الجمعة  29 آذار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

القرار الفلسطيني بإعادة أموال المقاصة خاطئ تماما وسيساهم بمفاقمة الأزمة

التعاطي مع أزمة المقاصة فيه طفولية.. و"الحرد" عن أخذها ليس هو المناسب

2019-04-01 02:13:04 PM
القرار الفلسطيني بإعادة أموال المقاصة خاطئ تماما وسيساهم بمفاقمة الأزمة
وزارة المالية الفلسطينية

 

خاص الحدث

حذر اقتصاديون وسياسيون وحقوقيون وإعلاميون، وممثلو مؤسسات مجتمعية؛ السلطة الفلسطينية، من انفجار الشارع الفلسطيني من مغبة الاستمرار في خصم 50% من رواتبهم واقتطاع البنوك الجزء الأكبر من أنصاف تلك الرواتب، وعلى الرغم من تأييدهم لحالة التحدي في موقف القيادة الفلسطينية بمواصلتها صرف رواتب أسر الشهداء والأسرى والجرحى، إلا أن غالبيتهم انتقدوا موقفها الرافض استلام ما تبقى من أموال المقاصة، وطالبوها باللجوء للتحكيم الدولي في استرداد ما أقدمت عليه حكومة الاحتلال بخصم 42 مليون شيقل من مستحقات المقاصة.  

وبينما طالب الخبير الاقتصادي د.  نصر عبد الكريم، الحكومة بدراسة التقشف استنادا إلى الدراسة التي أعدتها مؤسسة أمان والتي يمكنها أن توفر بموجبها  300 مليون دولار، وذلك ضمن أربعة حلول مؤقتة، إضافة إلى ملاحقة المتهربين ضريبيا وإعادة فتح ملف التهرب الضريبي الذي تقدر قيمته بـ  500 مليون دولار، بالمقابل وقف التسهيلات لما وصفهم بـ"كبار الحيتان" الذين استولوا على 740 مليون دولار كإعفاءات ضريبية بفعل قانون تشجيع الاستثمار للشركات الكبرى منذ عام 97 وحتى اليوم. إلى جانب جباية 200 مليون دولار دون أن توسع الضرائب على المكلفين، فيجب إعادة النظر في النظام الضريبي لأنه غير عادل تماما.

أزمة سيولة وليست مالية

 فإنه يصف، أزمة توقف "إسرائيل" عن تحويل الجزء المتبقي من المقاصة بعد خصمها رواتب أسر الشهداء والأسرى والجرحى، بأنها أزمة سيولة وليست أزمة مالية لأنها مستحقات مالية فلسطينية محجوزة لدى الإسرائيليين ولكن ليست مقتطعة، ويرى أنه في اللحظة التي تتم فيها سواء تنازلنا نحن أم هم عن القرار ترجع للخزينة لأنها مستحقات.

ويستنتج د. عبد الكريم، بأنها أزمة سيولة، وعليه يرى أن على الحكومة الاقتراض من الجهاز المصرفي بضمان هذه الرواتب المحتجزة لمدة 3 أشهر، وما يخشاه، أن استمرار الاقتراض بعد ذلك يفاقم الأزمات أكثر من المنافع، ولذلك طالب الحكومة بالعودة للموازنة وإدارتها بطرق صحيحة.

وقال: في النفقات يجب ترتيب الأولويات، معتقدا أن البنية التحتية جميعها والمشاريع التطويرية ليست أولوية بقدر إعالة أسرة فقيرة ورعاية طبية وتعليم وبناء الإنسان وتمكينه، لذا يجب أن يكون هناك خطة ترشيد الإنفاق.

ويشكك د. عبد الكريم في القدرة على تجاوز الأزمة الحالية الراهنة، لأنه يرى أن الأبعاد السياسية ليست مجرد أرقام، وقال: "إذا استطعنا تجاوز الأزمة يجب أن نفكر بالتوازي في الخيارات الاستراتيجية حول ماهية أولويات الإصلاح الاقتصادي الاستراتيجي، وبصراحة لا يجب أن نتباكى على المقاصة التي تشكل 72% من إيراداتنا، وبالتالي يجب عدم إغفال أن هناك حاجة لمعالجة ومجابهة هذه الأزمة التي أعتقد أنها ستمتد إلى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية، وعلى ضوء هذه النتائج ربما تأتي بما هو أسوأ من رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو".

