الخميس  18 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

ما الذي يعنيه مخطط الضم للسلام في الشرق الأوسط؟

بنيامين نتنياهو مستعد لدفن حل الدولتين

2020-07-07 02:44:15 AM
ما الذي يعنيه مخطط الضم للسلام في الشرق الأوسط؟
مظاهرة رفضا لمخطط الضم

 

 الحدث- جهاد الدين البدوي 

نشرت مجلة "الفورين أفيرز" الأمريكية مقالاً للدبلوماسي الأمريكي ونائب رئيس مركز وودرو ويلسون الدولي للأبحاث آرون ديفيد ميلر وتحدث في افتتاحيته أنه يمكن "لإسرائيل" أن تبدأ قريباً في ضم بعض أراضي الضفة الغربية. كما تعهد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بتطبيق القانون "الإسرائيلي" من جانب واحد على أجزاء من الأراضي – مما يضمن عملياً احتفاظ "إسرائيل" بها بشكل دائم-: إن نتنياهو في طريقه إلى ضمان أن دولة فلسطينية حقيقية على أساس حدود الرابع من حزيران لعام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية تسير في طريق مسدود أو في طريق الدودو -وهو طائر منقرض ضخم عاجز عن الطيران-. وبغض النظر عما يحدث مع الضم، فسيكون هذا إرثه - ومن المرجح أن يكون إرثاً لا رجعة فيه.

 يضيف الكاتب ميلر بأن الزعماء داخل الشرق الأوسط وخارجه يتوسلون عملياً لنتنياهو لإظهار ضبط النفس. وفي الأسابيع الأخيرة، تحول النقاش في إسرائيل من ما إذا كان الضم سيتم إلى ما هو الذي سيتم ضمه، مما يؤكد المدى الذي تعلب فيه اللعبة بشرطها.

يوضح ميلر بأن رئيس الوزراء "الإسرائيلي" يواجه جملة من التحديات كالمحاكمة بتهمة الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة، وتحديات جامحة أمام شركاءه في الائتلاف اليميني، بالإضافة إلى عودة تفشي جائحة "COVID-19" وركود اقتصادي والمشكلة الدائمة مع إيران. ولكن إذا كان بقاءه في السلطة واغلاق الباب أمام انشاء دولة فلسطينية حقيقية هي من أهدافه المباشرة، فقد يفوز بهذا الرهان على الرغم من الضغوط الكبير الداخلية.

يتابع الكاتب: يوماً ماً، سينفد من نتنياهو السحر، ولكن في الوقت الراهن، فإن سمعته كساحر سياسي يستحقها بجدارة. فبعد أن عجز عن الحصول على الأغلبية بعد ثلاثة انتخابات في غضون عام واحد، عقد صفقة ائتلافية مع منافسه بيني غانتس لم تُعيد تأهيل نتنياهو وحزبه الليكود فحسب، بل أجبرت غانتس على تدمير ائتلاف يسار الوسط الذي يتزعمه. وإذا حدث أي تناوب متفق عليه على رئاسة الوزراء مع غانتس (ومن المقرر أن يتولى منصبه في تشرين الثاني/نوفمبر 2021)، فإن نتنياهو سيحتفظ بالأغلبية في الكنيست، تاركاً غانتس مع حفنة من المقاعد وصورة سياسي خدع الشيطان وخان مؤيديه للقيام بذلك.

يوضح الكاتب بأنه في الواقع، يبدو غانتس أكثر فأكثر مثل الليكودي اليميني العجوز الذي يمكن كثيراً أنه يكونه. في الأسبوع الماضي، بدا أنه يدعم خطة نتنياهو للضم حين قال للصحفيين أنه إذا كان الفلسطينيون يرفضون المفاوضات إلى الأبد، فإن الإسرائيليين سيمضون قدماً من دونهم. وليس لدى نتنياهو مطلق الحرية عندما يتعلق الأمر بالضم. لكنه سيتمكن، بموجب شروط اتفاقية الائتلاف، من المضي قدماً بخطته وعرضها للنقاش في مجلس الوزراء والحكومة في أي وقت في -أو بعد- الأول من تموز (يوليو). وبالضم أو بعدمه، يمكن لنتنياهو أن يعتمد على الدعم الشعبي القوي للاحتفاظ بغور الأردن والكتل الاستيطانية الكبيرة في الضفة الغربية تحت السيطرة الإسرائيلية إلى الأبد. وفي الوقت الحالي، ليس هناك أي ضغط جاد على نتنياهو للتنازل عن أي شيء -وإنما فقط ألا يأخذ المزيد.

