الجمعة  29 آذار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

العدوان الإسرائيلي على غزة... نتائج رمادية واحتمالات ملغمة

2014-08-12 07:46:02 AM
العدوان الإسرائيلي على غزة... نتائج رمادية واحتمالات ملغمة
صورة ارشيفية
 
النصر والوحدة توأمان
 
ماجد العاروري: تحولات كبيرة في مختلف المستويات  
 
زكريا محمد: مقر القرار السياسي يجب أن يكون في غزة
 
جمال ريان: الجيش الإسرائيلي قوة هشة غير قابلة للقتال مستقبلاً
 
طارق الشرطي: العداء لإسرائيل أخذ يتنامى ويتسع في العالم

 
 
الحدثـ محمود الفطافطة
 
في الوقت الذي تنهال فيه صواريخ وقذائف إسرائيل على قطاع غزة لتقتل وتدمر كل ما هو بشري ومادي، يتواصل الحديث عن أبعاد هذا العدوان وآثاره على كافة المناحي السياسية والاجتماعية والنفسية والاقتصادية والاستراتيجية، وكذلك على مجمل الصُعد الداخلية والإقليمية والدولية.
ورغم أن هذه الحرب لا تزال نيرانها مشتعلة، فإن البعض يرى بوجود إرهاصات أو حتى وقائع ملموسة يمكن الاستدلال بها على أبرز وأهم تجليات وآثار هذا العدوان الذي حصد، حتى الآن، أرواحأكثر من عشرة آلاف إنسان ما بين شهيد وجريح، فضلاً عن مستوى التدمير الذي لم يسبق له مثيل في أي عدوان تعرض له القطاع خلال السنوات الماضية.
هذه التجليات تتفاوت صورها وتأثيراتها من شخصٍ لآخر، حسب رؤيته للحدث وموقفه منه من جهة، وتشابك الأطراف والعوامل المتداخلة، سواء المباشرة منها والمستترة في هذه الحرب من جهة ثانية.  وفق ذلك، فإن مجمل هذه المواقف والآراء تتقاطع لتلتقي على ثلاث زوايا، تتمثل آولاها، في الأبعاد العسكرية، مجسدة بقدرة المقاومة على المبادرة والمباغتة والمواجهة والثبات في المعركة البرية مقابل "تهلهل" القوة العسكرية الإسرائيلية الضعيفة برياً والمدمرة جوياً ومدفعياً وبحرياً للسكان وممتلكاتهم.
أما ثانية هذه الزوايا فتكمن في الأبعاد السياسية، ارتباطاً بالواقع الاستراتيجي عبر منظومة التحالفات والمحاور التي لها علاقة في هذه الحرب من حيث الدافعية أو من خلال النتيجة، وتتمحور الزاوية الثالثة في الأبعاد السيكولوجية ممثلة بالرعب الذي يتعرض له الجندي والمجتمع الإسرائيلي بفعل صواريخ المقاومة وأشكال عملياتها في القنص والخطف والالتفاف والاستدراج وسواها.
استناداً إلى هذا المشهد كله، فإن التقرير سيجيب على السؤال المركب المتمثل في: ما هي أهم نتائج عدوان إسرائيل على قطاع غزة من كافة المناحي والصُعد؟ وما هي أبرز  الخيارات والاحتمالات لهكذا حرب لم تخمد بعد أوزارها؟
 
 
نظام جديد ونتائج تاريخية
يقول الباحث في الإعلام وحقوق الإنسان ماجد العاروري: "أعتقد أن هناك تحولات كبيرة ستطرأ على مختلف المستويات، فقد أعادت هذه الحرب إحياء الشعور الوطني الفلسطيني الذي تلاشى منذ عام 1993، وكشفت عن إمكانيات وقدرات لدى الشعب الفلسطيني لم يكن يثق بها من قبل حتى الفلسطينيين أنفسهم". ويضيف: "أعتقد أن هذه الحرب سينجم عنها نظام سياسي فلسطيني جديد يختلف عن النظام الحالي، نظام يؤمن باستكمال بناء جاهزيته لاستكمال عملية التحرر الوطني، وسيكون مقره قطاع غزة".
ويذكر العاروري: "هناك خطوتان هامتان لا بد من اتخاذهما في هذا الشأن، الأولى إعلان حركة حماس عن فك ارتباطها العضوي بحركة الإخوان المسلمين، والثانية تخلي منظمة التحرير عن مطلقية تمثيلها للشعب الفلسطيني، وفك ارتباطها بهذا الشعار الذي لم تعد له مبرراته التي جاء في سياقها".  ويعتقد العاروري: "أننا نسير باتجاه حركة وطنية إسلامية فلسطينية قطرية متحررة من أي عمق عربي أو إسلامي، حركة كفاحية تعتمد على مقوماتها الوطنية وبهوية تختلف عن هويتها السابقة".
 
