الجمعة  19 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

فرانسوا بيغودو: "البرجوازية تحبذ دوام النظام القائم"

ترجمة: أحمد رباص

2019-09-23 01:01:35 PM
فرانسوا بيغودو:
تعبيرية

“البرجوازية” كلمة انبعثت منها رائحة طيبة في السبعينيات، واعتبر الكثيرون أنها ستغدو مفهوما أجوف. وقال رئيس الوزراء الفرنسي إدوارد فيليب نفسه على قناة BFMTV ” نحن دائماً أغنياء بالنسبة لشخص آخر. اسمعوا: لم تعد هناك طبقات، وبالتالي لا يوجد سبب للقتال من أجل تحقيق توازن بين الثروات". ومع ذلك ، فمن الواضح أن الصراع الطبقي اليوم ما زالت له راهنيته، وأنه لفهم معالمه من الأفضل أن نعرف بالضبط ما هو “البرجوازي” في عالمنا الحديث.

هذه هي المهمة التي اقترحها الروائي فرانسوا بيغودو في دراسة، حيث ينتقد البرجوازية الصغيرة الباريسية وغباوتها. كانت تلك أيضا بالنسبة له مناسبة ليعود إلى حالته المتناقضة ككاتب ناجح مناهض للبرجوازية، كتاب تحضر فيه الدرجة الثانية في كل مكان، ويقدم نصا أصليا وممتعا للقراءة، باللغة الحساسة لفرانسوا بيغودو. سعى موقع “Mr Mondialisation” لملاقاة هذا الكاتب، فكان هذا الحوار.

– ما الذي دفع الروائي فرانسوا بيغودو إلى الشروع في كتابة دراسة؟

كانت دار النشر Pauvre هي التي اقترحت أساسا أن أكتب دراسة عن ماكرون، وبعد ثلاثة أشهر من التفكير قبلت المشروع بشرط توسيع الموضوع ليشمل البرجوازية بشكل عام، نظرا لأن ماكرون مدين بامتياز للتصويت البرجوازي، فقد وجدت أنه من المثير للاهتمام أن أبدأ من الانتخابات الرئاسية الأخيرة للتفكير في هذا المفهوم حول البرجوازية وكيف سيكون من الممكن إعادة تأهيله، ولإظهار أنه ليس مفهوما أجوفً، ولكنه شبكة قراءة مناسبة لفهم الجسم الاجتماعي اليوم، خاصة وأن حياتي المهنية ككاتب دفعتني إلى معاشرة كل البرجوازية الثقافية، الباريسية والإقليمية، التي حرصت على وصف رموزها.

– صحيح أن شكل الدراسة أصلي. أنت لا تقتصر على عرض نظري بحت بل تستدعي إلى حد كبير الملاحظات المستمدة من تجربتك...

نعم، هذا هو المكان الذي يضيء فيه الأدبي الموجود بداخلي. يظل فضاء الأدب قبل كل شيء فضاء للذاتية، إنه تناول الأشياء بطريقة ملموسة. أستطيع أن أتفلسف، أستطيع أن أستدل، ولكن الآخرين يفعلون ذلك أفضل مني. القيمة المضافة لهذا الكتاب هي هذه المقاربة الملموسة والذاتية للطبقة البرجوازية والتي سمحت لي بمعالجة موضوعات لم تدرس بما فيه الكفاية، مثل الأذواق الجمالية للبرجوازية الثقافية. هذه ثيمة لا توجد بالضرورة في دراسات أخرى وهي ما سمح تداولي الاجتماعي ككاتب بالتعمق فيها وفقا لمساري. بحكم أن الطبقة الحاكمة تستثمر بإفراط في الوسط الأدبي، شعرت أنه كان لديّ شيء أصيل لأقوله حول الموضوع، ملاحظات تجريبية لأدلي بها. موضوعي هو بالتحديد غباوة هذه البرجوازية الثقافية اليسارية، التي كان عليها أن تسقط في أحضان ماكرون. برجوازية كانت ماكرونية قبل ماكرون، تبحر في منطقة رمادية وغير واضحة عن علم بين يسار الوسط ويمين الوسط.