 وأضاف د. عبد الكريم: "علينا أن نكون حذرين ونشد الحزام، والضرر يكون على الجميع، لأن العدالة مهمة في المكاسب والأعباء، وإن لم ننجح في استعادة ثقة الناس من خلال الشفافية ومعرفة البدائل المطروحة؛ على الحكومة أن لا تخطو خطوات غير محسوبة لأنها ضارة وستتراجع عنها تحت ضغط الجماهير والحاجة".

ويشدد عبد الكريم، على ضرورة التمييز ما بين الأزمة الراهنة وسببها الأساس السياسي، لأن "إسرائيل" لم تحجب ولم تحجز 750 مليون شيقل، وإنما حجزت 42 مليون شيقل.

والقيادة الفلسطينية محقة عملت ردة فعل سياسية لإثارة القضية دوليا، ولقناعتها أنه لا يجوز تجريم المقاومة وفعلها بأي شيء، وبالتالي هذا الخصم سيطول تجربة نضالية فلسطينية كبيرة وإن إقرارنا فيه معناه الإقرار بأن الفعل النضالي للاحتلال كان مجرما، وبالتالي قررت القيادة الفلسطينية أن لا تستلم ولا دولار كما قيل من المقاصة.

وتساءل عبد الكريم، هل نستطيع أن نتحمل التبعات الاقتصادية لقرارنا، وإلى متى هذه التبعات الاقتصادية؟، فإذا وجدنا تذمرا من الأسبوع الأول فهي إشكالية، لذا فإن المواطنين غير جاهزين، ولا الحكومة الراحلة كما ادعت جاهزة، ولا يوجد هناك نفس أصلا للمقاومة والفعل الاقتصادي المقاوم، لأنه واضح تماما أن تذمر الناس من الخصومات على الرواتب والقروض، لسنا جاهزين عمليا، لذلك لماذا لسنا جاهزين؟.

ويرى عبد الكريم، أن أحد الأسباب التي جعلتنا غير جاهزين، هي استسهال الحلول في الأزمات السابقة، فعندما كانت توجد هناك أزمة خصم للمقاصة أو قطع للمساعدات، نلجأ للحلول السهلة، نخصم القليل ونؤجل الرواتب بعض الوقت ونتلقى بعض المساعدات لتحل الأزمة السياسية وتعود المقاصة والمساعدات وتعود الأمور إلى السير، ولكن إلى متى؟ فهل كنا نعتقد بأن هذه الأزمة لن تتكرر؟

السياسات الاقتصادية الفلسطينية تتحمل مسؤولية العجز في الميزان التجاري

ويحمل د. عبد الكريم السياسات الاقتصادية الفلسطينية، مسؤولية العجز في الميزان التجاري مع العالم الخارجي والذي يتجاوز 5 مليار دولار، وهو الذي رفع نسبة المقاصة إلى 70% من الإيرادات، بعد أن كانت 30% مع بداية السلطة، بسبب تمويل عجز الموازنة من العجز التجاري، وافترضنا أن الإسرائيليين سيستمرون في تحويلها دون أي ابتزاز أو توظيف سياسي وهذا افتراض خاطئ.

ويأمل د. عبد الكريم، من حكومة د. محمد اشتية القادمة أن تقف عند هذه المحطات وقفة جدية وتحاول أن تعكس المسار، محذرا من عدم استهانة المستوى السياسي بالقادم، وطالبها بالتحضير لنكون جاهزين وبشفافية ومصارحة ومكاشفة عالية، للصمود والمقاومة وعدم مقايضة المكاسب الاقتصادية بمواقف وحقوق سياسية وهذا لن يقبله أحد، عندها فقط يمكن أن نعبر المرحلة ونعود لنلملم جراحنا من جديد، والتي تشكل تحديا وفرصة ولكن علينا إدارتها بشكل صحيح.

وقال: "هذه آخر فرصة ستعطى للفلسطينيين بأن هذه التبعية وهذا الوضع الراهن الساكن يجب أن يتغير ويجب أن يفتح فرصة كبيرة أمام مواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي على مختلف الجوانب لعل وعسى يفتح أفقا لتسوية سياسية تحقق لنا العدل".