أما الكاتب والباحث زكريا محمد فيؤكد أن ما اعتقده نتانياهو وطاقمه "المجنون" أنه حرب صغيرة، تحول إلى حرب كبرى، ستكون لها نتائج تاريخية على الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، وعلى المنطقة العربية كلها، مضيفاً: "وهذا بالضبط عكس ما جرى في حرب تموز 2006 في لبنان"، فتلك الحرب بدأت منذ اليوم الأول كمشروع كبير، يهدف إلى (شرق أوسط جديد) على حد تعبير وزيرة الخارجية الأميركية السابقة رايس. غير أنه يبدو، وللمفارقة، أن حرب نتانياهو هي التي سوف تخلق شرق أوسط جديداً، لكن عكس الإرادة الإسرائيلية في ما يبدو". بهذا، والكلام لمحمد، فالحرب التي أريد لها أن تخلق شرقاً أوسط جديداً، ثبتت العالم القديم، في حين أن الحرب التي أُريد لها أن تكون حرباً صغيرة، وانبثقت من الصراعات داخل مجلس وزراء نتانياهو، سيكون من شأنها، في ما يبدو، أن تعيد صياغة الشرق الأوسط من جديد".
 
 
غزة تُحرر الضفة!
ويبين محمد أن أغلب الظن أن المعركة الدائرة ستنتهي إلى إعلان التحرير الكامل لغزة. أي إلى كف يد إسرائيل عنها. وهذا يجب أن يفتح النقاش حول كيفية إدارتها، منوهاً إلى أن مقر منظمة التحرير يجب أن يُنقل إلى غزة المحررة. أي أن تُصبح غزة لا رام الله مركز القرار السياسي الفلسطيني في وقتٍ ليس بعيداً. ويذكر أن حرب غزة فتحت، ولأول مرة منذ عام 1967، إمكانية دحر الاحتلال عن الضفة. وهذا يعني، وبشكلٍ من الأشكال، أن غزة (حررت) الضفة، أو قل فتحت الباب جدياً لتحريرها. ويوضح أن خطة شارون انقلبت إلى عكس ما أرادت تماماً. لقد كانت خطة لابتلاع الضفة، لكنها ستنتهي إلى الانسحاب عن الضفة. كذلك، يرى محمد أن إخفاق وفشل العدوان على غزة سيمنع حرباً وشيكة على لبنان، أو أنها أجلتها لعدة سنوات.
 المحلل السياسي د. مجدي عيسى يؤكد أن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة يمثل إحدى التجليات الاستراتيجية للصراع الإقليمي والدولي على النفوذ والمصالح الحيوية في الشرق الأوسط، موضحاً أن هذا العدوان يأتي في ظل مخطط دولي أمريكي وتواطؤ عربي وصمت إقليمي، خاصة وأن المنطقة العربية تشهد صراعاً كبيراً بين تياري الإسلام السياسي السني المتمثل بحركة الإخوان المسلمين من جهة، والتيار الوهابي في السعودية وحلفائها في الإمارات ومصر والأردن وغيرها. ويضيف: "بعد إزاحة الإخوان من سدة الحكم في مصر وبقية دول ما يسمى بـ"الربيع العربي"، جاء الدور على حركة حماس كآخر معاقل الإخوان في المنطقة، سيما وأنها الجناح العسكري الوحيد للحركة". ويشير د. عيسى إلى أن مجريات أحداث العدوان تشير إلى أن المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة، سيكون للمقاومة نصيبها في المشهد القادم، وهذا سيفتح الصراع مع إسرائيل وفق آليات جديدة مختلفة عن مرحلة أوسلو.
 
