الخميس  25 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

ترامب يصعّد المعركة التجارية مع أوروبا

حتى انتصار بايدن في الانتخابات لن يشفي جراح العلاقة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي

2020-07-28 10:02:42 AM
ترامب يصعّد المعركة التجارية مع أوروبا
ترامب

 

 الحدث- جهاد الدين البدوي 

نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية مقالاً للأستاذ الزائر بجامعة ويسترن واشنطن، والباحث الكبير في مجلس العلاقات الخارجية "إدوارد ألدن"، وتحدث في افتتاحيته أنه عندما يتصاعد الصراع بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بسبب التجارة، فقد لا يرتقي هذا الصراع إلى مستوى شدة الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين وتأثيره الجيوسياسي. ولكن ما تفتقر إليه النزاعات التجارية عبر الأطلسي من الدراما، فإنها تعوض عنه بتاريخ من الخلافات غير القابلة للتسوية والعناد المطلق، وهو الأمر الذي لا يبشر بالخير بالنسبة للعلاقات في المستقبل. بغض النظر عمن سيفوز في انتخابات الرئاسة الأمريكية.

يعطي ألدن مثالاً على ذلك، وهو النزاع الذي استمر لأكثر من 15 عاماً حول الإعلانات الحكومية المختلفة التي تتمتع بها شركات تصنيع الطائرات المتنافسة "إيرباص" و"بوينغ". فيوم الجمعة، أعلنت شركة إيرباص والمفوضية الأوروبية أنهما سيغيران شروط دعم الدولة في محاولة لإقناع الولايات المتحدة برفع الرسوم الجمركية التي تبلغ 7.5 مليار دولار. جاءت هذه الخطوة بعد أن صعدت واشنطن النزاع الشهر الماضي من خلال التلويح بأنها ستستهدف الاتحاد الأوروبي بنوع من الرسوم الجمركية العقابية. وبموجب ما يسمى بالانتقام الدائري أو انتقام الارجوحة، قالت الولايات المتحدة انها ستقوم بتدوير رسومها الجمركي الحالية التي تبلغ 10-25% على المنتجات الاوروبية إلى مجموعة مختلفة من البنود كل ستة أشهر، مما يؤثر على سلع مثل الشاحنات والبيرة والزيتون والجن. ولم تقل واشنطن بعد ما إذا كانت مستعدة لرفع الرسوم الجمركية رداً على الخطوة الجديدة للاتحاد الاوروبي. فالطرفان لديهما تاريخ في رفض كل منهما مبادرات الطرف الآخر.

يضيف الكاتب بأن النزاع الحالي بين إيرباص وبوينغ كان واحداً من عدة نزاعات عطلت الشراكة التجارية والاستثمارية عبر الأطلسي، والتي كان من المفترض أن تكون صفقة شاملة لمواءمة القوتين العظميين للتجارة في وقت أصبح فيه التحدي المتزايد من الصين واضحاً. ولكن في عام 2016، وبعد ثلاث سنوات و15 جولة من المفاوضات، توفي الاتفاق المزمع دون إبرام فصل واحد منه. وقد قضت المعارضة الشعبية المتنامية على جانبي المحيط الأطلسي على الصفقات التجارية التي كانت تُعتبر انتهاكات للسيادة، وقد أدى عجز بروكسل وواشنطن عن الاتفاق على الدور المناسب للتنظيم الحكومي والإعانات الحكومية، إلى القضاء على هذا الجهد. ولم يحزن سوى عدد قليل من الدول على وفاته عندما تم التخلي عن الاتفاق بهدوء، حتى قبل أن يتولى الرئيس دونالد ترامب منصبه وبدأ رد فعله المنهجي ضد التجارة.

يتابع الكاتب: واليوم، حيث يصعب التعرف تقريباً على عالم التجارة العالمية الذي كان مرتبطًا بالقواعد سابقًا، فإن فشل هذه الصفقة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يلوح في الأفق. كما أن الصين التي تزداد حزماً، والتي رفضت الرضوخ للمطالب التجارية الأمريكية – في الوقت الذي تتخذ فيه إجراءات صارمة ضد المعارضة الداخلية وفرض قانون أمني جديد على هونغ كونغ – تحتاج إلى استجابة قوية ومنسقة من الولايات المتحدة وأوروبا، اللتين تشتركان في مصالح مماثلة وتهيمنان معاً على التجارة العالمية. وبدلاً من ذلك، فإن الاثنين غارقان في معاركهما التجارية الكبيرة على نحو متزايد.

