الخميس  28 آذار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

اللعب على التناقضات الداخلية " للمجتمع الإسرائيلي" يخدم قضايا وطنية فلسطينية

رسالة القسام وقضية الأسرى نموذجا

2019-07-09 12:05:17 PM
اللعب على التناقضات الداخلية
مظاهرات اليهود " الفلاشا"

 

 الحدث - إبراهيم أبو صفية 

بخطوة عملية استثنائية، قفزت كتائب القسام لتحط رحال رسالتها على مكامن التفرقة والعنصرية داخل " المجتمع الإسرائيلي"، حيث هدفت إلى  اثارة  وتأليب الرأي العام "الإسرائيلي"، وتشكيل قوة ضاغطة على "الحكومة الإسرائيلية" لحلحلة ملف الجنود لدى المقاومة، وايصال عدة رسائل باتجاهات مختلفة وأهمها اللعب على وتر التناقضات العرقية والإثنية.

ونشرت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، مقطع فيديو حول الأسير " الإسرائيلي" ذو الأصول الإثيوبية "أبراهام منغستو" المحتجز في قطاع غزة، وبينت من خلاله عن عدم تسلمها أي طلبات من " الحكومة الإسرائيلية" عبر وسطاء لفتح قضيته. ولم يتم إدراجه ضمن ملف المفاوضات نهائياً".

وأشارت الكتائب في رسالتها التي حملت عنوان (أبراهام منغستو مفقود طي النسيان)، بعض التفصيلات كالتساؤل حول سر تخلي الاحتلال عن أحد مستوطنيه وعدم الحديث حوله؟، وهل من المقبول لدى جمهور الاحتلال التمييز بين الأبيض والأسود.

وجاءت هذه الرسالة في وقت تشهد فيه دولة الاحتلال احتجاجات غاضبة مستمرة منذ بداية الشهر الحالي من اليهود الأثيوبيين (الفلاشا) على أثر مقتل المستوطن " سلمون تيكاه"، برصاص ضابط شرطة الاحتلال خارج الخدمة في حيفا في الـ30 من يونيو، ما أثار احتجاجات تخللتها أعمال عنف وتخريب.

وأظهرت هذه الاحتجاجات لليهود الأثيوبيين في "إسرائيل" نيران السجال في المجتمع اليهودي بين مؤيد ومعارض للمظاهرات وتباينت المواقف بين متفهم وممتعض من مشاهد الفوضى التي رافقت الاحتجاجات.

يعود تاريخ يهود الفلاشا في " إسرائيل" إلى عام 1973 عندما قررت استجلاب العديد من يهود الفلاشا "الأثيوبيين"؛ لمواجهة النمو الديموغرافي العربي.وتم ذلك على فترات، وفق عمليات منظمة، ففي:- عام 1977 هاجر المئات. وكذلك بين عام 1977 وحتى عام 1983، استجلب 6000 أثيوبي. وضمن عمليات خاصة كعملية "موشيه"، تم استجلاب 7000 أثيوبي. وعملية سليمان" عام 1991، تم استجلاب 15000 أثيوبي؛ وارتفع  عددهم سنة 2008 إلى 106900 مستجلب "مهاجر"، ووصل عددهم اليوم إلى 170 ألف يهودي أثيوبي.

من المتوقع أن يصل عددهم الى نصف مليون بعد سنوات قليلة. هذا العدد سيؤثر حتمًا على معادلة الربح والخسارة "الإسرائيلية" في ما يتعلق بالوجود الإفريقي بشكل عام في "إسرائيل".

وتعتبر الفئة الأثيوبية في " إسرائيل" أحد تركيبات " المجتمع الإسرائيلي" الإحلالي، والذي يحتوي على تركيبة تجعله دائما في خطر التفكك، نتيجة التفرقة العنصرية بين مركباته والتي ولدت مع نشأته، وجسدها موقف أول رئيس وزراء " إسرائيلي" دافيد بن غوريون الذي كتب في مذكراته يقول "إن يهود أوروبا شكلوا شخصية الشعب اليهودي في العالم بأسره، والصهيونية هي في الأساس حركة اليهود الغربيين"، مشبّها يهود البلاد العربية "بالزنوج الذين أحضروا إلى أميركا كعبيد". مع أن اليهود الشرقيين " السفارديم" شكلوا نحو 54% من عدد المهاجرين إلى "إسرائيل" في الخمسينيات، إلا أن الحكم بقية في يد اليهود الأشكناز  الغربيين الذين طبقوا سياسة تمييز في حق جماعات اليهود الشرقيين جعلتهم في مرتبة أدنى.

