الخميس  18 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

ع77| خاص "الحدث" |لأول مرة.. أيادٍ ناعمة تُسعف الرجال في ملاعب غزة الرياضية

2017-01-10 04:05:31 PM
ع77|  خاص

 

الفتيات المُسعفات: عملنا في الملاعب الرياضية ليس بدعاً أو اختلاقاً فلسطينياً، وإنما تجربة عالمية نقلناها إلى المجتمع الفلسطيني بما يتناسب مع هويته الثقافية والدينية

 

 

مازن الحرازين: رغم التحديات الكبيرة الفريق استطاع أن يُثبت وجوده بأدائه المهني ورسالته الإنسانية

 

خالد أبو زاهر: الاعتبارات الاجتماعية والعادات والتقاليد تُقيد اختراق المرأة لكافة المجالات المهنية رغم تحصنها بالمقومات التي تجعلها ناجحة ومميزة

 

الحدث- محاسن أُصرف

 

بشغف كبير كان فريق مُسعفات الجمعية الفلسطينية للإسعاف، يُتابع مباريات الدوري الوطني الممتاز لكرة القدم قبل أشهر قليلة، عيونهن مليئة بالحماسة تُبصر كل اللاعبين حتى إذا ما أُصيب أحدهم هببن إليه مُسعفات، بينما قلوبهنّ تنبض أملاً بأن يتقبلهنّ المجتمع الرياضي أولاً والفلسطيني بشكل عام، غير أنّهن لم يحظين به بشكلٍ تام، فقط نسبي.

 

فالمجتمع الفلسطيني ما زال ينظر إلى وصول المرأة لبعض المهن المعروفة بطابعها الذكوري كأمر غريب، ويُصر على إقصائها منه تحت ذريعة الدين والأخلاق والعادات والمواريث الثقافية، فهو يرى أن تقلد المرأة منصب وزيرة في الحكومة أمرٌ طبيعي واجتهادٌ نوعي منها، بينما يُفسر وجودها في ساحات الأعمال الحرفية كأن تكون نجّارة أو حدادة أمرٌ عجيب يتنافى مع طبيعتها الأنثوية، في حين يرفض وصولها إلى ممارسة المهن الرياضية أو حتى احتراف بعض الألعاب والسبب أنها تُسيء إلى الصورة الاجتماعية المُحافظة للمجتمع، غير أن بعض الفتيات بالتعاون مع الجمعية الفلسطينية للإسعاف بغزة استطاعوا أن يخترقوا الممنوع الاجتماعي وأن يُثبتوا للجميع أنهم قادرين على خوض غمار الملاعب لتأدية مهنة الإسعاف والطوارئ للاعبين وتحقيق رسالتهن الإنسانية ومتمسكين في نفس الوقت بالقيم والأخلاق التي يفرضها عليهم الدين لا المجتمع، وفق قولهم.

 

"الحدث" في سياق السطور التالية تقف على تجربة فريق الإسعاف النسائي في غزة الذي اخترق الملاعب الرياضية لأول مرة بمهنية وأخلاق عالية.

 

بدايات الفكرة وآلية التطبيق

 

عن بداية الفكرة من الميلاد إلى لحظة الانطلاق والخطوات الفعلية الأولى لممارسة الفتيات الغزيات الإسعاف الطبي داخل الملاعب الرياضية خلال الدوري الوطني الممتاز لكرة القدم، يُحدثنا "مازن الحرازين" رئيس مجلس إدارة الجمعية الفلسطينية للإسعاف، يؤكد أن ميلاد الفكرة كان منذ زمن بعيد، إلا أن تطبيقها جاء سريعاً خلال العام 2016 وقبل ثلاثة أسابيع فقط من بدء الدوري الوطني الفلسطيني الممتاز، تم خلالها تدريب الطاقم النسائي على إصابات الملاعب وآليات تقديم المعالجة الطبية للاعبين بمنتهى المهنية، وتابع أن الفكرة ليس اختلاقاً وإنما جاءت لتُحاكي تجارب عربية سابقة منها فريق جامعة العلوم والتكنولوجيا بالأردن، إذ قُمنَ بتغطية كأس العالم للسيدات تحت 17 عاماً في الأردن، يقول: "كان لدينا طاقم مُسعفات مُتحمس جداً لفكرة النزول إلى الملاعب الرياضية، وتم البناء على قدراته بما لا يتنافى مع ثقافة المجتمع وتعاليم الدين، لافتاً أنه بعد تدريب المُسعفات واختبار قدرتهن على التعامل مع مختلف الإصابات في الملاعب الرياضية في وقت قياسي كان التوجه إلى الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم، "وهنا كانت بداية التحديات" قال الحرازين.