– في موازاة ذلك، قمت بنشر “حالة حرب”، رواية تلتقي فيها شخصيتان من طبقتين اجتماعيتين مختلفتين بفضل مجموعة من الظروف. ما هي الروابط الموجودة بين النصين؟

هناك بالطبع أصداء بين النصين، ولكن في “حالة حرب” يمكن بالكاد وصف البطل بأنه برجوازي. إنه شخصية يسارية بوضوح، لكنه يتميز بمرونة سياسية معينة ناتجة عن راحته في الحياة. وضعه الاجتماعي لا يعرضه لأي استعجال، ووعيه السياسي لا يكفي لتحفيز الانتقال إلى الفعل. أخيرا، انتقلت إلى شكل من أشكال الاستنكار الذاتي من خلال هذه الشخصية. رومان إذن ليس بالضبط هو ذلك البرجوازي الذي هاجمته في “تاريخ غباوتك”. رومان واضح بشأن وضعه الاجتماعي، بينما ينكر البرجوازي في دراستي المنطق الطبقي واعتباطية امتيازاته. إنه يشبه، مثلا، رافائيل إنثوفن الذي أكد أن البرجوازي ليس سوى واقعة اقتصادية واجتماعية بدل فئة أخلاقية، الاسم الآخر لضيق في الفكر مستعرض للطبقات؛ ملمحا إلى أنه هو نفسه ليس برجوازيا بالنظر إلى الانفتاح الكبير لفكره. في رأيي، يتم تعريف البرجوازي قبل كل شيء بوضعه الإراثي المواتي ونظامه الرؤيوي الهادف إلى إضفاء الشرعية على هذا الوضع الإرثي.

– في “تاريخ غباوتك”، تهاجم بشكل أساسي “البرجوازية الهادئة”. كيف تصفها؟

يميز الكتاب بين نوعين من البرجوازية، أحدهما يتجسد في ماكرون لا تظهر عليه مظاهر البرجوازية التقليدية ويريد عن طيب خاطر أن يكون “تقدميا”، بينما يُنظر إلى الآخر على أنه رجعي يميني كاثوليكي وجامد اجتماعيا تدعي برجوازية ماكرون، إنها أكثر انفتاحًا من الناحية الاجتماعية، فهي صديقة للمثليين، نسوية، مع التنوع – لنقل إنها تستطيع الاضطلاع بهذه الصفات على أساس أنها مجرد إعلانات أخلاقية دون تأثير هيكلي. أحاول في هذا الكتاب أن أشرح أسباب تطور جزء من البرجوازية نحو الهدوء، نحو نوع من غياب الصرامة الأخلاقية. فرضيتي هي أن المنطق التجاري هو الذي وجه هذا التحول. لتحسين المبيعات، يجب أن تكون البضائع جذابة، ويكون الباعة أنفسهم جذابين. تبقى البرجوازية في الأساس طبقة أصحاب متاجر، ومن هذا الموقف الأساسي جاء إليها الهدوء. مثلا، التسامح المرن مع الأقليات ناتج عن المنطق الاقتصادي. إن تقسيم المجتمع إلى فئات متعددة مفيد للأعمال: يتم إنشاء سوق خاص بالمثليين، هدف تسويقي خاص بالإناث، إلخ. في المنطق الاقتصادي أصبحت البرجوازية صديقة للأقليات. والخطوة الثانية من التفكير هي تحليل هذا الهدوء كشكل جديد من الهيمنة أكثر دهاءً وأكثر التواء. عندما كان لدينا في ذلك الوقت رئيس يقوم بتوجيهنا بطريقة صعبة، أصبح لدينا الآن روح إدارية جديدة أكثر ليونة وأكثر أفقية وتشاركية تسعى إلى جعل الموظفين أكثر كفاءة من خلال مداعبة شعيراتهم. الهدف هو نفسه، استغلال قوة عملهم، ولكن يتم لف كل شيء في طرد من التوت لجعله مستساغا أكثر من وجهة نظر عاطفية ما زلت أفضل الشكل الأول للهيمنة الذي يتمتع بميزة التقدم علانية.

