الجمعة  19 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

خاص الحدث| والد الطفل منذر مناصرة: ابني مريض وحياته مهددة اما أن يَقتل أو يُقتل

2017-01-17 05:51:22 PM
خاص الحدث| والد الطفل منذر مناصرة: ابني مريض وحياته مهددة اما أن يَقتل أو يُقتل
الطفل منذر مناصرة

 

الحدث- ريم أبو لبن

 

"ابني معرض للقَتل، إما أن يُقتل أو يَقتل". كلمات قد تستوقفك للحظات، وقد تحصرك داخل عالم مظلم لا ضوء فيه، وفيه تضيع الآمال حينما يتكئ الأب علي مناصرة (58) عاماً على الأريكة ليشاهد ما قد اعتاد على مشاهدته أمام عينه منذ 6 سنوات، وعندها قد يجذبك الفضول لمعرفة الأسباب التي قد تجعل أباً يدعو لابنه بالرحيل تخفيفاً لعذابه بعد أن تمسك الأب مناصرة بكل الخيوط التي قد تنقذ ابنه منذر (18) عاماً من الموت، بينما شاء القدر أن يثقل المرض العقلي أيضا جسد اخيه ابراهيم ( 35 عاماً) وفي ان واحد، فكلاهما أصيبا باضطرابات عقلية وسلوكية في ذات الوقت، وقد وصف الأطباء هذه الحالة وفق التقارير الطبية بـ "المرض العقلي".

 

"شعرنا باليأس ولم نجد حلاً سوى ادخال منذر إلى مستشفى بيت لحم للأمراض العقلية، والمستشفى لم يتقبل حالته فماذا نفعل؟"

 

هذا ما فعله والد منذر عندما طرق الأبواب ولم يسمع سوى صدى صوته، فلا وزارة الصحة استجابت، ولا حتى مسشتفى بيت لحم للأمراض العقلية حسب ما ذكر علي مناصرة والد منذر. 

 

أضاف: "لقد أرسلت ابني 3 مرات إلى مستشفى بيت لحم للأمراض العقلية، وآخر مرة كانت قبل أسبوعين تقريباً، وبعد انتهاء المدة قال لنا لا نستطيع أن نبقيه أكثر من أسبوعين فعليكم أخذه، أو نقوم بإرساله عبر سيارة الإسعاف والخيار لكم".

 

أشار الوالد خلال حديثه لـ "الحدث"، أن مسشتفى بيت لحم رفض استقبال منذر في البداية، وبعد محاولات عدة تم استقباله فقط لعدة أيام ومن ثم تم اخارجه من المستشفى وقد قيل له حينها "لا نريد استقبال ابنك منذر، ونحن لا نستقبل هكذا حالات".

 

قد يكون ضيق السبل، وتقليص طرق العلاج وتحديداً لمن يوسمون بمرض عقلي، هو السبب وراء وضع منذر في مستشفى بيت لحم للأمراض العقلية، في حين أن المستشفى وبطبيعة الحال لا يستقبل هذه الحالات إلا في حالات نادرة حينما يكون المريض وحسب الوصف الطبي مصابا بـ "التخلف العقلي" وقد تعرضه هذه الحالة للخطر، وحينها تتم معالجته لفترة معينة في المستشفى قد تتجاوز المدة الأسبوعين وذلك حسب الحالة الصحية للمريض وبعدها يخرج ليكمل حياته العادية.

 

وهذا ما أكده مستشفى بيت لحم للأمراض العقلية.

 

فبحسب تصريحات صادرة عن مستشفى بيت لحم للأمراض العقلية فقد تبين بأن منذر تم ادخاله إلى المستشفى بحالة استثنائية و لـ 3 مرات وفي فترات متتالية خلال العام السابق، حيث في كل مرة كان يتلقى فيها العلاج ولمدة زمنية معينة، ومن ثم يخرج من المستشفى معالجاً ومن ثم يعاود الدخول مجدداً، وبحسب نظام المستشفى فالمريض لا يستطيع المكوث فيه بشكل دائم.

 

ذكر المصدر بأن منذر تم اخراجه قبل شهر تقريباً من مستشفى بيت لحم للأمراض العقلية وتحت اطار مسؤولية العائلة، رغم تقديم النصائح من قبل المستشفى بعدم اخراجه.

