الجمعة  29 آذار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

نعوم تشومسكي: إنها فرصتنا لخلق عالم مختلف أو لن يتحقق ذلك

ترجمة : سعيد بوخليط

2020-06-12 10:04:37 PM
 نعوم تشومسكي: إنها فرصتنا لخلق عالم مختلف أو لن يتحقق ذلك
نعوم تشومسكي

 

  تقديم:

 يتضمن هذا الحوار، وجهة نظر اللساني اللامع والفيلسوف والمناضل اليساري نعوم تشومسكي، حول فيروس كورونا، وانحرافات الرأسمالية ثم الضرورة الفورية لخلق وضع تضامني جديد وكذا فيما يتعلق بطبيعة الصراعات المجتمعية. يؤكد تشومسكي: "سنتجاوز الوضع الحالي، وبوسعنا الوصول إلى هدفنا''.

حوار أجري مع المجلة الأمريكية (Labor notes)، نعيد هنا، نشر بعض فقراته. 

س-كيف تنظرون بشكل عام، إلى الحقبة التي نعيشها حاليا ثم الاختيارات السياسية التي قادتنا نحو السياق الراهن؟

ج- يلزمنا تمثل حقيقة بأنه إذا لم نتصدى لأصول هذا الوباء، فسيظهر ثانية، وربما في صيغة أكثر جسامة، لسبب بسيط يتمثل في تلاعبات النظام الرأسمالي، الذي يحاول من أجل مصلحته الخاصة، خلق ظروف تجعل الوباء بحسبها أكثر شراسة. نعيد اكتشاف وضعنا من خلاله، وإن جاءت الفاتورة باهظة التكلفة. في المقابل، يوشك فعلا الاحتباس الحراري،  على طمس ما تبقى لنا، إذا لم نصحح ثانية تقديرنا بخصوص ذوبان الكتلة الجليدية المستمر. وإن أردتم فهما أفضل لكيفية تدبير الرأسمال المعاصر لما يجري، بوسعكم إلقاء نظرة على ميزانية يوم 10فبراير، حيث كان دونالد ترامب يقدم اقتراحاته بخصوص المالية العامة، بينما الوباء يكشر عن أنيابه من ثمة إمكانية تفاقم الوضع. أيّ حقيقة عكستها الأرقام؟في المقام الأول :مواصلة تقليص تمويل فروع الحكومة المرتبطة بالمنظومة الصحية.ع لى امتداد فترة حكمه، سيتواصل تقليص الدعم المالي عن جل القطاعات التي لا تحظى بسلطة وكذا ثراء القطاع الخاص، وسلطة المقاولات. هكذا، لاحظت مختلف المجالات الحكومية المرتبطة بالصحة قضما لميزانياتها وتدميرا لمخططات بأكملها. لقد قرر يوم 10 فبراير، أن يمول أقل فأقل مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها (CDC) وكذا قطاعات أخرى إدارية مرتبطة بالصحة. وحتى نكون صريحين، لا يتحمل ترامب وحده مسؤولية ذلك. ما دامت جذور الوضعية الحالية عميقة ويلزمنا حقا التفكير فيها. فبعد فيروس سارس سنة 2003 ( أيضا نوع من تطورات كورونا) استشرف العلماء ظهور تجليات أخرى لفيروس كورونا، ربما بصيغة أكثر خطورة. لكن لايلزمنا فقط الاكتفاء بالفهم: بل تناول المعلومة ثم الاشتغال على مضمونها. هكذا نجدنا أمام إمكانيتين. ربما شركات الأدوية، التي