الجمعة  19 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

اليرموك.. لعنة الجغرافيا ومطامع الطغيان

2015-04-07 01:33:18 AM
 اليرموك.. لعنة الجغرافيا ومطامع الطغيان
صورة ارشيفية
الحدث- محمد غفري
 
لم تجد التصريحات ­­­­­­­الفلسطينية الرسمية وغير الرسمية المعلنة تجاه ما يجري من صراع دائر في سوريا، في إبعاد مخيم اليرموك "عاصمة الشتات الفلسطيني"، عن دائرة الاستهداف المتواصل منذ بداية الأزمة في سوريا، وذلك لما له من أهمية استراتيجية في معادلة الصراع الدائر هناك، بحسب ما يرى خبراء ومراقبون للشأن السوري، ما أدى إلى سقوط مئات القتلى وآلاف الجرحى والمشردين، وكل هذا انعكس على المخيم بظروف معيشية صعبة للغاية.
 
ويرى المحلل السياسي هاني المصري، أن لليرموك موقعا جغرافيا بالغ الأهمية، فهو بوابة دمشق الجنوبية، وسقوطه في يد طرف يحسن من وضعه الاستراتيجي في مواجهة الأطراف الأخرى، لذلك كان هدف مستمر طوال الحرب الدائرة في سوريا، وكان هناك تناوب في الأطراف التي تمارس السيطرة عليه، ما أدى إلى مأساة مستمرة دفع الشعب الفلسطيني ثمنها غاليا داخل سوريا وخارجها.
 
وأضاف المصري أن للمخيم موقعا تجاريا واقتصاديا هاما جدا، ويعتبر المركز التجاري الثالث في العاصمة السورية، ومن يعرف حجم التجارة والاقتصاد في دمشق، يعرف تماما ماذا يعني أن يكون اليرموك الدولة الثالثة اقتصادياً.
 
وبين ليلة وقبل ضحاها، عناصر تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، تمكنت من دخول مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين، جنوب العاصمة السورية دمشق، من منطقة الحجر الأسود جنوب المخيم، في الأول من نيسان، وهو ما تسبب بوقوع اشتباكات بين تنظيم "داعش" من ناحية، وكتائب أكناف بيت المقدس، من ناحية أخرى.
 
وفي الوقت الذي تستمر فيه الاشتباكات، تواصل قوات النظام السوري منذ نحو 3 سنوات، فرض حصار شامل على المخيم، وقصفه المستمر بالقذائف المدفعية والهاون، الأمر الذي تسبب بسقوط 21 قتيلا من بينهم شهداء فلسطينيين، وعشرات الجرحى والمختطفين.
 
وبحسب المصري، بدأت داعش تجهز لهذا الهجوم على المخيم الذي لا يبعد عن دمشق سوى 10 كم، منذ نحو شهرين على الأقل، كما أنها استفادت من المعارك التي دارت في الأسابيع الماضية، التي أدت إلى انتشار قوات النظام السوري في أكثر من منطقة، وأدت إلى تراجعه في أكثر من منطقة، ما سهل من دخول داعش إلى المخيم، فضلا عن استفادتها من عدم وجود قوة لحماية المخيم، لأن القوة الموجودة محدودة وغير قادرة على حمايته.
 
وتابع "المعلومات تشير إلى أن جبهة النصرة وفرت المساعدة والحماية وسهلت لداعش دخول اليرموك، وأيضا هناك أنباء عن تقارب يصل إلى إندماج بين النصرة وداعش، وفي كل الأحوال لا يختلف الطرفان كثيراً عن بعضهما البعض".
 
وفيما يتعلق بخارطة توزيع المناطق التي تسيطر عليها "داعش" و"جبهة النصرة" و"أكناف بيت المقدس"، فإن داعش تسيطر على المناطق الجنوبية والوسطى للمخيم (اللون البني) بنسبة 70% من مساحته التي تبلغ 2 كم مربع، بينما تسيطر "أكناف بيت المقدس" على أجزاء من المناطق الشمالية (اللون الأخضر)، فيما تفصل بين المنطقتين منطقة تتبع لسيطرة "جبهة النصرة" ومجموعات محايدة تبنت موقف الحياد (اللون الأصفر)، في حين يسيطر النظام، وتنظيم الجبهة الشعبية القيادة العامة الموالي له على المناطق المتبقية من جهة الشمال (اللون الأزرق)، الخط الأحمر على الخارطة يشير إلى نقاط التماس، والأسود يظهر حدود المخيم.
 