حلم يتحقق:

يرى الكاتب بأن أفضل حلفاء نتنياهو في جهوده الرامية إلى القضاء على التطلعات الوطنية الفلسطينية هم الفلسطينيين أنفسهم. فبكون الحركة الوطنية الفلسطينية منقسمة ومختلة وظيفياً ودونما توجيه، تبدو كسفينة نوح: فقد خلقت خصومات فتح وحماس المتنازعتين نسختين من كل شيء -دويلات، وأجهزة أمنية، ودساتير، ورعاة. أما بالنسبة للرئيس الفلسطيني المحاصر محمود عباس، فهو عالق بين الوضع الراهن الذي يوفر استمرار الاحتلال والتغيير يأخذ شكلاً غير جذاب من أشكال الكفاح المسلح، وتفكيك السلطة الفلسطينية، أو قبول خطة ترامب للسلام التي تقدم في أفضل الأحوال بقايا دولة.

يضيف الكاتب بأن الجمهور الفلسطيني ازداد ازدراءً لقيادة عباس، حيث كان يُنسب إليه الفضل في إدارة الوباء بنجاح، ولكن لا شيء آخر. ويُنظر إلى تهديداته بقطع جميع العلاقات مع إسرائيل، بما في ذلك التعاون الأمني، على أنها تهديدات فارغة؛ والأسوأ من ذلك هو اعتماد السلطة الفلسطينية على إسرائيل في كل شيء من تصاريح السفر إلى المياه والكهرباء والعلاج الطبي. ومن غير المرجح أن تقوم حملة منظمة من العنف والإرهاب، لأن ذلك سيؤدي دوراً في مصلحة حماس. كما لا تبدو الانتفاضة العفوية وشيكة. وفي وقت سابق من الشهر الماضي، حشدت حركة فتح الآلاف في شوارع أريحا للاحتجاج على الضم. ولكنها في رام الله، كافحت من أجل اقناع 200 شخص على الخروج.

لقد فعل عباس الكثير لدفع حملة نتنياهو إلى إغلاق الباب أمام قيام دولة فلسطينية ذات معنى.

 يشير الكاتب إلى أن عباس كان حلماً تحقق بالنسبة لنتنياهو. فمع استعداده للتعاون مع إسرائيل في مجال الأمن وتجنب كل من العنف وطاولة المفاوضات، قام عباس بالكثير لتعزيز حملة نتنياهو لإغلاق الباب أمام إقامة دولة فلسطينية ذات معنى. كما تعتبره إدارة ترامب تجسيدًا لكل ما هو خطأ في الفلسطينيين، مما يساعد على تحرير نتنياهو من أي ضغط أمريكي جاد. ولا يعني ذلك أن هناك الكثير الذي كان بإمكان الرئيس الفلسطيني أن يفعله لتحسين موقف السلطة الفلسطينية. وقد حثه البعض على طرح خطته الخاصة للسلام. ولكن أي نوع من الخطط ستكون هذه؟ إن عباس عالق بين الاستسلام وبين المقترحات التي لن يقبلها نتنياهو وغانتس والجمهور الإسرائيلي أبداً -مثل العودة إلى حدود حزيران (يونيو) 1967 مع مقايضة في الأراضي والقدس الشرقية كعاصمة فلسطينية.

