الخميس  28 آذار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

فيتوريو بوفتشي: يبدو وكأننا ننزلق إلى فترة من الاضطرابات لكن الفلسفة السياسية تعطينا الأمل/ ترجمة وتقديم: أحمد رباص

2020-06-05 02:47:29 PM
فيتوريو بوفتشي: يبدو وكأننا ننزلق إلى فترة من الاضطرابات لكن الفلسفة السياسية تعطينا الأمل/ ترجمة وتقديم: أحمد رباص
أحمد رباص

 


بحكم شغفي بالنبش في الخطاب الفلسفي الغربي الذي تراكم في المواقع الرقمية منذ بداية الأزمة الوبائية التي اجتاحت العالم بأسره، وقع اختياري على مقال مكتوب بالإنجليزية، منشور بموقع theconversation بتاريخ 29 أبريل الأخير ويحمل توقيع فيتوريو بوفتشي، أستاذ الفلسفة السياسية بإحدى الجامعات الإرلندية، مهتم بالظلم الاجتماعي وبفلسفة حقوق الإنسان.

ينطلق الكاتب من مفهوم "الحالة الطبيعية" عند الفيلسوف الإنجليزي توماس هوبز (1588-1679) مستشهدا بأقواله من أجل وضع القارئ أمام أهوال تلك الحالة، لكنه يقدم في ثنايا مقاله مخارج ممكنة للانفلات من قبضة الحالة الطبيعية الهوبزية. لنتابع.
"لا شيء سيكون هو نفسه مرة أخرى، وربما هذا أمر جيد. إن الأثر المدمر المحتمل لـكوفيد-19 على الاقتصاد العالمي يتجاوز نطاق القياس. وقد أعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس عن قلقه من أن هذا الوباء يمكن أن يؤدي إلى صراعات عبر العالم. تم تدريجياً استبدال الصور التي بعثت على الدفء في قلوب الإيطاليين وهم يغنون من شرفاتهم في بداية الأزمة بحوادث متزايدة من الاضطرابات الاجتماعية، مع طوابير أطول بشكل متزايد أمام مستودعات الطعام. يكمن الخطر في أنه إذا انهار الاقتصاد فسوف يسقط معه المجتمع المدني. الفلاسفة السياسيون لديهم مصطلح: نحن مدفوعون نحو "الحالة الطبيعية".

قدم توماس هوبز مفهوم حالة الطبيعة في كتابه "التنين" (The Leviathan) الصادر سنة 1651. لقد كان واضحا جدًا أن الحالة الطبيعية ليست حالة قديمة حدثت في الماضي البعيد بل هي شيء يمكن أن يحدث في أي لحظة. عندما ينهار الاستقرار السياسي، يمكن أن تحل محله الفوضى. وبالطبع ، بالنسبة لهوبز، لم تكن حالة الطبيعة مكانا جميلًا.

يقول هوبز في هذا الصدد: "في مثل هذه الحالة، لا يوجد مكان للصناعة. لأن ثمارها غير مؤكدة؛ وبالتالي لا وجود لزراعة الأرض؛ لا ملاحة، لا استخدام للسلع التي يمكن استيرادها عن طريق البحر؛ لا مستودع للسلع، لا وسائل للنقل."

لسنا في حالة طبيعية هوبزية - ليس بعد. نحن لا نتوقع، على حد تعبير هوبز، ألا يكون عندنا "لا حساب للوقت؛ لا فنون ؛ لا آداب، لا مجتمع"، على الرغم من عدم وجود مسرح في الوقت الحاضر، لا حفلات موسيقية، لا سفر ولا أحداث رياضية. بدأنا أيضا في رؤية مظاهر أولية لما أسماه هوبز "حرب الجميع ضد الجميع": مثل البلدان التي تعارض بعضها بعنف في السوق العالمية الخاصة بتجهيزات الحماية من فيروس كورونا والاحتجاجات ضد الحجر الصحي في الولايات المتحدة بما في ذلك التجمعات المسلحة المدججة بالسلاح بمباركة الرئيس دونالد ترامب.

