السبت  20 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

معجم كارل بوبر(الحلقة8)/ التاريـخــــانيــــــــــــة

ترجمة : سعيد بوخليط

2020-07-10 08:51:59 AM
معجم كارل بوبر(الحلقة8)/ التاريـخــــانيــــــــــــة
كارل بوبر

 

تقديم: عندما صادفت،منذ عقدين،كتاب الأستاذة الفرنسية روني بوفريس،الصادر حديثا آنذاك. توخيت بداية،إنجاز مقاربة تلخيصية تعريفية للعمل باعتباره عنوانا جديدا على  رفوف المكتبات.لكن بين طيات ذلك، تبين لي أن كتاب:العقلانية النقدية عند كارل بوبر ثم السيرة العلمية لصاحبته،ينطويان على قيمة معرفية كبيرة.لذلك،من الأمانة العلمية والتاريخية إن صح هذا التأكيد إعادة كتابته باللغة العربية نظرا لي : 

*اشتغلت روني بوفريس؛من بين أشياء أخرى،على نظريات كارل بوبر.وترجمت له أعمالا من الإنجليزية إلى الفرنسية؛لاسيما سيرته الذاتية. كما أن بوبر نفـسه؛أوكل لها مراجعة الترجمة الفرنسية لعمله الذائع الصيـت بؤس التاريخانية.

*اعتبرت روني بوفريس عملها هذا،تقديما عاما لمعجم بوبر المفهومي. ساعية بذلك، إلى جرد ألفبائي للمصطلحات والمفاهيم التي وظفها بوبر، قصد صياغة مشروعه. لقد رصدت وفق تعريفات سريعة لكنها دقيقة وعميقة؛أهم المفاهيم سواء تلك التي نحتها بوبر،أو توخى في إطارها،على العكس من ذلك، مناقشة أصحابها وإبداء رأيه حولها: العقلانية النقدية/ التحقق/ المعرفة الموضوعية /المحتوى/ النظريات العلمية / تحديد /الديمقراطية / المجتمع المنفتح/ مقولة الأساس/ قابلية التكذيب/ قابلية التزييف والتفنيد/ الرائزية /التاريخانية / العقل و اللغة / اللاوعي/ الاستقراء / الوسائلية /الليبرالية / الماركسية/ الميتافيزيقا / العوالم الثلاث / المجتمع المنغلق /الوضعية/ القابلية / النسبية / الكليانية والطوباوية / التوتاليتارية….

خطاطة مفهومية، تعكس البرنامج النظري والمنهجي الذي خطه بوبر لنفسه.وقد توزع بين : منهجية العلوم؛ فلسفة المعرفة العامة؛ البيولوجيا؛ علم النفس؛ العلوم الاجتماعية؛ تأويلات الفيزياء الحديثة؛ تاريخ الفلسفة؛ فلسفة الأخلاق و السياسة؛ نظرية العلوم الاجتماعية .

أرضية فكرية وعريضة، يتجادل ضمنها مع: أفلاطون وسقراط وهيغل وماركس وفتجنشتاين وهيوم وكانط ...إلخ. منحازا أو مختلفا،لكن بمعنى يتجاوز حدي منطق الميتافيزيقا الغربية الثنائي القيمة :صادق أو كاذب، ولا يوجد احتمال ثالث. لأن بوبر يؤكد نصيب الحقيقة من الخطأ. السمة الفكرية التي تهمه؛أكثر من اليقين والاعتقاد المطلقين.

هكذا ظل بوبر رافضا باستمرار،لكل أنواع الطوباويات والإطارات الشمولية المنغلقة؛بل والأفكار الرومانسية المنتهية حتما إلى العقيدة الجامدة والدوغماطيقية؛لأنها تستند بدءا وانتهاء على المرجعية الأحادية.

