الجمعة  29 آذار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

طهران تنتصر على العقوبات الأمريكية وتنجو ببرنامجها النووي ونفوذها الإقليمية

2019-11-09 09:57:11 PM
طهران تنتصر على العقوبات الأمريكية وتنجو ببرنامجها النووي ونفوذها الإقليمية
وقفة داعمة لمواطنين ايرانيين

 

الحدث - جهاد الدين البدوي 

نشرت مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية مقالاً للكاتب هنري روم تحدث فيه أنه قبل عام من هذا الأسبوع بدأت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإطلاق حملة "أقصى ضغط" ضد إيران.

وكانت الولايات المتحدة قد انسحبت من الاتفاق النووي الإيراني في مايو 2018. وفي نوفمبر، أعادت واشنطن فرض مجموعة من العقوبات الاقتصادية التي أدت إلى التضييق على صادرات النفط الإيرانية وتقليص وصول البلاد إلى النظام المالي الدولي. توقع بعض المحللين أن يتحدّى أصدقاء إيران في أوروبا وآسيا الولايات المتحدة لتقديم مساعدة اقتصادية لإيران. واعتقد آخرون أن العقوبات ستجعل الاقتصاد الإيراني يدخل في "دوامة الموت"، مما يترك لطهران خيارين إما الاستسلام أو الانهيار. لكن أياً من هذه التوقعات لم يحصل.

 ويوضح روم أنه بدلاً من ذلك تدخل إيران الآن عامها الثاني تحت حملة "أقصى ضغط" واثقة من الاستقرار الاقتصادي وموقعها الإقليمي. ومن المحتمل أن يستمر المرشد الأعلى السيد علي خامنئي وغيره من المتشددين في مساره الحالي: ستواصل إيران دعم سوق النفط مع تعزيز اقتصادها غير النفطي، وستواصل توسيع برنامجها النووي مع رفضها الحديث مع واشنطن.

أصدقاء مثل هؤلاء:

يرى روم أنه حتى بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، توقعت إيران أن تساعد الأطراف الأخرى في الاتفاقية في تعزيز اقتصادها. بعد كل شيء، تعهد الموقعون على الصفقة بدعم صادرات النفط الإيرانية. وبسبب الضغط الأميركي، لم يتحقق هذا الدعم أبداً. ساعدت أوروبا في وضع آلية مالية تتجاوز العقوبات الأميركية، لكن هذه الآلية ستتعامل فقط مع التجارة الإنسانية. وفي النهاية، لا يمكن للحكومات الأوروبية أن تفعل الكثير لدعم التجارة مع إيران، لأنها لا تستطيع إجبار الشركات الخاصة على تحدي العقوبات الأميركية.

ويضف أنه حتى الحكومات الصديقة الأخرى -الصين وروسيا والهند- لم تقم بالتخفيف من نتائج هذه العقوبات. كل هذه الدول لها أولويات أكبر لا ترغب في تعريضها للخطر في علاقاتها مع الولايات المتحدة. بالنسبة للصين، تأخذ المفاوضات التجارية والعلاقة الاستراتيجية الأوسع نطاقاً مع واشنطن الأولوية بين القضايا. وبالنسبة لروسيا فهي تريد تجنب إعطاء الكونغرس سبباً آخر لفرض عقوبات على الكرملين. والهند حريصة هي الأخرى على تعميق العلاقات الدفاعية مع واشنطن، مستفيدة من الانفصال الأميركي مع باكستان.