 
تخلل، تراجع، وفقدان للتميز
الباحث في العلاقات الدولية طارق الشرطي يقول: "أثبتت المقاومة الفلسطينية أنها تتميز بخصائص مهمة، أبرزها: أنها صاحبة قضية عادلة، وتعمل للدفاع عن القضية الفلسطينية وشعبها، وجاهزية المقاومة للتصدي للاحتلال من الناحية العسكرية والإعلامية، والتوافق بين القيادة السياسية والجناح العسكري، والقدرة الفائقة على تغطية كافة المدن الإسرائيلية بالصواريخ وإرباك جبهة الاحتلال الداخلية، إلى جانب الالتفاف الشعبي حول المقاومة وتأييدها، سواء في قطاع غزة أو في عموم المناطق الفلسطينية، بما فيها فلسطيني الداخل.
وبخصوص البعد العربي، فيؤكد الشرطي أن انضمام دول عربية بشكلٍ علني أو ضمني لمساندة إسرائيل في عدوانها والسماح لوسائل إعلامها بالتجريح بالفلسطينيين، وتقصيرهم في إغاثة أهل غزة حتى بالأدوية والأغذية، مثل أسوأ التجليات عربياً. أما بشأن البعد الدولي فيقول: "لقد كان الأمريكيون اللاتينيون أفضل بكثيرٍ من دول عربية، وذلك لوقوفها مع أهلنا في القطاع وسحب بعضها لسفرائها في إسرائيل ووصفها بالدولة الإرهابية، منوهاً إلى أن العداء والحقد على إسرائيل أخذ يتنامى ويتسع في العالم".
وبشأن الداخل الإسرائيلي يرى الشرطي أنه لأول مرة في تاريخ الدولة العبرية يلوح الجيش بالضغط على السياسيين، من حيث المطالبة بحسم أمرهم في الخروج من غزة أو الدخول لاحتلالها بشكل كامل. ويؤكد أن إسرائيل تتعرض لتراجع ثقة الإدارة الأميركية وعدد من الدول الغربية بها، باعتبارها قوة حامية لمصالحهما في المنطقة، إلى جانب تراجع الدعم الشعبي الأميركي لإسرائيل وفق ما أظهرته عدد من استطلاعات الرأي الأخيرة.
من جانبه يذكر أستاذ الإعلام د. سعيد عياد، أنه ولأول مرة منذ عام 1948 يُفرض على الكيان الإسرائيلي حصاراً مزدوجاً، حصار جوي حيث توقفت الطائرات عن الهبوط في مطار اللد، والحصار الثاني أن ملايين الإسرائيليين يعيشون تحت الأرض منذ بدء العدوان، وبات الرعب يلاحقهم في الطرقات. وفيما يتعلق بالبعد العربي يوضح: "كان العدوان مفترقاً للفرز، فكشف عن التزوير العربي لتبني القضية الفلسطينية، وكان النظام العربي يتخذها مجرد فقاعة لمواجهة المعارضين، بينما بعد انتشار الفوضى في العالم العربي ظهر أن فلسطين لا تشكل هماً عربياً، وهذا يكشف عنه الإعلام المصري المعادي للشعب الفلسطيني، وحالة البؤس العربي وانهيار مبادئه القومية.
 
 
اخدم نفسك بنفسك؟
وينوه د. عياد إلى أن العدوان أثبت للفلسطيني أن لاخيار له سوى الخيار الفلسطيني، مشيراً في الإطار ذاته إلى: "أن مرحلة ما بعد العدوان ستكون مختلفة ولن يُنظر للشعب الفلسطيني على أنه الحلقة الأضعف، وسيجبر العالم على التعامل مع شعبنا بمنطق الند القوي".
 
في السياق ذاته يقول الباحث صلاح حميدة أنه لأول مرة تُنتج المقاومة الفلسطينية خطاباً سياسياً وعسكرياً يعمل وفق إيقاع مؤسسي رائع، وخطط علمية تدرس وتستخلص العبر وتُعد جيداً للمواجهة، بعيداً عن الاستعراض الفظ الذي صبغ العمل المسلح لفتراتٍ طويلة.  ويضيف: "من أهم التجليات السياسية لهذه المعركة أنها دفنت مسيرة أوسلو في مقبرة التاريخ، ووضعت حركة حماس في المقدمة، وحملتها مسؤولية تبني مطالب واحتياجات الشعب الفلسطيني، وهي تقاتل باقتدار سياسي وعسكري وإعلامي لافت في هذا المجال، في ظل تراجع وتراخٍ واضح من قيادة المنظمة التي لم تستطع كسر محددات الحراك السياسي الذي يضعه النظامان الدولي والإقليمي". ويختم حميدة  قائلاً: "أعادت هذه الحرب مصطلحات وسلوكيات الثورة، و إعادة بناء المناعة الشعبية الفلسطينية ضد الاحتلال التي حطمتها أوسلو، وأهمها عودة مصطلح (العدو) بدل من (الجانب الإسرائيلي).
 
