الجمعة  29 آذار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

رسالة من روني شار عن ألبير كامو: أود الحديث عن صديق

ترجمة: سعيد بوخليط

2020-01-12 09:07:45 AM
رسالة من روني شار عن ألبير كامو: أود الحديث عن صديق
ألبير كامو

 

تقديم:

يعتبر روني شار، الذي توفي يوم 19 فبراير 1988، أحد أكبر شعراء فرنسا حقبة القرن العشرين. ربطته أواصر صداقات بعدد كبير جدا من الكتاب،  في خضم ذلك،  جمعته صداقة راسخة مع ألبير كامو.

النص الذي أرسله الشاعر إلى جريدة لوفيغارو الأدبية سنة 1957 على شرف كامو المتوج آنذاك بجائزة نوبل، يمثل بهذا الصدد شهادة رائعة. حكاية صداقة رائعة و''أخوة عميقة'' مثلما أكد ألبير كامو.

تعرف روني شار على كامو، حينما انخرط في صفوف المقاومة، باسم مستعار هو ''القائد ألكسندر''، ثم انكب على قراءة رواية الغريب. بعد انقضاء سنوات، حدث اللقاء بينهما. حينما أشرف كامو على سلسلة ''أمل'' التي اهتمت غاليمار بنشر حلقاتها، فأصدرت ضمنها، إبان سنوات الحرب،عملا للشاعر روني شار، تحت عنوان: أوراق للتنويم المغناطيسي.

هكذا ولدت صداقة جميلة، منذ تدشين أولى المراسلات بين الرجلين. ثم ابتداء من خريف سنة 1946 ، بدأ روني شار يستقبل كامو في منزله الموجود بمنطقة "ليزل-سور-لاسورغ".

عندما خرجت إلى العلن رواية كامو الشهيرة الطاعون، خاطبه روني شار بهذه الكلمات: "لقد أنجزتم عملا في غاية الأهمية، بحيث صار بوسع الأطفال النمو من جديد، وأن يتنفسوا الخيال. يحتاج زمننا إليكم، لذلك أبعث إليكم بتقديري القلبي''.

سنة 1951 ،كتب ألبير كامو عمله ''الإنسان المتمرد''. اشتد وقع السجالات، صار كامو خصما لأندري بروتون والسورياليين وسارتر وخلفه فريق الوجوديين. بينما ساند روني شار كامو وانتظر سنوات كي يدون هذه السطور ويرسلها سنة 1957 إلى جريدة لوفيغارو الأدبية، مخاطبا ضمنيا نخبة فكرية شديدة الحساسية: "فليمنحوني ضربة جناح؛ كي أتحدث عن صديق''.

تبادل الكاتبان رسائل، لمدة ثلاث عشرة سنة، من ضمنها مُؤَلَّف صدر سنة 2007 . روت هذه المراسلات مواقفهما المشتركة، شكوكهما، أفراحهما  ثم تقاربهما. مثلما يشرح روني شار، قائلا: "سيأخذ مسار أخوَّتنا مدى يتجاوز كثيرا ما نتصوره ونعيشه. شيئا فشيئا، سنزعج تفاهة محتالين، يتقنون فن الكلام، ينتسبون إلى مختلف روافد حقبتنا. جيد، أن تنطلق معركتنا الجديدة ومعها مبرر وجودنا''.  

استمرت الصداقة بين الرجلين إلى أن وضع لها القدر نهاية: مات كامو يوم 4 يناير 1960، جراء حادث سيارة تراجيدي. 

*نص الرسالة:

أود الحديث عن صديق

جمعتني صداقة بكامو منذ عشر سنوات، وبخصوص هذا الموضوع، تقفز دائما إلى ذاكرتي عبارة نيتشه العظيمة: "لقد طرحت دائما عبر كتاباتي كل جوانب حياتي وشخصيتي. بالتالي، لا أعرف معنى أن تبقى القضايا محض فكرية''. هنا تتجلى قوة كامو في  نقائها، وقد تشكلت ثانية حسب السياق، ثم ضعفه الذي هُوجم باستمرار.

وإن اقتضى الوضع الإيمان بأن ساعة الحقيقة، لا تدق كل آن، لكن وحده جمال الزمان ومآسيه، بوسعهما دائما إجبار ميشيل (**)، على ولوج تلك الدروب المعتمة، رغم اللاأمان الذي يكتنفها، حتى يؤكد أمام أسرة المستبدين وكذا الشكيين، قيمة فضائل الوعي القلق والمعركة التي تبعث الحياة. يمكنني القول جازما، بخصوص عمل كامو: هنا، وسط أراض وعرة، شق محراث متحمس وجهتي، رغما عن الكوابح والخوف. فليمنحوني، إذن ضربة جناح، لأني أريد استحضار سيرة صديقي.  

حزينا أو منزعجا، لا يلتجئ كامو أبدا إلى خاصية الإساءة، لكن مع زهدها، تمتلك سلبية أن تضفي على محيا صاحبها ملامح  تشرف على تعابير الموت. يرفض خطاب كامو الحاسم التقليل من شأن خصمه، لكنه يستخف بالغباء. الخاصية التي تشفي غليله أكثر، مهما تجلت كثافة شعاع الشمس الذي يستنير منه، تتمثل في عدم استكانته قط إلى ذاته؛ مما يكرس انتباهه، ويثري أكثر شغفه. وبكيفية غريبة تلهمه حساسيته ذخيرة ودِرْعا، فيلتزم بذلك كليا.

أخيرا، يثري كامو امتيازا حاسما، بحيث لا يفوز سوى بانتصار جدير به، سرعان مايصرف انتباهه عنه، مثل رسام ألوان لوحة، وليس على طريقة مولع  بأدوات الحرب . أحب كامو المشي بخطوة مرنة وسط شارع مدينة، فيغتني الأخير للحظة تماما، بفضل نعمة الشباب.

الصداقة التي تنجح في الحيلولة دون المهمات المسيئة للآخر، حينما تحتاج روح هذا الآخر للغياب والحركة البعيدة، تعتبر الوحيدة التي تحوي بذرة الخلود. هي من تقرّ دون شرور، بالغامض في العلاقات الإنسانية، واحترامها للانزعاج العابر. مع ثبات القلوب المجرِّبة، فالصداقة  لاتترصَّد ولا تمارس محاكم التفتيش.

طائران من فصيلة السنونو، صامتان حينا، وقد لا يتوقفان عن الكلام، حينا آخر، وهما بصدد تقاسم لانهائية الأفق  وذات الملاذ.  

 

*المرجع :  

أرشيف لوفيغارو: أعيد نشر الرسالة يوم 16 فبراير2018

 (**): فترة انخراط كامو في صفوف المقاومة،كان يوقع رسائله الغرامية إلى ماريا كازارس باسم مستعار هو ''ميشيل''.