الجمعة  29 آذار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

اقتراح بخصخصة قطاع الكهرباء في غزة

أزمة الكهرباء تطال كافة القطاعات في غزة وحياة المواطنين رهن فصل ووصل الكهرباء

2013-11-25 00:00:00
اقتراح بخصخصة قطاع الكهرباء في غزة
صورة ارشيفية

-  100 مصنع خياطة وغزل ونسيج متوقفة بالكامل

-  استيراد اللحوم المجمدة انخفض إلى %20 عن سابق عهده

-  محطات ضخ ومعالجة المياه العادمة متوقفة وتهدد بكارثة بيئية... المياه العادمة تدخل إلى البيوت و90 ألف متر مكعب يضخ يوميا في مياه البحر دون معالجة 

غزة- حامد جاد 

طاولت أزمة انقطاع التيار الكهربائي كافة الجوانب الحياتية لمواطني قطاع غزة، ولم تستثن هذه الأزمة في مراحل تفاقمها المختلفة خلال السنوات الأخيرة أدق تفاصيل الحياة اليومية التي يعيشها المواطن في بيته وعمله وعلاقاته الاجتماعية، فالحياة في غزة المحاصرة باتت تسير وفق الجدول اليومي الخاص بمواعيد فصل ووصل التيار الكهربائي، الذي تم اعتماده منذ أن توقفت محطة توليد الكهرباء الوحيدة في قطاع غزة عن العمل في الأول من الشهر الحالي بسبب عدم توفر الوقود المصري رخيص الثمن الذي كان يتم تهريبه عبر الأنفاق، وفي ذات الوقت عدم القدرة على شراء الوقود الإسرائيلي مرتفع الثمن، وبالتالي أصبح قطاع غزة يعتمد فقط على الكهرباء الواردة من الشبكة الإسرائيلية “120 ميجاواط” والواردة من مصر “30 ميجا واط” في الوقت الذي يحتاج القطاع إلى ما لا يقل عن 400 ميجاواط . 

الكل في قطاع غزة  المحاصر يسير حياته وفق هذا الجدول المقيت الذي يشمل فصل التيار الكهربائي  لمدة 18 ساعة يومياً ووصله لمدة ست ساعات، فربة الأسرة باتت تنظم عملها المنزلي وفق جدول الكهرباء فهي إما ملزمة بالاستيقاظ مبكراً أو السهر حتى ساعة متأخرة من الليل كي تتمكن من تشغيل الغسالة الكهربائية لغسل كومة ملابس الأسرة المتراكمة منذ يوم أو أكثر على أمل أن تقوم في اليوم التالي بكي الملابس وإنجاز سائر الأعمال المنزلية الأخرى المرتبطة بجدول الكهرباء نفسه مثل الخبيز أو إنضاج بعض أصناف الطعام بواسطة فرن الكهرباء المنزلي كي تحافظ بقدر المستطاع على إبقاء إسطوانة الغاز أكبر فترة ممكنة في ظل أزمة الغاز المتواصلة منذ ما يزيد عن ثلاث سنوات.

 أما أرباب الأسر من أصحاب الأعمال الحرة سواء من مالكي المصانع أو الورش أو العاملين فيها فحياتهم المهنية لاتستقيم سوى لبضعة ساعات لاتتجاوز في أفضل الأحوال ست ساعات يومياً قد تكون ضمن فترة النهار أو الليل، وكل هذا أيضا حسب جدول الكهرباء الذي ينظم شؤونك وتحركاتك اليومية، حتى إن قررت التوجه لصالون الحلاقة أو طبيب الأسنان، فلابد وأن يكون لديك علم مسبق بمواعيد وصول الكهرباء لموقع صالون الحلاقة أو عيادة الأسنان وإن رغبت وأسرتك بالقيام بزيارة ليلية لمنزل قريب أو صديق لابد وأن تراعي مواعيد الجدول نفسه والتأكد من وصول التيار الكهربائي لمنطقة سكن من تريد زيارته.  

