الخميس  28 آذار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

شهوة الإدارة وإدارة الشهوة| بقلم: عبد الله لحلوح

2019-11-11 09:23:12 AM
شهوة الإدارة وإدارة الشهوة| بقلم: عبد الله لحلوح
عبد الله لحلوح

 

عندما تسمع بكلمة (شهوة)، تتبادر إلى ذهنك مباشرة روائح الجنس، والحديث عن هذا الجانب محرَّمٌ في شرعنا الاجتماعي؛ فنحن مجتمعٌ لا نتحدث إلا بمعالي الأمور، ولا نسمح لأنفسنا أو لأبنائنا الخوض في مثل هذه التفاصيل التي تتعلق بخريطة الجسد، أو بالحالة الذهنية المتشكلة عن تصور الشهوة أو الإحساس بها، فهذه أمورٌ لا يستوعبها المجتمع المحافظ، وهي غالبًا لا تُناقَش إلا من تحت الطاولة، ولكنَّ الحديث هنا لا يتعلق إطلاقًا بهذا الجانب، فنحن نتحدث عن فنِّ توظيف الانزياح اللغوي، ومفهوم الإضافة والتقديم والتأخير في اللغة العربية؛ كونها لغة واسعة التفاصيل، وقادرة بِسِعَةِ صدرِها أنْ تتحمَّل ما لا يمكنُ أن تتحمَّلَهُ إدارةُ الشهوة، وهي في ذروة شهوة الإدارة.

لا شكَّ أنَّ الفطرة الإنسانية تُنبِتُ في ابن آدم شتلةَ حُبِّ القيادة والظهور والأنا، والسلطة والتسلط، وتدفعه برغبة أو برهبة إلى تجريب كل جديد أو تقليده، وذلك أضعف الإيمان، ومتى اعتاد الآدميُّ على التقليد، فإنه يصبح عدوَّ التجديد، وهنا تدخل الشتلة الفطرية في مرحلة (كمون غشائي) أو (بيات شتوي)، ولكنه يتحول إلى سكونٍ إبداعيٍّ، وسباتٍ أبديٍّ، وما أكثر النائمين والمنوَّمين والمنوِّمين في أرضنا المباركة!

نقرأ في الصحف والكتب، ونسمع في المقابلات وفي الاجتماعات الفردية والجماعية، وفي الحقيقة والوهم، وفي لقاءات الأفراح والأتراح عن حالة الركود التي تعيشها الأرض التي تضيق بما رحبت على مَنْ فيها، ونعلمُ أنَّهُ لا شيء يعجبنا، فالمعلم والمتعلِّم والمدير والوزير و( الشوفير) والكبير والصغير و"المقمَّط بالحرير"، كلهم لا شيء يُعجبهم، وكلهم لهم ألسنةٌ ينطقون بها وأفئدةٌ يتسارع فيها النبض، ويتعالى معها صوت الرفض، ونضجُّ ثم نحجُّ حول كعبة من رفضناه وانتقدناه، ونتساءل بيننا وبين أنفسنا عن أحدث صرعة في عالم التسحيج، فنتدرّب عليها في خلواتِنا، ونكررها في بعض صلواتِنا، فنتفكَّر ونتدبَّر في لحظات خشوعنا، ونتأمل قدرة ذلك الكائن البشري الذي اصطفاه الخالق، ليكون القائدَ الفذَّ الخارق، فمن أينَ امتلك هذا التعاظم المُشتهى؟ وكيف ألهمه الله ليكون لسانًا نشدُد به أزرَنا وقت اشتداد الملمّات، وتعاقُب الليالي الحالكات؟ وإلى جانب ذلك فإنّنا لسبب أو لآخر نرفض التغيير، ونهيئ أنفسنا المهيَّأة أصلاً لمقاومته، وعندما تحاول الجهة المسؤولة التحكم بشهوة الإدارة، والتوجه نحو إدارة هذه الرغبة بما هو جديد، مع العلم أنَّ الجديد ليس بالضرورة أن يكون جديدًا خالصًا، بل يمكن أن تكون جِدَّته محددة في إطار ما، فالابتكار مثلًا، يمكن أن يراه مَن هم تحت سقف قيادة ما؛ سواء كانت تربوية أو سياسية أو اجتماعية، فإنهم يكونون على أُهبة الاستعداد لردِّ الضربات المُبتكرة. وهنا أودُّ الإشارة إلى قضية مهمة حتى لا تُفهم الأمور بغير سياقها، فليس من الحكمة أن يكون الإنسان معارضًا بقصد المعارضة فقط، وليس من الذكاء في الوقت ذاته أن تنظر القيادة إلى مَن يعارضها على أنه عدوٌّ؛ لأنه قد يكون سببًا من أهم أسباب نجاحها. 

إنَّ التفكير النمطي في قدرات بعض البشر الذين حالفهم الحظ أو الواسطة أو .... ليكونوا قابضين على ناصية القدر، تحرِّكهم شهوة القيادة، وحبُّ السيطرة، هو ما يدفعنا إلى هذا الصعود نحو الهاوية، فنحن نتملق ونتسلق سلالمَ من جليد، ومتى ارتفعت حرارة الطقس الشهواني، وتفاعلت الرغبة مع الرهبة، تفقد الصفائح الجليدية قدرتها على الاحتفاظ بميزان صعودِك، فتُسْقِطُكَ نحو هاويةِ الاحتراق الذاتي، وتكون بذلك حطبًا لنار الغواية، وبطلًا سلبيًّا من أبطال الرواية. فإذا لم تسعفك اللغة في فقه الإضافة، ولم تكن قادرًا على التمييز بين إدارة الشهوة وشهوة الإدارة، فابحث في ذاتك يا هذا عما لا يسرُّك، وهو قادمٌ لا محالة، فمنْ ملكَ البلادَ بغير حربٍ ... يهونُ عليه تسليم البلاد.

ومن وصل إلى ما وصل إليه بغريزته فقط، فإنَّ المزاج العام لا يبقى كما هو، ومتى بدأ الشعور بالضجر، فإنَّ صوت الطلاق سيضربُ في مكانه، وإذا حَدَثَ، فحدِّثْ وقتذاك ولا حَرَج، وقُلْ في سِرِّك: لم يتمكنوا من إدارة الهوى، فكان ( الهوى غلاب الهوى غلّاب).