السبت  20 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

المدارس الخاصة في فلسطين.. رسوم عالية وجودة متباينة

2015-08-11 12:10:37 AM
 المدارس الخاصة في فلسطين.. رسوم عالية وجودة متباينة
صورة ارشيفية
 
تقرير - محمود الفطافطة
 
في الوقت الذي تسعى فيه بعض الدول إلى الاهتمام  بالمدارس العامة، وإحكام السيطرة عليها باعتبارها أداة لبسط نفوذها، ولإزالة التمايز الطبقي، وتحقيق مبدأ ديمقراطية التعليم، نجد دولاً أخرى تتوسع في السماح لجهات ومنظمات، وأفراد بافتتاح مدارس خاصة، وإدارتها ضمن نوع معين من الرقابة عليها. وبخصوص الحالة الفلسطينية نجد أن قطاع التعليم الخاص شهدا انتشارا وتطورا واسعين خلال السنوات الماضية سيما في وسط الضفة الغربية وتحديدا في مدينتي رام الله والبيرة.
وفي هذا التقرير سنتطرق إلى واقع المدارس الخاصة في فلسطين لنجيب على جملة من الأسئلة، أبرزها: ما مدى انتشار هذه المدارس في الضفة؟، وما هي أسباب إلحاق العائلات لأبنائها في هذه المدارس؟ وما الذي يميز المدارس الخاصة عن الحكومية؟ وهل الهدف الرئيس لهذه المدارس تعليمي تطويري أم ربحي نفعي؟، وأخيراً، ما هي الآليات التي من شأنها تطوير مثل هذا النوع من التعليم الخاص؟.
 
واقع وتوجهات
بداية يجب التطرق إلى ماهية وواقع هذه المدارس في الضفة، حيث أن المدارس الخاصة هي المدارس التي يتولى إدارتها والإشراف عليها وتمويلها هيئات خاصة، أو جمعيات خيرية، أو أفراد، وتلتزم هذه المدارس بتطبيق الأنظمة، والقوانين، والتعليمات، والمناهج التربوية الصادرة عن وزارة التربية والتعليم، وتنتشر هذه المدارس في أواسط الضفة الغربية وبالتحديد في رام الله والبيرة.
هذه المدارس الخاصة تختلف بشكلٍ عام عن مدارس القطاع الحكومي ومدارس الوكالة الخاصة باللاجئين الفلسطينيين، كونها لا تشكل جزءاً من نظام تعليمي ممركز، ولكونها تعتمد على الرسوم السنوية لتلاميذها، وهي تتباين فيما بينها بحكم أن بعضها يقوم على أسس مادية ربحية فقط، وبعضها الآخر يقوم بفعل ارتباطاته الدينية أو الطائفية، إلى جانب أنها تتمثل في أنها مدارس للنخبة، أي لأبناء الطبقة الوسطى وبناتهم، وللشرائح الغنية في المجتمع الفلسطيني.
يذكر الباحث غنام غنام في دراسة له عن التعليم الخاص في فلسطين أن نسبة التعليم الخاص في الضفة والقطاع تشكل حوالي 6,2% من مجموع التعليم في فلسطين، حيث بلغ عدد المدارس الخاصة 347 مدرسة خاصة، تضم في قطاع غزة ( 14534) طالبا وطالبة، وفي الضفة الغربية ( 76619) . ويوضح أن هناك إقبال كبير على المدارس الخاصة رغم ارتفاع الأقساط السنوية، إذ يبلغ القسط السنوي في بعض المدارس حوالي 4000 دولار سنوياً.
ويرى غنام أن ما يدفع الوالدين باختلاف توجهاتهم الفكرية، ومستوياتهم الاقتصادية، واختلاف أماكن سكنهم إلى إرسال أبنائهم إلى مدارس التعليم الخاص، ودفع تكاليف باهظة ـ بنسب متفاوتة ـ  أن المدارس الخاصة تعمل على تقديم الأفضل لأبنائهم، وتنمية شخصياتهم، وتعويد على الانضباط، وتهيئة أبنائهم للحصول على حياة أفضل في المستقبل، وتدريبهم على الحياة الأكاديمية مستقبلا، والسمعة الجيدة التي تتمتع بها المدارس الخاصة.
ويشير  إلى أن سياسة وزارة التربية والتعليم العالي الفلسطينية تقضي بتشجيع التعليم الخاص من خلال تشجيعها افتتاح مدارس خاصة جديدة، تكون على مستوى مهني عالٍ، الأمر الذي يساعد في تخفيف الأعباء الكبرى ( مالية وإدارية) عن كاهل الوزارة والمدارس التابعة لها، والتي بدورها تشهد في كل عام دراسي جديد زيادة كبيرة في إعداد الطلبة المقبلين على الالتحاق فيها.
 
