الخميس  18 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

تراجع مقاطعة المنتوجات الإسرائيلية الأسباب والمحاذير

2014-10-14 12:25:15 AM
 تراجع مقاطعة المنتوجات الإسرائيلية الأسباب والمحاذير
صورة ارشيفية
 
القدس - أحمد البديري
 
بعيداً عن كل المجاملات والمبالغات، إلا أن شعبنا قاطع المنتوجات الإسرائيلية بقوة وانسلخ منها بنفس القوة. البعض يلوم القيادات السياسية التي لم تستثمر التفاعل الشعبي، والبعض يلوم المصانع الفلسطينية والتجار، وكلاهما على حق. مقاطعة المنتوجات الإسرائيلية كان يمكن أن تؤسس لمرحلة جديدة، بل وتفتح باباً جديداً من أبواب مقاومة الاحتلال باستخدام السلاح الاقتصادي، إلا أن السلاح نفسه عاد إلى نحورنا وجيوبنا وعاداتنا الشرائية السخيفة.
 
غاندي حرر الهند بالمقاطعة الاقتصادية
بعد مذبحة للنشطاء الهنود المطالبين بالاستقلال من الاحتلال البريطاني، اتخذ مهاتما غاندي في أواسط الأربعينات من القرن المضي قراراً أثر فيما بعد على تاريخ العالم بأسره. قرر غاندي أن مليار هندي لن يشتروا البنطال والجاكيت الإنجليزي المصنوع في يوركشاير وأدنبرة ومانشستر، بل قام غاندي بأكبر محرقة في التاريخ.
جمع ملابسه وملابس عشرة ألاف هندي وحرقها في الميدان العام، ورأى الناس على بعد مئات الأميال الدخان المتصاعد فظنوا أن المدينة احترقت. بريطانيا ومصانعها هي التي احترقت بالخسائر المالية. صنع غاندي بيديه آلة بدائية وبدأ بغزل ملابسه وتبعه مئات الآلاف وثم ملايين الهنود حتى انهار الاقتصاد البريطاني، فركضت بريطانيا تستجدي الانسحاب السلمي والتدريجي من الهند، الذي تحقق في نفس عام نكبتنا عام 1948.
أطلق غاندي شعار المبادرة، وأسماها "إحمل مغزلك واتبعني" وقد تبعته الهند للحرية، ولكن كان على الهنود أن يلبسوا ثياباً ليست بالجودة أو الألوان أو على الموضة المتوقعة، ولكن في أقل من عاميين حقق الاستقلال.
 
عقدة الخواجا
دائماً كنا نسمع عن تلك العقدة القديمة المتجذرة في ثقافتنا العربية الفلسطينية. فالخواجا يصنع أفضل ويعرض أفضل وسعره مقنع أكثر، حتى لو أننا أجمعنا على عدم صدقية المقولة أو الفكرة، إلا أن النتيجة الحتمية أن الخواجا كوهين وعزرا وليفي أفضل من القواسمي والجنيدي والمصري. عدم ثقة المجتمع بنفسه وبصناعته ونزاهة تجّاره، هي من الأفكار الرائجة منذ عقود.
يرى مدير عام الغرفة التجارية والصناعية في القدس فادي الهدمي أن المجتمع بحاجة إلى أن يثق باقتصاده فقال: "الوعي هو أساس نجاح الاقتصاد المحلي، وللاسف نحن لم نستثمر الفرصة إبان حرب غزة، بل تم استغلال الفرصة من قبل التجار، وهذا بدوره أدى إلى العودة التدريجية للمنتوجات الإسرائيلية ".
 
جشع التجار قبيل عيد الأضحى
أينما جلست وتحدثت مع الناس حول مشتريات عيد الأضحى، سمعت عن استغلال التجار للعيد ورفع الأسعار بشكل مبالغ فيه. الناشط المقدسي رئيس برلمان شباب فلسطين موسى العباسي قال: " بسعر قميص واحد في السوق العربي، كان يمكن أن نشتري ثلاثة قمصان من السوق الإسرائيلي، فالتجار في كل العالم يخفضون الأسعار ويطرحون تنزيلات، إلا عندنا يستغلون العيد لرفع الأسعار".
أتذكر أنني زرت لندن قبيل عيد الميلاد، وكانت الأسواق البريطانية تعج بالمشترين الذين كانوا ينتظرون العيد للشراء، ليس فقط هدايا العيد، بل احتياجات العام من لباس وأثاث بسبب قيام التجار الإنجليز بطرح تنزيلات حقيقة تصل إلى خمسن في المئة من السعر الحقيقي.
حتى لو كتب التاجر على شباك متجره تخفيضات، إلا ان الزبائن لا يأخذون اللافتة على محمل الجد. يقول فادي الهدمي: "هذا لا ينطبق على كل التجار، فمنهم من يلتزم بالفعل، ومن الظلم وضع كل التجار بسلة واحدة، ومنهم من لا يستغل الزبون، ومنهم من يتعاطف مع أولئك المقاطعين".
 
