الأربعاء  24 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

هل يوجد اليوم مشروع وطني فلسطيني؟

2014-01-08 00:00:00
هل يوجد اليوم مشروع وطني فلسطيني؟
صورة ارشيفية

د/ إبراهيم أبراش

لا تستقيم السياسات العامة للأمم والدول بدون رؤية، والرؤية هي الهدف وإستراتيجية تحقيقه، والرؤية عند الشعب الخاضع للاحتلال هي المشروع الوطني التحرري وبرنامج للعمل الوطني قابل للتكيف مع المتغيرات دون أن يفقد بوصلة الاتجاه نحو الهدف الاستراتيجي. لا يمكن أن ينجح شعب خاضع للاحتلال بدون مشروع وطني وثوابت متَفَق عليها تُلهم الشعب وتوحده وتستنفر قواه للدفاع عنها. ما وراء الفشل المتعاظم والتخبط الواضح والتيه المعمم على مستوى كافة نخب ومؤسسات الحالة السياسية الفلسطينية، يكمن غياب الرؤية أو غياب المشروع الوطني وتعدد برامج العمل الوطني بتعدد الأحزاب.

مأزق المفاوضات والخلاف الداخلي حولها، وقف المقاومة المسلحة والخلاف الداخلي حولها، فشل المصالحة واستمرار الانقسام، الحصار، انتشار ثقافة الخوف، الصراع على سلطة وهمية، فساد نخب ومجتمع مدني وحكومات، هجرة الشباب والكفاءات، العجز عن القيام بانتفاضة جديدة وحتى عدم القدرة على ممارسة المقاومة الشعبية السلمية الخ، ليست هذه المشاكل الحقيقية أو جوهر القضية بل هي تداعيات ونتائج لضبابية الرؤية والتباس المشروع الوطني بما هو حقوق وثوابت وطنية. استمرار التركيز على أزمة المفاوضات وأزمة المقاومة والانقسام وتداعياته الخ، إنما هو هروب من جوهر المشكل وهو غياب مشروع وطني وثوابت وطنية، وهو غياب إما لعدم الإيمان بالمشروع الوطني أو لعدم القدرة على تحمل استحقاقاته، وفي كلا الحالتين يحتاج الأمر لوقفة جادة.

 مع أن سؤال الأزمة صاحب المشروع الوطني الفلسطيني منذ ولادته إلا أنه تحول من سؤال حول ماهية المشروع الوطني إلى سؤال حول أزمة المشروع الوطني ثم سؤال حول الوجود بحيث يجوز التساؤل اليوم هل يوجد مشروع وطني فلسطيني؟ الواقع يقول إنه بالرغم من أن كلمة المشروع الوطني والثوابت الوطنية من أكثر المفردات تكرارا في الخطاب السياسي للقوى السياسية الفلسطينية، إلا انه لا يوجد اليوم مشروع وطني ولا ثوابت محل توافق، بل أصبح الفلسطينيون ينتظرون من يضع لهم مشروعهم الوطني.

فكما كان للعرب دور رئيس في تأسيس منظمة التحرير، كمشروع (وطني) للفلسطينيين، يبدو أن بعض الفلسطينيين اليوم وبعد أن نفض العرب يدهم من القضية ينتظرون من الرباعية وواشنطن منحهم دولة وطنية من خلال المفاوضات، وآخرون ينتظرون من جماعات الإسلام السياسي أن تستعيد الحق الفلسطيني وتؤسس لهم دولة إسلامية بعد قيام دولة الخلافة الموعودة!.

قد يتساءل البعض كيف لا يوجد مشروع أو برنامج وطني وعندنا أكثر من خمسة عشر حزبا وفصيلا لكل منها برنامجها واستراتيجيتها ونصفها يملك ميليشيات وقوات مسلحة؟ كيف لا يوجد مشروع وطني وكل الأحزاب تتحدث عن المشروع الوطني وتبرر عملياتها العسكرية بأنها من أجل المشروع الوطني والدفاع عن الثوابت الوطنية! وتبرر قتالها مع بعضها البعض بأنه من أجل المشروع الوطني؟ كيف لا يوجد مشروع وطني ولدينا حكومتان وسلطتان لكل منها أجهزتها الأمنية والشرطية ووزراؤها وقوانينها وفضائيتها وصحفها وعلاقاتها الخارجية الخ؟ كيف لا يوجد مشروع وطني وقد اندلعت حرب أهلية باسمه ودخل آلاف الفلسطينيين سجونا فلسطينية وقُتل بعضهم في هذه السجون وعُذب وشُبِح آخرون باسم المشروع الوطني والدفاع عن الثوابت؟ كيف لا يوجد مشروع وطني وهناك منظمة التحرير الفلسطينية وميثاقها وقرارات مجالسها الوطنية ولجنتها التنفيذية والمجلس المركزي؟.

وقد يقول قائل إن وجود شعب تحت الاحتلال يعني تلقائيا وجود مشروع وبرنامج تحرر وطني، وهذا قول ليس صحيحا. صحيح أنه يوجد احتلال صهيوني  ويوجد أكثر من اثني عشر مليون فلسطيني يحملون الوطن معهم أينما حلوا وارتحلوا ويربون أبنائهم على حب الوطن والتوق للعودة إليه، وصحيح أن قرارات دولية تعترف للفلسطينيين بحق تقرير المصير وبعضها يعترف لهم بالحق في دولة الخ، ولكن هذه أمور قد تضعف مع مرور الزمن أو تشتغل عليها أطراف محلية أو إقليمية ودوليه وتخرجها عن سياقها الوطني من خلال حلول جزئية وتسويات إقليمية، إن لم يكن للفلسطينيين أصحاب الحق مشروع وطني توافقي يلتف حوله الجميع. 

