الجمعة  19 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

عندما تذهب للقدس/ بقلم: أسامه منصور أبو عرب

2020-08-05 08:51:19 AM
عندما تذهب للقدس/ بقلم: أسامه منصور أبو عرب
أسامة منصور

 

لا ضير من قراءة تفاصيل الأمكنة، الأزمنة، وعليك بالوجوه، فقراءة الوجوه صعوبة مُحَبّذة جداً في القدس، والقدس لا تُختصر فيما هو داخل الأسوار ولا بالأقصى المبارك أو القبة المشرّفة أو كنيسة القيامة، وإن كانت جميعها غالية على قلوبنا، كما لا تُختصر بأسواق البلدة القديمة، فالقدس عظيمة، والقدس عاصمتنا.

- شايف عندك ورق دوالي وعنب.

- تعال أجبرهن

- قديش ورق العنب يا حجة؟

- هني مش إلي لجارتي بس بتبيعو بخمسين الكيلو

ومع قدوم الحجة الثانية صار النقاش ثلاثيا

- ومن وين ورقات هالدوالي؟

- من الخضر

- طيب والعنبات؟

- من الخضر، أي هو في أحسن من عنبات الخضر

- آه يا حجة عنبتنا في دار عمي أبو عيسى بكفر جمال والله كل نسوان البلد بقطمن من ورقاتها وما يحلالك إلا هي

- فش حدا بيقول عن زيتو عكر يما

- طيب ذوقيني عنباتك (فاعطتني أربع حبات)

- عنباتنا أزكى يا حجة

- الله يديم عليكم الزكاوة والملاحة

انتهى الحوار، وغادرت الحجة وأنا أحاول استلهام قوتها وصمودها وعظمتها، فعرّجت على بائع المعجنات، وافترشت الأرض وتناولت إفطاري الذي لا يشبه أي إفطار على الإطلاق، إنه إفطار في أزقة البلدة القديمة والقدس العظيمة.

خلال جولتك ستعرف وحدك من المقدسي ومن غير المقدسي، فالمقدسيون سيماهم في وجوههم من أثر الصمود، والمقدسيون عيونهم تتقد بالحب والكراهية، والمقدسيون شامخون كأنهم الجبال الشامخات، والمقدسيون قد حُفِرت أخاديد في جلودهم من أثر العذاب اللعين، والمقدسيون توسّع بؤبؤهم ليلاحظوا كل حركة مريبة في الجوار، والمقدسيّون لا يكلّون ولا يملّون من كونهم حماة القدس.

ولكي تشعر القدس وتقرأ تفاصيلها يجب أن تكون صادقاً مُنتمياً لها حتى تستشعر هي ذٰلك، فالقدس التي مرّ بها الكثيرون، عازفة عن فتح سريرتها لكل من مَر بل لكل حر، فإذا أمِنتك وأمّنتك، حملتك في أزقتها كأنك أملها وملاذها وحِبّها وعظمتها وصمودها، ستشعر بأذرعتها الحنونة تطوّقك كأم رؤوم تدحش الطعام رويداً رويداً في فمك ثم تزغلل الماء حتى لا تشرق، وأنت وحدك حين إذن ستشتم رائحة العطر تنبعث في كل حارة وزاوية وشارع، تلكم هي دموع القدس المنسابة رقراقة عنبراً ومسكاً منذ اغتصابها.

عندما تذهب للقدس، لا تعد قبل أن تحاول قراءة كل ما فيها عنها وعن جدرانها وأزقتها وبلاطها ومظلاتها ومحالها ومنازلها ودور العبادة وبواباتها، وعندما تذهب للقدس لا ضير من شراء بعض الحاجيات من هذا وذٰاك وهذه وتلك، واجب عليك أن تشتري أي شيء، كعك القدس .. الكعك المُحَلّىٰ.. السمسمية.. البهار بأشكاله.. القراقيش.. الحمضة حلو.. ميدالية.. عقد.. إسوارة .. تحفة .. حطة .. عقال .. فستان .. أي شيء إشتري أي شيء ولا تفاصل فقط خذ معك شيء من القدس، وحَدّث كل من تمر به في طريقك أنك تحمل أشياءً من القدس المغتصبة.