الأربعاء  24 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

هل الصراع في ليبيا يجسد شكل الحروب المستقبلية؟

2020-07-03 08:26:52 AM
هل الصراع في ليبيا يجسد شكل الحروب المستقبلية؟
الحرب في ليبيا

 

الحدث - جهاد الدين البدوي

نشر موقع "defense one" مقالاً للباحثين ناثان فيست المتخصص في شؤون الشرق الأوسط في مؤسسة راند البحثية، وكولين ب. كلارك الباحث في مركز صوفان، وتحدثا في افتتاحية المقال أنه يمكن للصراع الليبي الذي يدخل عامه التاسع أن يكون ساحة اختبار لكيفية خوض الحروب المستقبلية. ويبدو الصراع نفسه مختلفاً كثيراً اليوم عما كان عليه في عام 2011، عندما أطاح تحالف من دول حلف الناتو بالديكتاتور الليبي معمر القذافي والذي حكم ليبيا طويلاً، وسرعان ما انحدر البلد إلى حرب أهلية واقتتال داخلي بين الميليشيات القبلية والجهاديين السلفيين وغيرهم من الفواعل غير الدول.

        يضيف الباحثان أنه على جانبي الصراع، هناك حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً، والمدعومة من تركيا وبدرجة أقل من إيطاليا وقطر. وعلى الجانب الآخر، هناك الجيش الوطني الليبي، الذي يقوده زعيم الحرب الشهير خليفة حفتر وبدعم من تحالف متنوع يضم روسيا والإمارات ومصر، مع درجات متفاوتة من الدعم من المملكة العربية السعودية وفرنسا واليونان. كما أن الرهانات كبيرة؛ وأما الجوائز فتشمل الوصول إلى احتياطات ليبيا الضخمة من موارد الطاقة وعقود استخراجها، وتكرارها، وتسليمها.

        يوضح الباحثان بأن الدول الخارجية تدخلت منذ فترة طويلة في الحروب الأهلية في بلدان أخرى، فما الجديد بالضبط فيما يحدث في ليبيا؟

        يشير الباحثان إلى أن طرفي الصراع يعتمدان بشكل متزايد على المرتزقة. فقد قامت تركيا بتدريب وارسال مرتزقة من سوريا إلى ليبيا، في حين تم تعزيز قوات الجنرال حفتر من قبل مجموعة "فاغنر": وهم مرتزقة روس تم ارسالهم إلى أوكرانيا وسوريا وجمهورية أفريقيا الوسطى والسودان وزيمبابوي وموزمبيق، والآن ليبيا. وعلاوة على ذلك، تقوم روسيا بتجنيد مرتزقة سوريين لنشرهم في ليبيا والقتال نيابة عن الجنرال حفتر. كما تعاونت "الجيش الوطني" مع مرتزقة من السودان وغربيين يعملون لدى شركات أمنية خاصة مقرها في الإمارات العربية المتحدة.

        يلفت الباحثان إلى أنه عندما أطلق الجنرال حفتر محاولته للاستيلاء على العاصمة طرابلس في أبريل 2019، شملت العمليات الجوية التي شنها الجانبان في أعقاب ذلك على أساطيل صغيرة من الطائرات المقاتلة القديمة.

ومنذ ذلك الحين، تم توجيه الضربات الجوية بشكل متزايد من قبل الطائرات الأجنبية بدون طيار: مثل طائرة "Bayraktar TB2s" التركية، لصالح حكومة الوفاق الوطني، وطائرات "Wing Loong-IIs" الإماراتية لصالح الجنرال حفتر. في الوقت الذي تتصارع فيه تركيا والامارات من أجل تحقيق التفوق الجوي، سرعان ما تصاعدت تدخلاتهما إلى ما أشار إليه مبعوث الأمم المتحدة السابق إلى ليبيا غسان سلامي بأنه: "أكبر حرب طائرات بدون طيار... في العالم". وحتى يناير/كانون الثاني، أفادت التقارير أن الإمارات العربية المتحدة شنت أكثر من 850 غارة بطائرات بدون طيار، فيما نفذت تركيا أكثر من 250 غارة بدون طيار على التوالي.

