الخميس  18 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

الفائز والخاسر في اتفاق السلام بين الإمارات و"إسرائيل"

2020-08-14 03:40:55 AM
الفائز والخاسر في اتفاق السلام بين الإمارات و
رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو

 

 الحدث- جهاد الدين البدوي 

نشرت مجلة "فروين بوليسي" مقالاً لكبير الباحثين المقيم مع مركز برينت سكوكروفت للأمن الدولي في المركز الأطلنطي "بلال صعب"، وتحدث فيه أنه بغض النظر عن قراءة الاتفاق الدبلوماسي الذي تم الإعلان عنه يوم الخميس بين "إسرائيل" والإمارات العربية المتحدة - وسيكون هناك بالتأكيد العديد من المؤيدين والمنتقدين نظراً لطبيعته التاريخية – يبدو أن هناك استنتاج واحد لا يمكن دحضه: إسرائيل كانت المنتصر الأكبر.

يشير الباحث صعب إلى أن "إسرائيل" وعلى وجه التحديد رئيس وزرائها المحاصر بنيامين نتنياهو، قد حقق نصراً كبيراً. مضيفاً أنه في تعليق التهديدات بضم أجزاء من الضفة الغربية مقابل تطبيع كامل للعلاقات مع الإمارات العربية المتحدة، أعطى لنفسه مجالاً للتراجع عن وعد ربما كان شعبياً ولكنه لم يكن واقعياً أبداً. وهكذا حصل نتنياهو على التطبيع مع قوة عربية صاعدة مقابل شيء لم يكن من المرجح أن يفعله ولم يكن في مصلحة "إسرائيل" على المدى الطويل. في الدوائر الدبلوماسية هذا ما تسميه انقلاباً.

يؤكد الباحث بأن الامارات حصلت على الكثير في المقابل. فمن خلال ابرام هذه الصفقة، فإنها ستعزز من مكانتها القيادية في العالم العربي ودورها الضخم في الجغرافيا السياسية. كما أن تعزيز التعاون الثنائي في قطاعات مثل الطاقة والطب والتكنولوجيا والصناعة العسكرية، سيعود بثمار كبيرة على البلدين. منوهاً إلى أن المجتمعان، الطموحان والرياديان بالفعل، سيحصلان على فرصة للعمل كفريق واحد دون الحاجة إلى القلق بشأن السياسة. السماء هي الحد الأقصى للتقدم التكنولوجي الذي سيعود بالنفع على المنطقة وربما على العالم.

يتابع الباحث: ومن المؤكد أن الشرق الأوسط ككل سيستفيد من أي تهدئة للتوترات والدبلوماسية الإيجابية. ولكن الأمر يستحق تخفيف التوقعات فيما يتعلق بآثار هذه الصفقة على الأمن الإقليمي. ففي نهاية الأمر، لم تدخل الامارات و "إسرائيل" في حرب ضد بعضهما البعض، ولم ينظر الطرفان إلى بعضهما البعض كعدوين تقليديين. لذا فإن وصف هذا الاتفاق بأنه "اتفاق سلام"، كما فعلت إدارة ترامب بالفعل، هو أمر مبالغ فيه بعض الشيء. بل إنه يمثل اعترافاً رسمياً بالعلاقات الثنائية القائمة منذ عقود. كما أنه بداية عملية دبلوماسية بشكل صريح، لذا فإن المكاسب الأوسع نطاقاً قد تستغرق وقتاً حتى تؤتي ثمارها بالكامل. كما لا يزال يتعين على الاتفاق أيضاً أن يصمد أمام المعارضة السياسية من جانب البعض في مجتمع المحافظين المتطرفين في إسرائيل. وإذا نكثت "إسرائيل" بوعودها في الضفة الغربية، فإن ذلك بالنسبة للإماراتيين انقاذ من الموقف.

يضيف الباحث بأنه ينبغي أن ينسب للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يزعم أنه توسط في الصفقة، الفضل في هذا الاختراق التاريخي، بغض النظر عن طبيعة مشاركته الشخصية. وكان دور إدارته في لا غنى عنه. وبطبيعة الحال، لن يتوقف ترامب عن التباهي بأنه قد صنع السلام في الشرق الأوسط إلا بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية في تشرين الثاني/نوفمبر. ولكن تبجيله لنفسه المستمر لا ينبغي أن يصرف الانتباه عن حقيقة أن ما حققه للتو لديه القدرة على تغيير الأمور في المنطقة. ولمرة واحدة وبطريقة إيجابية.

يقول الباحث إذا انضمت المملكة العربية السعودية إلى الاتفاق الدبلوماسي، فينبغي أن يتضاعف الثناء على الصفقة، بل وأن يتضاعف ثلاث مرات. فالمملكة العربية السعودية، وليس الإمارات العربية المتحدة، هي أكبر جائزة "لإسرائيل" من حيث الاعتراف الدبلوماسي. لأن المملكة العربية السعودية، وليس الإمارات العربية المتحدة، هي التي تتحدث تقليدياً عن العالم الإسلامي، وملكها هو خادم الحرمين الشريفين. وحينها سيحدث تأثير الدومينو العربي في اللحظة التي ستدخل فيها السعودية إلى الصفقة.

