الخميس  25 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

" رمتني بدائها وانسلّت": كيف يُروى تاريخ أمة بعين صهيونية؟/ بقلم د. رزان إبراهيم "جامعة البترا"

2017-01-18 01:00:30 PM
د. رزان إبراهيم

 

بثقة ويقينية مطلقة، وبصوت ينفث كراهية وحقداً يكاد أن يكونا غير مسبوقين لي – على الأقل- كانت تتحدث، استمعت إليها بكل أسى وأنا أرى جمهور المهللين والمرحبين بكل ما تقول، ليتبين لي دون أدنى شك أنها واحدةٌ من مروجات الحملة الرئاسية الداعمة لترامب.

 

 المشكلة أن من شأن أنموذج مثلها كما سأفصل بعد قليل أن يجد هذه الأيام أذناً صاغية لدى أعداد متزايدة من جماهير باتت ترى " داعش" الممثل والحامل الوحيد لصورة خلافة إسلامية استمرت على مدار قرون طويلة، ليصبح يالإمكان وبجرة قلم محو تاريخ حضارة بأكملها.

 

ما يغيظك في خطابها هي ومن يشبهها أنها جعلت من اليهودي عبر التاريخ نسخة تتطابق تماماً مع " كتكوت صغير" يقف وحيداً وسط أعداد من الديكة المتوحشة الملتفة حوله بغرض الفتك به، بينما ينادي هذا الكتكوت المسكين بأنه لا يريد سوى العيش في سلام بعيداً عن عربي معتد ظالم يفوق بعنصريته نازية هتلر.

 

 حقيقة لا أعرف من أين أبدأ بالرد؟ هل أبدأ منذ اللحظة التي ادّعت فيها أن محمداً نبينا الأكرم نقل عن التوراة وجعله في القرآن الكريم، وأنه كان يتقرب من اليهود ثم عاد وانقلب عليهم؟ أو من حيث ادّعت أنه عليه السلام من نقض صلح الحديبية كما فعل بعد قرون ياسر عرفات حين انقلب على معاهدة السلام الإسرائيلية ودعا للانتفاضة؟.

 

هل أبدأ من حيث أسبغت على المسلمين كلهم مبدأ " التقية" بالمعنى الشائع من أنهم يبطنون غير ما يظهرون بدواعي الغدر؟ أو حين قالت إن المسلمين هم من ألبس اليهود مظهراً خارجياً يميزهم عن بقية الخلق تحقيراً لهم؟ طبعاً هذه أمثلة لا تعدو أن تكون نقطة من بحر واسع يفيض بماء الحقد الأسود الذي يصمّ الآذان.

 

وظني أن سمومها هذه يجب أن يُرد عليها كلها لا بمنطق الضغينة الذي انطلقت منه وحسب، وإنما بمنطق الحقيقة التاريخية التي تثبتها مراجعُ معروفٌ عنها أمانةٌ في النقل.

 

هنا بالذات سأكتفي بالرد على فخرها بحرب الفرنجة الصليبية على القدس، بما نقلته من أنها تحركت بدافع إنساني خالص غايته إقامة العدل وإزاحة الظلم الذي أوقعه المسلمون بأصحاب الديانات الأخرى.

 

في هذا السياق لن أحكي عن المذبحة التي قام بها الفرنجة بحق العرب المسلمين آنئذ مع ما رافقها من أجساد مطروحة بالآلاف في مستنقعات من الدم عند أعتاب مساكنهم أو بجوار المساجد، ولكني سأحكي عن مصير يهود القدس أو أبناء الطائفة اليهودية بالذات الذين جعلتهم بؤرة مركزية تنسب كل أنواع الاضطهاد الذي تعرضوا له في تاريخهم للعرب والمسلمين.

 

 متناسية عن عمد عكس ذلك تماماً مما ينقله أمين معلوف في كتابه " الحروب الصليبية" الذي نقرأ من بين ما يرد فيه أن اليهود وبعد اجتياح الفرنجة الشوارع في القدس، وتهديمهم بقية السور المشرف على منازلهم، بادروا إلى التحرك باتجاه الكنيس الإسرائيلي الذي سدّ الفرنج كل المنافذ من حوله، وقاموا بتكديس أكوام الحطب، ومن ثمّ أضرموا النار بمن فيه لينتهوا بالحرق وهم أحياء.

 

حتى إخوانهم في الدين ( مسيحيو القدس) لم يوفروهم، ويذكر التاريخ أنهم طردوا الكهنة من كنيسة القيامة، وحين عزموا على المقاومة قبضوا عليهم وأخضعوهم للتعذيب، وحصلوا بالقوة من مسيحيي المدينة المقدسة على أغلى ما يملكون من ذخائر.

 

 ليس هذا وحسب، فلدينا الكثير مما نعرفه جيداً ويصلح أن يكون رداً مفحماً، فيكفينا ما يذكره التاريخ جيداً من أن سكان إسبانيا؛ ( مسيحيين ويهود) الذين تذكرهم صاحبة الخطاب العتيد بكثير من شفقة استمروا إبان الحكم الإسلامي في العيش في بيوتهم وقراهم محافظين على ديانتهم، بينما أبيد مسلمو إسبانيا وصقلية فترة محاكم التفتيش عن بكرة أبيهم، وذُبحوا وأُرغموا على سلوك طريق المنفى وجرى تنصيرهم بالقوة. ولكن كما يقول المثل:" رمتني بدائها وانسلّت".

 

لا نخجل من حضارتنا العربية الإسلامية في الأندلس وفي غيرها. هناك كما في كثير من تاريخ الحضارات ما يعيبها. لكني هنا أكرر ما قاله أمين معلوف من أن إسلاماً يعتبرك مواطناً كاملاً - في بلد ذي أغلبية إسلامية- أياً كانت معتقداتك، يمكن اعتباره الصانع الأول لأبرز بروتوكول تسامح في فترة كانت لا تتقبل منها المجتمعات الغربية شيئاً من هذا.

 

طبعاً قالت الذي قالته بداعي التأكيد على أحقية إسرائيل في سيادة عالم ما فتئ المسلمون يعيثون به فساداً، فمن غير إسرائيل يستحق بجدارة دعم أمريكا الراعية لحقوق الناس في كل مكان!!!!