يعتقد الكاتب روم أن الصين والهند ووروسيا تواجه ضغوطاً قليلة من سوق النفط للوقوف على أحد الأطراف مع إيران. الطلب العالمي يتباطأ، والعرض وفير، والأسعار منخفضة، فلماذا تخاطر هذه الدول بالعقوبات الأميركية لشراء النفط الإيراني؟ تعد الصين أكبر زبون نفطي لإيران، لكن مشترياتها صغيرة نسبياً. منذ فرض العقوبات، لجأت بكين إلى المملكة العربية السعودية لتلبية الكثير من احتياجاتها النفطية. تمتلك الهند أيضاً الكثير من مصادر النفط الخام الرخيص التي لا تتحمل مخاطر فرض العقوبات. وليس لدى روسيا حافز كبير يذكر لمساعدة دولة زميلة مصدرة للنفط، بالنظر إلى أنها تعمل عن كثب مع أوبك لتقليل حجم النفط الخام في السوق اليوم.

ويوضح روم بأن ايران عانت من صدمة شديدة بسبب عزلتها الاقتصادية الدولية. انخفضت صادرات البلاد من النفط من 2.4 مليون برميل يومياً في أبريل 2018 إلى أقل من 500000 برميل في سبتمبر 2019. دخل الاقتصاد الايراني في حالة ركود، وارتفع التضخم، وفقدت العملة 60% من قيمتها مقابل الدولار. كما أن إدارة ترامب تصف هذه الإحصاءات كدليل على نجاح العقوبات. لكن علامات أخرى تظهر أن الاقتصاد الإيراني يستقر.

 ومن جانب آخر يورد الكاتب توقعات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لمستقبل الاقتصاد الإيراني، وترى المؤسسات الدولية الاقتصادية الدولية الرئيسة أن الاقتصاد الإيراني سوف ينتعش من الركود إلى نمو يقارب "0%" في عام 2020. ويتوقع صندوق النقد الدولي كذلك أن ينخفض ​​التضخم في إيران من 35.7% في عام 2019 إلى 31% في عام 2020. كما أن العملة الإيرانية المتقلبة ستستقر، الريال استقرت بين 115،000 و 120،000 للدولار، مستعيدة بعض الهدوء الذي هي بأمس الحاجة إليه في المعاملات اليومية. كما أن مشاركة القوى العاملة والعمالة في ارتفاع مستمر. وسيكون الاقتصاد الإيراني كما كان في السابق وسيكون ناتجه المحلي الإجمالي في عام 2020 كما كان في عام 2015 لكنه سيكون مستقراً، ومن المحتمل أن تستنتج قيادة البلاد أن إيران يمكنها تحمل الضغوط الأميركية للعام المقبل.

ومن جهة أخرى ينوه الكاتب إلى أن الاقتصاد الإيراني سيبقى على حاله ولو جزئياً، لانه متنوع، وهي سمة تغفل عنها واشنطن غالباً. في عام 2017، شكّل النفط الخام 43% فقط من الصادرات الإيرانية - مقارنة بـ78% في المملكة العربية السعودية، وعلى سبيل المثال. لهذا السبب، تمكنت قطاعات الخدمات الصناعية والزراعية وغير النفطية في إيران من تخفيف الضربة الناجمة عن انهيار عائدات النفط بموجب العقوبات. كما إن القطاعات غير النفطية تولد معظم الإنتاج والوظائف الاقتصادية في إيران. لقد أثبتت مرونة أكبر في ظل العقوبات الأميركية مقارنة بقطاع الطاقة، الذي يعتمد بشدة على الوصول إلى السوق العالمية.

 ويبين روم أن الاقتصاد الإيراني لا ينفد من تأثيرات العقوبات بالكامل. إذ لا تزال البطالة مشكلة مستمرة، والنظام المصرفي ضعيف بشكل مزمن وغير مؤهل، والقطاع الخاص يعاني من فقر الدم. لكن بالنظر إلى العام المقبل، لا يبدو سيكون الوضع مزعجاً، وقادة البلاد يتخذون خطوات استباقية. ووفقاً لمصادر الأخبار الرسمية، تخطط الحكومة الإيرانية لضمان ميزانية التشغيل من دون عائدات النفط. ويمكنها الاستفادة من احتياطياتها البالغة 100 مليار دولار لتغطية أي فجوات ولضمان استمرار الإنفاق الاجتماعي القوي الذي يتوقعه الإيرانيون. وفي حين أن هذه التدابير ليست مستدامة إلى أجل غير مسمى، فإنها ستدعم الاستقرار الاقتصادي لإيران خلال العام المقبل.