 

في ذات السياق أكد والد منذر لـ "الحدث" بأنه تم اخراج منذر في ذاك الوقت وعلى عاتق الوالد، وذلك بسبب قيام زملائه المرضى في المسشتفى بضربه، وقد ظهرت على جسده آثار الضرب، في حين أكدت ادارة المستشفى وحسب ما ذكر الوالد بأنه لم يضرب.

 

قال الوالد: "ابني ليس متخلفاً كما يقولون عنه، ويعلم تماما ما يدور حوله، وهو من قال لنا بأنه ضرب داخل المستشفى".

 

بعيون ملؤها الحسرة وثقل الهموم، أخرج الوالد من محفظته آخر التقارير الطبية الخاصة بابنه منذر، فقد خانته لحظة التذكر حينها لتسقط الورقة جانباً ويمعن بي قائلاً : " طفل وكحالة منذر كيف يضعونه بين هؤلاء المرضى، فحالتهم الصحية أكثر تطوراً من حالة ابني منذر".

 

أكد مصدر من داخل مستشفى بيت لحم للأمراض العقلية لـ "الحدث" : "منذر لديه تخلف عقلي، ولديه صفة الاندفاعية، وهو ليس من الفئة التي يمكن استقبالها داخل مستشفى بيت لحم للأمراض العقلية، وما حدث هو اسثناء، وهناك بعض المراكز التي تحتضن مثل هذه الحالات".

 

" كل ثانية ابني معرض للخطر"

 

يعاود الأب تكرار جملة قد أمعن بسماعها في كل مرة: "كل ثانية ابني معرض للخطر، وليس كل دقيقة ... كل ثانية سمعاني يا بنتي ... يا قاتل يا مقتول".

 

قد يبدو لك مضمون الجملة غير مفهوم، ولكن قد تقف على أعتابها وتفكر في سبب تكرارها  وعلى لسان الوالد، وقد تصدم من صعوبة الموقف حينما يقرر منذر الخروج في منتصف الليل بعد أن تناول المهدئات والتي يصفها الأطباء بأنها وبتأثيرها قد تبرك الجمل، ليلقي نفسه بين أحضان جنود الاحتلال الإسرائيلي والقابعين في المستوطنات، وفي كل مرة يفلت من رصاصاتهم وجبروتهم، وقد تكرر هذا الفعل ودون وعي نتيجة الاضرابات السلوكية لديه لأكثر من 50 مرة، واخرها قد تعرض منذر للضرب من قبل جنود الاحتلال الإسرائيلي عندما اقترب من برج المراقبة التابع لأحد المستوطنات المقامة على أراضي مدينة الخليل.

 

" ابنك مريض، ضبه". هذا ما قاله الضابط الإسرائيلي للوالد، بعد أن ضرب منذر وطرحه أرضاً أمام عينيه، وقد وجه لقي حينها منذر تهديداً بالقتل ان تكرر هذا الفعل.

 

من هنا بدأت الحكاية

 

في ذاك المحال التجاري، وفي أحد أزقة بلدة بني نعيم، اقتيد منذر بواسطة شابان إلى داخل المحل، وقد اعتقد صاحب المحال حينها بأن منذر سارق لذا تم الامساك به من قبل الشبان واخذ حينها إلى مركز الشرطة.

 

بعد الحادثة مباشرة، وحسب ما قال الوالد: "أصبح منذر أصبح غير قادر على الكلام ولمدة عام كامل، وكان يعبر بالإشارات فقط، وبعد الحادثة ظهرت عليه اضطرابات سلوكية أدت إلى قيامه ببعض الأعمال التي قد تؤذي الآخرين".

 

أضاف الوالد: "الأطباء قالوا لي بأن منذر تعرض للصدمة، نتيجة اقتياده إلى الشرطة، حيث شعر بالخوف حينها، وهذا نتاج ما حدث، لاسيما وأن حالة منذر الصحية عرضت على أكثر من طبيب وشيخ، ولكن بلا فائدة، وقد ازدات حالته سوءاً شيئاً فشيئاً".

