الجمعة  29 آذار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

من الكتابة على الجدران إلى الكتابة عبر مواقع التواصل الاجتماعي ما الذي اختلف؟

الكتابات الجدارية الثورية في زمن الانتفاضة الأولى جسدت حالة وعي ثوري بينما الكتابات عبر التواصل الاجتماعي قليلة الدسم

2019-06-26 12:54:26 PM
من الكتابة على الجدران إلى الكتابة عبر مواقع التواصل الاجتماعي ما الذي اختلف؟
رسمه جدارية للمناضلة الفلسطينية ليلى خالد
الحدث - إبراهيم أبو صفية
 
خبت نار الانتفاضة الثانية " انتفاضة الأقصى" مع نهاية عام 2005 تقريباً، أي بعد إعلان القاهرة الذي نص على الالتزام بفترة تهدئة في مقابل وقف "إسرائيل" لكافة أشكال عدوانها، وتبع ذلك التحضيرات للانتخابات الرئاسية والتشريعية التي انتهى بها المطاف إلى الانقسام الفلسطيني، فما كان من هذا التراجع السياسي، إلا أنه ألقى بظلاله على عوامل التنشئة الوطنية الثورية والتي كانت تساهم في صقل الوعي الوطني للشباب الفلسطيني. ولعل أبرز هذه العوامل هو غياب الكتابات الوطنية والثورية والفكرية من على جدران الشوارع والمنازل، وإن وجدت فإنها لا تؤدي الرسالة كما كانت تؤديها سابقاً، حيث تراجعت أنشطة الفصائل التي كانت تدفع بشكل دوري الى إخراج كوادرها باللثام الفلسطيني ليخطوا شعاراتها الثورية والوطنية.
حظيت الانتفاضات الفلسطينية "الأولى والثانية .." بالمشاهد الجميلة لصور المقاوم الفلسطيني (الشهيد، الأسير) وقد توجت أيقونات مقاومة أصبحت نماذجاً يحتذى به، فصور الشهداء يحيى عياش وإياد صوالحة وأبو جهاد خليل الوزير ووديع حداد وعمر القاسم، وغيرهم من القادة التي تجملت بها جدارية الشوارع والمنازل، إضافة إلى رسم القبضة شعار النصر والبندقية والعلم، وخريطة فلسطين، مع الكتابات الفكرية الثورية، حتى أصبحت الجدران كصحيفة شعبية ثورية يملؤها الحدث الثوري لليوم السابق.
وكان لهذا النشاط هالة ثورية أمنية، في ظل الحظر العسكري الصهيوني وملاحقة الناشطين، حيث كانت هناك عداوة حقيقية بين ما يكتب وبين جنود الاحتلال الذين كانوا يجبرون أهالي القرية على محو ما خطه المقاومون في ساعات الليل المظلمة.
لا بد من الإشارة بأن لهذه الظاهرة خصوصية دفعت علماء البحث العلمي الاجتماعي والإعلامي والسياسي وغيرهم لتناولها في العديد من الدراسات والأبحاث عن شعارات الانتفاضة وتحليلها، وتبيان كيف ساهمت في صقل الشخصيات المقاومة، وكيف كانت العلاقة بين الكتابات وربطها بالمقولات الأيديولوجية والمنظومات السياسية التي توضح التعدد الفصائلي وتبرز صورة الفصيل الأكثر شعبية في هذه القرية. وتحليلاً لهذه الظاهرة تقول الأديبة نادين غورديمير" أنه قد لا توجد طريقة لفهم الإنسان إلا من خلال الفن"، وأن هذه الجداريات فن ثوري يهدف إلى ارسال رسائل عديدة.
هدفت الكتابات الثورية الى ايصال العديد من الرسائل سواء للجمهور الفلسطيني المقاوم، أو للاحتلال وأعوانه، ومن ضمن هذه الرسائل كانت تجسد التعبئة الثورية، والحشد المقاوم، والتأكيد على إثبات الوجود والسيطرة لبعض الفصائل، وإعطاء صورة عن العمل المقاوم والجهد الثوري في هذه القرية أو تلك.
ومن عوامل تراجع فعل الكتابات الثورية على الجدران، هو ظهور وسائل التواصل الاجتماعي والتعبير عبر شاشة الفضاء الأزرق الذي أوجد حائطاً للتعبير عما يجول في عقول الناشطين، حيث فسحت المجال للقيام بحملات جماعية للتعبير عن قضية ما، إلا أنه يبقى هناك فرقاً حقيقياً بين المنشور على وسائل التواصل الاجتماعي وبين ملثم يخط شعاره الثوري.
اليوم، بعد تراجع فعل الكتابة على الجدران وغياب هذه الصورة التي بقيت عالقة في أجيال الانتفاضات الفلسطينية، لا بد من الحديث عن أثر ذلك على الوعي الثوري والفكر السياسي والتعبئة التنظيمية التي ساهمت الكتابة الجدارية في صقلها، وهل حائط الفضاء الأزرق " وسائل التواصل الاجتماعي" تعطي الميزة ذاتها والهالة الثورية نفسها للكاتب والنشاط؟.
وحول ذلك قال الصحفي والكاتب والمحاضر في جامعة بيرزيت، معز كراجة: "لا نستطيع حسم إن كان غياب الكتابات والشعارات الوطنية الثورية على الجدران كما كان في الانتفاضة الأولى قد ترك أثراً على وعي الشباب والجيل الجديد أم لا، خصوصاً في ظل وسائل كثيرة أخرى يضخ فيها الكثير من الرسائل الوطنية".