وتشكل  "دولة الاحتلال" اليوم التي يسكنها 8.8 مليون نسمة، من طوائف واثنيات عرقية" كاليهود الغربيين " الأشكناز" و الشرقيين " السفارديم" و الأفارقة " الفلاشا" والفلسطينيين أصحاب الأرض،  وتتمتع  " إسرائيل" بوجود أغلبية يهودية بنسبة 74%، ويشكل العرب الفلسطينيون نسبة 20.9% وبها أيضًا أقليات مسيحية ودرزية وسامرية وغيرها من الأقليات الدينية والعرقية.

لذلك  التركيبة الطبقية في " المجتمع الإسرائيلي" تجلت في الصراع بين مكوناتها وخصوصا بين "الأشكناز والسفارديم" بشأن الأيديولوجية والطبقية بين يهود الغرب ويهود الشرق، فالأشكناز هم الطبقة العليا في "إسرائيل" التي تتمتع بالغنى والهيمنة على المؤسسات السياسية والاجتماعية، والأكثر حصولًا على الأجور المرتفعة عن اليهود السفارديم الذين يتقاضون رواتب أقل بكثير من الأشكناز ويحصلون على وظائف أقل. ورغم مكامن التفرقة وعدم التجانس إلا أنهم استطاعوا في الحفاظ على " بينة الدولة الاحتلالية"؛ بسبب تصدير المشاكل الداخلية إلى الخارج، إضافة إلى " البعبع الأمني".

وقال " الكاتب الإسرائيلي" يهودا شاحت تعليقا على احتجاجات الأثيوبيين " إن "المظاهرات العارمة التي تشهدها إسرائيل في الأيام الأخيرة مع اليهود من ذوي الأصول الأثيوبية، وقبلها الاحتجاجات التي يقوم بها اليهود الحريديم، وقبلهما الاعتداءات التي يتعرض لها العرب من الشرطة الإسرائيلية، كل ذلك يفرز أمامنا حالة من التفكك الاجتماعي والتفسخ الداخلي في إسرائيل، ويبدو أن هناك من يكسب من ذلك".

تفتح هذه التناقضات وطبيعة التركيبة للمستوطنين، والتساؤل عن الطريقة المثلى لاستغلالها في قتل مشروعها " الاستيطاني" وتفككه. حيث وضعت رسالة القسام أحد قواعد العمل في التسلل إلى قلب " المجتمع الإسرائيلي" واختراقه مما ينعكس إيجابا على بعض القضايا الوطنية الفلسطينية كقضية الأسرى مثلا.

وإن نظريات اللعب على  التناقضات الفلسطينية-الفلسطينية، واختراق العديد من المجتمعات والدول العربية التي لعبها " الإسرائيليين" طويلا، وخصوصا من خلال إعلامه وصحافته، لا بد أن تنعكس على تركيبته، من خلال وضع استراتيجية بث وتأليب الرأي العام ضد قضايا عنصرية كما فعلت القسام مثلا؟.

قال الكاتب ياسين عز الدين، إن الكثيرون قد تنبهوا  إلى إمكانية اللعب على تناقضات المجتمع الصهيوني، في ضوء تظاهرات الفلاشا، وبعضهم اقترح بأن يكون هنالك لجان إعلامية تلعب على هذه التناقضات بشكل محترف، وهو اقتراح في مكانه ويحتاج لجهد منظم والخبراء في المجتمع الصهيوني حتى لا يكون العمل عشوائيًا.

وأوضح في مقالته " المقاومة والانشقاقات في المجتمع الصهيوني؟" أن  للعمل المقاوم دورا هاما في إحداث تصدعات في بنيان المجتمع الصهيوني وهز ثقة المستوطنين بدولتهم.

وبين أن " مجتمع الاحتلال " قائم على أن  العدو المشترك يوحده وبالفعل أعمال المقاومة توحده على المدى القصير، لكن شعورهم بالهزيمة والعجز أمام المقاومة سيؤدي على المدى البعيد إلى تبادل الاتهامات ومحاولة كل مجموعة تحميل غيرها مسؤولية العجز.

وأشار إلى أن الصراع العلماني - الديني في " إسرائيل" بان عندما شعر العلمانيين بأنهم مغفلون يخدمون في الجيش ويخاطرون بحياتهم بينما "الحريديم" لا يدفعون أي ثمن ويأخذون امتيازات مالية كثيرة. فتشكل لوبي لفرض التجنيد الإجباري على الحريديم ونجحوا في ذلك، وهذا أطلق سلسلة احتجاجات بين الحريديم لم تنته حتى اليوم، والأكثر من ذلك كان الخلاف على تجنيدهم هو سبب فشل نتنياهو بتشكيل الحكومة الأخيرة وإجراء انتخابات جديدة.