 

إذا الوالد يؤكد لـ "الحدث" بأن الصدمة هي المسبب الأساسي لحدوث الاضطرابات العقلية والسلوكية لدى منذر وكما وصف حالته، ولكن الأطباء النفسيين و المشرفين على حالة منذر قد أكدو لـ "الحدث" عكس ذلك، فلديه " تخلف عقلي" وراثي، وقد يبرر ذلك سبب حدوث اضطرابات عقلية أيضا لدى اخيه الأكبر ابراهيم.

 

الأطباء: "منذر لا علاج له"

 

" منذر لديه أعراض لحالة مزمنة، ولاشفاء له"  هذا ما اكده الدكتور صاحب محمود الصاحب.

 

بتاريخ 25/6/2015 صدر تقرير طبي عن أخصائي الطب النفسي الدكتور صاحب محمود الصاحب، وهو الطبيب المشرف على حالة منذر منذ بداية تلقيه للعلاج، وقد أكد التقرير بأن منذر يعاني من أعراض عقلية فصامية، وهو قليل الفهم والتركيز والاستيعاب، كما أنه يعاني من محدودية في الذكاء، وغير قادر على حل المسائل الحسابية حتى البسيطة منها، ويخرج أصواتاً غريبة احيانا، ويخلط في حديثه ويتمتم لوحده، كما لديه بعض الهلوسات السمعية والبصرية ويسرد بخياله احيانا.

 

 

وجاء في التقرير : "منذر غير قادر على إدارة أمور حياته الأسرية والاجتماعية، كما أنه غير قادر على إعالة نفسه بنفسه أو القيام بعمل مستمر أو مفيد، وهو معرض للانتكاسات بين الفينة والأخرى".

 

بناء على ما ذكر في التقرير، وحسب ما أكده أخصائي الطب النفسي صاحب محمود الصاحب لـ " الحدث " بأن منذر لديه تخلف عقلي بسيط ومنذ الولاده، اضافة إلى قيامه باضطرابات سلوكية ناجمة عن هذا التخلف العقلي، لاسيما وأن ذكاءه أقل من المستوى العادي، وهو كثير التخيل والضحك.

 

قال الصاحب: "منذر قد حصل على طرق علاجية متعددة، وقد تناول أنواع عدة من الأدوية، وهذه الأدوية لم تنجح في علاجه، وقد قدمنا له الأدوية والمهدئات المستخدمة حديثاً وقديما ولكن دون فائدة".

 

واستكمل الدكتور الصاحب حديثه : "منذر حالة من الحالات النادرة جدا والصعبة، وما يصعب العلاج هو ذكاءه المحدود جداً، ويقال عنه بالعامة ( مش نبيه أو فتح)".

 

في إشارة إلى ولادة المرض وبطريقة وراثية وعلى عكس اعتقاد الوالد علي مناصرة، ذكر الدكتور صاحب محمود الصاحب بأن ابراهيم أيضا وهو الأخ الأكبر لـ منذر هو الآخر يعاني من مرض عقلي، ولكنه بحالة هي أقل خطورة من اخيه منذر.

 

 

ولوصف حالة المرض، قال الدكتور الصاحب : " المرض العقلي يحطم جزء كبير من شخصية الفرد".

 

وأكد الدكتور الصاحب بأنه قام بتحويل منذر لتلقي العلاج في مستشفى بيت لحم للأمراض العقلية، ولكن المستشفى ليس لديه الامكانيات المتوفرة لعلاج حالة منذر.

 

" يشكل هذا المرض خطراً على حياة منذر"هذا ما أكده أخصائي الطب النفسي إياد العزة في اتصال هاتفي لـ " الحدث " حيث أشار في حديثه بأن منذر يعاني من اضطرابات سلوكية وعدائية تجاه نفسه وتجاه الآخرين.

 

وأضاف العزة : "ادخال مثل هذه الحالات إلى مستشفى بيت لحم للأمراض العقلية قد يوقع الأطباء وكذلك الأهالي في اشكالية لا نهاية لها، لاسيما وأن الاقامة في المستشفى غير دائمة، ولا يشكل هذا حلا جذرياً للحالة المرضية، والأهالي في طبيعة الحال يبحثون عن الحلول".