مثالية ولكن!!
من جانبه يؤكد المتخصص في قضايا التعليم د. محمد عابدين أن من الناس من يرى أن التوسع في التعليم، وشدة الإقبال عليه، قد أثرا في فعالية المدارس الحكومية، خاصة وأنه تعليم مجاني، ويرى بعضهم أن فتح المجال أمام المدارس الخاصة، يسهم في مواجهة المشكلة، شريطة أن يكون التعليم فيها تعليما رفيع المستوى، مدفوع الثمن، يتمتع به أبناء المجتمع دون استثناء .  ويضيف" قد يبدو التعليم الخاص بمثابة الوضع المثالي لكثير من الآباء، ولكن هذا النوع من التعليم يأتي مع مزايا وعيوب ينبغي على الوالدين أن ينظرا بعناية لمجموعة من العوامل التي تقرر ما إذا كانت هذه المدرسة توفر لهم ولأطفالهم مزايا معينة".
في السياق ذاته يؤكد الباحث علي وطفه أن إشكالية المدارس الخاصة تكمن في أمرين أساسيين: أحدهما طبقي، والآخر ثقافي . فالمدارس الخاصة ترتبط جوهريا بوضعية التمايز الاجتماعي، وهي تمثل المجال الحيوي لأبناء الطبقات الاجتماعية العليا في المجتمع. كما أن الثقافة التي تبثها هذه المدارس، والقيم التي تؤصلها، ترتبط إشكاليا في أغلبها بالواقع الثقافي والأيديولوجي للدول الغربية، وما زالت تشكل منصة ثقافية أيديولوجية لثقافة غربية بمضامين أيديولوجية غامضة، ومعظم طلبتها هم من نفس الطبقة الاجتماعية أو قريبين منها، بمعنى أنها أقل طبقية، وقلة الأعداد فيها لا تقدم فرصا للطالب للتعرف على طبقات اجتماعية أكثر.
ترى المهتمة بقضايا وحقوق التعليم في فلسطين أماني تيم أن هناك مدارس خاصة جيدة ومنها دون ذلك، وبعضها قوي ونوعي، وأخرى ضعيفة ومتدنية، موضحة أن بعض هذه المدارس يعتمد على منهاج ومقرر تدريس أجنبي يساهم في إحداث نقلة نوعية في التعليم بينما مدارس أخرى تفتقر إلى ذلك نظرا لما تفتقده من منهاج جيد وإدارة ناجحة.  
وتشير تيم إلى أن المدارس الخاصة تهتم بالطالب لأنها ستخسره في ظل منافسة كبيرة بينها، كما أن للنشاطات اللامنهجية لها دورٌ كبير في المدارس الخاصة، إلى جانب الاهتمام الملحوظ والنوعي باللغة والرياضيات، منوهة في الإطار ذاته إلى أن التعليم الحكومي تراجع لصالح الخاص سيما في ظل السلبيات والتحديات المتزايدة في القطاع التعليمي العام.
 