 
زوال الجيش الذي لا يُقهر!
يؤكد الباحث السياسي والإعلامي علاء الريماوي، أن من التحولات التي حدثت إثر العدوان على غزة، تطور الخطاب السياسي للسلطة والفصائل، والسلوك السياسي من خلال حرص بعض القيادات الابتعاد عن لقاءات مع شخصيات إسرائيلية في العلن،والمناداة بالدمج بين المقاومة والخيارات السياسية.أما التحولات الثقافية، وفق الريماوي، فيمكن تلخيصها بالآتي: تطوير المنظومة الثقافية للخطاب من خلال المفردات والاهتمامات، وهذا ما يتضح من خلال شبكات التواصل الاجتماعي، الارتقاء الإعلامي وتحولات خطاب الجماهير من خلال التركيز على متغيرات الخطاب الوطني، أسرى الحرية، المقاومة، وحتى مواد البث الإذاعي تغيرت في مفاهيم الرمزية للشعب حيث أضحى المقاتل الفلسطيني بصورة أبو عبيدة حالة إلهامية للجيل الشاب، وأصبحت المقاومة وشخصية المقاتل حالة من النموذج المقدس الذي بات في منأى عن الاتهام والنقد.
ويشير الريماوي إلى أن أي حديث عن تهدئة لا بد من قراءته في ضوء متغيرات ما حققته المقاومة عبر الآتي: رفع سقف الشعب الفلسطيني وتوحيده على المقاومة، إعادة الاعتبار للوحدة بين كافة مساحات الوطن لأول مره في التاريخ، فشل الجيش الإسرائيلي في إحراز تقدم على أرض المعركة،وضع المجتمع الإسرائيلي كله في ساحة معركة تجاوزت حيفا وتل أبيب، سلب ما يسمى بجاذبية الاستقرار الإسرائيلي للاستثمار العالمي،إغلاق الفضاء الجوي للكيان لأول مرة في التاريخ،وضع المستوى العسكري الإسرائيلي في أزمة اتخاذ القرارات، تحقيق المقاومة حالة نقاء أمني غير مسبوق من خلال توفير بيئة أمنية حاضنة، وإدارة معركة بقدرة احترافية عالية وإثخان غير مسبوق في الجيش الإسرائيلي.
 
 
دبلوماسية صامتة وحسابات متشابكة
الإعلامي شادي زماعرة يقول: "بعد سنوات من الحصار والانقسام الداخلي، أعاد العدوان على القطاع اللحمة الفلسطينية والتضامن بين الشعب الواحد والأحزاب، وأثبت أن الانقسام لا وجود له، إضافة إلى التحول الكبير في قدرة المقاومة على الصمود والتدريب العسكري الكبير الذي كانت تعد له خلال السنوات الماضية". ويضيف: "إن العدوان كشف، كذلك، حجم المؤامرة العربية والدولية على المقاومة، إضافة إلى كشفه ضعف الدبلوماسية الفلسطينية التي تغنى بها الكثيرون خلال السنوات القليلة الماضية، منوهاً إلى أن الواقع أثبت أن الفعل فقط للمقاومة في ظل دول تضرب بعرض الحائط كافة المواثيق والقوانين الدولية.
أستاذ العلوم السياسية في غزة د. ناجي صادق شراب يرى، في مقالة له في جريدة القدس مؤخراً، أن حرب غزة الأخيرة جاءت لتعكس نموذجاً معقداً ومركباً من الحروب، نحتاج فيما بعد لدراسة كل نتائجه ودروسه، والاستفادة منها. ويضيف: "هذه الحرب ليست كنوع الحروب التي يمكن لأي طرف أن يحقق فيها نصراً كاملاً، وهو ما قد ينعكس على التداعيات السياسية والنتائج السياسية لها، فكل طرف يحاول أن يخرج ليؤكد أنه المنتصر، ودائماً حروب العسكر لا تحقق الأهداف السياسية منها، لأنها تبقى مرتبطة بخيارات الساسة، والحسابات الإقليمية والدولية التي تحكم مسارات وخيارات أي حرب في المنطقة، وليس بحسابات العسكر فقط ". ويبين د. شراب أن حرب غزة هذه في النهاية لا تقتصر على قرار العسكر، ولكنها أيضاً تعكس في النهاية التحولات الإقليمية والدولية التي شهدتها المنطقة في أعقاب ثورات التحول العربية، التي لم تعمل لصالح فلسطين. ويشير إلى أن هذه الحرب خلقت واقعاً سياسياً جديداً لن يستطيع الخيار العسكري حسمه. وستترك هذه الحرب تداعياتها الخطيرة على المستوى الفلسطيني في العديد من القضايا خصوصاً قضية السلام والتسوية النهائية ومستقبل القضية والخيارات الفلسطينية.
الكاتب والصحافي ضياء علان يقول: "إن العدوان على القطاع أدى إلى زيادة الاصطفاف الشعبي خلف المقاومة والوحدة في داخل صفوفها والتفاف الشعب حولها، أما بخصوص الأبعاد السياسية فظهر وضوح موقف الدول العربية المخزي حتى الآن تجاه القضية الفلسطينية مع بعض المواقف الشعبية المشرفة". ويضيف: "أظهرت هذه الحرب، كذلك، زيادة شعبية المقاومة وجرأة الحركة الشعبية وخاصة حركة حماس في الضفة مقابل انخفاض شعبية السلطة والأجهزة الأمنية في الضفة لمحاولتهم التصدي للحراك الشعبي.
 