يضيف الكاتب بأن طموحات نتنياهو حصلت على دفعة إضافية من الدول العربية، لا سيما في الخليج، الذي قد سعى إلى نيله. وحتى مع استمراره في بناء المستوطنات وتحركه لإحباط التطلعات الفلسطينية، ازدهرت علاقات حكومته مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين. وترقص رؤى توافقات عدم المشاركة في حرب -بل وحتى التطبيع- حول رأس نتنياهو. وهناك أسباب وجيهة للاعتقاد بأن هذا الانفراج مع دول الخليج العربية سيستمر: قلق السعودية والإمارات من صعود إيران؛ وإحباط العرب وإرهاقهم من الفلسطينيين؛ والرغبة، خاصة في الخليج، في الحفاظ على علاقات وثيقة مع إدارة ترامب التي تتقاسم وجهات نظر إسرائيل المعادية لإيران، كلها عوامل ساعدت على مواءمة المصالح الإسرائيلية والعربية، ومما أدى إلى ظهور إيماءات علنية مثل زيارات الرياضيين الإسرائيليين والدبلوماسيين ورجال الأعمال إلى الخليج، بالإضافة إلى المزيد من التعاون الأمني والاستخباراتي المنفصل.

ينوه الكاتب إلى أنه في الأسابيع سلطت مسألة الضم الضوء على كل من الوعد والحدود التي تفرضها هذه العلاقات الجديدة. وفي وقت سابق من شهر حزيران (يونيو)، نشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" "الإسرائيلية" مقالاً غير مسبوق لسفير دولة الإمارات لدى الولايات المتحدة، يوسف العتيبة، بالإضافة إلى مقطع فيديو خاطب فيه الجمهور "الإسرائيلي" مباشرة، محذرًا من تدهور العلاقات إذا مضت "إسرائيل" قدماً بالضم، وواعداً بعلاقات مطورة إذا تراجعت عنه. وبعد فترة وجيزة، وجه نواف عبيد، المستشار السياسي السعودي السابق المرتبط بالعائلة المالكة، نداء مشابهاً على صفحات صحيفة "هآرتس". وبعد أيام، وخلال مؤتمر صحفي عبر الفيديو للجنة اليهودية-الأميركية، أعرب أنور قرقاش، وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، عن معارضته للضم، لكنه أوضح أن الخلافات السياسية يجب ألا تمنع التعاون مع "إسرائيل" في القضايا الإقليمية. ومن الواضح أنه بينما يدرس نتنياهو ما إذا كان سيضم أم لا، فإنه سيبحث عن طرق للحفاظ على مكاسبه الرائعة مع دول الخليج. وبالنظر إلى الفوائد التي تجنيها هذه الدول من تحسن علاقتها مع "إسرائيل"، فإنها ربما تبحث عن طرق لفعل الشيء نفسه.

لم تسعَ إدارة ترامب إلى أقل من إعادة صياغة السياسة الأمريكية بشأن حل الدولتين، مما جعلها تتماشى مع نزعة نتنياهو

يلفت الكاتب إلى أنه من بين العوامل المساعدة لنتنياهو، يبرز شريك واحد. على الرغم من أن إدارة ترامب أرسلت مؤخرًا إشارات متضاربة بشأن مسألة الضم، إلا أن الرئيس الأمريكي وفريق السلام التابع له قد فعلوا الكثير لدعم جهود نتنياهو البطيئة لقتل الدولة الفلسطينية. وعلى مدى السنوات الثلاث الماضية، سعت إدارة ترامب إلى إعادة صياغة السياسة الأمريكية بشأن حل الدولتين، مما جعلها تتماشى مع نزعة نتنياهو: بقايا دولة فلسطينية على 70% من مساحة الضفة الغربية؛ عاصمة رمزية في ضاحية أو اثنتين من ضواحي القدس الشرقية؛ ومجموعة من الشروط التي يترتب على الفلسطينيين الوفاء بها مرهقة للغاية لدرجة أن سفير ترامب نفسه في إسرائيل قال مازحاً إنهم سيحتاجون إلى أن يصبحوا ديمقراطية مثل كندا حتى يتأهلوا. نعم، إن تأييد الولايات المتحدة لإقامة دولة فلسطينية يعطي نتنياهو حرقة في المعدة مع جناحه اليميني. لكن القائمة الطويلة من المواد الجيدة التي منحتها له إدارة ترامب - من إعلان القدس عاصمة لإسرائيل وفتح السفارة الأمريكية هناك إلى إعلان مرتفعات الجولان أراضٍ سيدية "إسرائيلية"، إلى فتح الباب أمام ضم غور الأردن وأجزاء كبيرة من الضفة الغربية مع خطتها للسلام - منحته ميزة استثنائية. ولم تقتصر هذه الخطوات على السماح لإسرائيل بتوسيع أراضيها بشكل مطرد فحسب؛ بل كفلت عملياً ألا يأتي الفلسطينيون إلى طاولة المفاوضات أبداً أيضاً.

