود المزيفة يؤدي إلى إرباك العمل المصرفي وضعف تداول الأموال في الأسواق بسبب عدم الثقة التي أوجدتها عمليات التزييف لفئات مختلفة من القطع النقدية"، وبيَّن أنها تُؤدي أيضًا إلى ظهور طبقات ثرية في المجتمع الفلسطيني نتيجة الكسب غير المشروع على حساب الطبقات الفقيرة الأخرى، مشددًا على ضرورة إيقاع أشد العقوبات بحق المروجين لها بما يُحقق عدم انتشار الظاهرة بصورة أكبر ونوه إلى أهمية توعية المواطنين ودعمهم بالإرشادات التي تُبين النقود المزيفة من الأصلية.
 
ووصف د. رجب القائمين بعمليات التزوير والمروجين للعملات المزورة بأنهم أشخاص "عديمو المسؤولية" يتربحون على الفقراء وأصحاب الدخل المحدود، لافتًا إلى حجم الأضرار الكبيرة التي يلحق بالمواطن وبالاقتصاد الوطني ككل.