السلطة لم يعد لها دور حقيقي

بينما يقول د. حسن أبو  لبدة - رئيس اتحاد صناعات الطاقة المتجددة، إنه "آن الأوان لأن يشارك الكل في رفع كلفة الاحتلال، لأن السلطة لم يعد لها دور حقيقي، فهي اليوم وكيل لإدامة الاحتلال بالمجان، وآن الأوان لهذا الوكيل أن يرفع هذه الكلفة أو يستقيل".

ولا يرى د. أبو لبدة على حد قوله: "في اجتزاء المقاصة ومصادرتها نهاية الكون، فالقصة سياسية محضة والتحدي يواجه الجميع، لأن هذا النظام على علّاته ومشاكله هو في نهاية المطاف ولي الأمر في كل القضايا التي تطرح على الساحة، وإصلاحه واجب، وتخلينا كمواطنين و(كفسائل) وليس فصائل عن مبدأ المساءلة والمحاسبة الذاتية والموضوعية سيوصلنا إلى هذا الوضع، لأنه ليس هناك شيئ جديد علينا".

 وتساءل د. أبو لبدة، من الذي قال إن مسألة المساعدات لم نكن في كل مرة ندفع ثمنا باهظا من أجل أن نستأنفها؟، ولكن التعاطي مع الأزمة فيه طفولية لأن المقاصة التي مع إسرائيل هي حق، "فالحرد" عن أخذها ليس هو المناسب، المناسب أن نأخذ إسرائيل ومن يقف وراءها لكل المنابر التي يمكننا أن ننفذ لها، لأن هذا انتهاك إضافي لحقوق الفلسطينيين".

قرار القيادة خاطئ و"أنتم تجوّعون الناس"

بينما يقول هاني المصري - مدير عام المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية – مسارات: إن "القرار الفلسطيني برد أموال المقاصة خاطئ تماما وسيساهم في مفاقمة الأزمة، لكن من الممكن أن يكون صحيحا إذا كان جزءا من استراتيجية جديدة وجزءا من تغيير المسار ومن تطبيق قرارات المجلس الوطني، أما إذا كان نوعا من الحرد وردات الفعل فهذا يعني إعادة إنتاج للأزمة وتعميقها والتي نحن مستمرون فيها منذ 4 سنوات، وما زلنا ندرس كيفية تطبيقها".

وأضاف المصري: "علينا أن نقول للقيادة هذا قرار خاطئ وأنتم تجوّعون الناس، وشبكة الأمان المالية العربية غير مضمونة، خاصة أن العرب ممن يمتلكون الأموال يتأثرون بقرار الرئيس الأمريكي الذي يشن الحرب علينا".

وانتقد المصري، رهان البعض على أن حجز حكومة الاحتلال لجزء من أموال المقاصة أمر مؤقت ومرتبط بالانتخابات، وأنها ستتراجع عنه، وقال: "هذا قانون ومن المستحيل تغييره، والأمر الآخر، المستقبل في إسرائيل للتيارات المتطرفة، وفي ظل ذلك هناك ضغط على الفلسطينيين ليقبلوا بتحويل ما تبقى من دور سياسي للسلطة إلى دور أمني اقتصادي إداري".

وطالب المصري، السلطة الفلسطينية، أن تقتنع الآن بأنها لن تأخذ دولة فلسطينية ولا القدس، وعليها التصرف على هذا الأساس، لأن لدى إسرائيل البدائل بتجهيزها وتضخيمها دور الإدارة المدنية، وإعداد خططها لقطاع غزة والضفة الغربية ودعم دولة في غزة.

ضغط على البنوك لمنعها من تحويل أموال عربية

في حين يرى د. رسلان محمد – رئيس اتحاد الاقتصاديين الفلسطينيين، أن حجز أجزاء من أموال المقاصة ووقف المساعدات الأمريكية هو إحدى حلقات الضغط والابتزاز للشعب الفلسطيني، يتزامن ذلك مع الضغط على البنوك لمنعها تحويل الأموال من الدول العربية.

وقال محمد: "إنها معركة كسر عظام للسلطة الفلسطينية الساعية لـ(ليّ ذراع) الأمريكان وترامب".