يضيف الباحثان أن التفاوت في مجموع الضربات يشير إلى أن الإمارات كان لها اليد العليا لبعض الوقت، ولكن أنقرة صعدت من دعمها العسكري منذ تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، عندما وقعت تركيا و"حكومة الوفاق الوطني" مذكرات تفاهم أمنية وبحرية. وقد بدأت تركيا في نشر المزيد من الطائرات بدون طيار، وأنظمة الدفاع الجوي المتقدمة، وآلاف المرتزقة السوريين، مما أعاد ميزان القوى إلى حكومة طرابلس. ومنذ ذلك الحين، قصفت تركيا قوات حفتر بضربات جوية، دمرت العديد من أنظمة الدفاع الجوي الروسية من طراز "Pantsir S1" وسهلت التقدم السريع للقوات المناهضة لحفتر. وفي الشهر الماضي فقط، نشرت روسيا طائرات مقاتلة، من المرجح أن من يقودها مرتزقة، في وسط ليبيا في خطوة لردع العمليات الجوية التركية الموسعة، ووقف موجة الانتكاسات التي مُنيَ بها حفتر.

ينوه الباحثان إلى أن جهود التضليل الإعلامي سعت هي الأخرى إلى ترجيح كفة ميزان القوى في ليبيا. وفي حين أن هذه الجهود تصدر من طرفي النزاع، إلا أن الدول التي تدعم حفتر والجيش الوطني - وخاصة روسيا والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية - كانت أكثر نشاطاً وعدوانية في نشر جيوش الكترونية ودمى إعلامية لترويج الرسائل المؤيدة لحفتر. وعلى سبيل المثال، وجد مختبر أبحاث الطب الشرعي الرقمي التابع للمجلس الأطلسي أن الوسم المنشور باللغة العربية "#نؤيد_الجيش_الليبي_العربي الموالي لحفتر" تمت اعادت تغريده 20 ألف مرة في اليوم الذي أعلن فيه حفتر هجومه على طرابلس -وكانت أكبر مجموعة من هذه الحسابات تغرد من مصر، والإمارات، والسعودية.

يؤكد الباحثان أن نشر الآلاف من المرتزقة السوريين والسودانيين في ليبيا يعكس اتجاهاً متزايداً ومقلقاً في الحرب الحديثة التي تجري بالوكالة. وتستغل الجهات الفاعلة الحكومية بشكل متزايد السكان عديمي الجنسية، أو المعرضين للخطر، لتجنيدهم كمقاتلين، ويتم نشرهم في الخارج لغرض "إسقاط القوة". فقد نشرت إيران عشرات الآلاف من الأفغان عديمي الجنسية من الهزارة للقتال لصالح نظام بشار الأسد في سوريا، كما أن تركيا وروسيا والإمارات العربية المتحدة تنشر بالمثل مرتزقة من مجتمعات يائسة للقتال في الحرب الأهلية في ليبيا.

يوضح الباحثان أن استخدام المرتزقة يبدو أكثر فاعلية من حيث التكلفة بالنسبة لدول مثل روسيا التي تنفذ مهامها من خلال شركات أمنية خاصة أو عبر حملات وسائل التواصل الاجتماعي بدلًا من نشر القوات الروسية والمخاطرة بحدوث رد فعل عكسي على الصعيدين المحلي والدولي. ونظراً للقيود المفروضة بسبب جائحة فيروس كورونا والضغط الذي سيُلقيه ذلك على الميزانيات العسكرية والاقتصادات الوطنية، فإن مستقبل الحرب قد يتحول أكثر فأكثر وكأنها "حروب رخيصة".

يختتم الباحثان مقالتهما بالقول: "وفي المستقبل القريب على الأقل، قد تصبح فكرة شن حروب عن بعد، أو القتال من بعيد، أمراً شائعاً كوسيلة للبلدان لحماية جنودها من المخاطر، سواء من الصراع أو المرض. وكبديل للجنود، يمكننا أن نرى اتجاهاً يتطور يشبه إلى حد ما النموذج الذي يتم لعبه في ليبيا: التكنولوجيا الناشئة إلى جانب القوات التي تحارب بالوكالة وحملات وسائل التواصل الاجتماعي".