الجمعة  19 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

العدد41| الإهمال الطبي بين صعوبة إثبات الخطأ وظروف المهنة

في ظل غياب التشريعات القانونية المختصة

2015-06-16 12:13:13 PM
العدد41| الإهمال الطبي بين صعوبة إثبات الخطأ وظروف المهنة
صورة ارشيفية
 
الحدث- ريتا أبوغوش
 
تثير الأخطاء الطبية عطف الشارع الشعبي في فلسطين لا سيما إن كانت كحالة أم وجنينها كما حصل في مستشفى رفيديا بمدينة نابلس، بلّ وتؤجج مشاعرهم لتصل حد المطالبة برأس الطبيب المسؤول عن تبعات الحالة التي أودت بحياة المريضة وجنينها، ليجول في الأفق تساؤلات حول الإجراءات الطبية التي تتبعها وزارة الصحة للبت بالقضايا المماثلة، وطبيعة التحديات التي تواجه مجتمع الأطباء في فلسطين، والإشكاليات القانونية التي تواجهها، فما هو الخطأ الطبي؟ وما الفرق بينه وبين الإهمال؟
 
كتب الكثير عن الفرق ما بين الخطأ الطبي والإهمال ودور المنظومة الطبية في البلاد في الحد منها، ففي رسالة أعدها لجامعة هارفرد، يقول رئيس مجلس إدارة المركز الطبي الدولي في جدة، الدكتور أحمد الفتحي، إن على النظام الطبي الافتراض بأن الخطأ سيحدث لا محالة على يد أفضل الأطباء وأقدرهم لأنهم بشر، وعليه منع وقوع الخطأ ومعالجته في مراحله الأولى في حالة حدوثه.
ويضيف فتحي أن الدراسات تشير إلى أن أي خطأ طبي هو في معظم الأحيان خطأ في التنظيم الطبي المتبع في المستشفى، وهذا في حد ذاته لا يخفف عن الطبيب عبء مسؤولياته تجاه الأرواح التي اؤتمن عليها ولا يسقط عنه العقاب في حالات التعمد والإهمال أو المخالفة الواضحة للأنظمة والقوانين أو غيرها من الأسباب التي يستطيع الحكم عليها أو العلم في هذا المجال، وإنما الهدف هو التركيز على التنظيم الطبي الذي أدى إلى حدوث الخطأ لكي تتم الاستفادة من الأخطاء وتفاديها مستقبلاً، وبذلك المفهوم الصحيح للخطأ الطبي في إعادة تصميم كثير من الأنظمة الطبية في أمريكا.
ويمكن تلخيص ما قاله الفتحي إن المفهوم الخاطئ للخطأ الطبي الذي لا يتجاوز محاولة معاقبة الشخص المعالج بدون دراسة جذور المشكلة وأسباب حدوثها لا يؤدي في النهاية إلى العوائد المرجوة من تفادي خطأ مشابه في المستقبل.
 
الموقف الرسمي: "الخطأ وارد..ويجب معاقبة من يثبت اهماله"
 
وحول هذا الموضوع، قال الناطق باسم وزارة الصحة د. أسامة النجار، إن التفريق بين الخطأ الطبي والإهمال أمر وارد، فالخطأ ناتج عن حدوث أمر لا يمكن ضبطه، بشكل غير مقصود ولا ممنهج، بينما الإهمال يندرج تحت التقصير وعدم اتباع الاجراءات الطبية بشكل غير مسؤول.
وأردف النجار لـ"الحدث" بأنه لا يمكن البتّ في قضية الإهمال والخطأ دون إجراء تحقيق واف يتضمن تشريح للحالة وفحوصات من قبل أخصائيين لدراسة المضاعفات، ويجب معاقبة الطبيب في حال إثبات إهماله.
وحول خصوصية حالة الأم وطفلها في نابلس، قال النجار إن فصل الطبيب إجراء قانوني مهني، لأنه ارتكب خطأ طبيا فادحا في إحدى المستشفيات، وهذا الموضوع لا علاقة له بالنقابات، والادعاء بنزاهة قرار الفصل أمر مرفوض، لأن القرار قانوني بحت، والأصل بهم أن يحترموا أخلاقيات المهنة الطبية، لا أن يعترضوا على فصل طبيب لم يحترم أخلاقها.
من جهته، قال مدير العلاقات العامة في وزارة الصحة عمر النصر، إنه طالما هناك عمل بشري، فالخطأ الطبي وارد، مضيفاً أن الإهمال يندرج تحت الأخطاء الطبية، وهو أي إجراء يخالف الأنظمة الأساسية في مهنة الطب، سواء بالفعل أو بالترك، "أي سواء إن قام بما لا يجب فعله، أو ترك ما يجب فعله".
وأردف النصر أن المضاعفات الطبية التي تواجه الطبيب خلال عمله واردة، ولا يتم محاسبته عليها، لكن عليه وضع المريض وأهله بالمشهد الكامل ليتم تهيئتهم لما قد ينجم عن عملية معقدة ما.
وأضاف أنه في حال ورود أي خطأ، يتوجب على الطبيب المتابع للحالة اللجوء لرئيس القسم، والأخصائي المناوب أو الطبيب المقيم لتقييم الحالة واتخاذ القرارات الصائبة.
 
