الجمعة  29 آذار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

كلهم إلا نحن/ بقلم: نبيل عمرو

2020-02-25 09:04:39 AM
كلهم إلا نحن/ بقلم: نبيل عمرو
نبيل عمرو

 

الكيانات التي تواجه أزمات كبرى، مثل الحروب الأهلية أو الصراع الحاد على السلطة، أو التي تسمي نفسها ديمقراطية وعصرية، أو التي هي غير ذلك؛ اعتمدت الانتخابات كحكم فيما بين المتصارعين.

البعض أجراها، ورغم الاختلاف عليها إلا أنها حققت قدرا من الاستقرار كان مستحيلا لو لم يتم إجراؤها، والبعض الآخر يتجه نحو إجراء الانتخابات كحل أخير ولا حل سواه، ودون التوسع في التفاصيل أكتفي بسرد عناوين تجسد هذه المقدمة.

إيران أنجزت انتخاباتها هذه الأيام وإسرائيل تستعد للانتخابات الثالثة بعد أسبوع، والجزائر قطعت شوطا مهما نحو حماية الدولة وتحقيق جزء هام من مطالب المجتمعين، ولبنان حيث أحد الأهداف المركزية للحراك الشعبي العظيم هناك، كان يتمثل بتغيير قانون الانتخابات وإجرائها وفق قانون جديد لا مجال للطائفية والعشائرية فيه، ولو بحثنا في البلدان المستقرة وبلدان الأزمات الكبرى، لوجدنا أن الجميع يرى مخرجه في الانتخابات، فهي البديل عن حسم الصراع الداخلي بالقوة أو بالفوضى أو بالانقسام.

المفارقة أن الفلسطينيين هم أكثر الكيانات المأزومة حاجة للانتخابات، ليس فقط من أجل حسم صراع داخلي كارثي استمر زهاء أربعة عشر عاما، ويهدد بانفصال جزء من الوطن عن الجزء الآخر؛ وإنما من أجل إعادة الحياة للمؤسسات التي قادت الحركة الوطنية الفلسطينية وحمتها في زمن المنفى وفي بعض زمن العودة الأولية للوطن.

نحن في فلسطين وبحكم حالتنا الاستثنائية المفروضة علينا بفعل الاحتلال الذي لا يوجد مثله إلا عندنا، وبفعل التداخل الموضوعي بيننا وبين الخصم، والتداخل العميق بيننا وبين الأشقاء الآخرين من كل النواحي؛ ينبغي أن لا نكون الشذوذ الوحيد بين من يحيطون بنا، ويتداخلون فينا، ذلك أن شعبا يعد بالملايين تحت إدارة سلطة وطنية متعثرة يظل بأمس الحاجة إلى حماية نفسه بالمؤسسات المنتخبة، والإدارة الحديثة المنبثقة عنها، ليس فقط لإثبات الجدارة في بناء الدولة، وإنما فوق ذلك لتمكين الملايين الفلسطينية من المشاركة في السياسة الداخلية التي تهم المواطن في حياته وحاضره ومستقبله، وكذلك لإنتاج مؤسسات تؤدي سياسة خارجية تحمي مصالح الوطن وأهدافه الكبرى.

إننا الكيان الوحيد الذي لا رقابة منتخبة فيه، مع أن مجالسنا التشريعية تكفلت بذلك ولو بصعوبة، كما أننا الكيان الوحيد الذي يدار بالمراسيم، وتدار سياسته بالأجندات المتصارعة، ما يفتح في بنائنا الوطني شرخا ما زلنا عاجزين عن معالجته.

لقد اشتعلت حكاية الانتخابات لبرهة من الزمن، وظن أصحاب النوايا الحسنة منا أنها صارت قاب قوسين أو أدنى، وحين أعلنت صفقة القرن ساد صمت رهيب حول هذه المسألة وكأنّ الجميع يتمنطق سلاحا وينخرط في معركة تشغله عن مجرد الحديث عن الانتخابات.

الحقيقة التي لا تغطيها الأجندات البائسة هي أن الانتخابات في كل الوطن بما في ذلك قدسنا، ينبغي أن تظل أولوية قصوى في حياتنا حتى لو اضطررنا إلى خوض ألف معركة من أجلها في القدس وفي الوعي الجمعي العام.