تخضع في نهاية المطاف للمنطق الرأسمالي الطبيعي : المبادرة اليوم من أجل تحقيق مكاسب غدا. قد ينهار كل شيء خلال سنوات، لكن ليس مُهمَّا في نظرهم. لأن قضية من هذا القبيل لاتشغل تفكيرهم. لذلك لم تسرع تلك الشركات إلى القيام بأيِّ مبادرة تذكر، مع أن الوضع اقتضى القيام بأعمال مؤكدة، وحتمية التأهب للمقبل. لكن ينبغي لجهة ما، وليست شركات الأدوية، تسديد الفواتير.من جهة أخرى، فقد تأتى لنا بهذه الكيفية تقريبا  القضاء على وباء شلل الأطفال، بفضل برنامج مُطَّلع مولته الحكومة. ثم حينما اكتشف جوناس سولك التلقيح، سيؤكد على مسألة انعدام وجود براءة الاختراع، قائلا في هذا الإطار: "ينبغي أن يصير كل شيء عموميا، كالشمس تماما''. يظل هذا ضمن نطاق الرأسمالية، لكنها رأسمالية مهَيْكَلة. ثم، تغيرت المعطيات مع وصول رونالد ريغان إلى السلطة (الرئيس الأمريكي طيلة سنوات 1981/ 1989 الذي طبق بزخم السياسات الليبرالية الجديدة كما فعَّل تطبيق سياسة ضريبية لصالح الأكثر ثراء). حينذاك، صارت الدولة مشكلة، وليست حلا، إنها صيغة ريغان كي يبلور فكرة الحاجة إلى أقل عدد ممكن من المرافق العمومية. حكومة تدعو إلى: شرعنة الجنات الضريبية. شرعنة أن يُستعاد من السكان الأسهم المقدر قيمتها بعشرات آلاف الدولارات. تكون الدولة ملجأ عندما يواجه القطاع الخاص صعوبة، لكن حينما يتعلق الأمر باحتياجات الشعب، تصم الحكومة آذانها. لذلك، صار تدبير المستشفيات في الولايات المتحدة الأمريكية، خاضعا لمنطق المقاولة الخاصة، بغير قدرات داعمة. وضع لا يستقيم، حتى قياسا لظرف عادي، وداخل أفضل المستشفيات. بوسع العديد من الأشخاص، من بينهم أنا، أن يشهدوا على ذلك. أما، ضمن سياق اليومي، فبوسعه على أية حال، الحياة قليلا. مع ذلك، تصبح الكارثة واقعا حتميا، انعكاسا لأبسط اختلال. قد يقبل هذا التعثر في مجال صناعة السيارات، لكن ليس بالنسبة للمؤسسات الصحية. النتيجة، يشكل نظامنا الصحي فضيحة عالمية بسبب النموذج الاقتصادي الذي فرضناه عليه مما جعله غير فعال. فيما يخص الباقي، يعتبر سورياليا جدا رصد تجلياته. فالوكالة الأمريكية للتنمية الدولية(USAID)، وضعت عمليا مخططا فعالا جدا من أجل كشف الفيروسات المنتشرة بين المجموعات الحيوانية المتوحشة القريبة من الإنسان نتيجة تحطيم موطنها الأصلي جراء تداعيات الاحتباس الحراري. وقد حددت أبحاث الوكالة قائمة بعينات الفيروسات المفترضة، لا سيما في الصين. أيضا، مشروع سيدمره ترامب، بحيث قلص روافده المالي، ثم  فكك أوصاله إبان  شهر أكتوبر. توقيت مناسب. وبوسعي، مواصلة سرد المعطيات.   