 لم يكن من باب الصدفة إذن،أن يخرج بوبر آخر أعماله تحت عنوان مثير: "أسطورة الإطار،في دفاع عن العلم والعقلانية". يقول بوبر في تأويل لما أشرت إليه:(( وعلى الرغم من أنني معجب بالتقاليد وعلى وعي بأهميتها. فإنني في الوقت ذاته أكاد أكون مناصرا أصوليا للا-أصولية: إنني أستمسك بأن الأصولية هي الأجل المحتوم للمعرفة، مادام نمو المعرفة يعتمد بالكلية على وجود الاختلاف. وكما نسلم جميعا، الاختلاف في الرأي قد يؤدي إلى النزاع، بل وإلى العنف. وأرى هذا أمرا بالغ السوء حقا، لأنني أستفظع العنف، غير أن الاختلاف في الرأي قد يؤدي أيضا إلى النقاش، وإلى الحجة وإلى النقد المتبادل. وإني أرى هذه الأمور ذات أهمية قصوى، وأزعم أن أوسع خطوة نحو عالم أفضل وأكثر أمنا وسلاما، قد قطعت حين وجدت حروب السيف والرمح لأول مرة من يضطلع بها، وفيما بعد حين حلت محلها في بعض الأحيان حرب الكلمات ))( أسطورة الإطار: في دفاع عن العلم والعقلانية . ترجمة يمنى طريف الخولي. سلسلة عالم المعرفة. أبريل- مايو2003)

ولكي يتم تسليط الضوء بقوة،على الأفق المتطور لهذا الفكر الإنساني في جوهره، أسرعت بوفريس غير ممتثلة لترتيبها الألفبائي؛ نحو الصفة التي عشق بوبر،أن يسم بها اجتهاداته الفكرية والمنهجية. أقصد تصنيف: العقلانية النقدية .

فما هي إذن أبرز ملامح وتجليات هذه الفلسفة ؟ ثم  كيف عملت  بوفريس على توظيف ذلك حين مقاربتها مشروع بوبر؟ لاشك، أن الإجابة عن بعض هذه الأسئلة تخول من جهة أخرى؛ إثارة انتباه القارئ نحو أهم أطروحات هذا العمل،والتي سنقف على مضامينها عبر سلسلة هذه الحلقات.  

التاريـخــــانيــــــــــــة :

يمكن للتاريخانية تحديد المنهجية المرتكزة على تفسير أفكار، وموضوعات المعرفة، إلخ، نتيجة تطور تاريخي؛أو النظرية التي تكون على ضوئها الحقيقة تاريخية.

 إذا كانت الطوباوية، باعتبارها تقنية اجتماعية شمولية،أول المواقف التي جادلها كارل بوبر،أيضا يبدو له التوجه المعاكس خطيرا، أي المنطلق من رفض للفعل التقني ذاته باسم اعتقاد يدعي العقلانية يسميه بوبر "تاريخانية" : يُفهم من ذلك بحسبه، الإيمان  بمصير للتاريخ الإنساني، يحكمه هدف معين عبر سلسلة من المراحل الضرورية.

 تظهر هذه التاريخانية تبعا لشكلها الراديكالي، في تعارض تام مع الطوباوية، غير أنها حقيقة تتفق معها مبدئيا حول نقطة أساسية. يرتبط التغير الحقيقي الوحيد في مجتمع ما بالبعد الشمولي: إما يصبح بإمكان الإنسان تغيير مجتمعه كليا، أو كونه بدون سلطة على سيرورته العميقة ومكتفيا بالخضوع لها. في جميع الأحوال،لا يمكنه إحداث تغيير جزئي.

 ليس غريبا إذن تآلف التاريخانية والطوباوية في تمازج مفارق مع أغلب النظريات الثورية. لأن بوبر يدافع عن سياسة إصلاحية، اقتضى منه ذلك رفض الخاصية اللاعقلانية للأسطورة التاريخانية.

تجلت التاريخانية عبر مختلف العصور. قديما،أخذت بوضوح الشكل الديني لأسطورة الشعب المختار التي نجدها عند اليهود، وكذا صيغة شبه عقلانية لاتجاه التاريخ إلى الانحطاط، المعنى الذي نكتشفه عند أفلاطون.

 في الحقبة المعاصرة، تبنت أولا شكل نظرية دورة الحضارات – من فيكو إلى شبنغلر وتوينبي- مؤكدة حتمية تعاقبها وفق إيقاع يقودها من النشأة غاية الازدهار ثم الانحطاط.لكن أساسا،الصيغة الحديثة المهيمنة للتاريخانية تلك المؤمنة بأن للتاريخ معنى،يتجسد في التقدم.

أما وفق صيغتها الهيغيلية، تصبح المغامرة التاريخية غزوا مستمرا للإنسان من  طرف الإنسان،تفصله شيئا فشيئا عن الطبيعة  وتهتدي به نحو الوعي بالذات.