الأزمة تشل أعمال القطاعات المختلفة  

مصانع الخياطة متوقفة

في أحاديث منفصلة استمزجت الحدث فيها آراء قطاعات مختلفة من سكان غزة تجاه أزمة الكهرباء وانعكاساتها وصف محمد أبو شنب رئيس اتحاد الخياطة والنسيج أزمة انقطاع الكهرباء بالمصيبة الأكبر التي حلت على أصحاب مصانع الخياطة في ظل عدم توفر الوقود المصري وارتفاع كلفة الوقود الإسرائيلي، حيث لايستطيع صاحب المصنع أو مشغل الخياطة المتوسط  أو صغير الحجم إضافة كلفة الوقود على سعر منتجاته نظراً لحالة الركود التي تشهدها سوق غزة إثر تراجع القدرة الشرائية للمواطنين.

ويقول أبو شنب: “ لا أستطيع الاستعانة بالوقود في تشغيل مصنعي وقت قطع الكهرباء لارتفاع ثمنه وفي الوقت نفسه عندما تأتي فترة وصول الكهرباء إلى منطقة سكني وعملي لا أستطيع الاستفادة كليا من هذه الفترة حيث أضطر لاستدعاء العمال من بيوتهم وأركز بشكل خاص على استدعاء العمال المقيمين ضمن المنطقة نفسها المشمولة ضمن جدول وصل وفصل الكهرباء الخاص بمنطقة سكني وبالرغم من ذلك تتطلب فترة وصول العمال ما لايقل عن ساعة على الأقل كي يباشروا عملهم الفعلي.

وفي سياق متصل بأثر أزمة الكهرباء على قطاع الخياطة أعلن رئيس النقابة العامة لعمال الخياطة والغزل والنسيج محمد حمدان الأربعاء الماضي  توقف عمل 100 مصنع  للخياطة والغزل والنسيج بشكل كامل جراء أزمة الوقود والكهرباء ما ترتب عليه تعطل ألف عامل عن عملهم.   

محال بيع اللحوم متوقفة

أما أصحاب محال بيع اللحوم والخضار المجمدة فلسان حالهم يشكو كساد تجارتهم والخسائر التي لحقت بهم نتيجة عدم تمكنهم من تسويق ما هو متوفر لديهم من كميات كبيرة من اللحوم المجمدة بسبب عزوف المواطنيين عن عاداتهم الاستهلاكية القديمة المتمثلة بشراء المواد التموينية الأساسية من اللحوم والخضار بمعدل مرة كل أسبوع حيث كانت ربات البيوت يعتمدن على حفظ هذه المواد في الثلاجة ولكن في ظل أزمة الكهرباء فستكون هذه المواد الغذائية عرضة للتلف، وبالتالي باتت الأسر تتسوق احتياجاتها الاستهلاكية بشكل يومي. 

المواطن محمد الدمياطي أحد أصحاب محال بيع اللحوم المجمدة وتمتلك عائلته أكبر ثلاجة في غزة لحفظ اللحوم وصف ما آلت إليه مهنة تجارة اللحوم المجمدة  بالأسوأ منذ مزاولة عائلته لهذه المهنة قبل نحو أربعين عاماً. 

ويقول الدمياطي: “لم نمر بأوضاع أشد صعوبة من الوضع الحالي، فالناس يشترون ما يكفي لوجبة الطعام اليومية وفي اليوم التالي أو الذي يليه يشترون ما يحتاجونه من لحوم أو خضار لذلك اليوم فقط، بينما قبل أزمة الكهرباء الحالية كانوا يخصصون يوم الخميس أو الجمعة لشراء ما تحتاجه أسرهم لمدة أسبوع كامل من اللحوم  والخضار حيث يحتفظون بهذه الكمية في ثلاجاتهم المنزلية أما الآن ومع طول فترة انقطاع التيار الكهربائي فالغالبية منهم تخشى تعرض هذه المواد الغذائية للتلف”.

