الجمعة  29 آذار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

بعيداً عن سيداو، قريباً منها: السلطة والمرأة والشهوتان

رولا سرحان

2020-01-21 06:57:48 AM
بعيداً عن سيداو، قريباً منها: السلطة والمرأة والشهوتان
رولا سرحان

 

قلما يقترب أو يبتعد الخطاب العربي بخصوصيته، والإسلامي بعموميته، عن المزاوجة بين المرأة وبين ما يُعرفُ في الموروث الثقافي العربي بـ "الأطيَبين" أو "الشهوتين" وهما: شهوة البطن، وشهوة الفرج. ولأن الإرث العربي مبنيٌ على فقه "الطاعة" الذي يُدرِّجُ الناس في منازلَ تبدأ بالسلطان فالحاشية أو الخاصة فباقي الرعية. وفي كل منزلةٍ من تلك المنازل، باستثناء منزلة السلطان، الذي هو خليفة الله في الأرض، فإن المنزلتين الأخريين تتدرجان بحسب المكانة الاجتماعية التي يُحددها مفهوم الطاعة، لتكون المرأة في أدنى سلم المنازل الاجتماعية.

وفي مفهوم الطاعة، المأخوذ نقلاً أو انتحالاً عن الموروث الفارسي عبر الترجمة إلى الموروث العربي، استمر ترسيخ القيم التي يُشكل فيها السلطان قيمةً عليا، بينما المرأةُ قيمة دنيا، وموضعة فئات المجتمع الأخرى بين قيمتي: أعلى العليين وأسفل السافلين.

في التاريخ العربي، كُتبت الكُتُبُ وتُرجمت الأعمالُ بناء على نظام القيم السائد في كل عصرٍ، أو الحاجةِ إلى قيمٍ ثقافية جديدةٍ تمنحُ شرعية للحكم، خاصة بعد تحول النظام السياسي الإسلامي من "خلافةٍ راشدة" إلى "ملك عضوض". ومثلما كان موجباً ترجمةُ "عهد أردشير" عن الفارسية، كي تتمكن الدولة الأموية المضطربة في أواخر عهدها من خلق نظام قيمٍ يُطلقُ العنان لشرعية حكم بني أمية على شرعية حكم بني هاشم، إلا أن الدولة العباسية الناشئة من جيل ثورة بني هاشم، هي التي استفادت من ثقافة ذلك العهد، ومن منظومة القيم التي يُروَّجُ لها، فيما يتعلق تحديداً بالتعاطي مع فكرةِ حراسةِ الدين.

فبينما كان أردشير، وهو أشهر ملوك الساسان، من قام بتوحيد ملوك الطوائف الفرس، الذين هزمهم الإسكندر، ليعود أردشير ويجمع شملهم تحت لواء دولةٍ واحدة، إلا أنه تمكن من فهم معادلةِ "الدين" في مقابل "الدولة"، والدور الذي يلعبه رجالُ الدين في التعبئة والسيطرة على القلوب، وكيف أن السيطرةَ على القلوب أقوى من السيطرةِ على العقول التي هي من اختصاص الملوك، وكي يحفظَ حكمه الناشئ، تمكن من احتواء رجال الدين وتسخيرهم لخدمةِ دولته، فعمل على إعادة صياغةِ نظام القيم السائدة في عصره بأن جعل الدين في خدمةِ الدولة، لا الدولة في خدمةِ الدين.

وقد أخذت تلك القيمةُ مكاناً تأسيسياً في الموروث العربي. ونظراً لأهميتها، فقد كان ملوك العباسيين يدرِّسون عهد أردشير لأبنائهم، إذ يُحكى أن المأمون طلب من معلم ابنه "الواثق بالله" أن يعلمه كتاب الله، ويقرئه عهد أردشير، ويُحفظه كتاب كليلة ودمنة. وهي جميعها مراجعُ تأسيسية في الثقافة العربية ككل، وثقافة الحكم على وجه التخصيص.

وإن كان النقلُ عن الفرس قد أخذ مكانه على العقل في المورث العربي، فإنه قد نُقل من عهد أردشير، الإرث الطبقي الذي يؤسس له باعتبار الرعية أربعة أقسام (أصحابُ الدين، والحرب، والتدبير، والخدمة) وعلى رأسهم جميعاً الملك، وفي آخر سلم الخدمة المرأة، التي هي مع ممتهني المهن، ومهمتها البقاء في البيت للنكاح، وإعداد الطعام بما يشتهيه البطن.

وإذا كنا اليوم ما زلنا نعيشُ منذ زمن الفرس، وكهنة الموابذةِ، فقه الأطيبين، مع ما يخرُجُ به زعماءُ العشائر، من ضرورة تزويجِ القاصرِ، فإن على كل ذي سلطة أن يتعلّم عهد أردشير ويفقه مقولته: "إنه لن يجتمع رئيس في الدين مُسِرٌّ ورئيس في الملك مُعلَن في مملكةٍ واحدةٍ قط، إلا انتزع الرئيس في الدين ما في يد الرئيس في الملك، لأن الدين أس والمُلك عماد، وصاحب الأس أولى بجميع البنيان من صاحب العماد".