إن كان يوجد مشروع وطني فما هي مكوناته من حيث الهدف والوسيلة والإطار والمرجعية؟ وإن كان يوجد ثوابت وطنية فما هي؟ هل هي الثوابت التي تتحدث عنها حركة حماس أم الثوابت التي تتحدث عنها حركة فتح أم الثوابت التي تتحدث عنها حركة الجهاد الإسلامي الخ؟ أم الثوابت التي يتحدث عنها ستة ملايين لاجئ في الشتات؟

منظمة التحرير بوضعها الراهن لم تعد مشروعا وطنيا ممثلا لكل الشعب الفلسطيني ليس فقط بسبب تآكلها داخليا ولاعترافها بإسرائيل وصيرورتها ملحقا للسلطة واستحقاقاتها الخارجية بعد أن كانت مؤسِسَة لها، بل أيضا لأنها أصبحت جزءا من الخلاف الفلسطيني ولا تعترف بها حركة حماس والجهاد الإسلامي وتتحفظ عليها فصائل أخرى، غياب توافق وطني حول المنظمة يقلل من أهمية اعتراف كل دول العالم بها، أيضا المفاوضات ليست مشروعا وطنيا، والسلطة والحكومة ليستا مشروعا وطنيا، ومجرد الحديث عن مقاومة وحتى ممارستها بشكل فصائلي ليس مشروعا وطنيا.

لو كان عندنا مشروع وطني حقيقي ولو كان عندنا ثوابت محل توافق وطني ما كان الانقسام وما كان فشل المصالحة وفشل مئات جولات الحوار، لو كان لدينا مشروع وطني ما وُضِعت وثائق متعددة ومواثيق شرف كإعلان القاهرة 2005 ووثيقة الوفاق الوطني 2006 واتفاق القاهرة 2008، وورقة المصالحة التي تم التوقيع عليها في أبريل 2011 ثم اتفاق الدوحة، ولم تنفذ حتى اليوم وأجهضت كلها. لو كان لدينا مشروع وطني وثوابت وطنية ما كانت كل المؤسسات القائمة – رئيس سلطة ومجلس تشريعي والحكومتين - فاقدة للشرعية الدستورية (حسب مقتضيات القانون الأساسي) وفاقدة شرعية التوافق الوطني، لو كان لدينا مشروع وطني ما كان هذا التراشق والاتهامات المتبادلة بالخيانة والتكفير ما بين من يفترض أنهم قادة المشروع الوطني، لو كان لدينا مشروع وطني ما كان الإلحاح على إجراء انتخابات لتحسم الخلافات حول الثوابت الوطنية.

إن كان كل ما سبق من تشكيلات سياسية وبرامج حزبية ليس مشروعا وطنيا، فما هو المشروع الوطني إذن؟ ندرك جيدا صعوبة تحديد المشروع الوطني في الحالة الفلسطينية والصعوبة الأكبر في وضعه موضع التنفيذ، نظرا لتداخل الماضي مع الحاضر، الدين مع السياسة مع الاقتصاد، الوطني مع القومي مع الإسلامي، الشرعية الدولية مع الشرعية التاريخية والشرعية الدينية، ونظرا لطبيعة الاحتلال الصهيوني الاستيطاني الإجلائي الخ، ونظرا لأن بعض مكونات النخب السياسية الفلسطينية وخاصة نخب السلطتين، بدأت تفقد إيمانها بعدالة القضية وبدأت حسابات السلطة والمصلحة الآنية تطغى عندها على حسابات المصلحة الوطنية، ومن هنا فإن أي توجه لإعادة البناء النظري للمشروع الوطني ووضع آليات لتنفيذه يجب أن يبدأ كخطوة أولى خارج حسابات السلطتين والحكومتين وخارج ارتباطات الحزبين الكبيرين وخصوصا الاتفاقات الموقعة مع إسرائيل وشروط الرباعية والارتهان للأجندة الخارجية ومنها أجندة الإسلام السياسي،  ومن خلال التعامل مع الشعب الفلسطيني ليس كساكنة غزة والقطاع بل كشعب قوامه أكثر من اثني عشر مليون فلسطيني.

إن استمر كل حزب وحركة في التصرف باعتبار أنه يمثل المشروع الوطني، واستمر في تحميل مسؤولية أي خلل أو تقصير للآخرين من الأحزاب أو للتآمر الخارجي، فإن هذا سيؤدي لمزيد من ضياع ما تبقى من أرض وكرامة وطنية. لذا فالأمر يحتاج لتفكير إبداعي خلاق لتأسيس عقد سياسي أو مشروع وطني جديد، وإن كان الحديث عن مشروع وطني جديد يستفز البعض ممن قد يفسرون الدعوة بأنها إقرار بفشل وتجاوز الأحزاب والنضالات السابقة، هي ليست كذلك، لنقل إننا نحتاج لاستنهاض الحالة الوطنية على أُسس جديدة. من حيث المبدأ فحتى نكون أمام مشروع وطني يجب توافق الأغلبية على مرتكزات أي مشروع وطني وهي : 1) الهدف  2) الوسيلة أو الوسائل لتحقيق الهدف 3) المرجعية  4) الإطار 5) الثوابت