الجمعة  29 آذار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

محلل إسرائيلي: خمسة أسباب وراء فشل مصر في هزيمة "ولاية سيناء"

2015-11-17 07:54:22 PM
محلل إسرائيلي: خمسة أسباب وراء فشل مصر في هزيمة
صورة ارشيفية

 

#الحدث- مصدر الخبر

خلص المحلل السياسي الإسرائيلي "إيرز شتريم" مدير ومؤسس موقع "مجلة الشرق الأدنى" إلى أن هناك عدد من الأسباب وراء عدم تمكن الجيش المصري من القضاء على تنظيم "ولاية سيناء" الموالي لداعش.
 
 
ورأى "شتريم" في ورقة بحثية   بعنوان " من يوقف سيطرة داعش على سيناء؟"، نشرها موقع "ميدا" الإسرائيلي أن العمل في بيئة معادية، إضافة إلى عدم فاعلية الجيش في خوض حرب مقاومة، وتكليف الجنود بمهام "شرطية" لم يتدربوا عليها أصلا، فضلا عن صعوبة الحصول على معلومات استخبارية، والبيئة الإقليمية التي جعلت السلاح الليبي يصل بسهولة إلى سيناء، كانت أسبابا رئيسية وراء تأخر الحسم ضد التنظيم المتشدد بسيناء.
 
إلى نص المقال..
 
التحقيقات حول ملابسات تحطم الطائرة الروسية في سيناء لا تزال مستمرة. لكن تسريبات مصدرها أجهزة الاستخبارات في الغرب ترسم صورة واضحة بشكل كاف: خلف الكارثة تقف عملية تخريبية لتنظيم داعش بسيناء. من الصعب التقليل من أهمية هذا الحدث. فما كان حتى فترة قريبة صراعا داخليا بين الدولة المصرية والتنظيم الجهادي الإرهابي بسيناء تحول فجأة إلى تهديد أمني يشغل متخذي القرارات، من واشنطن إلى موسكو. الآن يمكن أن نضيف إلى قائمة "النجاحات" التي حققها داعش أخيرا- الهجوم الوحشي في باريس، والعبوات الناسفة في لبنان وهجمات مختلفة في تركيا.
 
كيف تحولت شبه جزيرة سيناء، التي كانت في السابق معروفة للغرب تحديدا بفضل الشواطئ الرملية الساحرة والمواقع الأثرية، إلى واحدة من أكثر البؤر الساخنة للجهاد العالمي؟ هذا السؤال يجب أن يشغلنا نحن الجيران القريبين أكثر من أي شيء آخر. منذ عدة أيام فقط نشر داعش فيلما جديدا، يهدد فيه بشكل واضح بالهجوم على إسرائيل. "يعتقد اليهود أن هذا اليوم ما زال بعيدا، لكننا نعرف أنه سيكون قريبا جدا".
 
تتبع جذور الإرهاب بسيناء يقودنا للعودة إلى نقطتين زمنيتين أساسيتين: منتصف سنوات الـ 2000، والتقلبات السياسية التي مرت بها مصر منذ "الربيع العربي".
 
بعد احتلال العراق على يد القوات الأمريكية وقوات التحالف عام 2003  تأسست خلايا إرهابية تابعة للقاعدة في أنحاء العالم، بهدف الانتقام من الغرب لتدخله في شئون المنطقة. كانت شبه جزيرة سيناء واحدة من بين بؤر الجهاد العالمي هذه. وعبر عدة عمليات فتاكة، هاجم مخربو القاعدة المنتجعات السياحية الشهيرة في شرم الشيخ ودهب وطابا.
 
نجحت السياسات العدائية لنظام مبارك في القضاء على التهديد، مع جعل السكان المحليين الذين عانوا من العنف والاعتقالات التعسفية والتحرش من قوات الأمن يدفعون ثمنا فادحا.
 
وبقفزة سريعة لـ 2011: في الوقت الذي ثار فيه الشعب المصري ضد نظام مبارك، ثار سكان سيناء ضد من اعتبروا قامعيهم- قوات الأمن. لكن وعلى عكس المتظاهرين بميدان التحرير، بدو سيناء مسلحون حتى أخمص أقدامهم، والنظام المصري ببساطة فقد السيطرة.
 
نقاط الشرطة هُجرت وسُلبت، وهُرب مئات المعتقلين من السجون- بينهم الكثيرون من عناصر الجهاد الذين اعتقلوا قبل ذلك بسنوات. الفراع الأمني الذي حدث بسيناء أوجد المناخ المثالي بالنسبة لتلك التنظيمات التي أرادت استئناف العمليات الجهادية بشبه الجزيرة.  علاوة على ذلك، كانت هذه فرصة لحماس وحركات جهادية أخرى من قطاع غزة لدفع مصالح عسكرية واقتصادية في شمال سيناء.
 
