الجمعة  29 آذار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

جرائم غزة.. مشاغبة فكرية أم بحثٌ عن أمانٍ مفقود؟

البُزم: لا وجود لـ"تنظيم الدولة" في غزة وحوادث التفجير بدائية ارتكبها شباب ومراهقون!

2015-05-05 01:31:04 AM
 جرائم غزة.. مشاغبة فكرية أم بحثٌ عن أمانٍ مفقود؟
صورة ارشيفية
الصواف: لا توجد جريمة منظمة في قطاع غزة، وما يوجد أحداث فردية يتم كشفها سريعاً!
د.عليان: هناك مخاطر من انجرار الشباب لفكر تطرفي تكفيري.. وعلى القيادة إنهاء مسببات الجريمة وإحقاق احتياجات وأمن المواطن!
 
 
غزة- محاسن أُصرف
 
تناوبت أحداث القتل، والسرقة وأخيراً التفجيرات بسبب مجهولين، على ساحة المجتمع الفلسطيني في قطاع غزة، ورغم تفاني الأجهزة الأمنية في كشف ملابسات تلك الأحداث والقبض على منفذيها طال ذلك أو قصر، إلا أن القلق داهم قلوب سكان القطاع.
وعبّر مواطنون عن قلقهم من تزايد أعداد الجريمة في الآونة الأخيرة خاصة التفجيرات بين الحين والآخر، وقال أولئك لـ "الحدث": "هذه الأحداث تُعمق أزمات القطاع وتهدف إلى ترويع المواطنين وتهديد أمنهم"، مطالبين الأجهزة الأمنية بتكثيف حملات الملاحقة والمُحاسبة لمن يقوم بذلك ومكاشفة الرأي العام بنتائج التحقيقات.
فيما رأى أخصائيون وخبراء أن أسباب تلك الحوادث، لا تبعد عن الواقع الكارثي الذي يعيشه قطاع غزة، على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وقال أستاذ علم الاجتماع المشارك، ومساعد رئيس جامعة الاستقلال للتخطيط والتطوير والجودة  د. عمران عليان، إن تلك الأحداث على خطورتها تُشير إلى افتقاد منفذيها لبعض حاجاتهم الأساسية، فعمدوا إلى توفيرها بشريعة الغاب، داعياً إلى ضرورة التنبّه لهذه الأحداث ومقاومتها بإنهاء مسبباتها سواء كانت اقتصادية بتوفير فرص عمل وتحسين الواقع المعيشي للناس في القطاع، أو كانت سياسية بتحقيق الأمن، أو اجتماعية بحل تفاصيل الخلافات وزرع ثقافة المحبة والتعاون.
"الحدث" في سياق السطور التالية تكشف عن أسباب تلك الجرائم وعلاقتها بالتطرف الفكري وانعدام سبل الحياة الإنسانية الكريمة لدى مرتكبيها.
 
 
قلق
عانت أم شعبان 38 عاماً، من قلق التفجيرات، فبين لحظة وضحاها فُجرت سيارة زوجها وهي متوقفة أمام منزلها في حي الرمال، تقول: "صحيح لم يُصب زوجي بأذى، لكني بت أخشى عليه كلما خرج من المنزل وتأخر عن ساعة عودته"، وحول نتائج التحقيقات في الحادثة أشارت إلى أنها بقيت ككل أحداث التفجيرات "بسبب مجهول"، مطالبة الأجهزة الأمنية في غزة أن تُكاشف المواطنين بنتائج التحقيقات مهما طال الوصول إليها، مؤكدة أن المكاشفة وإبراز هوية مرتكبي هذه الأحداث من شأنه أن يُشكل رادعاً للآخرين.
وتُقدم جماعات مجهولة على تفجير مبانٍ وسيارات خاصة لمواطنين في قطاع غزة، وتُفيد بلاغات الشرطة أن آخر انفجارين وقعا منتصف إبريل الماضي أحدهما بجوار مبنى وكالة غوث وتشغيل اللاجئين والآخر بجوار مبنى جامعة الأزهر، وتذكر التحريات عدم وجود إصابات أو أضرار بالغة.
ويُشير الشاب علي حامد (22)عاماً من رفح بأصابع الاتهام إلى ما يُعرف بتنظيم الدولة بشأن التفجيرات المتتالية التي حدثت مؤخراً في قطاع غزة، قائلاً: "هناك مناصرون لهذا التنظيم في غزة ولا يُستبعد أن يكونوا هم من اقترفوا ذلك"، وتابع: "مثل هذه التنظيمات تستهدف الشباب بشكل مباشر، خاصة في ظل حالة الإحباط وانعدام الفرص بالحياة الإنسانية الكريمة في القطاع كنتيجة للأسباب الاقتصادية والسياسية التي يمر بها القطاع منذ زمن"، وأضاف أن تزايد حوادث القتل والسطو والتفجير يجب أن تقرع ناقوس الخطر للقيادة الفلسطينية باتجاه إنتاج حلول واقعية لأزمات الناس بما يُجنبهم الانجرار وراء أفكار وتنظيمات متطرفة.
وشهد قطاع غزة مؤخراً عدداً من جرائم القتل والسرقة كـ مقتل السيدة سميحة عوض الله على يد سائقها بهدف السرقة، بالإضافة إلى حوادث سرقة عدد من محال الصرافة والعيادات الطبية، وأخيراً التفجيرات التي هزت القطاع ونبهت لوجود تيارات متطرفة في القطاع، ووثقت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان 60 جريمة ارتكبت في قطاع غزة خلال الأشهر الأربعة الأخيرة. 
 