س- شملت الإضرابات داخل الولايات المتحدة الأمريكية مجموعة من الفضاءات. بحيث أعاد العمال تنظيم  ذواتهم على ضوء تداعيات  فيروس كورونا لأنه يتم تشغيلهم في إطار ظروف خطيرة. فهل أرباب العمل منزعجين جراء ذلك؟

ج-نعم، تماما! خلال شهر يناير من كل سنة، يجتمع هؤلاء الأشخاص  الواصفين أنفسهم تواضعا بأنهم ''زعماء الكون'' في منتجع دافوس السويسري، للتمتع بالتزلج الجبلي، ويلعقون أحذية بعضهم البعض، إلخ.كان اجتماع شهر يناير الأخير مثيرا للاهتمام،بحيث لاحظوا قدوم حشدا من"القرويين''يحمل كل واحد مذراته، مما جعلهم يشعرون بالقلق.سياق،أرغمهم على تغيير الإستراتيجية. بالتالي، ارتكز الاجتماع على موضوع ينطق مضمونه: ''نعم لم نتصرف جيدا في الماضي.حاليا، أدركنا هذا الأمر. إذن، سننتقل  مع الرأسمالية نحو  إطار جديد،لن نهتم فقط هذه المرة بالشركاء،بل كذلك العمال والجماهير. إننا طيبين جدا،وإنسانيين للغاية ويمكنكم أن تضعوا ثقتكم فينا.سنحرص على أن يتم كل شيء وفق المرجو".واكتست أشغال اللقاء طابع الأهمية القصوى.هناك متدخلان أساسيان،وينبغي بث المشهد عبر مختلف مدارس البلد.طبعا،ألقى ترامب الخطاب الأساسي.ثم جاء الدور على غريتا تونبرغ،أصغر ناشطة تدافع عن قضية المناخ،كي تتقدم بمداخلة أخرى.بدا التباين رائعا.كان خطاب ترامب مضحكا جنونيا،يصدح بجشعه جهرا وبقوة.دون إحصاء للأكاذيب التي تلفظ بها. بينما الخطاب الثاني،فهو لفتاة شابة تبلغ سبعة عشر سنة قدمت بهدوء وصفا يرصد الواقع ويحدد بدقة ما يجري على امتداد جغرافية العالم وقد وجهت سهام نظرها إلى هؤلاء الأشخاص الحاضرين قائلة لهم :"إنكم بصدد تحطيم حياتنا".بالتأكيد،صفقوا لكلامها بأدب،وقد أجابوها ضمنيا بدورهم : ''كم هي صغيرة وظريفة.فلترجع حالا إلى حجرات المدرسة".جاء الموقف أمام ترامب أساسا مثيرا للاهتمام،فالرجل لايحظى بشعبية كبيرة.لذلك،لا تنسجم خشونته وفظاظته مع صورة التفاني الإنساني التي حاول الحاضرون في دافوس الترويج لها، لكنهم يعشقونها على أية حال.نهضوا من فوق كراسيهم ولم يتوقفوا عن الهتاف.لأنهم أدركوا شيئا واحدا: هذا الشخص الفظ  جدا،يعرف بما يكفي الجيوب التي ينبغي أن تمتلئ وكيفية ملئها. أما تهريجاته فلا تهمنا.سنتحمل حركاته المثيرة للاستهزاء مادام يبلور السياسات الموضوعة فوق الطاولة،هكذا يتحدث لسان حال ضيوف دافوس.لقد حرسوا على جذب انتباهنا كي نلاحظ بأننا سمعنا سلفا هذا الخطاب في مكان ما. سنوات الخمسينات،أطلقنا تسمية المقاولات العاطفية.بحيث صارت المقاولات تملك روحا،وتفيض إحساسا وتعاطفا سواء مع العمال وكذا الجميع.لذلك،سنعيش عهدا مختلفا.عموما،امتلكنا مايكفي من الوقت كي نختبر شعورهم بوجود الغير،ومدى استعدادهم للتغيير.الخلاصة،إما نكتفي بالنظر ونستسلم لانهيار كل شيء فوق رؤوسنا،أو نواجه ونقاوم كي نخلق عالما مختلفا.فرصة سانحة لاتعوض بخصوص هذا الأفق، مع الاضطرابات التي أشرتم إليها وكذا الاحتجاجات التي نتابعها على امتداد العالم.تشكلت مجموعات للتعاون المشترك داخل الأحياء الفقيرة،بحيث انتظم أشخاص محاولين مساعدة هؤلاء المسنين المنفيين داخل منازلهم بسبب الحجر الصحي.مواقف تضمر حقائق مؤكدة،تماما مثل وضعية الممرضين والممرضات المتأهبين في الصف الأمامي.القيم الإنسانية ماثلة هنا وبوسعها التبلور في أكثر المواقع التي لايمكن ترقبها.ليس مصدرها قطاع المقاولات،ولا الأثرياء،ولا الشركات الحنونة. ولم تنبعث بالتأكيد من القيادات،لاسيما تلك القيادات البلهاء كما الشأن مع مسؤولينا.بل أصل السلوك،ذاك الفعل الشعبي،الحامل لبذور الأمل.وقد حدد الوضعية جيدا، مرشح اليسار بيرني ساندريز،خلال إلقائه لخطاب بعد انسحابه من الحملة الانتخابية،مؤكدا بأن الحملة تنتهي،لكن الحركة تستمر.ويجدر  بهؤلاء الشباب المناصرين الإمساك خاصة بالمشعل،وإظهار إمكانياتهم بهذا الشأن،مهما حدث. ستمثل إعادة انتخاب ترامب،تراجيديا حقيقية.أما في حالة فوز جو بايدن(مرشح الحزب الديمقراطي بالانتخابات الرئاسية لسنة 2020 )،فلن يكون ذلك رائعا على الإطلاق،لذلك ينبغي القيام بالضروري،والانتصار في المتناول.