ويختلف محمد مع الآخرين بتأكيده على صوابية الموقف الرسمي الفلسطيني بعدم استقبال أموال المقاصة ناقصة، والثبات على الثوابت بدون تنازل، "لأن المطلوب هو التنازل عن القدس واللاجئين وقضايا سياسية هائلة جدا، وإن الخروج من تحت العباءة الإسرائيلية أمر ليس بالسهل إن بقينا تحت الاحتلال بهذه الطريقة، وبالإضافة إلى الضغط الرسمي، يجب أن يكون هناك ضغط شعبي في الشارع الفلسطيني لفضح هذه السياسات والممارسات".

"الحكومة في (الباي باي) وأعطيناها فوق تقصيرها وردة"

وترى وفاء عبد الرحمن - رئيسة تحرير شبكة نوى - مدير مؤسسة فلسطينيات الصحافية، أن القضية  تحتاج إلى محاسبة، وقالت: "ما حصل أن حكومة تسيير الأعمال قالت نحن جاهزون ولدينا بدائل منذ شهر تموز الماضي، ونحن للآن لم نر أي خطط أو بدائل مطروحة، ويفترض أن هذه الحكومة في "الباي باي" وأعطيناها فوق تقصيرها وردة، ولا يحاسب أحد ولم يساءل أحد".

وتطالب عبد الرحمن، حكومة اشتية القادمة بتقديم حلول آنية وطارئة للأزمة المالية وبالذات لرواتب الموظفين، وتساءلت، لماذا لا نراهن على انفجار الناس ضد الاحتلال؟، من الذي اتخذ القرار؟، من الذي يعطي الصفة الشرعية للقرارات الوطنية حتى نقول هذا قرار وطني ملزم لنا جميعا؟.

وقالت عبد الرحمن: "في كل أزمة المواطنون يدفعون الثمن، والنموذج واضح عند "حماس" بالضغط على المواطنين في قطاع غزة وفرض ضرائب إضافية عليهم، ومحاولة تعويض ما تخسره من ما يدفعه المواطنون الذين انفجروا في حراكهم مؤخرا في وجه حماس".

وأضافت عبد الرحمن: "طالما لم يشارك المواطنون ومن يمثلهم في القرار ودون مشاورة أي طرف  مجتمعي أو حزبي أو سياسي حتى يتحمل الكل مسؤولياته، لذلك يجب التضامن معا لإنقاذ المشروع الوطني، لدينا قدرات عالية وكبيرة، نستثمر في إمكانياتنا ووطنيتنا التى لا أحد يزاود عليها وعندنا استعداد للتحمل بدفع الثمن إن عرفنا أين نحن ذاهبون، وطالما لا نعرف هذه القيادة أين ذاهبة نرفض أن ندفع الثمن".

قرار خصم المقاصة  ليس له علاقة بالانتخابات الإسرائيلية والأمر يتطلب مواجهة فورية

في حين يعتقد د. واصل أبو يوسف - عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، أن قرار حكومة الاحتلال يأتي في سياق الضغط السياسي على القيادة الفلسطينية لتقديم تنازلات لها علاقة بالموقف الأمريكي ومحاولة تمرير ما يسمى بصفقة القرن، ومن الواضح تماما أن هناك أعلان حرب مفتوحة لها علاقة بصفقة القرن ضد الشعب الفلسطيني ابتداء من قطع أموال المساعدات عن وكالة الغوث وعن الشعب الفلسطيني ومستشفيات القدس.

وقال: "جاء قرار الاحتلال بخصم أموال المقاصة بعد دراسة دقيقة حول العصب الحساس للوضع الفلسطيني وهو موضوع عائلات الشهداء والأسرى، وأخذ القرار بعد أن كان هناك تشريع في الكونغرس الأمريكي حول مسألة قطع أموال المقاصة التي تدفع لعائلات الشهداء والأسرى، هذا الأمر الذي خلق تسابقا في عملية فرض وقائع على الأرض تساعد الولايات المتحدة الأمريكية بفرض شروطها من أجل تمرير صفقة القرن، هذا الأمر كان يتطلب مواجهة فورية".

وأكد د. أبو يوسف، أنه كان لا بد أن يكون هناك أمر مساعد في كيفية المواجهة وإعطاء أولويات فيما يتعلق بسد الثغرات أمام ما يمكن أن يشكل حجب أموال الضرائب والرفض المطلق لهذا الأمر لأنه فعلا لو كان هناك أي استجابة لهذا الموضوع كان يمكن أن يشكل استمرارية في ذلك.

