السبت  20 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

القرم.. استراتيجية روسيا الأكثر نجاحا

2019-12-08 03:21:28 PM
القرم.. استراتيجية روسيا الأكثر نجاحا
القرم

 

 الحدث- جهاد الدين البدوي 

إذا سألك شخص ما عن شبه جزيرة القرم فقد يتبادر لذهنك حرب القرم في منتصف القرن التاسع عشر، ولكن قد يكون تفكير أغلب الأشخاص متعلقا بالأخبار التي تتحدث عن التوتر أو الصراع بين روسيا وأوكرانيا.

ترى صحيفة سوهو الصينية، أن التحليل الحالي المرفق بتطورات الأوضاع، كان تورط شبه جزيرة القرم على الأرجح بسبب التوتر بين الأوكرانيين والروس والاعتبارات الاستراتيجية لأسطول البحر الأسود الروسي.

تنوه الصحيفة الصينية، إلى أنه في السنوات القليلة الماضية كانت هناك نزاعات عديدة بين روسيا وأوكرانيا حول قاعدة سيفاستوبول البحرية لأسطول البحر الأسود الروسي في شبه جزيرة القرم، على الرغم من توقيع اتفاقية في عام 2010، على إثرها وافقت أوكرانيا على استخدام القاعدة الحالية لأسطول البحر الأسود الروسي حتى عام 2042. المشكلة الحقيقية هي أن استراتيجية روسيا تتطلب وجوداً عسكرياً دائماً في البحر الأسود، خاصة عندما ألقى حلف الناتو غصن الزيتون مراراً وتكراراً على أوكرانيا في ذلك الوقت، وبذلك شعرت روسيا بالأزمة.

 تتساءل الصحيفة عن سبب التقدير الكبير من طرف روسيا لشبه جزيرة القرم، وبذلك لا بد من إلقاء نظرة سريعة على هذه الجزيرة.

 تقع شبه جزيرة القرم في أقصى جنوب أوكرانيا، وفي الشمال يرتبط شريط حدودي طويل وضيق بالبر الرئيس لأوكرانيا، بينما بقية الحدود متصلة بالبحر. القرم جغرافيا تشبه إلى حد كبير الأخطبوط العملاق الذي يمتد إلى الخارج. تمتد مخالبه من الطرف الجنوبي لسهل أوروبا الشرقية إلى وسط البحر الأسود. الموقع الاستراتيجي الذي تتمتع به جزيرة القرم بارز للغاية؛ فهو يقع على الحدود مع البحر الأسود في الجنوب، وبحر آزوف في الشرق، ويطلق عليه "بوابة البحر الأسود" ومن الناحية التاريخ العسكري، "فمن يستولي على شبه جزيرة القرم يستطيع السيطرة على البحر الأسود بأكمله".

ومن الناحية الجغرافية، فإن الاحتفاظ بأسطول البحر الأسود هو المفتاح لقدرة روسيا على الحفاظ على التوازن العسكري مع حلف الناتو، ومن جهة أخرى لا يمكنك أن تتوقع أن يعبر الأسطول الشمالي وأسطول البلطيق إلى جميع أنحاء أوروبا لدعم خريطة تنقلها، ووفقاً لمبدأ لمواجهة؛ يجب على روسيا الاحتفاظ بقوتها البحرية في البحر الأسود وهو أحد أكبر أساطيل روسيا الأربعة، وهي القوة البحرية الوحيدة لروسيا التي يمكنها أن تتعامل مع الأسطول السادس للبحرية الأمريكية المتواجد في البحر الأبيض المتوسط، والأهم من ذلك أنه إذا كان أسطول البحر الأسود يمكنه دخول البحر الأبيض بسلاسة، فلا يمكن إدراج الطرق الأوروبية والأمريكية في البحر المتوسط في نطاق الردع، كما يمكنه الوصول مباشرة من الشمال إلى قلب أوروبا أو عبر مضيق جبل طارق من الغرب، أو عبر المحيط الأطلسي من الجناح الجنوبي، وبذلك يمكن تطويق أوروبا بأسطول الشمال وأسطول بحر البلطيق، ومن جهة أخرى يمكن للأساطيل الروسية دخول البحر الأبيض عبر المحيط الهندي مروراً بقناة السويس بشكل أسرع، ولكن أوروبا وحلف الناتو غير مستعدين لرؤية هذا المشهد، كما أنه بالإمكان  محاصرة أسطول البحر الأسود في بحر آزوف، فمضيق كيرتش الضيق يكفي لإغلاق الطريق أمام الأسطول الروسي، ولكن السيطرة على شبه جزيرة القرم كانت المفتاح لكل هذه المعضلات.

توضح الصحيفة أن روسيا تدرك تماماً أن محاولة ضم شبه جزيرة القرم علناً يقوض العلاقات مع الغرب ومع البلدان المجاورة، وحتى قد يؤدي إلى استجابة أكثر واقعية من الغرب، وهي مواجهة مباشرة مع الغرب.

 ترى الصحيفة الصينية أن الأمور تغيرت في عام 2014، في الوقت الذي كانت فيه روسيا في حيرة، كان هناك تغيير في أوكرانيا، ومن المهم أن نعرف أن جزيرة القرم تنتمي تاريخياً إلى روسيا منذ أواخر القرن الثامن عشر، وفي الحقبة السوفييتية تم ضمها إلى جمهورية أوكرانيا الاشتراكية السوفييتية، وبعد تفكك الاتحاد السوفييتي، كانت أوكرانيا لا تزال تحتفظ بشبه جزيرة القرم، لكن أسطول البحر الأسود الروسي احتفظ فقط بميناء واحد هناك في ذلك الوقت، وهو ميناء سيفاستوبول، ولكن خلال الفترة السوفييتية كان الروس يتمتعون بنفوذ كافي هناك.

وتجدر الإشارة إلى أن سكان شبه جزيرة القرم ينقسمون إلى ثلاث مجموعات تتكون من السكان الأصليين من القرم، والأوكرانيين والروس، ويبلغ عدد السكان 2.5 مليون شخص، ووفقاً للتعداد السكاني الأوكراني الأخير؛ فإن السكان الأصليين تقدر نسبتهم بـ 12%، بينما تصل نسبة السكان من الأوكرانيين إلى 24%، في حين تصل نسبة السكان من الروس إلى 60% كحد أقصى.

لدى الروس هيمنة مطلقة على شبه جزيرة القرم، وعلى الرغم من أن جنسيتهم هي الأوكرانية، فإن الدعوة إلى العودة إلى روسيا لم تتوقف أبداً، وعندما ضمت روسيا القرم إلى أراضيها، لم يكن هناك أي مقاومة سوى من السكان الأوكرانيين، والآن تعتبر شبه جزيرة القرم جزءا من الأراضي الروسية.