ويصف الناشط السياسي المقيم في اليرموك عبد الله الخطيب، حياة سكان المخيم البالغ عددهم حاليا نحو 18 ألف بما يعادل 5000 أسرة، تعيش في ظروف مأساوية للغاية بدون ماء أو غذاء أو دواء منذ ستة أيام، مشيرا إلى أن مقاتلي "داعش" يقنصون كل من يخرج من منزله في المناطق التي يسيطرون عليها لذك لا يستطيع السكان الحصول على الماء أو الغذاء خشية من قنصهم.
 
وأوضح الخطيب الذي تواصلت "الحدث" معه عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، أن انقطاع الكهرباء بشكل كامل، جعل وسائل الاتصال مع الناشطين الشباب في داخل المخيم، يقتصر على الهاتف الثابت، وشبكة الإنترنت، حيث تمكن بعض الشباب من الحصول على "بطاريات" "ومولدات كهربائية" يستخدمونها لتشغيل بعض أجهزة الكمبيوتر، وشحن الهواتف المحمولة، بشكل مقنن للغاية.
 
وتتمثل مطالب "داعش" المعلنة، تسليم أهالي المخيم لأبنائهم الذين ينتمون إلى "أكناف بيت المقدس"، إلى جبهة النصرة، ومبايعة التنظيم والالتزام بتعليماته، وذلك يرجع إلى أن العشرات من عناصر داعش كانوا يتواجدون في مخيم اليرموك قبل ثمانية أشهر، وبسبب خلافات مع عناصر أكناف بيت المقدس وقعت اشتباكات مسلحة بين التنظيمين وتم طرد مقاتلي داعش إلى منطقة الحجر الأسود وهي متاخمة للمخيم من الناحية الجنوبية، ومن هناك بدأت داعش زيادة عدد مقاتليها حتى وصلوا قرابة الألف مقاتل، وعادوا إلى المخيم.
 
وأكد الخطيب وهو من يلعب دور المفاوض مع "داعش" بموافقة كافة الأطراف، أن الجولة الأخيرة من المفاوضات لإخراج المحاصرين من المسلحين والمدنيين بالمربع الأخير فشلت، نتيجة طلب النصرة تسليم عناصر أكناف بيت المقدس وخروج 6 قيادات منهم فقط، وتسليم سلاحهم ومقراتهم بشكل كامل ومنها مستشفى الدوار، لكن الرد من قيادة الاكناف "الاستمرار في القتال وعدم الاستسلام".
 
وحول مطالب أهالي المخيم، قال أحد الناشطين المقيمين في المخيم محمد نجمة: "إن سكان المخيم يناشدون بشكل متواصل فتح ممرات آمنة ليخرجوا من المخيم، وجزء كبير من هذا الأمر مرتبط بيد جيش النظام السوري فهو يسيطر على المنافذ الشمالية للمخيم ويمكنه فتحها ليسهل مغادرة الآلاف من السكان المدنيين".
 
من جانبه، قال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية أحمد مجدلاني إن منظمة التحرير استطاعت إجلاء ألفي لاجئ من مخيم اليرموك في سوريا، جراء استمرار القتال فيه وسيطرة تنظيم "داعش" على جزء كبير منه.
 
وأضاف المجدلاني، الذي غادر إلى دمشق أمس الاثنين 6 نيسان، أن منظمة التحرير تعمل على إجلاء أكبر عدد ممكن من سكان المخيم للحفاظ على حياتهم جراء استمرار القتال، وإدخال المساعدات الغذائية، والعلاجية بأسرع وقت ممكن، رغم الصعوبات.
 
ومضى المجدلاني المكلف من قبل منظمة التحرير بمتابعة ملف مخيم اليرموك في سوريا قائلا: "نتابع ونعمل لحصر توسع تنظيم داعش في المخيم".
 
