الخميس  18 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

لقاء هادئ في جو سياسي عاصف/ بقلم: نبيل عمرو

2019-11-14 11:56:59 AM
لقاء هادئ في جو سياسي عاصف/ بقلم: نبيل عمرو
نبيل عمرو والرئيس عباس

 

رغم القطيعة طويلة الأمد بيني وبين صديقي الرئيس محمود عباس، إلا أنني حين ألتقيه ولو بين فترات متباعدة، أتحدث معه بصراحة ويصغي إليّ باحترام.

وليس بالضرورة أن يستجيب لنصائحي التي غالبا ما تكون ثقيلة وربما بعيدة عن السياق المتكرس، إلا أنني المتوغل في السياسة بشكل مطلق وفي الكتابة السياسية دون توقف وفي منابر مهمة، أحتاج إلى أن أعرف إلى أين وصل الرئيس الفلسطيني في تفكيره، وإلى أين تتجه قراراته وهو المسؤول الأول والأخير عن الشأن الرسمي الفلسطيني.

في السابعة مساءً، وفي أول الشتاء؛ يخيم الهدوء على مدينة رام الله، فتبدو كما لو أنها نائمة، وهذا هو أفضل وقت للحوار مع الرئيس محمود عباس والسماع منه وإسماعه ما أجتهد بأهميته في المجال السياسي والوطني.

بدا لي مكتبه في المقاطعة غريبا وغير مألوف لي؛ ممرات طويلة وجدران مزينة باللوحات والصور. لفت نظري منها ملصق يحتويه إطار أنيق كتب عليه "الصين قوية يعني فلسطين قوية". ولوحة إلى جوارها فيها كتب اسم محمود بطريقة فنية، ذلك لم يكن موجودا في الزمن الذي كنت أعمل فيه معه وقبله، الزمن التقشفي للرئيس عرفات. الخلاصة كان مظهر المكتب العرفاتي مبالغا في التقشف، أما مكتب عباس فهو مبالغ في الأناقة، ولا لوم لأي منهما على تصميم المكتب الذي يناسبه ويريحه.

  • سيادة الرئيس.. أحب أولا أن أطمئن على صحتك.

أجاب مذكرا بأنه في منتصف الثمانينات، ففهمت منه أن الصحة في هذا السن على "قد الحال"، إلا أنها جيدة كما لاحظت.

سألته إلى أين وصلت معمعة الانتخابات؟

أطنب في شرح الحاجة إلى إجرائها مستخدما جملة اليوم قبل الغد، فلم يعد في البلد سوى شرعيته، ولو غاب بفعل قضاء الله وقدره فستبقى البلد عارية تماما عن الشرعية، وهذا أخطر ما يمكن أن تواجهه القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، غير أن الرجل الذي حرر رسالة إيجابية ومن النوع الذي لا يرفض وأرسلها إلى حماس والفصائل عبر الدكتور حنا ناصر؛ بدا لي أنه غير مقتنع تماما أو بالقدر الكافي لرد حماس عليها، وحين قال أحد الحضور إن حماس لا تريد الانتخابات أصلا، هز رأسه دون أن يبدي موافقة صريحة على ما سمع، إلا أنه شرح طويلا معضلتي غزة والقدس، إذ لا يستطيع سياسيا ووطنيا كما يردد دائما إجراء انتخابات عامة من دونهما، ووافقني على أن الانتخابات في القدس تستحق أن تكون موضوع معركة قوية مع إسرائيل ومجال استقطاب دولي لمصلحتنا حين ننجح في إظهار إسرائيل على أنها تمنع الفلسطينيين من الذهاب إلى صناديق الاقتراع في المدينة التي لا يعترف أحد بأنها عاصمة لدولة إسرائيل ويقرون بأنها عاصمة للفلسطينيين. معركة كهذه وبهذا العنوان والمضمون تستحق أن تخاض وأن يبنى عليها الكثير.

قلت.. ولكن السيد إسماعيل هنية أعلن عبر الصحافة رداً إيجابيا على ورقتكم التي حملها الدكتور حنا ناصر، فهمت من إجابته أن رد هنية لم يكن قاطعا في القبول ولا يصل مستوى يشجع على إصدار المرسوم فورا لتحديد الموعد، ومع ذلك أكد على أنه لن يألُ جهدا لتهيئة مناخ ملائم وشروط مواتية لإجراء الانتخابات في غزة والقدس.

قلت.. ولكن سيادة الرئيس نتوقع ضغوطا جدية تمارس على إسرائيل تجعلها مضطرة كما حدث في السابق للموافقة على صيغة مقبولة كتلك التي حدثت في المرتين السابقتين لإشراك أهل القدس في الانتخابات ترشيحا وتصويتا، بدا لي أنه غير متفائل تماما،إلا أنه قال وبحرارة إننا نعمل على ذلك.

 كانت الأخبار المخضبة بالدم تصل تباعا من غزة بعد المغامرة الإسرائيلية باغتيال بهاء أبو العطا القائد الميداني في منظمة الجهاد الإسلامي، وكما عرفته منذ زمن قديم أبدى تأثرا بالغا بعدد الشهداء الذين سقطوا بفعل القصف الإسرائيلي الشرس لغزة، ومعظم الشهداء من المواطنين العاديين أطفالا ونساء لا صلة لهم بالعمل القتالي.