وأوضح كراجة لـ "الحدث" أن الأثر المتروك على تراجع الوعي لدى الشباب، هو بسبب الحالة الفلسطينية ككل والتي اختلفت عما كانت عليه في الانتفاضة الاولى، مثل تراجع الفكر السياسي، والترابط المجتمعي وتخلخل بنيته وعلاقاته، وتحولت الحالة الثقافية إلى الانخراط بالسوق الاستهلاكي الذاتي وهي التي انعكست سلباً على العمل الوطني.
وبيّن أن الذي فرض الكتابات الجدارية الثورية هو الواقع، وعدم وجود تطور تكنولوجي آنذاك، فكان من الضرورة أن يكون هناك وسيلة لإيصال الرسائل، وكانت هذه الرسائل تبث عبر جدران الشوارع بعد منتصف الليل عبر قيام ملثمون في خطها على الجدران، خصوصاً في ظل فرض الاحتلال الرقابة العسكرية على وسائل الإعلام، ولم يكن هناك طريقة للتواصل بين قيادة العمل الوطني الموحد والجمهور، لذلك كانت الكتابات الجدارية عمل مُلحّ والقيام به من الضرورة.
وأشار كراجة إلى أن التطور التكنولوجي في الفترة الحالية استطاع إيصال كل الرسائل الوطنية الثورية، في المقابل اتقان المقاومة الفلسطينية اختيار رسائلها، كما كانت تفعل كتائب القسام والمقاومة بشكل عام، واستطاعت استغلال التطور التكنولوجي لـتوجيه رسائل للجمهور "الإسرائيلي" لفرض تغيير في سيكولوجيته، وليس فقط توجيه رسائل للفلسطينيين ومؤيديها.
أما عن الفرق بين الكتابات عبر وسائل التواصل الاجتماعي والكتابات الجدارية سابقاً، أشار كراجة إلى أنه في السابق وخصوصاً في الانتفاضة الأولى، كان الذي يقف خلف الكتابات هي الفصائل والتنظيمات وتطرح أيدولجيتها وافكارها، بينما اليوم، فالعمل فردي ويمتاز بالبعد الفني والجمالي أكثر من البعد الفكري المقاوم.
كما أن المواد المطروحة عبر هذه الكتابات اليوم هي قليلة الدسم من الناحية الثورية ولا يوجد فيها خطاب موحّد ضد الاحتلال على عكس ما كان في السابق.
وأضاف: أن زخم القضايا المتتالية جعلت الرأي العام متحولاً ومتبدلاً بشكل يومي، ليتلائم مع القضية المطروحة في ظل عدم انتهاء القضية السابقة التي تختفي تدريجياً لحساب قضية جديدة، وأن وسائل التواصل الجديدة اتاحت التعبير عن كل القضايا وخوض النقاش فيها.
وأردف، أنه لا يوجد رابط بين النشاط والتعبير عبر وسائل التواصل الاجتماعي والميدان، حيث أصبحت هناك فجوة بين النقاشات الدائرة والعمل اليداني، مشيراً إلى أن المتظاهرين ضد ورشة البحرين أقل بكثير من الذين يتداولون مواقفها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لافتاً إلى أن الشخص قد يعتبر نفسه قد قدم الدعم الحقيقي لأي قضية فقط بمجرد التعبير عنها بمنشور.
وأكد على أن غياب الأحزاب والتنظيمات واللجان التي تستطيع حشد الجماهير حول قضايا معينة قدر تراجع عملها مما ترك أثراً على فعالية ضد أو دعم أي قضية.
بدوره قال الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني د. وسيم أبو فاشة، إن العمل في الانتفاضة الأولى كان قد اتسم بالسرية، حيث كان من يعبر عن رأيه السياسي يعتقل، لذلك كانت منصات التواصل بين التنظيمات وقيادة العمل الموحد ومنتسبيها وكوادرها ومؤيديها عبر الكتابات الجدارية.
وأوضح أبو فاشة لـ "الحدث"، أن الكتابات الجدارية ترسخ الهوية الوطنية الفلسطينية وتحافظ على كينونة الشعب الوطني المقاوم.
وبيّن أن اليوم تغير حاله، والتطور التكنولوجي والمنصات العديدة طغت على الكتابات الجدارية، كونها متاحة للجميع وهي أكثر انتشاراً وقدرة ومساحة للتعبير المفتوح.
وأضاف أن العمل الفصائلي بعد توقيع اتفاق "أوسلو" وتجسيد السلطة الفلسطينية أصبح علني غير محاط بالسرية التي كانت تقيده في الانتفاضة الأولى. والتي كانت تدفع لمغامرة النشطاء للرسم والكتابات الجدارية التي قد يدفع حياته في سبيلها. ولكن اليوم العمل الفصائلي أصبح فوق الأرض وعبر منصات جديدة، مؤكداً على أن هذا لا يعني أن نفقد أهمية الكتابات الجدارية.
وتساءل أبو فاشة: في ظل العوامل الحياتية ووسائل التواصل الاجتماعي كم أصبح مهماً أن ترى شعاراً مرسوماً أو كتابة ثورية؟.
وأشار أن سبب تراجع الكتابات الجدارية هو تراجع فكرة الانتماء للأحزاب والتنظيمات، لافتاً إلى أن التغيرات التي جسدتها "أوسلو" أصبح لا بد من وجود وسائل وأدوات تواكب هذه التغيرات، فمثلاً الإضراب التجاري في الانتفاضة الأولى كان له أثراً واضحاً بسبب وجود جيش الاحتلال داخل المدن بينما اليوم هذه الأداة غير كافية للتعبير عن الغضب ولا تشكل أهمية حقيقية.
وختم أن مهمة اختيار الوسيلة والأداة يجب أن تراعي الظروف والتغيرات التي حصلت، مع الحفاظ على فكرتها الأساسية.