يقول الكاتب بأنه خلال الشهر الماضي كرر ترامب تهديده بفرض رسوم جمركية ضخمة على السيارات الأوروبية، تستهدف بشكل رئيس شركات ألمانية مثل فولكس فاجن ودايملر. وزعم ترامب أمام الصحفيين الأسبوع الماضي، بأن الاتحاد الأوروبي "تم تشكيله من أجل الاستفادة من الولايات المتحدة"، وكثيراً ما قال إن أوروبا "تعاملنا أسوأ من الصين". كما بدأت الولايات المتحدة تحقيقاً بموجب المادة 301، وهو القانون نفسه الذي استخدم لفرض رسوم جمركية على الصين، في الضرائب الرقمية الجديدة التي تم فرضها أو التي يجري النظر فيها في الاتحاد الأوروبي والعديد من الدول الأعضاء فيه. ووعد الاتحاد الأوروبي بدوره بالرد بالمثل على أي تعريفات جمركية أمريكية جديدة. وحذر المفوض التجاري للاتحاد الاوروبي فيل هوجان من انه يتوقع علاقة مضطربة بشكل خاص مع الولايات المتحدة في الشهور التي تسبق الانتخابات الرئاسية في نوفمبر.

يرى الكاتب بأن هذا العداء مدمر بشكل خاص ويؤدي إلى تآكل العلاقة، نظراً للقيم المشتركة بين أكبر قوتين تجاريتين في العالم، والتي ينبغي أن تكون نموذجاً لبقية العالم. إذ كان بناء نظام التجارة العالمية الحديث مشروعًا تقوده الولايات المتحدة وأوروبا على مدى عدة عقود بعد الحرب العالمية الثانية. وإذا لم يتمكن الاثنان من إيجاد سبل للتعاون – في العلاقات التجارية والاقتصادية، والدفاع، والتحديات العالمية المشتركة مثل الأوبئة وتغير المناخ – فإن آفاق النظام العالمي في المستقبل تبدو قاتمة. وبدلاً من ذلك، فإن الاثنين الآن يضربان مثالاً على كيفية عدم حل الاختلافات.

يتساءل الكاتب: كيف تتدهور العلاقة بشكل سيء للغاية، وهل يمكن معالجتها؟ إن المكان الجيد للبدء، سواء لفهم التوترات الكامنة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أو استخلاص الدروس لحلها، هو الصراع العقيم بين بوينغ وإيرباص حول الهيمنة على سوق الطائرات المدنية في العالم. فمنذ إنشاء شركة إيرباص المدعوم من الحكومة في عام 1970، في البداية كتحالف بين العديد من شركات تصنيع الطائرات الأوروبية الأصغر، كانت بطلة أوروبا ورائدة عالمية في مجال الطيران. لكن بوينغ فقدت الكثير من بريقها منذ الحادثين المميتين لطائراتها الجديدة من طراز 737-MAX في 2018 و2019، والادعاءات اللاحقة بهفوات السلامة، ولكن الشركة لا تزال أكبر مصدر للولايات المتحدة وأقرب ما يكون إلى بطل التصنيع الوطني. وقد دخلت الشركتان في صراع مميت منذ منتصف الثمانينيات، عندما انتزعت إيرباص طلبات كبيرة من شركات الطيران الأميركية مثل "Pan Am" و "Northwest" و "American". وتقول الولايات المتحدة إن شركة إيرباص نجحت إلى حد كبير بسبب التمويل السخي من الحكومات الأوروبية التي انتهكت قواعد التجارة العالمية؛ ولكن لم يتم ذلك بعد. وتقول إيرباص إن بوينغ تمتعت بفوائد مماثلة من خلال عقود البنتاغون وناسا المربحة ومختلف الإعفاءات الضريبية على مستوى الولايات.

يضيف الكاتب بأن جزء من صراع شركات الطائرات يتوقف على سؤال أساسية يبرز مرة أخرى مع صعود الصين: إلى أي مدى ينبغي السماح للبلدان بمخالفة القواعد حتى تتمكن شركاتها من اللحاق بالشركات المهيمنة على السوق؟ ولا توجد إجابة قانونية على هذا السؤال؛ لان ذلك يتطلّب تسوية تفاوضية، فمهما كانت صعوبة تلك المفاوضات، فلن تتخلى أوروبا عن طموحاتها في أن تكون قوة رائدة في مجال الطيران، كما أن الولايات المتحدة لن تسمح بشل شركة بوينغ بسبب المنافسة مع إيرباص.  ولكن بدلاً من الحل الواضح للتوصل إلى اتفاق ودي، قدمت الحكومة الأميركية شكوى إلى منظمة التجارة العالمية في عام 2004، وردت أوروبا بشكوى مضادة. وقد استمر النزاع، الذي خاضه أغلى المحامين التجاريين في العالم، لمدة 16 عاماً دون حل. وفي العام الماضي، قضت منظمة التجارة العالمية بأن الولايات المتحدة يحق لها الحصول على 7.5 مليار دولار من "التعويضات" (تتحدث منظمة التجارة العالمية عن الحق في فرض التعريفات)، ومن المتوقع على نطاق واسع أن تصدر حكماً مماثلاً لصالح إيرباص في خريف هذا العام، حيث تمنح الاتحاد الأوروبي تعريفاتها التعويضية الخاصة بها، ربما تصل إلى 10 مليارات دولار. وبعبارة أخرى، لم تحقق 16 عاماً من الصراع سوى تعريفات جديدة أضرت بالبلدان المصدرة لمنتجات غير ذات صلة، ولم تساعد أي من الشركتين. ومن غير الواضح ما إذا كانت الخطوة الأخيرة من قبل إيرباص ستؤدي في النهاية إلى حل طال انتظاره.