وفاة حل الدولتين:

وقد يتساءل المرء لماذا يخاطر نتنياهو بالمجازفة بتقويض كل هذه المكاسب من أجل توسيع نطاق القانون الإسرائيلي ليشمل الأراضي التي تسيطر عليها "إسرائيل" بالفعل، وألا يضغط عليه أحد من أجل إعادتها. لماذا تثير أن القضية الفلسطينية مختلة وظيفياً، ويثير غضب الدول العربية (وخاصة الأردن)، ويخاطر بصداع محتمل مع الأوروبيين، وفي حالة قدوم إدارة أمريكية جديدة، تبدأ باختبار خاطئ؟ وقد ساعد تعويم فكرة الضم قبل الانتخابات الثلاثة الأخيرة نتنياهو في بناء قاعدته. لكن كيف يمكن أن تساعده الآن؟

يمكن أن يكون الجواب في الإرث الذي يأمل أن يتركه وراءه. كما يعني تطبيق القانون الإسرائيلي على جزء كبير من الضفة الغربية النهاية التي لا رجعة فيها لمشروع الدولة الفلسطينية، مما يجعله رئيس الوزراء الذي لم يكتفِ بدفن حل الدولتين، وإنما قام بضم أملاك مختارة من الضفة الغربية أيضاً. في عام 2014، مرر الكنيست قانونًا أساسيًا يطالب بأغلبية عظمى، 80 عضوًا من أصل 120، لتمرير أي تشريع يختزل المدى المناطقي لسريان القانون الإسرائيلي. وبعبارة أخرى، يكاد يكون من المستحيل تقريبًا على الكنيست تمرير إجراء للتنازل عن الأراضي التي تم تطبيق القانون الإسرائيلي فيها مسبقاً. وإذا كان ثمة حبة سُم لقتل حل الدولتين، فقد كانت القانون الأساسي للعام 2014.

يتابع الكاتب: ما سيفعله نتنياهو في 1 تموز/يوليو أو بعده يستحيل الجزم به. ولكن بغض النظر عما سيحدث في الأيام والأسابيع المقبلة، فإن احتمالات التوصل إلى حل الدولتين المقبول من كلا الطرفين ضئيلة إلى لا شيء - في ظل أي ظروف متوقعة.

يختتم الكاتب مقالته بالقول: نتنياهو ليس المهندس الوحيد لهذا الوضع القاتم. على مدى ما يقرب من ثلاثة عقود، كان غياب قادة أقوياء من كلا الجانبين؛ والشك العميق وعدم الثقة بين الطرفين؛ والصدمات التاريخية التي تنطوي عليها الروايات المتصادمة؛ والصعوبة البالغة للقضايا نفسها (بما في ذلك القدس واللاجئون والمستوطنات الإسرائيلية والإرهاب الفلسطيني)؛ وعدم فعالية الوساطة الأميركية؛ كما أن الجمود في الوضع الراهن الذي اعتبر أقل خطورة من التغيير غير المؤكد، قد عرّف المشهد ومنع الطرفين من التوصل إلى أرضية مشتركة. ولكن بعد أن بذل نتنياهو قصارى جهده لقتل حل الدولتين خلال معظم العقد الماضي، ينتظر الآن، وهو يحمل مجرفة في يده، لدفنه.