– إذا سايرناك، تكون هذه البرجوازية الهادئة أكثر عرضة للكراهية من البرجوازية الرجعية الكلاسيكية؟

بلى، لأنها تحتوي على كل عيوب البرجوازية الرجعية، لكنها تضفي على القمع نوعا من النفاق. لقد فعلت لنا ذلك بالمقلوب، لكن تظهر على محياها تلك الابتسامة الصغيرة المتكلفة على طريقة ماكرون. هذا المزيج من الوحشية البرجوازية والهدوء الظاهر هو ما يفسر في رأيي الكراهية التي يتعرض إليها الرئيس، لأنني أعتقد أن هذه الخدعة، لا أحد يستطيع تحملها. كثيرون منا يفضلون الوحشية على تلك الملفوفة بحلاوة العسل والمتعالية جدا في عمقها. ثم هناك نوع من العقوبة المزدوجة التي فرضت علينا: السيطرة ونفي هذه السيطرة مما يجعلها لا تطاق.

– دراستك تهاجم الغباوة البرجوازية، هذا الميل لجعل الأخلاق دائما تسود على الفكر. هل يمكن أن تحدثنا عن ذلك أكثر؟

إذا أردت، فمن الطبيعي جدا إخضاع الأشياء لمصفاة أخلاقية، لأننا قبل كل شيء كائنات أخلاقية. لكن تصبح هذه الأخلاق خطرة، عندما تمنع التفكير، عندما تكون بديلاً عن الفكر الذي يتعين عليه قدر الإمكان الابتعاد عن الزوج خير – شر من أجل السعي إلى الدقة. عندما نريد حقا أن نفكر، يجب علينا أن نتخلص في البداية على الأقل من القيود الأخلاقية. عندما تدعو الأخلاق نفسها إلى الفن، مثلا، فإنها تكون مدمرة لأن الفن لديه هذا الشيء العظيم والثمين الذي يدعو إلى استكشاف مجالات تتعارض أحيانا مع التوقعات الأخلاقية؛ يجب أن يكون الفن قوة مزعزعة للاستقرار، وإلا فإنه مجرد غرفة صدى ليقينياتنا. يمكن للأخلاق أن تحول دوننا والاستماع لنكتة ساخنة، وهذا أمر مؤسف. باختصار، يجب أن نحاول التفكير في ما هو موجود وليس في ما يعزز تصورنا للعالم. منذ بضعة عقود، شهدنا ظهور برجوازية تعطي الدروس بكثرة – ما يمكن أن نسميه “الصحيح سياسيا” – وهو تعبير لا يعجبني بسبب استخدام الرجعيين له. استغلال غالبية السكان لا يطرح بالنسبة لها أي مشكلة، ولكن مزحة الخوف من المثليين تزعجها، هي بالنسبة لها وسيلة بها تكتسب وعيا جيدا، لأنها تعرف كيف تجلس على ظلم أولي، فهي نفسها تعرف أنها مستهجنة اجتماعيا ولكنها تحاول استدراك نفسها من خلال مجموعة كاملة من الموضوعات التي لا تزال غير مؤذية لامتيازاتها. ينقسم المشهد الإعلامي اليوم إلى قطبين متعاكسين: الهدوء ضد رد الفعل، يان بارثيس ضد نادين مورانو، زمور ضد إينثوفن. في هذه المساحة الصغيرة، يختنق الفكر ويقدم فقط محادثات منخفضة السقف تظهر الخير ضد الشر، حول أسئلة سامة للغاية وجوفاء مثل مسائل الهوية، حيث يتفق القطبان بكل سرور على صرف المسائل الطبقية- الشيء الذي يزعج كل هؤلاء الأشخاص الذين يتطورون داخل الطبقة السائدة. هذا ما يفسر جزئيا كيف أن البرجوازية الوسطية اكتسبت فجأة خطابا أخلاقيا يلقى غالبا بلهجة المدعي العام. هي المسؤولة عن عقم المناقشات ورداءتها.

