السبت  20 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

الفساد وحكم الطائفة في العراق.. إمكانيات النهوض والسقوط

2019-10-23 11:39:40 AM
الفساد وحكم الطائفة في العراق.. إمكانيات النهوض والسقوط

الحدث ـ مادلين إبراهيم

بعد اسقاط نظام صدام حسين العلماني في العراق في 2003، تم إقرار النظام السياسي والدستوري للبلاد بناءً على مبدأ نظام الحاكم المدني الأمريكي وقتها "بريمر" القائم على التوزيع الطائفي والعرقي، فكانت نسبة التمثيل الأعلى في البرلمان والنواب لصالح الطائفة الشيعية بما أنها تمثل أكثر من 60% من مكونات الشعب العراقي.
وبما أن النظام السياسي الجديد قام على مبدأ التوزيع الطائفي فإنه شكّل بصورة مباشرة تحولاً جذرياً في الهوية الطائفية للعراق، وارجاع اذكاء النيران الخامدة تحت مبدأ الديمقراطية، خاصة وأنه يحيى الطموحات الطائفية بتولي الحكم سواء على مستوى الطائفة الشيعية التي تنظر للأمر من ناحية الأحداث التاريخية التي شهدتها أرض العراق من صراع بين الطائفتين السنية والشيعية مثل: معركة الصفين وموقعة كربلاء، هذا لجانب ان الحكم في تاريخ العراق المعاصر في المناصب الرفيعة ومراكز القيادة الأولى كانت بشكل كبير للطائفة السنية.

رأت الأحزاب السياسية الشيعية في العراق أن توليها الحكم العراق جاء باستحقاق لهم دون غيرهم وليس من مبدأ المسؤولية، فظهر ذلك بشكل واضح في أيدلوجية وخطاب الأحزاب الدينية التي لم تتناسب مع الفرد العراقي، ومع ما خلفه  هذا الحكم من فساد مستشري في كافة مفاصل الدولة العراقية، فتسارعت الأحزاب الدينية لكسب أكبر المكاسب سواء في النهب المالي أو توزيع المناصب الحكومية على مبدأ المحاصصة لأبناء هذه الأحزاب، فالعراق صنف في المرتبة الثانية كأكبر دولة في العالم تعاني من الفساد، لجانب ما نشرته التقارير الدولية عن سرقة أكثر من 400 مليار دولار من الخزينة العراقية خلال 16 عام من الحكم الشيعي في العراق، وانتشار البطالة بنسبة تجاوزت ال20% لبلد يعد ثاني مُصدر للنفط في العالم، ولديه ما لديه من الثروات المائية والزراعية.
أما على صعيد ممارستها الإرهاب على أبناء الشعب العراقي خاصة في تظاهرات العراق الأخيرة أكتوبر 2019، ليصل القمع فيها إلى أعلى درجاته بعملية قتل منظمة للمتظاهرين من خلال نشر القناصة في أماكن الاحتجاجات ليقتل أكثر من 150 متظاهر وجرح أكثر من 6 آلاف في أيام قليلة، لتثبت هذه الأحزاب مدى عدم اكتراثها بدماء الشعب العراقي المقهور مقابل تثبيت حكمهم في البلاد، وعلى إثر هذه الممارسات القمعية للمتظاهرين، فقد طرد العراق من مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة من نفس الشهر، وفي جانب آخر للإرهاب المنظم والخطف والتغييب على خلفيات الاختلاف الطائفي والمذهبي والسياسي مع هؤلاء الأحزاب، بحسب إحصاءات رسمية هناك أكثر من 14 ألف مواطن مغيبين منذ سنوات.

وقد علق أوس الرواي كاتب عراقي على ذلك: " نعم الأحزاب ساهمت بشكل كبير بتعزيز الهوية الطائفية للحفاظ على وجودها، لأنها تعتاش على الوتر الطائفي الذي ترهب به جمهورها بأنه هناك مؤامرة على المذهب يهدد وجودها واستحقاقها في العراق".
وهذا ما لوحظ في تعامل هذه الأحزاب مع المظاهرات الأخيرة التي طالبت بشكل واضح وصريح، بتقييد نفوذ الأحزاب الدينية وأن يكون القرار السياسي عراقي خالص، دون أدنى تدخل من الدول الإقليمية والمجاورة للعراق تحت شعارات" نريد وطن"، لكن خطاب الأحزاب سوق لهذه التظاهرات على أنها مؤامرة لإسقاط الحكم الشيعي في العراق من قبل أمريكا وإسرائيل.

وذكر الرواي: " الأحزاب الدينية لا تشكل سوى 5% من العراقيين، واليوم الشارع العراقي يتعطش للخلاص منهم في هذه التظاهرات الكبيرة لأنهم اوصلوا العراق إلى نفق مظلم لا يمكن الخروج منه إلا بخروج تلك الأحزاب الدموية الفاسدة من السلطة، ويتأمل الشارع العراقي الحصول على دولة مدنية مؤسساتية بعيدة عن التحاصص الطائفي وتعزل الدين عن السياسة بنسبة كبيرة جدًا خصوصًا ان بعض الأحزاب مرتبطة ارتباط عميق ببعض دول الجوار واصبحت هذه الدول تؤثر بشكل كبير على حياة الفرد العراقي".
شكلت هذه الأحزاب نموذجاً فريداً لم يسبق له مثيل في أي دولة من الدول في الفساد و"الإرهاب" والسرقات والنهب على الرغم من رفعها لشعارات الحكم في اطار العدالة والمساواة، والتعددية في ظل حكم إسلامي إلا أن الواقع أثبت غير ذلك، وهذا ما غير في الوعي السياسي والاجتماعي العراقي، فقد تراجعت الطائفية داخل العقل الجمعي العراقي، ليتوجه الشعب إلى العلمانية وما تحمله من مفاهيم فصل الدين عن الحكم ومؤسسات الدولة ولعل هذا ما برز في شعارات التظاهرات الأخيرة وأيضا التوجه إلى الأحزاب العلمانية التي حظيت باهتمام ملحوظ في انتخابات البرلمان مايو 2018.
وقد نظر الباحث العراقي مجاهد الطائي إلى الطائفية أنها تراجعت بشكل كبير
 ولم تعد مقبولة من العراقيين ويتعرض اي طائفي لردة فعل عنيفة روج للطائفية، وتظاهرات الوسط الشيعي اليوم جزءً رفض الطائفية التي استخدمت كأداة للمشروع الإيراني وتمدده، الأحزاب الدينية مسيطرة على المشهد السياسي وهي بكل بساطة تفصل بينها وبين اي مسؤول فاسد في الدولة تابع لها وتتبرأ منه اذا ثبت فساده. لكن ستضطر بالمستقبل لإعادة نظر بخطابها ليصبح أكثر بعدًا عن الدين وأقرب الي هموم المواطن.
يبدو أن نموذج الحكم لهذه الأحزاب الدينية قد فشل بامتياز في العراق، واسقاط هذا النموذج بات قريباً بعد ما شكلت النخب السياسية لهذه الأحزاب