على هذه الخلفية تأسس في نفس العام "أنصار بيت المقدس"، ذلك التنظيم الجهادي الذي بايع القاعدة، وتشكل من مزيج من بدو شمال سيناء، وعناصر جهادية فلسطينية من غزة، وجهاديين من مصر ودول مجاورة. ربما يعرف معظم الإسرائيليين اسم التنظيم بسبب تبنيه مسئولية سلسلة من عمليات إطلاق الصواريخ تجاهنا خلال العملية الأخيرة بقطاع غزة.
 
في البدء كان التنظيم جزءا فقط من تشكيلة واسعة لتنظيمات جهادية صغيرة نشطت بفعل الفوضى بسيناء. لكن حتى عام 2013 نجح أنصار بيت المقدس في ترسيخ تفوقه بتلك الساحة وضم عدد من التنظيمات الأصغر إلى صفوفه.
 
كما يدل اسم التنظيم، فإن هدفه الأول كان ضرب أهداف في إسرائيل والنيل من العلاقة بين إسرائيل ومصر. تركزت معظم عملياته في إطلاق صواريخ تجاه مدينة إيلات، وتفجيرات متكررة لأنبوب الغاز المؤدي لإسرائيل والأردن، وهجمات على أهداف إسرائيلية بالمنطقة الحدودية بين إسرائيل ومصر. هنا تُذكر تحديدا عملية إطلاق النار على حافلة شركة إيجد المتجهة إلى إيلات في أغسطس 2011 والتي أسفرت عن مقتل 8 إسرائيليين.
 
تغيرت الصورة مجددا بعد الانقلاب العسكري الذي وضع حدا لحكم الإخوان المسلمين في مطلع يوليو 2013.  صحيح أن التنظيمات الجهادية بسيناء لم تمنح حكم الإخوان المسلمين شرعية، لكن كان هناك نوع من التسوية المؤقتة بين الجانبين.
 
لم يعمل نظام مرسي بحزم ضد التنظيم، وتغاضى عن عمليات التهريب على الحدود مع غزة، فيما امتنع الجهاديون من جانبهم عن تحدي النظام، وواصلوا تركيز جهودهم على إسرائيل.
 
وصول السيسي للحكم أنهى هذه الحالة. فالنظام الجديد- القديم كان حريصا منذ أيامه الأولى على إعادة السيطرة لنفسه على كامل تراب البلاد وتصفية صناعة التهريب من غزة، والتي اعتبرها بوابة لتدخل حماس حليفة الإخوان المسلمين- في الشئون المصرية.
 
من جانبهم، رأى الجهاديون في الانقلاب عودة لحكم نظام علماني غير شرعي، وبدوا عازمين على الدفاع عن المناطق التي تحت سيطرتهم وصناعة التهريب التي كانت بالنسبة لهم بمثابة ثروة اقتصادية عملاقة.
 
نجح الجهاديون في سيناء بوسائل بسيطة نسبيا- عبوات ناسفة بدائية الصنع وأسلحة خفيفة- مرة تلو الأخرى في إرباك قوات الأمن المصري، وضرب مواقع وحواجز تابعة للجيش بشمال سيناء، بل وتنفيذ هجمات في قلب القاهرة.
 
مع ذلك، وبدءا من منتصف عام 2014 نجح الجيش المصري في تصفية عدد من الزعماء البارزين للتنظيم وتقييد نشاطاته بمستوى معين. عكست تصريحات رموز النظام تفاعل غير حذر وزعم وزير الداخلية آنذاك، محمد إبراهيم في شهر إبريل أن "99% من خلايا الإرهاب بسيناء جرى تصفيتها".
 
داعش وصل إلى الجارة
صيف 2014 كان صيف داعش. بعد النجاحات المذهلة في سوريا والعراق، التي بلغت ذروتها باحتلال مدينة الموصل في شهر يونيو، بدأ داعش في التطلع أيضا إلى ساحات جهاد أكثر بعدا، بينها الساحة المشتعلة بشبه جزيرة سيناء.
 
بدأت شائعات تنتشر في مصر حول إمكانية انضمام أنصار بيت المقدس لداعش. في أكتوبر جاء أول دليل قاطع على أن قواعد اللعبة قد تغيرت. في أول عملية منسقة من نوعها بشبه جزيرة سيناء، انقض مقاتلو التنظيم على موقع للجيش المصري في هجوم خلف ما يزيد عن 30 قتيلا من الجنود المصريين. بعد مرور أسبوعين جاء الإعلان الرسمي: بايع زعماء أنصار بيت المقدس أبو بكر البغدادي. داعش وصلت إلى مصر.
 
طرح هذا الحدث الكثير من الأسئلة حول مستقبل الصراع ضد الإرهاب بسيناء، وحول العقبات المتوقعة لمبايعة التنظيم "الدولة الإسلامية". اعتقد الكثير من المحللين أن هذه الخطوة سوف تضعفه، كونها ستؤدي إلى انقسام داخلي بين مؤيدي داعش ومناصري القاعدة بسيناء.
 