وتابع “بالنسبة لنا لم نعد نستورد كميات كبيرة من اللحوم حيث انخفضت الكمية التي نستوردها لأقل من نسبة %20 بالمقارنة مع ما كنا نستورده قبل الأزمة وبالتالي فقد أوقفنا تشغيل الثلاجة الرئيسية المتوفرة لدينا والتي تتسع  لعشرات الأطنان من اللحوم المجمدة نظرا لأن تشغيلها يعتمد على مولد كهربائي يتطلب كمية كبيرة من الوقود، واقتصر اعتمادنا على مولد بقدرة إنتاجية محدودة تشغل ثلاجتين صغيرتي السعة”. 

شركات الألبان تقلص عملها 

أما محمد خضير مدير إحدى شركات الألبان فأشار إلى محدودية هامش الربح الذي تحققه تجارة الألبان التي تعتمد بشكل أساسي على حفطها داخل ثلاجات التبريد، سواء في المستودعات الخاصة بالشركة أو الشاحنات المبردة خلال قيامها بالتوزيع مبينا أن هذا الأمر يتطلب ضرورة توفر الكهرباء دون انقطاع كما يتطلب توفير الوقود.

وقال: « ليس لدينا القدرة على تخزينها فنحن نتحمل أعباءً جديدة كما يتحملها التاجر والموزع والمستهلك في نهاية الأمر لذا قمنا بتقليص أعمالنا إلى الحد الأدنى على أمل أن تحل أزمة الكهرباء قريباً.» 

وعلى سبيل الذكر لا الحصر للقطاعات الأخرى التي طاولتها أزمة الكهرباء اعتبر نبيل أبو معيلق نقيب المقاولين  في محافظات غزة أن الأزمة المذكورة أثرت على كافة المهن المرتبطة بشكل مباشر وغير ومباشر بقطاع الإنشاءات فورش الحدادة والنجارة والألمنيوم باتت شبه معطلة نتيجة لأن أعمالها تأتي عقب إنجاز التشطيبات النهائية للمباني، وبالتالي فإن أزمة الكهرباء ستعيق تنفيذ هذه الأعمال بالنسبة للمباني الجاهزة والمكتملة الإنشاءات الخرسانية، أما المنشآت التي تعطل إنجازها بسبب أزمة الإسمنت، فإن هذه القطاعات لن تعمل قبل الانتهاء من إنجاز المباني والمنشآت غير المكتملة. 

توقف محطات ضخ ومعالجة المياه العادمة  

مدير عام مصلحة مياه بلديات الساحل منذر شبلاق حذر من التداعيات الكارثية  المترتبة على توقف عمل محطات ضخ ومعالجة المياه العادمة نتيجة لأزمة الكهرباء، مبيناً أن هذه المحطات ومنها محطات السامر والزيتون والشيخ عجلين في غزة تعمل فقط لست ساعات يومياً، وبالتالي هذه الفترة لا تكفي لقيام المحطة بضخ المياه العادمة لمحطة المعالجة حيث تحتاج هذه العملية على الأقل لـ 10 ساعات أما محطة المعالجة  فلابد ان تعمل 24 ساعة، وبالتالي كمية المياه تزيد عن الفترة اللازمة لتصريفها لذا طفحت أكثر من مرة  المياه العادمة في الشوارع كما حدث بالنسبة لمحطة الزيتون حيث دخلت مياه الصرف إلى بيوت المواطنين وهذا تكرر في محيط معظم محطات الضخ الواقعة في شمال القطاع (بيت حانون وبيت لاهيا وجباليا).

وقال: “اذا تجمعت هذه المياه العادمة في مناطق زراعية من الممكن أن تتسرب إلى مياه الخزان الجوفي ومع هطول الأمطار ستخطلت مياه الأمطار مع مياه الصرف الصحي المحملة بكل ما يحمله الانسان من أمراض وأوبئة معدية مثل مرض البوليو الذي انتشر في رفح وأثير الحديث عنه مؤخرا”.