خرافة الأفضلية!
وعن سبب إرسال أبنائها إلى المدارس الخاصة تذكر تيم أن مرد ذلك لسببين، الأول دوام المدارس الحكومية القصير، بينما السبب الثاني فيتمثل في كثرة الإضرابات والاغلاقات التي تشهدها المدارس الحكومية. وتوضح أن للمدارس الخاصة هدفين، مادي ربحي وهذا هدف ضروري وطبيعي لاستمراريتها وتميزها، بينما لها هدف آخر يتمثل في التطوير المعرفي والتنمية الشخصية والإدراك المفاهيمي والقيمي للطلبة.
يقول التربوي والكاتب في القضايا التربوية والتعليمية تحسين يقين أن التعليم الحكومي يتطور  وأن التعليم الخاص ليس بأفضل من التعليم العام، وأن الأقاويل المتداولة بين كثيرٍ من الناس من أن التعليم الخاص أفضل من العام لا أساس لها من الصحة، وهي مجرد إشاعة مغرضة. ويضيف" أن التعليم الحكومي فيه مدارس سلبية كما هو الحال في القطاع التعليمي الخاص، حيث أن هناك مدارس ذات جدوى متردية ولا تفي بالمطلب العلمي والتعليمي المنشود".
ويوضح أن النظام المتداول في التعليم الخاص من حيث الاهتمام و الترتيب والتحصيل ناجم من أساس النظام القائم فيه نظراً لما يمثله من تجمع تعليمي محدد وصغير. ويرى أن حقيقية عدم تميز التعليم الخاص عن العام يكمن في أن معظم الطلبة الحائزين على الدرجات العليا في الثانوية العامة من كل عام هم خريجي المدارس الحكومية. ورغم أن بعض المدارس الخاصة تتميز بتعليم التفكير النقدي والتطوير الشخصي وفق ما يراه يقين إلا أن بعضها تعاني من " التغريب" وتغليب الهوية الدينية.
وبشأن البرامج يؤكد يقين أن المدارس الحكومية تتميز ببرامج تدريبية وتأهيلية للطلبة وللمعلمين أفضل وأوسع بكثيرٍ مما هو عليه الحال في المدارس الخاصة، إلى أن جانب أن الحكومية تتميز بإبداعات ملحوظة في الكثير من المجالات العلمية والثقافية والاجتماعية. ويطالب يقين بضرورة التخلص من الصورة النمطية السلبية إزاء المدارس الحكومية، والعمل الجاد على تطويرها للوصول إلى جودة أعلى وتميز أعمق.
 
أسباب متناقضة!
وحول أهم الأسباب التي تدفع العائلة لإرسال أبنائها للمدارس الخاصة نشير إلى الآتي. تبين رند سعيد أن الدافع في إرسال ولديها للمدارس الخاصة  تتمثل في ميزة الاهتمام بتعليم اللغات خاصة اللغة الانجليزية، باعتبارها لغة عالمية يجب على الأبناء تعلمها، وإتقانها للحصول على ميزة التحدث بها، وفتح الآفاق أمامهم في العمل، إلى جانب إعطاء أولوية للعلوم العلمية كالفيزياء والرياضيات.
 خالد موسى يقول أن الدافع لإرسال ابنه إلى المدارس الخاصة ينطلق من اهتمام هذه المدارس بالزي المدرسي الموحد لطلابها لما يغرسه ذلك في نفوس الطلبة من مساواة وإلغاء للفوارق الاجتماعية بينهم، فضلاً عن اهتمامها بتقوية الشخصية للطلاب بعيدا عن القمع والكبت، والحد من الحريات. ويضيف" إن السمعة والشهرة الواسعة للمدرسة، وتوافر المرافق المساعدة على التعلم من مختبرات، ومكتبات، وتسهيلها عمليات التواصل مع البيت والمدرسة والمعلمين، والابتعاد عن استخدام أسلوب العقاب البدني، تمثل جميعاً أسباب تدفع الوالدين في بحثهم عن مدرسة خاصة لابنهم".
بدورها تبين سعاد خليل أن حصول المدارس الخاصة على تميز في التفوق الأكاديمي لطلابها من أهم الأسباب الدافعة للوالدين لإلحاق أبنائهم فيها. وتضيف" أن تجاوب المدارس الخاصة مع رغبات الوالدين والاستماع لنصائحهم وإتاحة الفرصة للطلبة للنمو الذاتي وتنمية الشخصية وتميز معلمي تلك المدارس بمؤهلاتهم العلمية الأعلى وإدراكهم للمسؤولية الكبيرة في تعليم طلابهم من الأسباب التي يراعيها الوالدان عند اختيارهم للمدرسة الخاصة.
من جانبه يقول عبد الحي عياد أن سكان المدن أكثر ميلا لإرسال أبنائهم للدراسة في مدرسة خاصة وبنسبة تبتعد عن سكان المخيم والقرية، وذلك يعود لانتشار المدارس الخاصة في المدن بشكل أكبر من القرى والمخيمات، وعراقة تلك المدارس وشهرتها، والاكتظاظ الكبير الذي تعاني منه مدارس الحكومة في المدن بسبب الضغط الكبير في نسبة الملتحقين بها.
 