 

تحديات كبيرة 

 

كان التحدي الأكبر لدى فريق الجمعية الفلسطينية للإسعاف النسائي أمام الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم، فقد كان الاتحاد طلب من الجمعية الفلسطينية للإسعاف تغطية الدوري طبياً ومتابعة اللاعبين أثناء مُختلف المباريات، يقول الحرازين: "لم يتم تحديد النوع الاجتماعي لفريق الإسعاف من قبل الاتحاد كون من يعمل في هذا المجال هم الرجال فقط"، ويُتابع: "مجرد أن علم الاتحاد أن الفريق الإسعافي سيكون من الفتيات رفض الفكرة ابتداءً".

 

احتار الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم في أمر الفريق، أيُعقل أن ينضوي تحت لوائه وهو من غزة بينما إدارة الاتحاد في رام الله بالضفة المحتلة؟ هل يُمكن في ظل الانقسام؟ أيُعقل أن يتم تبنيه وهو في غزة المُحافظة التي تقودها حكومة إسلامية؟ يقول الحرازين: "كانت الإجابة على هذه الأسئلة أكبر التحديات، لكنها لم تقف عائقاً أمام عزيمة الفريق النسائي الذي بدا مُستعداً لخوض غمار التجربة بكل مهنية بعيداً عن الاحتكام للنوع الاجتماعي"، ويُضيف أن هذين كانا سببي رفض الفكرة من قبل الاتحاد، فتقاليد المجتمع الفلسطيني المحافظ ترفض دخول المرأة في هذا المجال، بالإضافة إلى وجود مُسعفين رجال بكثرة لديهم الخبرة والمهنية العالية في التعامل مع إصابات الملاعب.

 

رغم ذلك استطاع الفريق النسائي أن يُقنع الاتحاد تالياً، وتم بالفعل نزول فريق المُسعفات إلى أول مباراة في نهاية شهر أكتوبر، غير أنها مرت دون أي إصابة وبالتالي لم يتسنّ للمُسعفات القيام بمهمتهن، لكن تواجدهن أثار الكثير من البلبلة، وفي هذا السياق يقول "الحرازين": "كان وجود المُسعفات صدمة للاعبين والجمهور المُقيم على مدرجات الملعب وكذلك للأمن المتواجد هناك"، ويُضيف أن الصدمة تكللت برفض وجود فريق نسوي يُسعف لاعبين رجالاً وفقاً للتقاليد والعادات المحافظة في غزة، ويُتابع مستدركاً أن المهنية التي تعاملت بها المُسعفات مع الإصابات خلال المباريات كانت النقطة الفارقة والحاسمة لتقبلهنّ بشكل أكبر مؤكداً أنهنّ أثبتن جدارتهن وقدرتهن الفائقة في العمل في وقت قياسي.

 

ويأمل الحرازين أن يتم استثمار قدرات الفتيات وتحفيزهن على العمل في مجال الإسعاف والطوارئ سواء على المستوى الرياضي أو على المستوى العام، وتابع بالقول: "من غير المعقول أن تُفرد الدولة مؤسسات أكاديمية لتخريج ضباط إسعاف وطوارئ من الجنسين ومن ثمّ تتركهم بلا احتضان مهني بتوفير فرص عمل أُسوةً ببقية التخصصات العلمية والمهنية".

 

المهنية منحتني القبول

 

"البداية كانت صعبّة، لكنها جداً مُحفزة على الاستمرار والنجاح بمزيد من الحرفية والمهنية"، كانت تلك الكلمات الأولى التي نطق بها لسان "حنان أبو قاسم" المُسعفة المتخصصة في الملاعب الرياضية من الجمعية الفلسطينية للإسعاف، وأضافت لـ "الحدث" أن النزول الأول لها إلى أرض الملعب عزز لديها الكثير من الثقة بإمكانياتها، فيما كان تعاملها المهني والدقيق مع أول إصابة تعرضت لها وتعاملت معها في أرض الملعب العلامة الفارقة لتقبلها كجزء أساسي من الملعب الرياضي، تقول: "لا أنسى تلك الإصابة أبداً وكانت كسراً كاملاً تعرض له ماجد التتري لاعب فريق الأهلي الفلسطيني، كانت من أصعب وأبشع الإصابات التي تعاملت معها لأنها منحتني القدرة على تأدية رسالتي الإنسانية بمهنية متناهية"، وتُضيف أن أكثر ما أسعدها بعد شفاء اللاعب استمراره في التواصل معها لأي استشارة طبية تتعلق بعملها في الإسعاف والطوارئ، تؤكد أبو قاسم أن المجتمع الفلسطيني يحصر عمل الفتاة في مجالات مُعينة بدعوى العادات والتقاليد المُحافظة غير أنها تملك القدرة والكفاءة لخوض كثير من المجالات التي تُعد حكراً على الرجل، وشددت أن الرسالة الإنسانية لمهنة الإسعاف والطوارئ هي من جذبتها للالتحاق بجامعة بوليتكنيك فلسطين لتعلم مهاراته وتفقه آلياته العلمية والمهنية على مدار عامين لتحصل على درجة الدبلوم المتوسط، إضافة لتخصصها الأساسي بكلية الآداب قسم لغة إنجليزية، تقول: "أن تكون سبباً في إنقاذ حياة شخص أو تخفيف وجعه أعظم إنجار إنساني".