وأكد على أن  استمرار المقاومة على المدى البعيد سيصيب الصهاينة بإحباط وشعور بالعجز المزمن مما يؤدي لزيادة الانشقاقات والتصدعات الداخلية، لن تكون هنالك نتائج عاجلة وآنية بل لفترة زمنية طويلة حتى التماس الأثر.

وفي ذات السياق، قال المفكر العربي عبد الوهاب المسيري، إن التناقضات الداخلية هي من تهدد طبيعة الدولة العبرية، مشيرا إلى أن نصف المهاجرين الروس لـ"إسرائيل" لم يكونوا يهودا، وكذلك الفلاشا الذين تم تهجيرهم لم يكونوا يهودا باعتراف الحاخامات أنفسهم·

وأوضح في مقاله " المتسللون عبر الحدود سيكتبون نهاية إسرائيل" بأن ظاهرة تسلل العنصر الافريقي تهدد طبيعة الدولة العبرية، وهويتها، لقد أقاموها كي تكون دولة ليهود أوروبا البيض، ولكن اليوم ازداد عدد الأفارقة، وازدادت التفرقة العنصرية أيضا.

 

قال الكاتب والمحلل السياسي عدنان أبو عامر، إن المقاومة الفلسطينية تحاول اللعب  على التناقضات داخل " إسرائيل" وهو جهد دعائي مشروع ومنطقي، ولكن يبقى السؤال والنقاش حول التجاوب لهذه الرسائل، على اعتبار أن الأوضاع الداخلية والاحتجاجات الأثيوبية قد تسهم أكثر باحداث انقسامات اضافية من جهة، وأن يزيد العداء ضد الحكومة التي لم تتبنى قضية الأسير الأثيوبي المأسور لدى المقاومة الفلسطينية من جهة أخرى.

وأوضح أبو عامر لـ " الحدث"  أن المقاومة تخوض معركة صامتة أي حرب نفسية مستخدمة كافة العمل الدعائي، وهذا يحتاج إلى تراكم وجهد أكبر حتى تتصدر المقاومة الاحداث الداخلية في " إسرائيل" من خلال الضغط وتوسيع رقعة الانقسام والتباينات وإيجاد فوراق إضافية.

وبين أن الكتاب " الإسرائيليون" يعتبرون بأن الاحتجاجات الأثيوبية قد كشفت النقاب على أن المجتمع " الإسرائيلي" غير متجانس، وهذا ظهر من خلال عدم تبنى هذه الاحتجات وإنما وجود تناقضات في الرؤى والنظرة إليها، وكون أن الاعلام والصحافة بيد اليهود الغربيين لذلك لم يتم تبني الاحتجاجات الأثيوبية.

وأشار إلى أن الانقسامات الداخلية في " إسرائيل" تدفع إلى إنشاء دويلات داخل دولة، أي اليهود الأشكناز الغربيين دولة، و الشرقيين دولة، والأفارقة دولة، وهذا يعيد الصورة لما كان عليه اليهود في أوروبا والعيش في "غيتوهات".

بدوره، قال المختص في الشأن الإسرائيلي نظير مجلّي، إن على الشعب الفلسطيني مخاطبة " المجتمع الإسرائيلي" والوصول إلى اكبر وأوسع قاعدة منه؛ بهدف من التضليل والتحريض الذي تقوم به الحكومة اليمينية المتطرفة ضد الشعب الفلسطيني، وتحويله من ضحية إلى معتدي.

وأوضح مجلّي لـ " الحدث" أن على الفلسطينيين التدخل الإنساني اتجاه الأقليات التي يُمارس ضدها العنصرية، وليس تعميق التناقضات.

وأشار إلى " أن هدف الفلسطيني يكمن في تغيير قناعة " المجتمع الإسرائيلي" وتبديل نظرته العدوانية اتجاهنا، والذهاب باتجاه عملية سلام؛ لأن إيقاف عملية الاضطهاد يكون لـ " مصلحة الجميع"!.

 

ولفت إلى " أن عملية التأثير بالجانب الإنساني في ظل الدفاع عن حقوقنا، يمنحنا كسب الرأي العام العالمي".

 

وبين أن " إسرائيل" لن تتوقف عن عدوانها، إلا إذا اقتنع " المجتمع " الإسرائيلي" بأن ممارسات حكوماته خاطئة، ويكمن هدف الفلسطينيين في ترسيخ هذا الخطاب الذي يهدف إلى كشف جرائم حكومات  " إسرائيل" وعنصريتها.