 مع نهاية القرن 19، ونتيجة تأثير الداروينية، أخذ هذا الاعتقاد شكلا علمويا : من الممكن عقلانيا دراسة القوانين التي تحكم التطور الإنساني والتكهن بمستقبله.

ناقش بوبر التصور الأخير عبر صفحات كتابه: بؤس التاريخانية. متوخيا إظهار الخاصية اللاعقلانية  للتاريخانية، وبعدها العلمي الزائف. أي أنه في جميع الأحوال، لايمكن لفكرة معنى التاريخ ، وكذا  الإحاطة بمراحله المستقبلية،الاستناد على معرفة موضوعية بالواقعة الاجتماعية. من جهة ثانية، التأكيد على أن وظيفة العلوم الاجتماعية ليست مختلفة عن  التي تمارسها العلوم الطبيعة، ولايمكن للسوسيولوجيا القيام بتنبؤات تاريخية.

 قد تتشكل التاريخانية بناء على نوعين من الدلائل، مرتبطين  غالبا وليس حتميا :

 من جهة، بعض الأطروحات "اللاطبيعية" أو "السلبية"، الرافضة لإمكانية تطبيق مناهج الفيزياء  في مجال العلوم الاجتماعية، وتثبت حدا أدنى من التاريخانية. بحيث تؤكد بأن وضع العلوم الاجتماعية (الاقتصاد / السوسيولوجية / العلوم السياسية / السيكولوجية الاجتماعية) يحظى بأصالته،بحيث لا يمكنها الاكتفاء على غرار علوم الطبيعة، بإعطاء قوانين  ثابتة لموضوعها.

تتأتى أولى خصوصياتها من انتفاء الثابت في التاريخ الإنساني، ويستحيل أن نفصل  بكيفية مصطنعة عناصر معينة قصد اختبارها. وإذا فعلنا ذلك، نستبعد بالتأكيد العلاقات الأكثر أهمية في الحياة الاجتماعية. ثم في المقام الثالث، لايمكن لتجربة قط أن تتكرر : بما أن المجتمع قادر على التعلم، فلا يتفاعل أبدا مرتين بنفس الطريقة مع الواقعة الواحدة: من النادر حدوث أزمتان اقتصاديتان  للسبب عينه.

 وأخيرا، كون الملاحِظ والموضوع الملاحظ ينتميان لنفس العالم الذي تم خلقه. لذلك تضعنا السوسيولوجيا أكثر من أي حقل آخر، أمام صعوبات لا يمكن تجاوزها : من جهة، وفي نطاق التزام الباحث كعضو في المجتمع بما يلاحظ، فإنه يخضع لأهداف وطموحات وبالتالي لا يمكن أن تكون ممارسته العلمية محايدة : من جهة، وانطلاقا من تماهي الباحث، مع مايلاحظه، باعتباره عضوا في المجتمع، ستحكمه أهداف و نزوعات، وتفقد ممارسته العلمية طابعها المحايد.أيضا من ناحية ثانية، يمكن أثناء ملاحظة اتجاه الانتهاء  دائما إلى  تغييره وذلك بإثارة قوى تؤثر فيه. كذلك، لا يمكن لمنهجية العلوم الاجتماعية أن تكون تجريبية؛ مادامت تنطوي بالتأكيد على خصوصيتها.

 يبدو إذن أساسيا تبلور منهجية مقاربة أكثر من مجرد كونها تاريخية : يلزم السوسيولوجية السعي نحو فهم التطور التاريخي بمصطلحات كيفية ثم الذهاب أبعد من التفسير السببي.تقوم على الحدس – و "الفهم" أحيانا كما يتوخى فيلهلم دلتاي – بالتالي توظف منهجية شمولية،وجوهرية،تفترض بأن الكل الاجتماعي أسمى من مجموع أجزائه،فتطرح أسئلة تتعلق بالحقيقة العميقة للظواهر الاجتماعية : ما هي الدولة، الرأسمالية، الطبقة الاجتماعية؟ هكذا يتجلى عمق الهوة  بين علوم الطبيعة والعلوم الاجتماعية.

