الجمعة  19 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

من العاصمة... القدس في الواحدة بعد منتصف الليل..

2014-10-28 01:21:29 AM
 من العاصمة... القدس في الواحدة بعد منتصف الليل..
صورة ارشيفية
مفرقعات الانتفاضة غير المعترف بها تعلي الصوت والفعل
 
الحدث: أحمد البديري/ القدس
شاب مقدسي يسأل رجلاً يمر في شارع الواد في البلدة القديمة: "يا حاج أعطني مئة شيكل، بدي أشتري للشباب طُقّيع عشان عنّا عرس الليلة". هذا الطلب فيه الكثير من التشفير، فأولاً المفرقات ليست للابتهاج في القدس، وثانياً الشبان لا يريدون الاحتفال بعرس، فلا أعراس هذه الأيام، والشاب لم يطلب مئة شيكل.
ظاهرة المفرقعات التي تطلق ليلاً هي ظاهرة اجتماعية سلبية، بينما هي في القدس، حالة وطنية تعكس غضب المدينة من استمرار الاحتلال. بعد اعلان استشهاد عبد الرحمن الشلودي ومن قبله أبو خضير وسنقرط، ظهرت المفرقعات التي تستخدم عادة في الأعراس ومرفوضة اجتماعياً، ظهرت كسلاح لشبان القدس.
جنود الاحتلال يستخدمون سلاحاً مشابهاً، وهو القنابل الارتجاجية التي تسمى بالقنابل الصوتية اصطلاحاً. الهدف من السلاحين هو إخافة العدو أو إرهابه، لأن هذا السلاح له ميزتان، الأولى: الصوت المفزع الأشبه بالقارعة الطارقة، والميزة الثانية: الشرر الناري المتوهج والمفاجئ، فالضوء أسرع من الصوت.
بالعودة إلى قصة الشاب الذي يطالب بالمئة شيكل، يستطرد: "ما معي فلوس والحبايب تاركين البلد وسهرانين على القهوة". مرة أخرى رسالة مشفرة فهمها الرجل الذي بدوره، رد: "مُر بكرة على المحل". الحبايب هم القيادات السياسية، والقهوة هي المراكز الحزبية أو المقاهي بحق، ولكن على شاكلة المقاهي الراقية التي لا تقدم قهوة عربية، بل إسبرسّو.
القصة تبدو شيقة وبوليسية، لكنها في الواقع توضح العزلة والتجاهل الذي تعيشه القدس. فالفتية، كما أوردت سابقاً، لا يريدون المفرقعات للحفلة، لأن العرس هو عرس وطني كما قالوا لي. الفصائل الفلسطينية التي مولت الانتفاضة الأولى والثانية، غائبة تماماً عما يجري في أحياء القدس وأزقتها، والشبان في حي الواد يريدون المفرقعات لتخفيف الضغط عن أخوتهم في حارتي باب حطة والسعدية داخل البلدة القديمة. ليس بعيداً، في سلوان والطور والثوري ومخيم شعفاط والعيسوية المشهد يتكرر.
المفرقعات يتم التعامل معها كما المخدرات والأسلحة، فهي تهرب تهريباً إلى القدس، وأسعارها خيالية مقارنة مع المفرقعات في رام الله وغزة، حيث فيهما ترتفع الأسعار صيفاً بسبب موسم الأعراس. في أماكن سرية يتم إخفاء المفرقعات كمن يخبئ قطعة سلاح أو منشور لفصيل كما في الانتفاضة الأولى.
الانتفاضة غير المعترف بها 
بعض القيادات السياسية الفلسطينية في الضفة وغزة تقول إن ما يجري في القدس هبة ليس أكثر، وتلك القيادات أو النخبة السياسية ترفض الاعتراف بالانتفاضة المقدسية، ولكن الجانب الآخر من المعادلة يرى عكس ذلك، أو بدأ يغير رأيه عما يجري.
الأستاذ سامر خليل، المتابع والدارس للتفاعلات الداخلية الإسرائيلية، يرى أن المجتمع الإسرائيلي والنخبة الإسرائيلية باتت أكثر فهماً للواقع المقدسي، قال: "تعالت الأصوات الإعلامية الإسرائيلية التحريضية ضد الحكومة الإسرائيلية، إلا أن ما يجري في القدس فاق كل التوقعات، بعكس ما صرح به وزير الأمن الداخلي أهارونوفيتش من أن الأحداث التي تمر بها "العاصمة الأبدية لإسرائيل" هي مجرد أحداث عابرة، إلا أن ما يجري من مناوشات سريعة في مناطق القدس الشرقية، تؤكد على خلل في المفهوم الأمني الإسرائيلي، فقبل تصريحات أهارونوفيتش، اعتمدت الشرطة الإسرائيلية مصطلح أعمال مخلة بالنظام العام، إلا أنها وبعد تتالي الأحداث شطبت المصطلح القديم وأضافت مصطلح الإرهاب المقدسي".