س-هل بوسع الولايات المتحدة الأمريكية تطوير ثقافة للتضامن،والإقرار بعيوب نظام السوق،وعدم نجاعته ثم التعقيدات الناجمة عن المنافسة؟

ج- بالتأكيد،حدث ذلك في لحظة ما.لقد عشتُ الانهيار الكبير(الأزمة الاقتصادية لسنة 1929)لذلك نبتت على وجهي هذه اللحية البيضاء الطويلة.كانت الحركة العمالية مسحوقة كليا.بوسعكم الرجوع إلى كتابات ديفيد مونتغمري، مؤرخ العمل،وقد اختار لأحد أعماله الجوهرية عنوان :"سقوط المركزيات النقابية''،متحدثا عن سنوات العشرينات.عملية سحق العمال وباقي المكتسبات، باشرتها إدارة وودرو ويلسون، رئيس الولايات المتحدة الأمريكية مابين1913-1921(تحت شعار''الخوف الأحمر''،من خلال تجريم الآراء الشيوعية).سنوات 1930، عاودت ظهورها إلى السطح، بحيث نظمت مؤتمرات المنظمات الصناعية(كونفدرالية نقابية قوية بين سنوات 1935 -1955)جملة إضرابات مع احتلالها أمكنة العمل، والتي تمثل تهديدا كبيرا للإدارة.تدعو المرحلة المقبلة إلى التلويح بشعار :"لسنا في حاجة إلى أرباب.بوسعنا تسيير المقاولة بأنفسنا"،لقد انتهى أمركم.فالنظام الحالي هش جدا.بالتالي، إن استعادت الحركة العمالية المبادرة ثانية،واستطاعت حركة بيرني ساندرز أخذ زمام المبادرة(مهمة جدا، وحققت انتصارات جوهرية )،فبوسعنا ثانية الخروج من أزمات الرأسمالية كما وقع فترة سنوات 1930 . فليست سياسة (نيو ديل)(المستندة على تدخل الدولة في الاقتصاد، وكذا فرض ضريبة مهمة على الثروات الكبيرة،ومساعدة الأكثر فقرا،إلخ. والتي طبقها الرئيس الديمقراطي فرانكلين روزفلت)من وضعت حدا للانهيار الكبير،بل سياق الحرب،مع إنتاج ضخم تشرف عليه الدولة،حتى ولو كانت الوضعية آنذاك أفضل بكثير مما عليه حاليا.لقد تقدمت سنوات عمري كثيرا مما يؤثر على قوة ذاكرتي،بالمفهوم الواسع للكلمة،عن الفترة وكذا وضعيات أفراد أسرتي،التي تشكلت أساسا من العمال وعانى أغلبهم من البطالة،كما عاشوا فقرا أكثر فظاعة مما تعيشه الطبقة العاملة حاليا.لكنهم تشبعوا بآمال كبيرة.ولم يساورهم تشاؤم عميق،مثلما غاب لديهم الشعور بكون العالم قد بلغ نهايته.بل على العكس ظلوا متمسكين بقناعتهم التالية :''بكيفية أو بأخرى،سننتصر جميعا على هذا الوضع، ونشتغل". بعضهم كانوا أعضاء في الحزب الشيوعي،بينما آخرون نقابيين.كانت لدي خالتان امتهنتا الخياطة شملتهما أيضا البطالة،لكنهما انخرطتا في نقابة عاملات ألبسة النساء،مما منخرطين بصيرورة حياة ثقافية، وكذا اجتماعات،وأسبوع في الريف مع أنشطة مسرحية.بوسعكم المبادرة إلى القيام بشيء ما. نستطيع بفضل تضامننا التخلص من هذا الوضع،وبوسعنا تحقيق ذلك.    

*مرجع الحوار :                  

INVESTIG'ACTION :06-06-2020.