لكن إلى جانب هذه الأطروحات "اللاطبيعية"،تلجأ التاريخانية إلى أخرى تؤكد أطروحات مؤيدة"للطبيعي" (أو الوضعية)، تقرِّب عموما بين العلوم الاجتماعية وعلوم الطبيعة، بخصوص بعض المحاور.فإذا أقر التاريخاني بعدم إمكانية التجريب داخل نسق اجتماعي معطى،بالتالي إعطائه قوانين ثابتة، يدافع في المقابل،عن استمرارية إمكانية البحث أولا في القوى التي تخلق التحولات الاجتماعية؛ثم بعد ذلك، تقديم قوانين لتطور النسق كليا، بمعنى وصف المراحل التي يمر عبرها حتما إلى المستقبل. ربما أمكنتنا معرفة بنية النظام الرأسمالي والتناقضات التي تملؤه، كي نتنبأ  بحتمية انهياره ثم صعود الاشتراكية. بهذا الخصوص،يماثل التاريخ تحديدا علما كعلم الفلك،القادر على التنبؤ بوقائع بعيدة مثل كسوف الشمس. هكذا تتجلى إمكانية إدراك العلم الاجتماعي باعتباره موردا لقوانين دينامية للتاريخ.

فيما يخص الآن، النقد الذي جاء به بوبر، فقد بدأ باستبعاد تام للادعاء بكون العلوم التاريخية تنهض بمثل تلك التنبؤات. تستند حجته بهذا الخصوص على فكرة أن مختلف هذه الأطروحات التاريخية، تفترض مفهوما مغلوطا كليا لمناهج علوم الطبيعة. لاشك، أنها تنطلق تبعا لثلاثة  محاور:

1 – تكمن مهمة العلم في تقديم تنبؤات تؤطرها شروط معينة، وليست مطلقة أو تكهنات. ينهض القسم الأكبر من الفيزياء على تنبؤات لها صيغة: "وفق قاعدة  معينة، يحدث تغيير، يؤدي بدوره إلى تغيير ثان". لايمكن تحقق تكهنات تاريخية على المدى البعيد، تبعا لهذه التنبؤات المشروطة سوى مع نظام منغلق، ثابت، دون تشويش،ومتكرِّر.عمليا، يجسد النظام الشمسي نظاما  من هذا النوع، لذلك نتنبأ بالكسوفات. لكن من البديهي أن المجتمع الإنساني ليس نسقا منغلقا: من هنا وهمية التماثل الذي يتمسك به التاريخاني مع علم الفلك.

2 –لاتحكم هذا المجتمع الإنساني,قاعدة للتطور، مادامت كل قاعدة تفترض تعددا لحالات تصف خصائصها الثابتة. ولا يمكن أن تقوم قاعدة حينما يتعلق الشأن بتطور منفرد كما الأمر بالنسبة للتاريخ الإنساني.

3  -مع غياب القاعدة، بوسعنا وصف ميولات داخل التاريخ الإنساني. لكن من الضروري ملاحظة حقيقتين: من جهة، يعني الإعلان عن نزوع القيام بتأكيد خاص وليس صياغة قاعدة كونية. لا يمكننا إذن تناول مجموعة من  النزوعات كقاعدة للتنبؤات. من جهة ثانية، نظرا لعدم إمكانية استنباط هذه الميول من القواعد إلا ارتباطا بشروط خاصة : نسبية وليست حتمية. الشروط التي تجعلها ممكنة، يمكنها الاختفاء دائما.

 إذا كان صحيحا، أنه  بوسعنا مثلا رصد ميل المجتمع المعاصر نحو مراكمة الثروات، فمن السهل ملاحظة أن مسوغا من هذا القبيل يسهل محاصرته مع تغيير بعض الشروط البيولوجية والديمغرافية وكذا السياسية.

أيضا وجبت الإشارة إلى دليلين : من جهة، يهتدي كل تنبؤ بالمستقبل إلى"مفعول أوديب"،مادام  يثير قوى مجتمعية تتوخى سواء الإسراع بالواقعة التي يريد التنبؤ بها أو منعها. هذا الدليل،المستند ربما على وجهة نظر "لا طبيعية"[1]، ينهض في الواقع ضد كل "تنبؤ مطلق"، يبتغي أن يكون دقيقا مفصلا ونوعيا.

نذكر من جهة ثانية، أنه بعد صياغة بوبر لمجموعة من الانتقادات المنهجية في كتابه : بؤس التاريخانية. اقترح تفنيدا للتاريخانية أو الحتمية التاريخية، مؤكدا استحالة كل تنبؤ مطلق بالمستقبل لأسباب محض منطقية، ولأن التاريخ الإنساني في العمق، يجب التفكير فيه كشيء غير قابل للتحديد[2].