ويستمر هوبز في التقاط جوهر الحالة الطبيعية بعبارات مرعبة غير قابلة للنسيان: "والشيء الأسوأ على الإطلاق، هو الخوف المستمر، وخطر الموت العنيف، وحياة الإنسان، العزلاء، الفقيرة، الشريرة، الوحشية، والقصيرة." لقد غرس فينا جميعا كوفيد-19 الخوف - الخوف المستمر.


لم نفقد كل شيء

لحسن الحظ، يعلمنا هوبز أيضا أننا غير محكوم علينا بالفشل، وأنه من الممكن اللإفلات من الحالة الطبيعية. لكن الطريقة الوحيدة للبقاء هي من خلال التعاون الاجتماعي.

رغم كل بؤسها وتعاستها، فإن حالة الطبيعة هي أيضا حالة مساواة. نحن جميعا فانون وضعاف على قدم المساواة. هذا صحيح بالتأكيد في الحياة تحت كوفيد-19. هذا الفيروس مساو عظيم، ولا يميز بين القوميات أو الإثنيات، بين الأجناس أو الطبقات الاجتماعية، بين الأديان أو اللغات. اليوم نحن جميعاً في خطر بشكل متساو ومن هذه المساواة الأساسية يصعد واقع آخر: بالوحدة، بالعمل الجماعي والتضامن فقط سوف يهزم هذا العدو غير المرئي.

للانفلات من الحالة الطبيعية الهوبزية، نحتاج إلى صياغة عقد اجتماعي جديد، ميثاق ذي منفعة متبادلة حيث يوافق الجميع على التضحية على المدى القصير على أساس أن الجميع سيكونون أفضل حالا بسبب ذلك على المدى الطويل.

وبالمثل، للتغلب على كوفيد-19، سنحتاج إلى الالتزام بمستوى غير مسبوق من التضحية، من الثقة والتعاون الاجتماعي. إن العيش تحت الحجر الصحي المؤقت والحفاظ على التباعد الجسدي هو تضحية كبيرة لكثير من الناس، خاصة مع تصاعد البطالة وتوقف كثير من الشركات عن العمل، ولكن يجب أن نثق في منظمة الصحة العالمية وخبرائنا في الصحة العامة، لأن هذه الإجراءات الطارئة سوف تكون ناجعة فقط إذا امتثل لها الجميع دون استثناء.

لكن التعاون الاجتماعي المتبادل هش ومؤقت، خاصة في عالم رأسمالي حيث الأنانية فضيلة تكافأ بالجشع. تجبرنا هذه الأزمة على إعادة التفكير في العديد من الافتراضات الراسخة: إن السعي لتحقيق المصلحة الذاتية الفردية لن ينجح هذه المرة، ولن يكون هناك تأثير تدريجي، ولم تعد المادية المهدرة التي لا معنى لها مستدامة.

 

لا تكن أحمق

أكبر تهديد للتعاون الاجتماعي هو الأعمال الأنانية للراكبين الأحرار الذين يريدون الاستفادة من روح التعاون بين الناس دون القيام بدورهم من أجل الصالح العام. كان لهوبز تسمية لهذا النوع من الأشخاص: الأحمق.

كما يوضح هوبز، يعتقد الأحمق أنه لا يوجد شيء اسمه العدالة، وأنه من المشروع خرق اتفاق أثناء السعي لتحقيق المصلحة الذاتية. العالم مليء بالحمقى، إلا أنه في أوقات الأزمات تتكشف طبيعتهم الحقيقية بالكامل. في هذه الأيام، يحشر ضمنهم هؤلاء الأشخاص الذين يستمرون في التخزين حتى الآن وهم يرون كيف أن الأمر غير ضروري أو الذين ينتهكون قواعد الحجر الصحي بأنانية. ويحشر أيضا مزاولو الأنشطة التجارية الذين يستغلون خوف الأشخاص من خلال فرض رسوم زائدة على الطعام أو أقنعة الوجه أو مطهرات اليد. كل ما يلزم لتجنب أن تكون أحمق هو إعطاء الأولوية للتعاون على المصلحة الذاتية، أو للصالح العام على المصالح الخاصة.

كما هو الحال في الحالة الطبيعية الهوبزية، التعايش مع كوفيد-19 يذكرنا بالسياسات التحررية للتعاون الاجتماعي. نحن ندخل أراضي عقد اجتماعي جديد سيشكل حجر الزاوية لمجتمع مدني جديد بعد كوفيد-19