يتساءل الباحث أين الرياض من كل هذا؟

يلفت الباحث إلى أن التحركات الدبلوماسية الكبرى مثل مبادرة السلام العربية لعام 2002، التي عرضت على "إسرائيل" الاعتراف العربي الكامل مقابل انسحابها من الأراضي العربية التي احتلتها في حرب عام 1967، كانت من صلاحيات السعوديين. إنّ كون الامارات الآن في طليعة الدبلوماسية العربية الجريئة هو أمر مثير للاهتمام، لكنّه متوقّع أيضاً نظراً للمعاناة الأخيرة للسعودية بقيادة ولي عهد محمد بن سلمان.

يرى الباحث بأنه لا يوجد دليل يشير إلى أن الإمارات العربية المتحدة، في إبرامها هذه الصفقة مع "إسرائيل"، قد انفصلت عن المملكة العربية السعودية. لكن الاتفاق جعل الأمر يبدو وكأن أبو ظبي تمضي قدماً وترسم مساراً مستقلاً على نحو متزايد. أولاً، تسحب أبو ظبي قواتها من اليمن وتترك شريكها السعودي في التحالف معلقاً. وحتى لو وقعت المملكة العربية السعودية على الاتفاق، وهو احتمال تركه ترامب مفتوحاً بالقول إن الدول العربية الأخرى قد تنضم إلى هذا الاتفاق قريباً، فسوف يُذكر إلى الأبد كتابع وليس كمبادر. ولن يكون التاريخ العربي لطيفاً مع السعوديين لتخليهم فعلياً عن قيادتهم لشريكهم الأصغر سناً.

يقول الباحث ربما يكون ذلك الاتفاق رغبة سعودية، تم التنسيق له بشكل فعال مع الامارات. وربما تريد الرياض أن ترى أولاً كيف سيتم تلقي الصفقة في العالم العربي؛ والأهم من ذلك تريد مراقبة الرد الإيراني الذي يصفه الكاتب بالعدو القديم. وعلى هذا الأساس ستحدد الرياض إذا كانت ستنضم للصفقة أو ترفضها. ومن المؤكد تقريباً أن الإيرانيين سينتقدون الاتفاق، وسيصفه «الحرس الثوري الإسلامي» صاحب النفوذ؛ بأن الأمارات خائنة، لكن المهم هي الأفعال. وقد يكون هذا ما ستنتظره الرياض.

يتابع الباحث: من الجدير بالذكر أيضاً أن السعوديين في موقع مختلف تماماً عن الإماراتيين عندما يتعلق الأمر بـ "إسرائيل". وشملت الصفقة الحد الأدنى من المخاطر على الإماراتيين محلياً. ليس الأمر كذلك بالنسبة للسعوديين. إذا كان النظام يحتضن "إسرائيل" من قبل– دون أن يكون هناك اتفاق سلام بين "الإسرائيليين" والفلسطينيين يحسم قضية القدس – قد يثور الشعب السعودي، أو على الأقل سيثور رجال الدين في البلاد، وهذا أمر لا يستطيع محمد بن سلمان تحمله.

يضيق الباحث أن كل ما ركز عليه ولي العهد الشاب منذ إطلاق مشروعه الذي أطلق عليه اسم "رؤية السعودية 2030" يحد من دور وسلطة شيوخ المملكة المحافظين. مشيراً إلى أن تصور التخلي عن القدس لصالح "إسرائيل" يدفع نفوذ رجال الدين إلى آفاق جديدة. بل إنه قد يعيد التشدد والتطرف، الذي عاث فساداً في البلد في عام 1979 ثم مرة أخرى من عام 2003 إلى عام 2004.

بقول الباحث أن هناك الكثير من الأمور المخفية في هذا الاتفاق، الذي ظل طي الكتمان بأعجوبة حتى أصدر ترامب بيانه. ولكن هناك شيء واحد مؤكد هو أن علاقات القوة في العالم العربي قد تحولت بقوة لصالح دولة أصغر: الإمارات العربية المتحدة ومنافستها قطر. فالمملكة العربية السعودية مشغولة بعملية انتقالها الدقيق، وقد تلاشت هيبة مصر منذ فترة طويلة.

يختتم الكاتب مقالته بالقول: " وبقدر ما تستحق هذه الصفقة من الثناء، فإن التحدي النهائي والأكثر قيمة للشرق الأوسط لا يزال يتمثل في الحد بشكل كبير من التوترات مع إيران. وإذا لم تنفجر العلاقات بين أبو ظبي وطهران نتيجة لذلك -بالرغم من أن علاقتهما كانت جيدة مؤخراً- فإن الإماراتيين سيكونون قادرين على التوسط بشكل أكثر فعالية بين "الإسرائيليين" والإيرانيين، وهو دور لعبه العمانيون تاريخياً. وقد لا يحقق المتشددون في طهران السلام مع "إسرائيل"، لكنهم بالتأكيد لديهم مصلحة في وقف حرب واسعة النطاق. ويمكن أن تساهم دبلوماسية أبو ظبي الذكية والانتهازية مع "إسرائيل" في هذا الصدد، بل وأن تغير المنطقة إلى الأبد".