ويعتقد د. أبو يوسف، أن قرار خصم المقاصة ليس له علاقة بانتخابات الاحتلال، وإنما تم تشريعه وسينسحب على أية حكومة قادمة سواء يمينية أو غيرها، ولمواجهة هذا القرار الإسرائيلي يجب الاستمرار في رفضه وتوسيع رقعة المشاركة في المقاومة الشعبية والاستيطان والحواجز، والأهم من كل ذلك إعطاء مجال حقيقي وقرارات واضحة لعملية مقاطعة الاحتلال بما فيها مقاطعة بضائع الاحتلال التي تورد لأراضينا المحتلة والتي تقدر بمبالغ كبيرة جدا، إلى جانب تفعيل مجموعة من الآليات بما فيها اللجوء للتحكيم الدولي والتخلص من الاتفاقات الموقعة مع دولة الاحتلال لأن حكوماتها لا تلتزم بها.

نمتلك من نقاط القوة ما يلزم الاحتلال بالتراجع

وإن كان يسجل الناشط الحقوقي حلمي الأعرج - مدير مركز الدفاع عن الحريات، باعتزاز موقف شعبنا وقيادته في تحديهم الإسرائيليين والأمريكان في صرف رواتب الشهداء والأسرى والجرحى، ولكنه قال: "إن الموقف في عدم استلام المقاصة، بدلا من أن يكون الصراع مباشرة مع الاحتلال وكسر قراره، ذهبنا باتجاه المجهول ولا نعرف إلى متى سيستمر هذا الموضوع ".

ويتساءل الأعرج، هل موقف السلطة الفلسطينية واقعي وممكن؟، وقال: "كان ربما الأجدر تحدي الإسرائيليين وصرف رواتب الشهداء والأسرى وعدم الدخول في أزمة ثانية، لأننا نمتلك من نقاط القوة ما يلزم الاحتلال بالتراجع عندما ندفّعه الثمن، وحتى الآن للأسف الشديد جدا على مدار 25 عاما لم تجرؤ القيادة الفلسطينية على اتخاذ موقف سياسي يضع النقاط على الحروف في مواجهة المأساة التي تسمى "أوسلو" لدرجة أن الرئيس يتحدى الإدارة الأمريكية ولا يتحدى الاحتلال وهذه مفارقة، التحدي للأمريكان لا نتحدث معهم، أما التحدي للإسرائيليين ماذا بشأن أوسلو، والتحرر منها هو بداية الرد الحقيقي على كل شيء بما في ذلك على باريس الاقتصادي".

القرار الأمريكي عقاب جماعي لكل الشعب الفلسطيني

وفيما يعتبر الخبير الاقتصادي رجا الخالدي - منسق البحوث في معهد (ماس)، أن التعرض للنهج الثابت في المعونة الأمريكية للشعب الفلسطيني هو ضربة قوية بعد قرار الرئيس دونالد ترامب بقطع جميع المساعدات الأمريكية المقدمة للشعب الفلسطيني عبر قنواته المختلفة بدءاً من العام 2018، معتبرا القرار بمثابة عقاب جماعي لكل الشعب الفلسطيني، أينما وجد، ويعبر عن رد أمريكي سياسي ومالي على رفض القيادة الفلسطينية الانصياع لتوجيهات إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن القضية الفلسطينية وموقفها من القدس واللاجئين وانحيازها المطلق لسياسات إسرائيل الاستيطانية. وهو أيضا يعتبر تراجعا استراتيجيا في الرؤية الأمريكية المعتمدة منذ عقود حول مسؤولياتها الدولية ودورها الراعي لعملية السلام في الشرق الأوسط بالتحديد وأن الهجوم على الأونروا هو جزء من هجوم واسع النطاق على المطالب السياسية للشعب الفلسطيني.

وأكد الخالدي، أن الولايات المتحدة الأمريكية منذ نكبة 1948 من أكبر المانحين للشعب الفلسطيني عبر قنوات مختلفة، مبينا أنها تركزت في ثلاثة مجالات رئيسية: دعم "الأونروا"، والمساعدات الإنسانية والتنموية الثنائية، والمساعدات الثنائية ضمن برامج السياسية الخارجية والأمنية.