الضربة الجوية
اعتلى الشبان المقدسيون الأسطح، وبكل هدوء وثقة تسللوا بالقرب من تجمع لجنود الاحتلال المنشغلين بالفيسبوك على جوالاتهم ومطالعة أخبار كرة القدم أو التحدث مع صديقاتهم، هنا كانت الضربة، العشرات من الشبان انهالوا على الجنود بالضرب ورشهم بالغاز ثم بالحجارة. الجنود هربوا مصابين، ولكنهم استدعوا قوات النجدة التي وصلت إلى المكان أسرع مما ظن الشبان.
الاشتباكات بدأت بعد إقفال باب المسجد الأقصى ومغادرة آخر حارس بعد إنهاء صلاة العشاء. الأهالي في منازلهم الموصدة أبوابها. الاشتباك بدأ في حارتين في وقت متزامن دون وجود لقيادة موحدة للعمل الشعبي. الجنود يتحصنون وراء الجدران في الزقاق، والشبان يستخدمون سلاح صواريخ ليس بدائياً فحسب، وإنما غير فعال إلا على المستوى النفسي.
الجنود خافوا من اقتحام الزقاق في سويقة باب حطة أو عند المئذنة الحمراء، الضباط وصلوا وباشروا بإعطاء الأوامر يتكسير أبواب المنازل لاعتلاء الأسطح. هذا هو الواقع الحقيقي للقدس، فالمشهد يتكرر في سلوان والمكبر والصوانة وغيرها.
الإعلام يتجاهل أو منشغل
يفتح المقدسي شاشات التلفزة العربية فيرى أخبار كل العالم إلا خبره هو، ثم يشاهد نشرات أخبار القنوات الفلسطينية التي يذكر بعضها الخبر على استحياء، فهناك أخبار الرئيس والإنجازات على المستوى الدبلوماسي، أو أخبار قادة حماس وإنجازاتهم في غزة.
الخطيئة الكبرى التي ترتكب بحق القدس، هي الإدراك الإسرائيلي لخطورة ما يجري وتجاهل الفصائل الفلسطينية. يضيف سامر خليل: "حديث نتنياهو اليومي بضرورة وأد الانتفاضة الصامتة في القدس، وطلبه من قوات الأمن الإسرائيلي بضرورة زيادة تواجدهم في المناطق العربية في القدس لهو خير دليل على أن الحكومة الإسرائيلية تعيش حالة من التخبط الأمني والسياسي وحتى الاجتماعي. إن حديث نتنياهو حول ما يجري في القدس يعتبر ضربة قاسية في العلوم الأمنية، فكلما زاد وجود قوات الأمن فهذا يعني أن الأرض ليست تحت سيطرته، وهذا ما يجري في القدس منذ عدة أشهر".
الحكومة الإسرائيلية بدورها لا يمكن أن تتجاهل الانتفاضة غير المعترف بها، لهذا وجب عليها التصرف. كما في كل مرة تستخدم العصا الغليظة، كما فعل رابين في الانتفاضة الأولى، فأهارونوفيتش أصدر أوامر بقمع التظاهرات بكل قوة وشدة، بما في ذلك داخل المسجد الأقصى، حيث سجلت حالات استخدام المولوتوف واحتراق أكثر من جندي.
هنا يخرج سلاح إسرائيلي آخر، وهو كما يرى خليل، سلاح إعلامي، فيقول: "عمدت حكومة الاحتلال وإعلامها المجير على تصوير ما جرى في القدس قبل أيام خلال دهس المستوطنين على أنه عملية إرهابية، وتم ربط الحدث بإنه أمر عابر، وربما يحدث في أي عاصمة في العالم. إن هذا الحديث له رسالة مفادها أن إسرائيل لن تسلم بمفهوم أن القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية، لا بل فهي تعتبرها العاصمة الأبدية والموحدة".
القيادات السياسية الفلسطينية، ردها يكون بوقفة على دوار المنارة تعدادها الأكبر سبعون، ثم تدعو حماس لمسيرات فتقمعها السلطة الفلسطينية، وتعود وسائل الإعلام لتغطية أخبار الانقسام الفلسطيني والحوار الفلسطيني وقصص عبثية بعيدة كل البعد عن استجداء الشاب لمئة شيكل لشراء "طُقيع" من أجل العرس.