أفصح عن أنه لا يتوقف عن إجراء الاتصالات مع كل من له أي قدر من التأثير على إسرائيل لوقف هذا العدوان الشرس، وأبدى تفاؤلا بإمكانية نجاح الجهد المصري الفوري والمواظب والفعال لبلوغ تفاهم حول وقف إطلاق النار في غزة، ولقد ثبت بأن تفاؤله في محله حين تمكنت مصر من نزع فتيل انفجار شامل وتجنب الانجرار إلى حرب واسعة قد تتطور إلى اجتياح بري لا أحد يريده بما في ذلك إسرائيل.

سيادة الرئيس، دعنا نعود للحديث عن الانتخابات العامة، والمطروح الآن هو الشق التشريعي منها، ولنفترض أن العقبات جميعها ذللت، وذهبنا إلى الانتخابات في مدى قريب، كيف ترى جاهزية فتح لخوضها ومن ثم كسبها!.

فاجأني الرئيس حين قال وبيقين، إن وضع فتح الآن أفضل بمليون مرة مما كانت عليه حين خسرت الانتخابات الثانية في 2006، وأسهب في شرح أسباب إخفاق فتح في تلك الانتخابات.

كان شرحه متطابقا تماما مع السائد منذ ذلك الوقت حتى الآن، وهو أن سبب الفشل هو قلة أو انعدام الانضباط في فتح، وطغيان التنافس الداخلي مع التنافس على الأطراف الأخرى، وسرد بالأرقام قرائن دامغة على ما يقول؛ إذ استشهد بما حدث في دائرة انتخابية واحدة بحيث حصل ثلاثة مرشحين من فتح على ثلثي الأصوات وفشلوا جميعا، بينما حصل المرشح المنافس من حماس على ثلث الأصوات وفاز، ومثل هذا الأمر حصل في معظم الدوائر.

قلت.. ولكن فتح تحتاج إلى جهد كبير جدا لتفادي ما حدث في العام 2006 ، ولست متأكدا من أن الأمر سيكون مضمونا.

 هز رأسه موافقا، لأنتقل معه لأمر يبدو مبكرا طرحه، إلا أنه جوهري في مجال الانتخابات العامة.

  • ولكن يا سيادة الرئيس سنخوض الانتخابات هذه المرة وفق قانون النسبية الكاملة المختلف عن القانونين اللذين جرت الانتخابات الأولى والثانية على أساسهما، الأول قانون الدوائر والثاني قانون المناصفة بين القوائم والدوائر.

فهمت من عرضه لرأيه وربما قراره في هذا الأمر، أنه يفضل قائمة وحدة وطنية قوية فيها كل الأطياف الفلسطينية السياسية والنقابية والاجتماعية، فيها المرأة والشباب ورجال الأعمال والفصائل والنقابات إضافة إلى المستقيلن، بدت لي وجهة نظره كما لو أنه يتحدث عن قائمة نموذجية تستقيم مع تقويمه لنموذجية حال فتح.

قلت: ولكن هناك من فتح وآخرين من يقترحون فتح الانتخابات على مصراعيها أمام قوائم متعددة بما في ذلك قائمة رديفة لقائمة الوحدة الوطنية، وأفصحت له بأنني شخصيا أؤيد ذلك، بدا لي أنه غير راغب في الدخول إلى التفاصيل في وقت مبكر.

قد يتساءل من يقرأ هذا النص الذي لم أنسب فيه أي تصريح رسمي مباشر للرئيس، وإنما عرضت ما فهمت من الرجل في اللقاء الذي جمعني به، لم استخدم ورقة وقلما لتسجيل الحوار ولا حتى رؤوس أقلام لما دار فيه؛ فلم أكن في لقاء صحفي أو إعلامي معه، بل لقاء صديق قديم مع رئيس ابتلي منذ الأيام الأولى لتوليه مقاليد منصبه الذي لم يحسده عليه أحد بقطبين إسرائيليين تسابقا على إظهار كرههما للفلسطينيين وللسلام معهم وهما شارون ونتنياهو، ولكي يرتفع الجدار أكثر من حوله، فقد جاء ترامب حاملا كوارث غير مسبوقة في التاريخ الفلسطيني والإسرائيلي مست أبسط الحقوق الفلسطينية الإنسانية والسياسية.

قد يتساءل قارئ هذا النص، ماذا بشأن الأمر الأكثر استقطابا وجاذبية للاهتمام!

الانتخابات الرئاسية...

هل سيترشح لرئاسة ثانية ثم ما هي صلته بالإعلانات الكثيرة التي تحدثت عن اعتباره المرشح الوحيد لفتح في الانتخابات الرئاسية المحتملة؟، في هذا الأمر بادر هو بالحديث مؤكدا على أهمية إجراء الانتخابات الرئاسية مباشرة وبعد فترة وجيزة من التشريعية. هل سيترشح ثانية؟ هل سيحجم عن الترشح؟ هذان سؤالان دقيقان ومهمان أفضل أن يجيب عنهما بنفسه، وليس لدي ما يقال استنادا إلى اللقاء الذي تم معه.