المقاطع على جيبه تحمل نضاله
الأعياد اليهودية تزامنت مع عيد الأضحى، واجتهدت مراكز التسوق الإسرائيلية بإغراء المقدسين، خصوصاً والفلسطينيين عموماً للشراء منهم، ونشروا إعلانات بالعربية. قبل عام في ليلة القدر، حسب صحيفة هآراتس الإسرائيلية، ربح سوق المالحة في غربي القدس تسعة ملايين شيكل، في ليلة القدر فقط، رغم أن مئات الآلاف كانوا يتعبدون في الأقصى، إلا أن كوهين كان يعد الشواكل الخارجة من جيوب الفلسطينين، خاصة مع التسهيلات التي منحت للفلسطينين من الضفة الغربية.
هذا العيد امتلأت الأسواق الإسرائيلية، لكن ليس بضخامة العام الماضي، واستفاد البعض من السعر والمنتوج الجيدين. في المقابل، الفلسطيني المقاطع التزم بالسوق الفلسطينية، فمثلاً ذهب أهل القدس إلى نابلس والخليل وسمعتهم يشتكون من ارتفاع الأسعار وتردي البضائع المستوردة من الصين وكوريا، مما يسمى بالتصنيف الثالث والرابع لجودة البضائع.
أحد المقدسين قال لي: "ذهبت إلى نابلس، وكانت الأسواق ممتلئة، ولأكثر من ثلاث ساعات لم أجد ما يرضيني أو يرضي جيبي، فما هو جيد كان مكلفاً، وما كان جيداً جداً لم أستطع شراءه بسبب ثمنه الباهظ، المشكلة أن البضائع ليست من ماركات وشركات عالمية، بل مستوردة دون اسم، في النهاية اشتريت لأنني مقاطع للمنتوجات والأسواق الإسرائيلية".
 
المصانع الفلسطينية والشوكو
الجميع يشتكي من الشوكو الرديء الذي يصنع في مصانعنا الفلسطينية كلها. الناس يقولون إن لونه غريب وفيه طبقتين، وتاريخ انتهاء صلاحيته قريب. أما الألبان والأجبان، والتي قطعت شوطا أبعد من كل المنتوجات الفلسطينية الأخرى، فتكاد تكون الأنجح، إلا أن بقية المنتوجات لا تنافس، وهنا الحديث ليس عن منافسة الإسرائيلي، بل منافسة ما هو مقبول تجارياً أصلاً.
فرصة كبيرة ضيعتها المصانع الفلسطينية كما يرى موسى العباسي: "كان يمكن أن نستغني تماماً عن كل الإنتاج الإسرائيلي، إلا أن مصانعنا لم تفهم أو تستغل الفرصة لصالحها، ونحن نريدها أن تنجح، فهي مصانع شعبنا. الأمر الآخر هو أن المصانع العربية لم توظف عدداً كافياً من الموظفين والعمال المقدسيين الذين يعانون من البطالة، وهو أمر أضر بسمعة المصانع، وسيدفع شبابنا الذي ترك العمل في السوق الإسرائيلي للعودة إليه، سواء كانوا عمالاً أو مهندسين أو مهنيين يمكن الاستفادة منهم".
 
القيادة السياسية تجاهلت
سمعنا بعض التصريحات الخجولة حول دعم المقاطعة، لكن ذلك لم يصدر من صانع القرار الفلسطيني أو من الفصائل أو أطر منظمة التحرير أو من حكومة التوافق. نعم وبكل صدق، القيادة السياسية تجاهلت دعم المقاطعة، إما لأنها عرفت أن المقاطعة لن تنجح، أو كانت تخشى من ردة فعل إسرائيل، أو ببساطة لم تلتفت إلى نبض الناس في الشارع وهو الأقرب برأيي للحقيقة.
المصانع الإسرائيلية كانت تغلي، والتجار الإسرائيليون الذين يهمهم ربحهم، رأوا خطراً قادماً إلا أنهم حافظوا على رباطة الجأش ولم يضغطوا على حكومتهم للرد الذي كان من الممكن أن يكون قاسياً. نقاطع وتقاطعون فنمنع عنكم الطحين والكهرباء والإسمنت، فمن أين ستشترون؟
المجلس التشريعي أو الوطني أو أي هيئة سياسية لم تقم بدعم المقاطعة، وهذه الهيئات الشعبية دورها هامشي أصلاً، ولكنها يمكن أن تساند وتساعد، إلا انها لم تتفاعل، والأمر بات متروكاً لضمير الناس أو بالأحرى ضمير المواطن أو بالأحرى الأب والأم واختياراتهم.
 
الضلع الأخير هو الأمل
الضلع الذي يكمل مربع الانتصار هو الأمل بالانتصار، وهنا قضية شائكة، فالمجتمع الفلسطيني الذي خرج من معركة قاسية ودموية في قطاع غزة، ويرى انهيار المصالحة وتنافس الفصائل فيما بينها، بدأ يفقد الأمل بحتمية الانتصار.
الأمل بأن المقاطعة ستنجح كما نجحت مع غاندي وأن المقاطعة ستتحول إلى حالة فلسطينية وسلوك مجتمعي وغير مرتبطة بردة فعل مؤقتة. الأمل بأن المقاطعة لن تكون فردية والخسائر فردية، إنما مشروع متكامل وبدعم القيادات السياسية التي يمكن أن تقدم مثالاً يحتذى للفلسطينين عموماً.
تراجع المقاطعة له سلبيات تفوق المكاسب الاقتصادية للاحتلال، فتراجع المقاطعة يؤكد للجمهور الفلسطيني أننا مجتمع عاطفي ينجر لعواطفه وليس لديه أي خطة علمية واقعية للوصول للاستقلال. السلبية الكبرى هي أن المقاطعة كانت تحدٍّ ومعركة بمقاييس مصغرة إلا أننا خسرنا المعركة، ليس بسبب خيانة الزعماء العرب والمؤامرات الدولية والأحلاف الغربية، ولكننا ببساطة لم نصبر على الشوكو الفلسطيني.