يشير الكاتب إلى أن هذا الفشل المدمر ذاتياً قد وضع نموذجاً للعلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وبدلاً من إيجاد حلول مقبولة من الطرفين للمشاكل التجارية، فقد وقف كل جانب في خندقه، وكثيراً ما كان يؤجج الرأي العام. هل ينبغي أن تسمح أوروبا باستيراد الدجاج الأمريكي المطهر بأمان بالكلور والذرة التي تزرع من البذور المعدلة وراثياً؟ هل تستفيد الشركات الأميركية مثل أمازون وأبل على نحو غير عادل من الاختلافات في القواعد الضريبية للشركات؟ كل هذه القضايا أصبحت مادة للمعارك التجارية الملحمية، مع عدم استعداد أي من الجانبين للتوصل إلى حل وسط أو العيش بهدوء مع خلافاتهم. وعلى غرار الأشقاء المتنافسين، خاض الجانبان نفس المعارك مراراً وتكراراً، وفي كل مرة يشعران بأنهما على صواب وأنهما يتعرضان لظلم أكثر من المرة السابقة. وخلال مفاوضات الشراكة التجارية والاستثمارية عبر الأطلسي، لم تحرز هذه البلدان سوى تقدم ضئيل في قطاعات مثل السيارات، حيث تختلف قواعد المنتجات في التفاصيل ولكنها لا يمكن أن تتباين تقريباً في التزامها بسلامة المستهلك.

يرى الكاتب بأن المعارك ستكون مسلية إذا لم تكن المخاطر عالية جداً. وقد أدى العجز عن حل هذه القضايا إلى توسيع الصدع عبر الأطلسي، وترك باباً مفتوحاً أمام بكين. فعلى سبيل المثال، تستمر الصين في استخدام الإعانات الحكومية الضخمة للاستيلاء على الأسواق العالمية في صناعة تلو الأخرى، من الصلب إلى الألواح الشمسية إلى السيارات. ونظراً لخلافاتهما بشأن الإعانات مثل تلك التي تقدم إلى إيرباص وبوينغ، فإن الولايات المتحدة وأوروبا لم تشكلا قط جبهة موحدة ضد الصين. وفيما يتعلق بقواعد المنتجات، كثيراً ما تستخدم الصين ادعاءات غير موضوعية، كما تفعل أوروبا، لمنع الواردات لأسباب تتعلق بالصحة أو السلامة المزعومة. وقد رسخت الخلافات بين الولايات المتحدة وأوروبا فكرة أن قواعد المنتجات هي مسألة وطنية بحتة، حتى لو كانت تستخدم في كثير من الأحيان عمداً لعرقلة التجارة. الضرائب على الشركات هي ساحة معركة أخرى. مع سعي الحكومات في جميع أنحاء العالم التي تتضور جوعاً للحصول على الموارد لمكافحة جائحة "COVID-19"، فإنها تحتاج إلى إيجاد طرق أفضل لفرض الضرائب على الشركات العالمية مثل أبل التي هي فعالة بشكل متزايد في تجنب الضرائب. وتهدد الولايات المتحدة وأوروبا بفرض تعريفات جمركية على بعضهما البعض بدلاً من إيجاد أرضية مشتركة.

يضيف الكاتب بأن سياسة ترامب التجارية "أمريكا أولاً" كانت مدمرة للذات على نحو خاص؛ وهو يرى في كل قضية تجارية معركة صفرية يجب على الولايات المتحدة أن تكسبها بأي ثمن، مما يحول دون حدوث أي تعاون يخدم مصالح الجانبين. ولكن ينبغي أن يكون من الواضح بنفس القدر أن فوز المرشح الديمقراطي للرئاسة جو بايدن في تشرين الثاني/نوفمبر لن يشفي كل الجراح في العلاقة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. ويتعين على القادة على جانبي المحيط الأطلسي أن يُعيدوا تعلم الدرس بأن التعاون على المدى الطويل أكثر أهمية من تحقيق مكاسب قصيرة الأجل، مهما كانت شعبية هذا الأخير بين السياسيين والناخبين وقادة الرأي الذين يركزون على الخلافات بين الجانبين. ويتعين على الولايات المتحدة وأوروبا أن تدركا أن القيم والمصالح التي تجمع بينهما – وليس أقلها الحفاظ على الرخاء والاستقرار العالمي في مواجهة الصين الصاعدة – أكبر بكثير من المشاحنات الصغيرة التي تفرق بينهما.