لكن المحلل السياسي هاني المصري لا يرى في الدور الذي تقوم به القيادة والفصائل الفلسطينية كافيا لحماية شعبنا في مخيم اليرموك، معتبرا أن التصريحات والشجب والاستنكار ومطالبة الأطراف الأخرى بالتدخل غير كافية، ما يدل على التراجع الحاصل في دور القيادة الفلسطينية، لذلك علينا تدارك الأمر الآن في اليرموك وغدا في مواقع أخرى في سوريا وفي لبنان والعراق وليبيا وكل مكان.
 
والمطلوب بحسب المصري، توفير حماية لشعبنا في اليرموك، ولابد من وجود قوة فلسطينية مشتركة، لأن النظام في حالة صراع مع أطراف أخرى، ولا يستطيع أن يوفر هذه الحماية، وعلى كل الأطراف أن تدعم توفير كل مقومات الدفاع عن النفس، مضيفاً "هذا أبسط حق من حقوق الناس والجماعات ولا يجب التردد في توفير ذلك، وعلى الفلسطينيين أن يتوحدوا وأن يوفروا عناصر القوة والدفاع على أنفسهم".
 
واكتفت الفصائل الفلسطينية بإصدار البيانات والتصريحات، التي تدعوا إلى ضرورة تدارك الأزمة الراهنة في مخيم اليرموك، والتدخل العاجل لانقاض المخيم، وإخراجه من مربع الصراع في سوريا، فضلا عن بعض المسيرات والوقفات التضامنية الخجولة، التي خرجت في مختلف محافضات الضفة الغربية وقطاع غزة، والتغطية الإعلامية للأحداث الحاصلة هناك.
 
هل سيطرة "داعش" على اليرموك يقود إلى سقوط العاصمة دمشق ؟
تضارب تصريحات "داعش" المعلنة، حول نوايها من السيطرة على مخيم اليرموك، فتارة تعلن عن نيتها القضاء على تنظيم "أكناف بيت المقدس" مطالبة عناصره تسليم أنفسهم، وتارة أخرى تعلن أنها جاءت لليرموك كي تخلصه من الظلم والحصار، وتقديم يد العون إلى سكانه وتوفير الغذاء والماء والعلاج، وبين هذا وذاك يجمع المراقبون للشأن السوري حول نية تنظيم الدولة، الدخول إلى العاصمة دمشق عبر اليرموك، ومتابعة الزحف السرطاني للخلافة المزعومة بقيادة البغدادي.
 
وفي هذا السياق، استبعد المصري ذلك، مؤكدا أنه منذ بداية الحرب في سوريا والتوقعات تناثرت أنه بعد أسبوع أو أسبوعين أو شهرين يمكن أن يسقط النظام، لكن النظام الآن في وضع أفضل بكثير وأصبح يحظى بدعم أكثر، لأن ما يقوم به مقارنة مع أفعال "داعش" أصبح يبدو أكثر رحمة، وهذا ما زاد من حجم التأييد له وفرص استمرار وجوده.
 
واستطرد المصري، "فضلاً عن الوضع الذي أصبحت إيران تحتله بعد الاتفاق النووي الأخير مع الولايات المتحدة الأمريكية، وما يشكله التحالف السوري الإيراني من أهمية لإيران، يجعل صورة النظام قابلة للتحسن وليس العكس".
 
وجدد المصري تأكيده مرة أخرى، أن المخيم هو الضحية ما بين الحصار والقصف وبين الاقتحام وقطع الرؤوس.
 
فيما أن الناشط السياسي عبد الله الخطيب، أكد أن أغلب النشطاء تمكنوا من مغادرة المخيم بسلام، واستقبلتهم منازل جنوب العاصمة دمشق، مشددا على الشعار الفلسطيني الذي اعتدنا عليه دوما "اليرموك فكرة.. والفكرة لا تموت".
 
ويعتبر مخيم اليرموك "عاصمة الشتات الفلسطيني" من أكبر المخيمات الفلسطينية في الداخل السوري، ويبعد عن مركز مدينة دمشق نحو (10 كم)، وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، دفعت الأحداث ما لا يقل عن (185) ألفا من أهالي المخيم إلى ترك منازلهم، والنزوح إلى مناطق أخرى داخل سورية، أو اللجوء إلى دول الجوار.