ويؤكد د. الخالدي، بأن جميع المساعدات الدولية لها أهداف سياسية، وقال: "يتفاوت حجم المعونة الأميركية بين إدارة وأخرى، ويظهر ذلك في الاختلاف الكبير بين حجم الإنفاق في كل من عهد بوش وأوباما وترامب: 2.3 مليار دولار في السنوات الثلاث الأولى لولاية باراك أوباما، وشكل الإنفاق الإجمالي خلال عهده (4.9 مليار دولار) نسبة 71% من إجمالي المعونة منذ 2001، يليه عهد جورج بوش (21%)".

التغيير الأبرز هو التحول من الأولوية الإنسانية في فترة ما قبل 2010، التي حصلت على المرتبة الثانية (حوالي 24%) من إجمالي المساعدات منذ 2001. ورافق التراجع في قيمة المساعدات الإنسانية انخفاض في المعونة لقطاعات البنية التحتية (النقل/الطرقات والتخزين) والتعليم (ابتدائي وعالي وتأهيل معلمين) والإنماء الاقتصادي (خدمات الأعمال، السياسة التجارية وتطوير قطاع الصناعة وخاصة المنشآت المتناهية الصغر) بواقع 70 و37 و44% على التوالي خلال الفترة 2001-2017.

المساعدات الأمريكية ليس لها نتائج على الأرض

وإن كان د. عبد الكريم، يتفق مع الخالدي، إلا أن ما يخوفه أكثر، البعد السياسي لما بعد قرار وقف المساعدات الأمريكية التي تتزامن مع سلوك عدواني إسرائيلي متصل بحجز الأموال الفلسطينية، لإلحاق أذى كبير بالاقتصاد الفلسطيني وبالمالية العامة للسلطة، وذلك يأتي في إطار رؤية الرئيس الأمريكي ترامب وإدارته للحل والتسوية وصفقة القرن والمشاورات التي تجري.

 ويخشى عبد الكريم، من أن هذا يأتي في سياق تكريس المنهج الاقتصادي أكثر منه رؤية سياسية، ويرى أن القضية سياسية أكثر منها مالية والمزعج أنه في النصف الثاني للسنة ستصبح المشكلة حادة.

وبرأي عبد الكريم، فإن الضرر الاقتصادي هو أقل من الكلفة السياسية ولهذا السبب يعتقد أن الموقف الفلسطيني يجب أن يبقى على حاله بأن أي مساعدات أمريكية أو غيرها مشروطة سياسيا أو تهدف إلى فرض حل لا يستجيب للحقوق الفلسطينية، يجب رفضها.

ويؤكد عبد الكريم، أن إجمالي المساعدات الأمريكية المقدمة والبالغة نحو 10 مليار دولار ليس لها نتائج على الأرض وكان هدفها بناء عملية سلام وليس دولة، أو الخروج من العباءة الإسرائيلية كانت مجرد تسهيل عملية سلام وإطالة الفترة الانتقالية على أمل أن يتم تسوية سياسية مقبولة إسرائيليا وتأتي الظرف المناسب عربيا وإقليميا ودوليا من أجل فرض هذه التسوية وبالتالي الكلفة السياسية عالية والضرر موجود ولكن يمكن التعايش معه.

يقول د. عبد الكريم: "إن قطع المساعدات الأمريكية التي يجب أن لا يتباكى عليها أحد لكلفتها السياسية العالية، وإن كانت تشكل تحديا، لكنها فرصة للتحرر من هذه الرعاية المنفردة للأمريكان ومن طريقتهم لإدارة الملف، ويعتقد، أنها فرصة لإعادة النظر في كل المجمل السياسي للفلسطينيين وليس فقط التحرر منه".

ويرى أن الأسلم والأقل كلفة والأنفع اقتصاديا والذي له قيمة إضافية اقتصادية بدون كلفة سياسية واجتماعية هو حشد المزيد من المساعدات وهذا يتطلب دبلوماسية نشطة ووحدة رؤية وموقف وترتيب الوضع الداخلي الفلسطيني أفضل مما هو عليه. وإعادة ترتيب أولوياتنا وعلاقاتنا في الإقليم والعالم، قد تنشئ شراكات وتحالفات جديدة مع الفلسطينيين.

وليس لدى عبد الكريم، ثقة كبيرة بأن شبكة الأمان المالية العربية تقد نشط أو تفعل لأن التجارب السابقة تدل على ذلك.