 

الرغبة بالعمل الإنساني

 

وفيما يتعلق بالدافع الذي حرّك "منال مسلم" لدراسة الإسعاف والطوارئ ومن ثمَّ اقتحام الملاعب الرياضية في تجربة نوعية لأول مرة في قطاع غزة خلال الدوري الممتاز 2016-2017 لكرة القدم، تؤكد أنه لا يعدو شغفها بمهنة الإسعاف وكذلك وجودها في منطقة حدودية تتعرض دائماً لانتهاكات الاحتلال في الحروب والاجتياحات، تقول: "كنت شغوفة جداً بمهنة الإسعاف لكن بعد الثانوية العامة لم يكن مفتوحاً في قطاع غزة فدرست تخصصاً آخر"، وتُشير إلى أن الشغف والرسالة الإنسانية التي تُقدمها المهنة لم تنطفئ جذوتها، وبمجرد افتتاح جامعة بوليتكنك فلسطين التخصص عام 2012 التحقت به.

 

التميز كان نقطة الالتقاء التي جمّعت فريق المُسعفات، أكدت مسلم على ذلك وأضافت أنها وصديقاتها حان وفداء وإلهام قررن أن يُمارسن العمل على أرض الواقع، وبالفعل كانت الحرب الأخيرة عام 2014 التجربة الأولى لهن لنزولهن الميدان وتقديم خدمة الإسعاف للمصابين الذين كانوا كُثراً وقتها، تقول: "كان التفكير بعدها باستمرار اختراق مجال الإسعاف والطوارئ، والتقت أفكارنا مع الجمعية الفلسطينية للإسعاف التي كانت المُشجع الأول لخوضنا معترك الإسعاف في الملاعب الرياضية"، وتُضيف أن الجمعية قدمت لهن التدريب الكامل على إصابات الملاعب وكانت السبب في إقناع الاتحاد العام لكرة القدم الفلسطيني بالقبول بنزولنا إلى الملاعب خلال الدوري الممتاز وترك الحكم على فشل التجربة من نجاحها بعد التفاعل الميداني.

 

بين إصابات الحرب وإصابات الملاعب تؤكد مسلم أن مستوى المقارنة يكاد يكون معدوماً فشتان بين تقديم خدمة الإسعاف في حالة حرب وتقديمها داخل ملعب يتوفر فيه عنصر الأمان المفقود في الحرب، تقول: "إصابات الحرب صعبة ومُكثفة وأكثر دموية من إصابة الملاعب التي غالباً ما تكون كسوراً بشتى أنواعها"، وعلى الرغم من ذلك تُشير أن مشاعر المُسعف لا تختلف فهي موحدة يقودها الواجب الإنساني والمهني غير أن العبء والألم النفسي يكون أكبر في حالة الحرب خاصة في ظل استمرارية التفاعل مع الحالات في كل لحظة.

 

تقبل محمود

 

تؤكد الفتاتان وهن نصف فريق الجمعية الفلسطينية للإسعاف المكون من أربع فتيات أن إثباتهن لقدراتهن في الملعب منحهم قبولاً محموداً من قبل بعض فئات المجتمع، تقول مسلم: " استطعنا تغيير الفكرة السلبية والنظرة السوداء عند البعض لكن ما زلنا نرنو إلى المزيد من التقبل وإنزالنا منازلنا بالمشاركة في أي مباراة سواء على المستوى المحلي أو الدولي"، مؤكدة أن كل مرة ينزلن فيها إلى الملاعب ويستطعن فيها إثبات قدراتهن تُحسن قبولهن لدى المُجتمع الذي يُصر على تقويض عملهن في مجالات مُحددة تتفق وهواه، وتُشير إلى أن الفئة الأكثر معارضة لوجودهن في الملاعب هي الجماهير المُقيمة على مدرجات الملاعب بينما يجدن قبولاً جيداً من اللاعبين والقائمين على المباريات خاصة وأنهن يتواجدنّ بصفة رسمية من الجمعية الفلسطينية للإسعاف والاتحاد الفلسطيني لكرة القدم.