 
ضحايا السياسة وصمود المصالحة
الصحافية ريم أبو لبن تقول إن العدوان أبرز وجود مقاومة ثابتة وقوية، لديها خطة مواجهة وصمود فائقة ونادرة، في الوقت الذي لا يوجد فيه أي محور عربي فعلي مع المقاومة. أما عامر أبو هليل فيقول: "إن المعادلة قد تغيرت الآن، فثمّة مقاومة عنيفة تواجه الكيان الصهيوني، أجبرته على التروي قبل الإقدام على أي حماقة أوسع، لأن الرد سيكون سريعاً في صفوف جنوده"، مضيفاً أن هذه الحرب أوصلتنا للقول بأن الإعلام المقاوم هو المصدر الذي نستمد منه الأخبار الصحيحة في المعركة. 
 
في السياق ذاته، يقول الصحافي جمال ريان إن حرب غزة جعلت من الجيش الإسرائيلي قوة هشة غير قابلة للقتال مستقبلاً، أو تنفيذ مهمات صعبة، على عكس المقاومة التي تميزت بقدرتها العسكرية والسرية والحنكة الكبيرة في التخطيط والتنفيذ للعمليات والمهمات والعودة سالمة لقواعدها. كما أثبتت الحرب أن المقاومة تتمتع بقدرات عالية من الروح القتالية والمعنوية والتنفيذ الدقيق والاحتكام للأوامر القيادية وعدم المخالفة أثناء التنفيذ، والخروج بنتائج نصر ناجحة موثقة بالصوت والصورة. إلى جانب كل ذلك، يؤكد ريان أن الحرب لم تستطع اختراق المصالحة أو إبطالها.
 
 
ماذا يقول الإسرائيليون؟
ولو تطرقنا إلى ما يكتبه عدد من الكتاب والصحفيين الإسرائيليين حول الأبعاد المتوقعة لهذا العدوان، فإننا نجد تفاوتاً واضحاً في الرأي والمواقف لهؤلاء. فالبعض يذكر أنه لا مناص أمام إسرائيل إلا بالاجتياح الكلي لأراضي القطاع وإنهاء مسلسل القلق والرعب لسكان ما يسمونه "جنوب إسرائيل". هؤلاء يرون أن لدى إسرائيل فرصة لإنهاء هذا الأمر في ظل صمت عالمي وتعاطٍ عربي لإسرائيل خاصة من قبل مصر.  في المقابل يرى طرف آخر أن هذه الحرب أفقدت إسرائيل عنصري توازن الرعب والردع، وأنها دخلت الحرب وهي فاقدة لرؤية واضحة أو هدف محدد، الأمر الذي أدخلها في وحل عسكري وعقدة سياسية، وهذا ما سيكون له أبعاد خطيرة على المجتمع الإسرائيلي، والصراع مع الفلسطينيين عموماً.
في هذا الإطار نتطرق إلى أحد الكتاب الإسرائيليين في صحيفة هآرتس وهو آري شبيط، الذي كتب في مقالة له بعنوان "حماس فجرت لنا الفقاعة" الآتي: "إن المعنى الاستراتيجي لما يحدث هو أن السيادة الإسرائيلية قد انتُهكت. فالدولة التي سماؤها مثقوبة، ومجالها الجوي مخترق، ومواطنوها ينزلون إلى الملاجئ على الدوام، هي دولة لديها مشكلة. والدولة التي لا تعرف أن تُسكت النار التي تطلق على مجمعاتها السكنية بضعة أسابيع هي دولة في ضائقة". ويضيف: "لم تنجح قوة إسرائيل الإقليمية في التغلب تغلباً حاسماً على كيان إرهابي صغير وفقير وجريء على مرأى من عيون أعدائنا وأصدقائنا المذهولة". ويتابع: "ولا مناص الآن، فنحن مجبرون على التوقف. ولا داعي إلى محاولة دخول غزة التي قد تجلب كارثة، لكن حينما يقف إطلاق النار ويعود الأبناء إلى الوطن، سنضطر إلى أن نحدق إلى المصير الإسرائيلي، والى الوضع الإسرائيلي".