الجمعة  29 آذار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

نتنياهو يتلاعب بالمفاوضات ورعاتها

مقال رئيس التحرير

2013-12-24 00:00:00
نتنياهو يتلاعب بالمفاوضات ورعاتها
صورة ارشيفية

سامي سرحان

يعود السيد جون كيري إلى المنطقة الشهر القادم ومعه 130 مفاوضاً وخبيراً أمريكياً في إصرار منه على إنجاح جهوده التي تلقى دعماً هادئا ًوثابتاً من الرئيس باراك أوباما في تقدم المفاوضات للوصول إلى اتفاق نهائي بين الفلسطينيين والإسرائيليين في المدة المتبقية حتى نيسان القادم. 

وأشيع حول كيري أنه لا يقبل الفشل في المواضيع التي يتولى معالجتها، وبرهن على ذلك قريباً في الاتفاق الذي تم التوصل إليه مع إيران حول مشروعها النووي، ومؤشرات اتفاق متوقع على الوضع في سوريا. ويبدو أن القضية الفلسطينية التي رافقت نشأة الأمم المتحدة، واستعصت على الحل حتى الآن، تستهوي السيد كيري رغم إدراكه أن الطرف الإسرائيلي وهو الحليف المدلل لأمريكا وصاحب النفوذ الذي لا يقاوم في الكونغرس وصاحب اللوبي المؤثر في الانتخابات الأمريكية الرئاسية والنيابية، يرفض الحل النهائي للصراع الذي يحاول كيري تحقيقه كما يبدو.

ولا شك أن إصرار كيري على عدم الفشل محل اهتمام، وبالتالي يستحق أن يعطى الفرصة كاملة للنجاح. فنجاحه في حل صراع استعصى على الحل قرناً من الزمن يفيد الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط التي باتت بؤرة للتوترات والحروب ولتوليد التطرف الذي يعاني منه العالم.

وتمتلك الولايات المتحدة مقومات إنجاح جهود وزير خارجيتها كيري إن أرادت حقاً ذلك، خاصة وأن العالم بأسره يدعم جهود كيري ويعتبرها فرصة أخيرة للوصول إلى حل للصراع قبل مزيد من تردي الأوضاع في المنطقة بأسرها.

وليس أكثر وضوحاً في تأييد جهود الوزير كيري من الرئيس أبو مازن الذي أعلن أكثر من مرة عن التزام ثابت بتحقيق السلام عن طريق المفاوضات وفق المدة الزمنية المتفق عليها مع واشنطن موضحاً رفض الحلول الانتقالية المتفق عليها مع واشنطن، ومركزاً على حل شامل لقضايا الوضع النهائي في فترة الأشهر التسعة التي تنتهي في 29 نيسان القادم والتي لا يمكن تمديدها.

غير أن الموقف المتردد والمتناقض والغامض في آن واحد لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يربك كيري، ليبدو وكأنه ألعوبة في يد نتنياهو، فيحيد عن الخط المستقيم المؤدي إلى حل نهائي. ففي الوقت الذي يُسقط فيه نتنياهو مشروع قرار في الكنيست يمنع التفاوض على القدس المحتلة إلا بتأييد 80 عضواً، ويمنع نقل كلية الشرطة إلى القدس الشرقية، يعلن عدم وقف الاستيطان أو وقف تطوير القائم من المستوطنات ويضاعف الميزانيات المخصصة للاستيطان في عملية خداع يقودها خلافاً للوعود السابقة ورفضاً لطلب أمريكي بعدم الإعلان عن مشاريع استيطانية عند إطلاق دفعة جديدة من الأسرى القدامى.

إن نتنياهو الذي يريد أن يظهر أنه يخضع إلى ضغوط شركائه في الحكومة،  وعلى وجه الخصوص من اليمين المتطرف فيها «البيت اليهودي» ومن بعض أركان حزبه الليكود، عاد إلى أصله المتطرف وهو يناور بوضع الحكومة واستقرارها واختلاق الأعذار للتهرب من عملية السلام، ووضع قضايا لا أصل لها في أوسلو أو كامب ديفيد 2 أو أنابولبيس أو المفاوضات الثنائية ما قبل حكومة نتنياهو كالاعتراف بيهودية دولة إسرائيل وقضية الأغوار والأمن الجغرافي والطوبوغرافي. فيهودية الدولة كما أوضحها نتنياهو تعني له رفض حق العودة للاجئين إلى ديارهم وممتلكاتهم. بما يعني وإسقاط القرار 194 القاضي بحق العودة للاجئين الفلسطينيين الذين طردوا من ديارهم وممتلكاتهم عام 1948 والتعويض عليهم.

ولا يقف تفسير «يهودية الدولة» عند قضية اللاجئين، فلم يجر بعد توضيح هذا المصطلح فيما يخص فلسطيني عام 48 (عرب 48)، هل هم مواطنون في دولة إسرائيل أم سيجري طرحهم بطريقة أو بأخرى ليرتبطوا بالضفة الغربية في عملية تبادل محدود للأرض يجري الحديث عنها كمسلمة لكن دون توضيح يطمئن الشعب الفلسطيني داخل الخط الأخضر وفي الدولة الفلسطينية العتيدة خاصة في أحياء القدس الشرقية وما يحيط بها.

وقد دفعت حكومة نتنياهو بقضية الأغوار إلى طاولة المفاوضات كقضية خلافية جديدة متذرعة بالأمن وخطورة الأغوار جغرافياً وطبوغرافياً على أمن إسرائيل، مخفية أطماعها في استغلال أراضي ومياه الأغوار وثروات البحر الميت لعقود طويلة قادمة.

وربما أدرك كيري متأخراً أنه وقع في مطب إسرائيلي عندما بدا أنه يتبنى مسألة تأجير الأغوار لعدة سنوات أو عقود وأن هذا المطلب مرفوض بشكل قاطع وحاسم من الجانب الفلسطيني وحتى الجانب الأردني. وقد رفضت إسرائيل تواجداً أممياً أو أمريكياً في الأغوار وأصرت على وجود عسكري إسرائيلي واسع في الأغوار وفي أراضي الدولة الفلسطينية المستقبلية في محاولة ظاهرة لإفشال جهود كيري. ويكشف يائير لبيد الشريك الأكبر في حكومة نتنياهو أن نتنياهو هو من يقف حجر عثرة أمام جهود كيري وأمام التوصل إلى اتفاق نهائي وهو يدعو إلى ضرورة التقدم في المفاوضات مع الفلسطينيين حتى لو أدى ذلك إلى تغيير على الائتلاف الحاكم ويقصد بذلك «البيت اليهودي». ويرى أن المفاوضات أمر حيوي للاقتصاد الإسرائيلي ولاستقرار الحكومة أي أن نتنياهو إذا كان جادا في البحث عن حل لصراع فسيجد في الكنيست أغلبية كاسحة تدعم هذا التوجه.

إن السيد كيري اليوم ومن خلفه الرئيس أوباما أمام امتحان إرادات مع نتنياهو، فيما إذا كانا جادين في البحث عن حل دائم للصراع يحفظ مصالح أمريكا وأمن إسرائيل ولا يتجاوز حقوق الشعب الفلسطيني ويجنب المنطقة فوضى عارمة قادمة تلبس قميص فلسطين