- في روايتك كما في دراستك، تقوم بتحليل العداء الدفين الذي تحافظ عليه البرجوازية حيال كل أشكال العنف. لماذا سلطت النور على هذا العنصر؟

من الواضح أن البرجوازية تحبذ دوام النظام القائم، لأنه نظام يناسبها. ومع ذلك، فإن للعنف السياسي دائما تأثيره وغالبا ما يكون هدفه زعزعة استقرار النظام الاجتماعي. هذا هو السبب في أن البرجوازية تسعى بشكل منهجي لتخفيف الحركات الاجتماعية من خلال تشجيع الحوار والتشاور مع القادة. إنها تحب النقابات مثل الاتحاد الفرنسي الديمقراطي CFDT، وتوهم بأن القرار النهائي هو نتيجة إجماع وليس نتيجة عنف مؤسسي يفكك الاحتجاجات الاجتماعية بتدخلات قسرية. يفسر غياب المحاورين الرسميين أثناء تحركات السترات الصفراء إلى حد كبير، الخوف الذي استولى على المهيمنين، لأنهم لم تكن لديهم أدواتهم المعتادة لنزع فتيل الغضب. للبرجوازيين رؤية عن الغوغاء استمرت عبر القرون: رؤية عن حشد من الوحوش لديهم استعداد لتمرير الحبل حول رقابهم. لكن حركة التبرجز عن طريق رفض العنف تهم المجتمع ككل. الجميع، بمن فيهم أنا، بغية التطور في مجتمع شديد الحماية، يصبحون معارضين للعنف، وبالتالي يتبنون موقفًا برجوازيا، خجولًا أو خائفا، تجاه أولئك الذين يستعملون العنف. تعرقل حركة التهدئة المعممة هذه إمكانية ظهور قوات احتجاج فعالة حقا. من وجهة النظر هذه، يشارك الكثير منا، بدرجات متفاوتة، في الوضع الاجتماعي الراهن.

- تماما، مسألة العنف كأداة للاحتجاج تقسم الدوائر الناشطة. هل تعتقد أنها يمكن أن تكون وسيلة فعالة لتحقيق غايات المرء؟

بخصوص هذه النقطة، عليك أن تكون حذرا. عندما كنت صغيرا في وقت سابق، كانت المساحات القتالية شديدة القسوة، حيث انخرط الكثير من الرجال عن ذوق، من بين أمور أخرى، في المصارعة. وبهذا المعنى، أعتقد أن أنصار اللاعنف قد استفادوا من حركات التحرر التي أصبحت مموهة ومؤنثة، وفي الوقت نفسه أصبحت متاحة لاعتبارات مناسبة، تتعلق أساسا بمكان الأقليات في الصراعات الاجتماعية، بدءا من مكانة المرأة. ومع ذلك، في التحليل الموضوعي للعلاقات بين القوى، يبدو لي أن تقديس اللاعنف يأتي بنتائج عكسية، لأنه يتجاهل القوة الهائلة التي يمكن أن تنشرها السلطة بنفسها.

هناك نوع من السذاجة السياسية في الاعتقاد بأن الحركات الديمقراطية والسلمية بلا منازع ستكون وحدها كافية لطي (صفحة) البرجوازية والدولة التي تخدمها. بالإضافة إلى ذلك، قامت البرجوازية الغربية بنقل العنف بشكل أساسي، لا سيما من خلال نقل مسارح العمليات العسكرية إلى إفريقيا والشرق الأدنى أو الشرق الأوسط. ولكن هذا لا يعني أن هذا العنف لم يعد موجودا لأنه يقع خارج مجال رؤيتنا المباشر. يجب أن نقوم بمعاينة باردة: الحركات الهادئة مثل احتلال الميادين، الوقوف ليلاً، "الثورات العربية" لم تحصل إلا على القليل؛ الرأسمالية لم ترتعش وتستمر البرجوازية في استغلال نصف الكوكب. فقط عندما تستعرض العضلات ترتجف البرجوازية. وعلى العكس من ذلك، فإن الصور التي تظهر فيها السترات الصفراء وهي تضرب شرطيًا، أو تقتحم باب وزارة بنيامين غريفو، توحي لدى المهيمنين بعودة الخوف القديم، عودة الغوغاء المتمردين وبالتالي الخطيرين. لكن تلك مسألة قديمة زعزعت بالفعل الدوائر الفوضوية والشيوعية في القرن التاسع عشر، مسألة سأمتنع عن تقديم إجابة حاسمة ونهائية في شأنها ما دامت معقدة. ما هو واضح هو أن كوننا يساريين اليوم هو الجمع بين اليقين بأن القضاء على الرأسمالية أمر مرغوب فيه، والفوضى في الشعور بأن هذا الاستئصال غير مؤكد للغاية. بإمكان كل واحد أن يرد على هذا التناقض بالطريقة التي تبدو مناسبة له.

