الخميس  28 آذار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

عندما تتحول رام الله والبيرة إلى "رامبير": نقد لما بعد إنشاء المؤسسة الوطنية - رولا سرحان

2016-12-20 06:08:55 AM
عندما تتحول رام الله والبيرة إلى
رولا سرحان

 

أن تتحول رام الله والبيرة إلى "رامبير"، فهذا ليس خبراً أو حقيقة فعلية، لكنها قصةُ مكان تحول في زمن قياسي من وطنٍ إلى حالةٍ بعيدةٍ عما يمكن للمواطن البسيط أن يطلق عليه اسم وطن. لقد تحول إلى حالةٍ غير معروفةٍ أو غير مفهومةٍ تفترضُ أن ننحت لها من اللغة العربية مفردةً جديدةً فنطلق عليها اسم "رامبير" كما فعل المتوكل طه، الأديب والشاعر الفلسطيني، والذي هو ابن المؤسسة التي أنتجت "رامبير"، فكان الأقدر على تصويرها من الداخل بمشاهد مخيفة، ليكون الخيالُ هو الواقع الذي نعيشه.

 

نقدٌ للمؤسسة

 

"رامبير"، الرواية. تؤرخ لمرحلة ما بعد إنشاء المؤسسة الوطنية.

 

ففي "رامبير" المقر الرئيس للمؤسسة الوطنية الحديثة - على حد قول الكاتب -، أُقيمت فيها القلعة بسرعة البرق "كأن جان سليمان هم من أعلى حجارتها وسوى أسطحها وفردها على جنبات الأرصفة والممرات، أو أن كتلة واحدة قد نزلت من السماء وحطت مكان الأجمة، فكانت المؤسسة!" (ص5).

 

في "رامبير" زمنٌ بدأ منذ سنوات، لكنه زمن الانتكاسة أو كما يحب طه تسميته "زمن التراجع والخراب، أو زمن المخاتلة والفساد، (..) زمن القشرة الهشة اللامعة المصقولة."

 

والمؤسسة في "رامبير" تقوم على الشخوص المتضخمةِ ذواتهم. "الواحدُ يصبح آلافاً في القاعة، فالجدران كلها مرايا كبيرة مقطعة ومضلعة ومصقولة، ... إلى أن يصبح الشخص الواحد أعداداً لا حصر لها."

 

نقد القيادة

 

المؤسسون الأوائل، هم من دعوا إلى إقامة المؤسسة الوطنية الحديثة، التي راحت تبتلع ما تبقى من تجليات الحياة في "رامبير" (ص9).

 

المؤسسون الأوائل هم من اختاروا رئيس مجلس الإدارة الحالي للمؤسسة الوطنية "ثروت بيك"، الذي يجلس محاطاً بالأعضاء وخلفه صورتان إحداهما له وأخرى لأبيه "الختيار بلباسه التقليدي ووجه الباهت الذي لم يعد يُنبء بشيء". (ص 7).

 

في "رامبير"، يريد رئيس مجلس الإدارة وحاشيتهُ أن يحتفلوا بإنشاء المؤسسة الوطنية في حفلة تنكرية، في قاعة المرايا، تلك القاعة التي هي "بابٌ من أبواب الجحيم، قاعةُ الموتِ والفضائح" التي يجب حرقها." (ص 23).

 

وفي تلك القاعة، وأثناء الحفلة التنكرية ينقلبُ كل فرد من أفراد القيادة في "رامبير" إلى مسخ، ليتحول من يرتدي وجه الأفعى إلى أفعى ومن يرتدي وجه الحمار إلى حمار، والشيطان إلى شيطان. (ص15)

 

تسود حالةٌ من الذهول، ولعلها اشارةٌ من الكاتبِ إلى حالة التخبط  في إدارةِ الأمور. الضوضاء والدخان والغناء والأضواء (ص14) وحالة النشوة التي اعترت القيادة احتفالاً بانشاء المؤسسة الوطنية سرعان ما تتحول إلى كابوس، وهم بدورهم تحولوا إلى وحوش، وهناك ستسمع "صدى حركات رعب وفزع ولطم وبكاء وخبط وضرب وفحيح." (ص17).

 

إدارةُ الأمور أوصلت القائمين على الحفلةِ التنكرية إلى القبر، وبعد أن تم اتخاذ القرار بدفنهم في قبر جماعي في اخدودٍ طويل وزراعة شجرةِ الغرقد فوقهم (ص28)، الشجرةِ الوحيدة التي تحمي "اليهودي" من البطش به، نجدُ أن للأمر تبعات لم تتوقف بموت تلك القيادة، لأن من قبرهم خرج الدود، الذي راح ينغل في كل مكان "وصارت رائحة رامبير كلها رائحة زنخ خانق لا يطاق، وتكاثرت فيها الجرذان والقطط والكلاب السائبة والحشرات.." (ص29).

 

على صفحات الرواية، يستخلصُ القارئ، أن كل عضوٍ من أعضاء قيادة المؤسسة كان فاسدا، فالتقرير الذي طلبه المحافظ بعد أن خسفت الأرض بقبرهم الجماعي، (ص30) يقرأ فيه أن أحدهم كان يشرف على تهريب الحشيس والسلاح، فأصبح أكبر المساهمين في المؤسسة، وأحدهم ابن ساعي بريد لص يسرق أموال الناس المحولة في الرسائل ليكون المفوض المالي، وآخر كان يعاشرُ كلبة هو مسؤول التخطيط والتطوير في مجلس إدارة المؤسسة..إلى آخره من وصف لاذع لصفات وشخوص كل فرد من أفرادها (ص 31- ص42).

 

نقد للواقع الاجتماعي والاقتصادي والأمني

 

لا يتوقف الكاتب طه في "رامبير" عند الواقع السياسي، بل يصف تداعيات تدهور الواقع الاجتماعي والاقتصادي والأمني الذي وصلت إليه ما كان يُرادُ له ان يكون انجازاً وطنياً.

 

فالمسؤول يغتصبُ امرأة الشهيد، حين يقرر المحافظ التوجه لتعزية زوجة الشهيد فيحضنها ويظل يحضنها إلى أن يجامعها (ص 101).

 

وكيف يقوم عامل النظام بمضاجعة مجنونة حتى صارت تخلع ملابسها كلما رأته، لتحمل منه ولتعود إلى رشدها بعد أن تضع حملها فتعود لأهلها الذين يرفضونها لأنها زانية مجنونة فتود إلى المشفى لتعمل عاملة نظافة، فيكون اختفى والد الطفل، ليعود بأموال لا تأكلها النيران وليكون منتخباً في القيادة العليا للحزب الحاكم (ص122).

 

الأمن في "رامبير" بالنسبة لـ طه لا يحمي المواطن، بل يستخدم لمآرب أخرى، للاستقواء على السيد، وعلى الآخرين، وللإعداد لمرحلة وراثة الكرسي. (ص113).

 

اكتشاف الكذبة الكبرى

 

خلاصةُ الرواية تبدأ بأول سطر بعبارة "لقد ضحكوا علينا"، وهي ذات العبارة التي تتكرر أكثر من مرة على ألسنة أبطال وشخوص الرواية، لينتهي آخرُ سطرٍ بها أيضاً.

 

لقد ضحكوا علينا والمؤسسة الوطنية لم تكن سوى كذبة.