لكن بعد مرور أكثر من عام يمكن الجزم أن الحديث يدور عن مقامرة ناجحة بالنسبة للجهاديين. فمبايعة داعش جلبت معها مساعدات في التمويل ، والتدريب، والتزود بأسلحة متقدمة وخدمات دعاية على الانترنت. كذلك سمحت لعناصر الجهاد المصريين الذين قاتلوا في صفوف الدولة الإسلامية في سوريا والعراق بالعودة إلى سيناء، كما شجع داعش المتطوعين الأجانب من دول أخرى للوصول إلى الساحة المصرية.
 
تزايد الصداع في رأس نظام السيسي، ولم تنجح قوات الأمن في توقع من أين تأتي المفاجأة التالية. تحت عباءة "ولاية سيناء" نجح التنظيم الإرهابي من شبه جزيرة سيناء في تنفيذ عدد من العمليات المعقدة والجرئية، مع استخدام أسلحة متطورة، وتجنيد متعاونين من داخل قوات الأمن، واستخدام نظام استخباري نوعي حول عمل القوات، كل هذا إلى جانب استمرار وتزايد العمليات اليومية ضد القوات على الأرض.
 
كبدت هذه العمليات مصر مئات القتلى وتسببت في ارتباك وعجز. في يوليو الماضي جاء العرض الأقوى والأكثر إذهالا عندما أطلق مقاتلوا داعش صاروخا تجاه سفينة الجيش المصري. بعد ذلك أغاروا على مدينة الشيخ زويد وتمكنوا من السيطرة عليها على مدى يوم كامل تقريبا.
 
تم طردهم منها فقط بعد تدخل طائرات F-16 تابعة لسلاح الطيران المصري. ووفقا لتقارير غير رسمية، شارك مئات المقاتلين في عملية الاقتحام التي أدت إلى مقتل ما يزيد عن 70 جنديا مصريا. للمقارنة، في صيف 2014 قدر مجموع المقاتلين في صفوف التنظيم بنحو 200 فقط.
 
 
هل ينجح السيسي في المهمة؟
يطرح اتساع العمليات الإرهابية والتدرج المستمر في قدرات داعش بسيناء تساؤلات حول عجز الجيش المصري، الأكبر بين جيوش الشرق الأوسط، عن هزيمة تنظيم صغير من مئات المقاتلين.
 
أحد العوائق الرئيسية التي يواجهها الجيش المصري هو الدعم الذي يتلقاه داعش من جزء كبير من سكان سيناء. يشكو البدو بسيناء من إهمال امتد لعشرات السنين ومن تعامل مشين من قبل السلطات في القاهرة، وكذلك من استخدام وسائل غير متناسبة ضدهم في إطار الحرب على الإرهاب.
 
النموذج الأبرز هو تدمير أحياء كاملة في مدينة رفح المصرية، بهدف صنع منطقة عازلة على الحدود مع غزة وتصفية أنفاق التهريب. في وضع كهذا، يعمل الجيش المصري بسيناء بين سكان معاديين ويتعذر عليه تجنيد متعاونين من المحليين ضد داعش. يمارس داعش من جانبه ضغوطا على السكان، وفي كل مرة ينشر مقاطع مصورة تظهر عمليات إعدام "متعاونين" محليين.
 
أضف إلى ذلك، بُني الجيش المصري ودُرب على مدى عشرات السنين على مواجهة تهديد غزو عسكري إسرائيلي. الآن تعوزه القدرات العسكرية اللازمة لمواجهة تنظيم مقاومة بشكل فاعل على أرض أجنبية وقاسية، مثل المناطق الصحراوية والجبلية بسيناء.
 
قالت عناصر استخبارات مصرية  أخيرا لوكالة "رويترز" إن الجهاديين منتشرين في المناطق القروية والحضرية بشمال سيناء في خلايا صغيرة بين 5-7 مقاتلين، ما يصعب على الجيش المصري تعقبهم بفاعلية في ظل غياب قدرات استخبارية مناسبة.
 
كذلك يجبر الواقع بسيناء الجيش على الانشغال بمهام شرطية، لم يتم إعداد جنوده لها. إضافة إلى أنه لا يملك القوة البشرية الكافية لشغل الكمائن الكثيرة والمواقع المختلفة على الأرض بجنود على مستوى عال من التدريب.
 
البئية الإقليمية تعمل أيضا ضد المصريين. فانهيار جيش القذافي في ليبيا أغرق المنطقة بأسلحة من مختلف الأنواع، تصل بفضل الفوضى المنتشرة في البلاد إلى سيناء بكميات ضخمة عبر مدقات التهريب البرية والبحرية. كثفت مصر من نشاطها في منطقة الحدود الطويلة والمخترقة مع ليبيا لكنها لا تملك القدرات لإغلاقها بشكل فاعل.
 
أثار المجتمع الدولي الذي يولي حتى اليوم اهتماما ثانويا فقط بتهديد داعش بسيناء استياء الرئيس السيسي والقيادة المصرية، التي ترى في ذلك تهديدا لاستقرار مصر. إسقاط الطائرة الروسية بسيناء يغير الصورة ويمكن أن يزيد من التدخل الدولي أيضا على هذه الجبهة من الصراع العالمي ضد "الدولة الإسلامية".