- كتبت في دراستك قائلا: "أنت تعتبر الانتخابات هي المكان الحصري للسياسة، أنا أعتبر أن السياسة في كل مكان ما عدا هناك". من الواضح أن هذا يتردد في التصريحات العامة المؤيدة للامتناع عن التصويت كعمل سياسي. يهدف هذا الموقف إلى انتقاد النظام أو تأكيد استحالة وجود الديمقراطية التمثيلية؟

أعتقد أن الديمقراطية لا يمكن أن تكون تمثيلية، يجب أن تكون مباشرة. منذ اللحظة التي ننتخب فيها شخصا ما لاتخاذ القرارات بدلا عنا، نتخلى عن سيادتنا. في الديمقراطية الحقيقية، نصوت على قوانيننا. المرور من خلال الممثلين يبدو لي دائماً غير ديمقراطي. بعد ذلك، سيكون من الممكن تحسين الديمقراطية التمثيلية من خلال التشكيك في طرائق التمثيل. هذه هي الأفكار التي أثارتها بشكل خاص السترات الصفراء التي أبانت، في هذا الشأن، عن ذكاء جماعي كبير. أنا أفكر بشكل خاص في الاستفتاء حول المبادرة المواطنة (RIC) والولاية القابلة للإلغاء. يجب أن يكون الممثلون في خدمة الشعب وأن يكونوا دوما تحت إشرافه. لكن ما تدينه الجملة، أكثر من التصويت، هم الأشخاص الذين يعتقدون أن تصويتهم يغير الأشياء حقا، بينما تتم فبركة كل شيء مقدما، حتى لو كانت بعض المتواليات الانتخابية تؤدي إلى تسلسلات سياسية مثيرة للاهتمام على الرغم من فراغ النتيجة. كان هذا هو الحال بالنسبة للاختراق الذي شهده المتمردون خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي أعادت تنظيم نسبة القوى الحزبية في ذلك الوقت. ولكن مع ذلك، فإن الانتخابات ليست أكثر ولا أقل من مجرد فولكلور عبثي. عند الوصول، يكون الفائزون دائمًا في خدمة رأس المال. لقد تم تصور المؤسسات من قبل المهيمن لإنتاج هذا الثابت.

- أنت تطالب بتراث فكري تحرري. هل الفوضوية فرضية مرغوبة في نظرك أم بالأحرى هي إطار نظري يسمح لك بتحليل النظام الحالي؟

قبل كل شيء، أود أن أوضح أنني أعرّف الفوضوية بأنها مزاج، كعلاقة معيّنة بالعالم. إنها أولاً حصول تشكك كبير تجاه جميع السلطات. أن تكون فوضويًا هو أن تضحك على الجلال العظيم الذي يحيط بالسلطة، لكي تشعر بطابعها الخيالي؛ وحتى لا ينبغي أن ينال هذا المسرح المضحك إعجابك. أما بالنسبة للمشروع السياسي الفوضوي، فهو أفق يبدو لي أنه يتعذر الوصول إليه بحكم التعريف ولكنه يحدد خطًا يجب متابعته، وهي غاية يلزم السعي لتحقيقها. يعني ذلك توخي تمكن الأفراد دائما من التخلص من التبعيات المفروضة. من المهم التمييز بين التبعيات المفروضة والتبعيات المختارة. على عكس الفكرة التي يتم نقلها في كثير من الأحيان، فإن منظمة مستوحاة من الفوضوية لا ترفض القاعدة، بل تطالب فقط بأن يتم سن القواعد بحرية وبشكل جماعي وفقا للصالح العام، الذي يحاول أيضا أن يأخذ في الاعتبار التطلعات الفردية.