 

تستهجن مسلم رفض الجماهير وجودها في ساحة الملعب بينما كان فخور بتواجدها في ساحة الحرب عام 2014، وأكثر من ذلك تستغرب استحسانه لتقلد المرأة الفلسطينية أعلى المناصب في الوزارات والهيئات الحكومية بينما يرفض وجودها في عالم الرياضة، وتؤكد أنها ستبقى مُحافظة على رسالتها أمام كل المثبطات وعمليات الإحباط لجهودها.

 

وذات الرسالة تُصر عليها أبو قاسم، مؤكدة أن المرأة الفلسطينية التي ناضلت جنباً إلى جنب مع الرجل على مر السنوات وشهدت معه أقسى وأصعب النكبات والحرب تملك القدرة والمهارة على إثبات ذاتها في مجال الإسعاف والطوارئ، كما أنها تمتلك الجرأة والشجاعة على خوض أي عمل طبي، وتابعت أن وجودها في هذه المهنة وإصرارها على النجاح والتميز فيها هي رسالة غير مباشرة للمرأة الفلسطينية بأن تُبدع في المجال الذي يوافق إمكانياتها وقدراتها العلمية والمهنية بعيداً عن تدخلات العادات والتقاليد الاجتماعية، وقالت: "المرأة الفلسطينية خير من تتمسك بدينها وأخلاقها في أي مهنة تقود زمامها".

 

أمرٌ طبيعي.. ولكن

 

ويُشاركهما الرأي خالد أبو زاهر مدير ورئيس تحرير موقع "فيس كووورة"، الذي أكد أن وجودة المرأة الفلسطينية في ساحة الملاعب الرياضية أمر طبيعي ولا يختلف عن وجودها في أي ساحة مهنية لأي تخصص، وشدد في حديثه على أن الاعتبارات الاجتماعية والعادات والتقاليد المُحافظة في المجتمع الفلسطيني من تُقيد اختراق المرأة لكافة المجالات المهنية رغم تحصنها بالمقومات التي تجعلها ناجحة ومميزة، ونبّه أنه بالرغم من العمل الإنساني الذي تقوم به المُسعفات إلا أنهن واجهن تحدي رفض المجتمع لهن عازياً سبب ذلك لأنها التجربة الأولى.

 

يؤكد زاهر، أن التجربة مُفيدة جداً لكل الأطراف، وفيما يتعلق بإمكانية استمرار التجربة أو إنهائها سريعاً في قفص العادات والتقاليد أفاد بأن عامل الزمن هو من يُحدد ذلك سواء بتحول القبول المحمود إلى قبول تام واعتبار الفتاة المُسعفة جزء من الملعب الرياضي أو تراجعه إلى الرفض وممارسة عمليات الإحباط والتثبيط من همم وعزائم الفتيات اللائي خضن المجال للمرة الأولى في قطاع غزة خلال الدوري الممتاز، ويقترح زاهر لاستمرار نجاح الفريق أن يتوخى قائد الفريق الحذر في اختيار التدخل الأنثوي في إسعاف المصابين مؤكداً أن هناك بعض الإصابات الحساسة من الأفضل تجنيب الفتاة المُسعفة الوصول إليها وقال: "هذا من شأنه أن يجعل القبول أكبر لعمل الفتاة المُسعفة في المعلب من قبل الجماهير باعتبارها تُمارس المهنة وفق ما يفرضه عليها دينها وأخلاقها الإسلامية".

 

من جانبهن تتمنى المُسعفات أن تستمر التجربة بالنزول إلى الملاعب الرياضية لتأدية الرسالة الإنسانية التي تعلمنّها وأتقنّها بمهنية ودقة، بعيداً عن نظرات الاستهجان الهادفة للتقليل من شأنهن، ويتمنَّين أيضاً الحفاظ على ما حققنّه من إنجاز والبناء عليه من قبل اتحاد الكورة بتمثيلهنّ على أرض الملعب خلال المباريات الدولية لإثبات دورهنّ على الصعيد العالمي وليس المحلي فقط، فهل تُحقق أمنياتهن؟ الأيام القادمة كفيلة بالإجابة.