القوة الإقليمية:

من بين أهداف حملة "أقصى ضغط" الأميركية رفع تكلفة مغامرات إيران الإقليمية. لكن يبدو الآن أن من المحتمل أن تقضي إيران عامها الثاني في ظل العقوبات الأميركية وهي تدعم موقعها الإقليمي القوي بالفعل.

 ويشر الكاتب روم إلى أنه خلال الشهر الماضي تخلت إدارة ترامب على عجل عن حلفائها الأكراد في سوريا وعن التزامها بأمن الطاقة، تاركة فراغاً لإيران في وضع جيد لملئه. علاوة على ذلك، أشارت الإدارة الأميركية مراراً وتكراراً إلى أنها لن تقوم برد عسكري على السلوك الإيراني الأكثر استفزازاً: لم يرد ترامب بقوة على إسقاط طائرة أميركية بدون طيار، وعلى الهجمات على ست سفن تجارية في الخليج الفارسي، والاستيلاء على ناقلة نفط، أو ضربات 14 سبتمبر التي عطّلت نصف إنتاج النفط السعودي. تصر إدارة ترامب على أنها لن تتخلى عن شركائها الإقليميين. بالفعل، أرسل الجيش الأميركي 14000 جندي إضافي إلى الشرق الأوسط منذ مايو الماضي. لكن بالنسبة لإيران والسعودية وإسرائيل والإمارات العربية المتحدة، فإن الرسالة واضحة: ربما يكون ترامب يزيد من الدفاعات، لكنه لا يمتلك القدرة على القتال.

يعتقد الكاتب أن لدى إيران فرصة غير عادية لتعزيز ميزتها مع القليل من المعارضة العسكرية أو الدبلوماسية. سوف تستغل طهران هذا الانفتاح بتصعيد جهودها لتعطيل تجارة النفط واتخاذ خطوات استفزازية في الإنتاج النووي، مثل توسيع إمداداتها من أجهزة الطرد المركزي المتقدمة واليورانيوم المخصب. ومن شبه المؤكد أن إيران ستستمر في التدخل في الشؤون الداخلية للدول المجاورة، وبخاصة العراق، حيث تقوم القوات المدعومة من إيران بقتل المحتجين والسعي للحصول على نفوذ سياسي. ولطالما مارست طهران نفوذاً كبيراً في العراق، لكن فك الارتباط الذي قامت به الإدارة الأميركية قد بدد أي مخاوف بشأن قيامها بدور مباشر.

ويختتم الكاتب مقالته بالقول: "لم تعانِ إيران ولا أنشطتها الإقليمية من ضربة قاضية بسبب عودة العقوبات. ولكن الدبلوماسية التي تضم الولايات المتحدة وإيران ربما تكون قد حققت ضربة قاتلة. كما وستستمر أطراف ثالثة في محاولة إعادة واشنطن وطهران إلى طاولة المفاوضات، لكن من المحتمل أن تفشل. ومن المحتمل أن يرى خامنئي الوضع الإيراني المحلي والإقليمي مستفزاً، وبالتالي لن يشعر بالحاجة إلى السماح بعقد اجتماعات رفيعة المستوى بين المسؤولين الإيرانيين والإدارة الأميركية التي يُنظر إليها على أنها معادية - وخاصة خلال عام انتخابات في الولايات المتحدة. وبدلاً من الدبلوماسية - وبدلاً من الانهيار- ستواصل طهران سلوكها الاستفزازي. السنة الثانية من حملة "ضغط أقصى" قد تكون أكثر اضطراباً من السنة الأولى.