متابعة وكشف
بدورها وزارة الداخلية في قطاع غزة، تُسخر كافة إمكانياتها من أجل الكشف عن مسببات ومنفذي الجرائم، وأكد الناطق الإعلامي باسم الوزارة إياد البزم، أن الأحداث التي وقعت في قطاع غزة مؤخراً من جرائم قتل وسرقة لم تُغادر معدلها الطبيعي منذ سنوات طويلة، لافتاً إلى أن الأجهزة الأمنية التابعة لوزارة الداخلية كشفت عن مسبباتها ومنفذيها وقدمتهم للعدالة، وأشار في تصريح لـ"الحدث" أنها تبقى أحداثاً فردية غير منظمة قام بها بعض الشباب والمراهقين، حسب قوله.
وفيما يتعلق بحالة القلق التي يُبديها العديد من المواطنين بشأن التفجيرات التي تصاعدت وتيرتها في الآونة الأخيرة وطالت مؤسسات تعليمية ودولية عاملة في القطاع، والتي يرى البعض أنها تُشير إلى وجود ما يُعرف بتنظيم الدولة "داعش" في غزة، قال البُزم: "لا وجود لـ"داعش" في غزة، ومن تابعناهم مناصرون ومؤيدون لفكر هذا التنظيم"، وتابع: "لا يُعد وجود المناصرين اختراقاً للمجتمع الفلسطيني، فالتلون الفكري موجود في كل المجتمعات الإنسانية"، منوهاً إلى أن ما حدث من تفجيرات في الآونة الأخيرة أحداث عابرة وصغيرة، واصفاً التقنيات المستخدمة فيها بـ"البدائية والبسيطة" قام بها بعض الشباب والمراهقين بشكل فردي، أو بعض الناس ممن لديهم حسابات أمنية سابقة في غزة، وهؤلاء تم كشفهم وتفكيك خلاياهم التخريبية، وشدد البُزم في تصريحاته لـ"الحدث" أن الأجهزة الأمنية في غزة لن تسمح بفلتان الحالة الأمنية في القطاع.
وكان الناطق باسم وزارة الداخلية في غزة، عبَّر بتاريخ 6/4/2015 عن موقفه من "داعش" وقال على صفحته الشخصية "فيسبوك": "داعش مجرد نزوة عابرة، وأداة مصطنعة خارجة عن الثقافة الإنسانية والأديان السماوية، ولن يكتب لها البقاء".
 
فردية غير منظمة
وقلل الكاتب والمحلل السياسي مصطفى الصواف، من أهمية أحداث القتل والسرقة والتفجيرات التي وقعت مؤخراً بزيادة مطردة، مؤكداً أنها طبيعية في أي مجتمع، وقال في تصريح لـ"الحدث": "لا توجد جريمة منظمة في قطاع غزة، وكل ما يوجد أحداث فردية سرعان ما يتم كشفها".
وحول أسبابها أشار "الصواف" أن بعضها بسبب الضغط النفسي نتيجة أوضاع القطاع السياسية والاقتصادية، وبعضها يرجع لعادات مختلفة داخل المجتمع، منبّهاً إلى دور أجهزة الأمن في كشف تلك الأحداث ومعاقبة مرتكبيها أمام القضاء العادل.
 