غياب التشريع القانوني وضعف آليات المحاسبة
لا تستثنى الصحة والطب من الإشكاليات والتعقيدات التي تواجه القوانين والمسودات الفلسطينية، فعلى الرغم من وجود قوانين تخص الأطباء في النقابة، إلا أن تطبيقها ليس بذات السهولة، ويعزى ذلك لتقاطع القوانين الأردنية والفلسطينية.
وحول ذلك، قال النجار إنه إذا كان ثمة قانونا متعلقا بمحاسبة الأطباء قانونيا في لائحة نقابة الأطباء، يلغى القانون العام، إلا أنه وبسبب تبعية نقابة الأطباء الفلسطينية لنظيرتها الأردنية يحول الطبيب للقانون الجزائي.
وأضاف: "قوانين نقابة الأطباء الأردنية مشرعة من قبل الدستور الأردني، لكن في الحالة الفلسطينية هذا غير موجود، والطبيب يحال للمحاسبة القضائية كأية جناية أخرى".
من جهته، أكد النصر أنه في حال ثبوت الخطأ الطبي الناتج عن الإهمال، يخضع الطبيب لدستور القانون الجزائي، مشيرا لعدم وجود أي قانون لمساءلة الأطباء.
وأضاف النصر: "يجب الإسراع بسن القوانين وإتباعها للحد من كافة الملاحقات القضائية التي لا تحل المشكلة من جذرها، بقدر ما تزيدها تعقيداً".
لكن ذلك أثار حفيظة نقابة الأطباء، حيث قال الناطق باسمها محمد الرمحي، إن الجهات الرسمية لا تستطيع مطالبة المستشفيات الخاصة بالتأمين على الأخطاء الطبية، كما أنها لا تؤمن أطبائها العاملين في المستشفيات الحكومية، بل تسارع في فصلهم عن العمل، وتذم من أضربوا مساندة له.
وأضاف الرمحي أنه وفي خصوصية حالة الطبيب المشرف في مستشفى رفيديا، تم فصل الطبيب وإصدار أمر بتوقيفه قبيل صدور نتائج التحقيق، وهذا أمر يدل على ضعف المنظومة الصحية والقانونية.
وأـوضح أن النقابة تطالب بتفعيل القانون 48 المعدل الذي ينص على عدم اعتقال أي طبيب إلا بصدور قرار قضائي قاطع بحقه مستند إلى تحقيق طبي مفصل من قبل أخصائيين.
وأردف الرمحي أنه وعلى الرغم من غياب المجلس التشريعي، إلا أنه لا يمكن للجهات الرسمية اعتقال طبيب بسبب "الشبهة" بارتكاب خطأ وإهمال، مؤكدا أنه وفي حال ملاحظة أي بوادر تقصير من طبيب ما يجب وضعه تحت المراقبة لحين أن يتسنى التأكد من كفاءة عمله.
 
الطبيب الفلسطيني.. بين تحديات المهنة والسخط الشعبي وتقصير الجهات الرسمية
ودون الخوض في تفاصيل الحالات التي أغرقت في وسائل الإعلام، لا يسع للمراقب إلا أن يلحظ حجم الغضب الشعبي من جهة، والشعور بالخذلان لدى الأطباء من جهة أخرى، ليتساءل بعدها عن وضع مهنة الطب في ظل شح المصادر وكمية الضغط إضافة إلى تقصير الجهات الرسمية.
في السياق ذاته، قال عضو نقابة الأطباء ومدير مستشفى بيت جالا الحكومي، د. محمود إبراهيم، إنه لا يوجد طبيب واحد في فلسطين يتعقم ويدخل غرفة العمليات راجياً أن يقتل المريض، مضيفا أن الهدف الذي يرجوه كل طبيب كل يوم أن ينقذ أكبر قدر من الحالات بما يملك من إمكانيات بشرية وتقنية.
وأوضح أن الامكانيات التقنية الموجودة في مستشفيات الضفة الغربية الحكومية شحيحة ولا تقوم بالغرض، لا سيما في ظل الضغط الكبير الذي يتعرض له الطبيب في يومه، وارتفاع الحالات الطبية التي يشخصها ويعالجها عن العدد المفترض.
وأكد ابراهيم في مقابلة مع "الحدث" أنه لا يبرر أي خطأ طبي لا سيما أنه غير ملم بكافة إحداثياتها، مشيرا إلى وجود كفاءات كبيرة لكن لا يتم تقديرها وإعطائها الفرص، في ظل فرض المحسوبيات لنفسها في هذه المهنة وبشكل كبير في المستشفيات الحكومية.
وشدد على ضرورة إجراء التحقيق في البداية بأي شبهة، ومن ثم الاثبات والبت وأخيرا اتخاذ قرار بشأن الطبيب، وما دون ذلك يعتبر تشهيراً بالطبيب وبعمله، مؤكدا أن النقابة تعجز لوحدها عن محاربة كل هذه الظواهر التي تتطلب من الطبيب مجابهة ما يقوله الشعب وما تتهمه به الوزارة من جهة، والعمل ومعاينة أكثر من 70 مريضاُ يومياً في الوقت ذاته.
من جهته، قال الرمحي إن الكم العملي الذي يقوم به الطبيب وساعات العمل المرهقة والإمكانيات الفقيرة كلها عوامل تزيد من نسبة الخطأ وتقلل من انتاجية الطبيب، مضيفا أنه في معظم دول العالم لا يغطي التأمين على الأخطاء الطبية أكثر من 8 ساعات يومياً للطبيب.
 
لن يتمكن أحد من البت في هذا النوع من القضايا إلا إن كان طبيبا متخصصا وملما بكافة حيثيات القضية، ليبقى المراقب الفلسطيني ينتظر توصل المنظومة الصحية الرسمية لحلول جذرية في هذا اللبس القائم.