 

في ذات السياق، أكد العزة بأن منذر لم يستجب لجميع الأدوية التي قدمت إليه أثناء علاجه. وقال : " لا يوجد علاج جذري لحالة منذر وما يعانيه من اضطرابات عقلية شديدة، وما يحتاجه منذر هو المتابعة الدائمة لحالته".

 

وأضاف: " هناك اعتقاد خاطئ بأن الحالات النادرة المشابه لحالة منذر، قد يكون علاجها مرهون بالسفر لتلقي العلاج في مستشفيات خارج البلاد، وما لا يعلمه البعض بأن العلاج المتوفر في فرنسا هو ذاته المتوفرلدينا، وبالتالي لن يستفيد منذر إن تلقى العلاج في الخارج".

 

الدواء لم يفد ومنذر مكبل بالجنازير

 

" ربطناه بالسلاسل الحديدية ( الجنازير) داخل غرفته حتى نحميه، ولا سبيل آخر امامنا". جملة قالها والد منذر، وقد يجوب ذهنك بحثاً عن مشاهد تصويريه لهذا الموقف، حينها تتعمد أن تتلاشى الصورة من أمامك، فلا قسوة أكثر من ذلك، حينما تحكم الجنازير في يدي وقدمي الإبن، وبواسطة يدي الوالد رغماً عنه، فكيف إذا قد نصف الصورة عندما يغلق باب الغرفة، ويقف الوالد على ناصية المشهد ليبكي ما قد حل بابنه.

 

وقد توقفك كلمة قد ذكرها الوالد : " نكبل محمد كي نحميه !"

 

قال الوالد : " منذر لا ينام سوى ساعتين في اليوم الواحد، بالرغم من حصوله على منوم قد ينوم الجمل، وفي الليل ودون وعي يقوم منذر بضرب الزجاج بيده حتى ينزف الدم منه، ويغضب فجأة، وكثيرا ما قام بضرب أمه واخته وبشكل همجي".

 

وصمت الوالد واكمل حديثه : " شو اعمل ارميه في الشارع؟"

 

وأضاف: " وبعد أن يغضب ويضرب، أسأله لماذا قمت بضرب أمك أو اختك أو حتى انا، فيقول لي السبب الشيطان وكذلك عمر " .. والسؤال هنا من عمر؟ .. الأب: " صديقه عمر".

 

وأكد الأطباء بأن منذر قد تظهر لديه بعض الهلوسات السمعية والبصرية، وكذلك قد يسرح في مخيلته بحثاً عن تفاصيل غير موجودة، لاسيما وأن حالته هذه قد تمنعه من ممارسة حياته العادية كغيره، وحتى تحرمه من العمل او اكمال الدراسة كذلك.

 

" ابني انتهت حياته الصحية بسبب تناول الادوية الكثيرة". هكذا وصف الوالد حالة ابنه منذر نتيجة تناول الادوية الكثيرة والمهدئات والتي لا تعد ولا تحصى، مما تسبب هذا في تعريضه لعملية في القولون.

 

قال الوالد: " الأطباء قالو لي ابنك تحمل ما لا يتحمله الجبال، والأدوية قد أثرت عليه سلباً وبنسبة 90%".

 

وذكر والد منذر، بأن الأمر لم يتوقف هنا، وانما قد لجأ الأب لوضع الفوط الصحية( الحفاضات) لأبنه البالغ من العمر (18) عاماً، وحفاظا على نظافته، نتيجة التأثير السلبي لتناول الأدوية.

 

إذا حالة صحية يصعب علاجها حسب ما ذكر الأطباء ومختصي الأمراض النفسية، ومستشفى بيت لحم الحكومي للامراض العقلية لا يحتضن مثل هذه الحالات التي يصفها بـ " التخلف العقلي" إلا في بعض الاستثناءات، وبالمقابل الامكانيات محدودة لضم منذر بين قائمة المرضى. والأب يقف كل يوم أمام النافذة وعيناه تترقبان ابنه منذر وهو يسير بنفسه إلى التهلكة دون وعي، قائلا بذاته " اريد الموت". فهل سينفذ صبر العدو؟ وهل سيبقى منذر يفر من قبضة السلاسل الحديدية أو سيحصل على علاج؟