ما إن أوضح بوبر بطلان ادعاء التاريخانية بالتنبؤ، حتى استعاد ثانية مسألة منهجية العلوم الاجتماعية، مؤكدا في أطروحته على أن المنهجية التجريبية حين توظيفها داخل حقل هذه العلوم، تجابه حتما بعض الصعوبات مع تطبيقها بطريقة كمية، لكن الاختلاف بين منهجية هذه العلوم وكذا علوم الطبيعة، يكمن فقط في الدرجة. الدلائل "اللاطبيعية" عند التاريخانية غير مقنعة، لأنها تجهل بشكل خاص شروط المنهجية التجريبية في الفيزياء: لا تفترض هذه الأخيرة بأن سلوك الطبيعة ثابت.

 في الواقع، إذا كنا ننزع صوب المبالغة بخصوص تقدير التغير التاريخي، فلا يجب الاستهانة من قيمة التغيرات الفعلية للطبيعة؛ فقط كل تغير يفسر على ضوء قاعدة.

 فضلا عن ذلك،لا تفترض الفيزياء قط أنه بإمكاننا القيام بتجارب متماثلة : تختلف التجارب فيما بينها،لكننا بالضرورة نكتشف التشابهات والاختلافات عند تطبيق المنهجية التجريبية. نفس الأمر ينطبق جوهريا على العلوم الاجتماعية، مادامت التجربة في الواقع  أساسا من تجعلنا نكتشف التحولات التاريخية،بدحضها لبعض التوقعات الكونية.

 يجب إذن، أن نطرح إشكالية اقتفاء العلوم الاجتماعية لنفس أسس العلوم الطبيعة. عليها أن تسعى بطريقة تجزيئية، نحو محاولة تبيان العوامل، حسب طريقة تمكنها من تقدير نتائج تغيراتها. من الضروري، أن تحاول الوصول إلى قواعد، تأخذ شكل موانع  –باستبعادها لبعض الوقائع- وملاحظة إن كان بوسعها الصمود أمام النقد. ينبغي لها أيضا رفض الماهوية،وعدم الخلط بين الوسائل المجردة اللازم تأسيسها من أجل تفسير الواقع، وكذا الواقع نفسه : مما يعني أنها تدرك تأويل الكيانات الجماعية –الطبقات، الدولة إلخ- إلى تعبيرات فردية.

 يؤكد بوبر إذن بوضوح على مبدأ وحدة المنهجية العقلانية : "توظف كل العلوم النظرية نفس المنهجية" (أي المنهجية الفرضية –الاستنباطية)، حتى وإن كان من اللازم عدم نفي الاختلافات بين علوم الطبيعة والعلوم الاجتماعية ثم بين مختلف العلوم الاجتماعية وعلوم الطبيعة.

 

*المصدر:

Renée Bouveresse :le rationalisme critique de karl popper ;ellipses ;2000.

http://saidboukhlet.com/

[1] - يشير بوبر كدليل "لا طبيعي" للتاريخانية إلى تناقض  فكرة التقويم الاجتماعي الدقيق والمفصل، لأنه إذا أقمنا  تقويما علميا كهذا، فسيحدث مبادرات تؤدي إلى تقلب تنبؤاته(بؤس التاريخانية ص 10) . خطأ التاريخانية اللاطبيعية أنها تستنتج  بالنسبة للسوسيولوجية ضرورة استنتاجها لتنبؤات غير دقيقة وغير مفصلة، مختلفة عن المنتمية إلى حقل الفيزياء : لا ترى تميزا بين التنبؤ العلمي والتخمين التاريخي غير المشروط(  تخمينات وتفنيدات، ص39) . السوسيولوجيا مثل الفيزياء لا يمكنها التنبؤ بل إعطاء تخمينات مشروطة، أو تخمينات تقنية على نمط : (تحقيق هدف ما، يحتم الالتجاء إلى وسيلة معينة) (بؤس التاريخانية،ص44).

[2] - انظر بهذا الخصوص :

-indéterminism in classical physics and in Quantum physics 1950,

-l’univers irrésolu.

-بخصوص وجهة النظر هاته، تعتبر نظرية العالم 3 واللاحتمية، امتدادات ميتافيزيقية للنقد المنهجي للتاريخانية الذي اقترحه بوبر عام 1945 ونحاول تقديمه هنا.