واتهم شبلاق المؤسسات الإغاثية بالتقصير وعدم القيام بدورها الإغاثي المفترض مشدداً بقوله “لا داعي للمؤسسات الانسانية في غزة إذا بقي الوضع الحالي على ما هو عليه  فإذا لم تقم بدورها فلا داعي لوجودها فكمية المياه العادمة في قطاع تقدر يومياً بنحو 140 ألف متر مكعب منها 90 ألف متر مكعب يضخ يوميا في مياه البحر دون معالجة نتيجة لهذه الازمة”. 

الأزمة لم تحظ باهتمام المسؤولين  

الخبير الاقتصادي عمر شعبان يرى أن أزمة الكهرباء لم تحظ بالاهتمام الكافي من قبل المسؤولين الفلسطينيّين، كما هو الحال بحسبه بالنسبة إلى المصالحة الفلسطينيّة، مطالباً حكومة حماس بالتخلي عن إدارة قطاع الكهرباء والطاقة في غزة، وإخراجه من دائرة  الانقسام والاستقطاب السياسي وذلك بخصخصته والعمل على زيادة كمية الكهرباء المشتراة من الشركة الإسرائيلية، وبدء العمل على مد محطة الكهرباء في غزة بالغاز الفلسطيني الموجود في بحر غزة، مما سيخفض فاتورة الكهرباء المولدة من محطة التوليد بحوالي %60.       

واعتبر أن حل أزمة الكهرباء يقتضي فسخ العقد المبرم بين السلطة وشركة التوليد مما سيوفر بحسبه مبلغ  2.5 مليون دولار وتوجيهها لشراء التيار الكهربائي ذاته بما سيخفض من تكلفة فاتورة الاستهلاك داعياً في سياق رؤيته لسبل معالجة أزمة الكهرباء إلى العمل على تحرير تجارة الوقود وتحديد دور الهيئة العامة للبترول بالرقابة على الجودة والمواصفات البيئية والأسعار وفقا لسياسة الاقتصاد الحر التي تنتهجها السلطة الفلسطينية، وأن تتوقف الهيئة عن احتكار قطاع المحروقات حيث تشتري الهيئة العامة للبترول من إسرائيل  الوقود الصناعي اللازم لمحطّة التوليد في غزة ويضاف إلى قيمة الوقود ضريبة القيمة المضافة وما يعرف بضريبة البلو “0 من السعر الأساسي للوقود”، وبالتالي يرتفع سعر اللتر الواحد من الوقود الصناعي المباع  لغزّة إلى5.7  شيكل للتر الواحد في حين أن سعره الأساسي 2.2 شيكل    

للعِلم

تفاقمت أزمة الكهرباء منذ أن توقف الاتحاد الأوروبي عن تمويل كلفة فاتورة الديزل الإسرائيلي لمحطة كهرباء غزة في نهاية عام 2009، حيث كان يمول شهريا كلفة الوقود البالغة 50 مليون شيكل (نحو 13 مليون دولار أميركي) شهرياً لخزينة السلطة، ومنذ ذلك الحين اضطربت آلية تمويل كلفة الوقود ولم تنتظم عملية تزويد المحطة بالوقود اللازم لتشغيلها وفقا لطاقتها الإنتاجية الفعلية، الأمر الذي دفع بسلطة الطاقة لدى الحكومة في غزة في أعقاب شحه وعدم انتظام توريد السولار الصناعي الإسرائيلي، بل وتوقف توريده لفترة طويلة فيما بعد, إلى تشغيل المحطة باستخدام الديزل المصري الذي كان يتم تهريبه إلى غزة عبر الأنفاق الممتدة في جوف الأراضي الحدودية الفاصلة بين جنوب قطاع غزة ومصر. ولدى تدمير مصر للأنفاق توقفت عملية توريد الوقود ومعها توقف تدريجيا تشغيل محطة الكهرباء إلى أن تم إطفاؤها كليا في الأول من الشهر الحالي.