ناقوس خطر
لكن رأي أستاذ علم الاجتماع المشارك ونائب رئيس جامعة الاستقلال للتخطيط والتطوير والجودة د. عمران عليان، كان أكثر واقعية في التحذير من تلك الأحداث التي بدأت تطفو على سطح المجتمع الفلسطيني في القطاع، مؤكداً أنها مهما كانت فردية وصغيرة يجب الوقوف عند مسبباتها وإيجاد حلول واقعية وسريعة لها في محاولة كسر شوكتها وعدم تكاثرها، وقال في مقابلة هاتفية مع "الحدث": "هذه الأحداث والمشكلات تنم عن افتقار مرتكبيها لإشباع حاجاتهم الأساسية التي وجدت في تكوينهم وفطروا عليها منذ الخليقة، فعمدوا إلى الحصول عليها بشريعة الغاب"، داعياً أولي الأمر وأصحاب القرار الفلسطيني إلى التنبه لهذه الأحداث والتعرف على أسبابها وإشباع حاجات منفذيها بإنهاء الأسباب والدواقع التي أدت بهم إلى ارتكابها، وذلك عبر فتح آفاق الحرية، وتوفير فرص العمل التي تُحقق العيش الكريم للأفراد، كما أهاب بالأسرة الفلسطينية إلى مراجعة التنشئة الاجتماعية لأبنائها وملء أوقات فراغهم بما هو مفيد ونافع، ولا يدعونهم عرضة لأفكار ومعتقدات دخيلة.
وقرع د. عليان، ناقوس خشيته من أن تكون أحداث القتل والتفجير والسطو والسرقة الأخيرة، نتيجة تغلغل فكر تطرفي لدى مرتكبيها وصل إليهم عبر ما يُعرف بـ تنظيم الدولة "داعش"، قائلاً: "التنظيمات الإرهابية والتكفيرية، لا تتورع في استخدام الشباب لتحقيق أهدافها ومآربها" ونوه إلى أنها تعمد إلى استقطابهم عبر إشباع حاجاتهم المادية وتبدأ بزرع أفكارها المسمومة والتخريبية في نفوسهم ليكونوا أداة طيّعة يُحركونهم حيث يشاؤون وكيف يريدون، منبهاً الحكومة والقيادة الفلسطينية إلى خطورة ذلك وضرورة العمل بكل السبل على حماية الشباب الفلسطيني من ثقافة التنظيمات التكفيرية، وقال: "الشباب الفلسطيني وخاصة في قطاع غزة مستهدف، لما يُبديه دائماً من ثبات وقوة في مواجهة نوائب الحياة والاحتلال عليه"، خاشياً أن يضل طريقه في ظل استمرار تعسر تفاصيل الحياة الإنسانية والمعيشية له داخل حدود القطاع المحاصر من قبل الاحتلال الإسرائيلي، وتابع بالقول: "لا يُمكن لإنسان غير آمن أن يُفكر تفكيراً سليماً"، ويقصد بالأمن هنا الحاجات الفسيولوجية وفق هرم أبراهام ماسلو، التي تتدرج من إشباع الاحتياجات الفسيولوجية اللازمة لبقائه وتتدرج في سلم الوصول إلى احتياجات الأمان، الاحتياجات الاجتماعية، الحاجة للتقدير، الحاجة لتحقيق الذات، مؤكداً عدم إشباع أي من هذه الحاجات لمدة طويلة قد تؤدي بالفرد إلى الإحباط والتوتر وتدفعه للقيام بالعديد من الحيل الدفاعية في إطار ردود أفعال ليحمي نفسه من هذا الإحباط.
 
حملات دينية
وفي إطار الحلول كثفت الأجهزة الأمنية التابعة لوزارة الداخلية في غزة من حملاتها ضد من يُشتبه بمناصرتهم لأفكار تنظيم الدولة "داعش"، وأقدمت على توقيف عدد من أفراد الجماعات السلفية الجهادية في القطاع كـ الشيخ عدنان ميط، من مخيم البريج وسط القطاع والمعروف بتنظيره للتيار السلفي الجهادي ومدحه لـ تصرفات داعش خاصة فيما يتصل بإقامة الحدود الشرعية وكذلك بمهاجمته لـ "حماس" مراراً وتكراراً.
وفي ذات المجال عمدت وزارة الأوقاف في غزة إلى إطلاق حملة دعوية لمحاربة الفكر التطرفي، وقالت في بيان على موقعها على الإنترنت أنها تسعى توعية الناس بالفكر الوسطي الصحيح والبعد عن تأييد ومناصرة الفكر التكفيري الذي يُروج له ما يُعرف بتنظيم الدولة "داعش"، وأهابت الوزارة بكافة خطباء المساجد بالمشاركة في التوعية عبر خطب يوم الجمعة الأسبوعية وعبر الدروس الدينية التي تُقام ضمن أنشطة المساجد الدورية.