بين النفعية والجودة
يقول المربي والباحث حاتم عمرو " المدارس الخاصة هي مدارس نفعية، وهي للمباهاة، وما في المدارس الخاصة لا يختلف عن المدارس الحكومية، ولا أبالغ إذا ما قلت أن الكفاءات موجودة في المدارس العادية أما في الخاصة فيبحثون عن من هم اقل أجرا ". ويضيف"  إن الدليل على تميز المدارس الحكومية عن الخاصة هو حصول طلبة الحكومي على الدرجات العليا في نتائج التوجيهي وهم من أبناء الفقراء الذين لم يلتحقوا بالمدارس الخاصة ولم يحضروا دورات عند المدرسين في دروس خاصة.
 
يقول المربي ياسر الجوابرة " إن المدارس الخاصة  تركز اهتمامها على الطالب وعلى إكساب الطلبة المهارات الحديثة في التعلم من استخدام التعلم النشط والاطلاع على ما يستجد من مهارات مفيدة للطالب، لكن من مساوئها لا تعطي المعلم مكانته التي يستحقها فبعض المدارس الخاصة أجور معلميها متدنية بالنظر إلى ساعات العمل التي يقضيها، والأنكى من ذلك لا يستطيع المعلم رد الإساءة من الطالب المشاكس كون الطالب زبون جيد يدفع أقساطا مرتفعة، ومجالس الضبط تعقد في الأغلب للمعلمين الذين يحاولون تهذيب الطالب وبيان خطئه هناك عدد من المعلمين طردوا أو وجهت لهم تنبيهات لجدالهم مع الطلبة المشاغبين "
ويضيف" كثير من تلك المدارس نفعية وهمها الوحيد الربح لكن لا ننفي وجود مدارس خاصة رائعة وتوفر الجو التعليمي المناسب للمعلم والطالب، وهذا يتبين من خلال مستوى العلامات في التوجيهي في تلك المدارس، بعض الأهالي لديهم قناعة أن التعليم الجيد يقتصر على المدارس الخاصة وهم واهمون في هذا الاستنتاج فمئات من الطلبة حصلوا على معدلات مرتفعة في المدارس الحكومية وبعضها لا يتوفر فيها بعض المرافق التعليمية كالمكتبات الحديثة ومختبرات الحاسوب، الخ" . ويوضح الجوابرة " لا أستطيع أن أجزم أن كل المدارس الخاصة ذات هدف نفعي وإن كان المنحى العام يشير إلى ذلك".
وفي سؤالنا عن أهم التوصيات والآليات التي من شأنها تعزيز واقع المدارس الخاصة يؤكد عديد من قمنا بسؤالهم على ضرورة الاهتمام بقطاع المدارس الخاصة من قبل السلطات المعنية وذلك لما يقوم به من دور كبير في تخفيف الأعباء عن المدارس الحكومية، ضرورة العدل في تعامل الجهات المعنية مع جميع المدارس الخاصة، وعدم التمييز بينها تبعا لتبعيتها الدينية أو السياسية، إجراء المزيد من الدراسات حول المشكلات في المدارس الخاصة على مستوى المحافظات الوطن وذلك لمعرفة مدى فعالية هذه المدارس للمجتمع، وتقييم هذه المدارس من حين لآخر تقييما شاملاً.
خلاصة القول: إن المدارس الخاصة تظهر وتنمو عندما تكون المدارس الحكومية غير مرغوب فيها، ويقل عدد المدارس الخاصة عندما تكون المدارس الحكومية ذات سمعة جيدة، وبالتالي فإن الحل لا يكمن في الإكثار من الخاصة على حساب العامة، بل في الاهتمام بالنوعين من التعليم شريطة أن يكون المعيار الأساس للتعليم هو التطوير والمعرفة لا المنفعة المادية أو المباهاة.