الجمعة  29 آذار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

طعنة إماراتية في الظهر الفلسطيني لها ما قبلها وما بعدها/ بقلم: سامي سرحان

2020-08-16 01:39:01 PM
طعنة إماراتية في الظهر الفلسطيني لها ما قبلها وما بعدها/ بقلم: سامي سرحان
إضاءة علم الإمارات على منبى بلدية تل أبيب

 

 إعلان الرئيس ترامب عن اتفاق الإمارات المتحدة وإسرائيل على تطبيع العلاقات بين البلدين وإقامة علاقات دبلوماسية كاملة؛ خطوة مستفزة وجديدة لإدارة ترامب أخرج فيها العلاقات الإماراتية الإسرائيلية من السر إلى العلن.

اعتبرت الخطوة الإماراتية طعنة ثانية في الظهر الفلسطيني، وكانت الطعنة الأولى ما أقدم عليه المغدور أنور السادات قبل أربعين عاما حين فتح أبواب مصر للعدو الإسرائيلي وأخرج مصر من المواجهة مع الكيان الإسرائيلي دون أن يجني السادات ومن خلفه من حكام مصر السمن والعسل الموعود كنتيجة للاستسلام للمحتل الإسرائيلي. ووقف شعب مصر الأبي رغم كل الفقر والمرض الذي جره اتفاق كامب ديفيد عليه؛ وقفة شامخة رافضة للتطبيع مع إسرائيل، وظل التطبيع حكرا على حفنة من الرسميين الذين لم يدركوا حتى الآن أهمية مصر ودور مصر في قيادة الأمة العربية والتصدي للمشروع الصهيوني الذي يستهدف مصر وغيرها من الأقطار العربية بنفس المقدار الذي يتهدد فلسطين والقضية الفلسطينية.

 وبالتالي تأتي إشادة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي المتسرعة باتفاق الإمارات وإسرائيل خارج سياق رغبة شعب مصر وخطوة في غير محلها تتعارض مع المبادرة العربية للسلام والشرعية الدولية. ولا يرضى شعب مصر وكل من يرى في مصر حصنا للأمة العربية أن يكون الرئيس السيسي أول من بادر بالترحيب بالاتفاق الثلاثي المشؤوم أو من يرتهن القرار المصري لإدارة محمد بن زايد وأنور قرقاش، خاصة عندما يرصد التحديات الكبرى التي تنتظر مصر وحياة شعبها بحبس مياه النيل وراء سد النهضة الإثيوبي وتهديد حدودها الغربية ومياهها الإقليمية في شرق المتوسط وشمالها.

المحتفلون بالإعلان عن التطبيع بين الإمارات وإسرائيل كشفوا أمرين هامين؛ الأول أن الإمارات أبدت موافقتها على الاتفاق قبل عام ونصف، وما أجل الإعلان عنه هو فشل بنيامين نتنياهو في تشكيل حكومة إسرائيلية طوال هذه المدة، والثاني أن الإمارات لن تكون الدولة العربية والإسلامية الوحيدة التي تقدم على تطبيع علاقاتها مع إسرائيل. وقد بدت التكهنات حول من ستكون الدولة التالية للإمارات في إقامة العلاقات الدبلوماسية والأمنية والاقتصادية والتجارية مع إسرائيل واستقر رأي المتابعين على أن مملكة البحرين ستكون التالية ثم سلطنة عمان وسودان عبد الفتاح البرهان، وأحجم نتنياهو عن ذكر أسماء الدول التي ستحذو حذو الامارات واكتفى بالقول إنها دول عربية عدة لا داعي لذكرها الآن.

الإمارات دولة بعيدة نوعا ما عن دول الطوق التي للأسف لم تعد دول طوق وإنما أصبحت دولا تربطها معاهدات سلام مع الكيان الإسرائيلي، ولم تدخل الإمارات في حرب أو مواجهة مع إسرائيل أو يُحتل جزء من أراضيها حتى تعقد معاهدة سلام مع إسرائيل وإذا كانت الإمارات تعتقد أن بإمكانها استعادة جزرها المحتلة طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى وتحمي أبراجها وناطحات السحاب فيها من إيران؛ تكون كمن يجري وراء السراب، فإسرائيل تأخذ ولا تعطي وتعاونها الأمني مع الإمارات سيجر مزيداً من الويلات على أبو ظبي وحكامها وأبراجها، ما تريده إسرائيل من الإمارات هو أموالها وتحويل جزء منها من البنوك الأمريكية والبريطانية إلى البنوك الإسرائيلية للاستثمار في إسرائيل خاصة في هذه الفترة التي أثر فيها فيروس كورونا على الاقتصاد الإسرائيلي وارتفعت فيها نسبة البطالة.

وثمة من يربط بين الإعلان عن الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي والانتخابات في كل من الولايات المتحدة وإسرائيل، إذ تشير الاستطلاعات الأمريكية إلى تدني حظوظ دونالد ترامب بالفوز بفترة رئاسية ثانية وتفوق جو بايدن عليه، خاصة بعد أن اختار السيناتور كاميلا هاريس سمراء البشرة نائبة له لتخوض الانتخابات إلى جانبه، إضافة إلى أزمة كورونا التي يتحمل دونالد ترامب المسؤولية عن تفشي المرض في الولايات المتحدة لتأخره في التعامل مع الأزمة واستهتاره بحياة ملايين الأمريكيين، وإلى جانب أزمة كورونا ثمة أزمة اقتصادية غير مسبوقة في الولايات المتحدة، وكان ترامب يراهن على الاقتصاد الأمريكي كرافعة لإعادة انتخابه لولاية ثانية، خاصة بعد أن سطا على أموال العربية السعودية والإمارات وقطر وسرق مئات مليارات الدولارات من أموال شعوب هذه الدول التي كادت أن تمر بحالة إفلاس مالي بعد انهيار أسعار النفط إلى الصفر. وفوق الأزمتين الصحية والاقتصادية، ثمة أزمة الاضطرابات العرقية التي تجتاح الولايات المتحدة والمظاهرات المنددة بالسياسة العنصرية التي ينتهجها ترامب بعد مقتل الأمريكي من أصل أفريقي جورج فلويد، ولكل هذه الاعتبارات اضطر ترامب أن يعلن عن اتفاق الإمارات وإسرائيل قبل أقل من ثلاثة أشهر على موعد إجراء الانتخابات الرئاسية في الثالث من تشرين الثاني القادم، واعتبره إنجازا لسياسته الخارجية، ولعله يحظى بدعم اللوبيات اليهودية في الانتخابات التي لم تظهر ارتياحها لصفقة القرن وسياسة الضم التي تبناها ترامب، لأن من شأن هذه السياسة إدامة الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي لعقود قادمة طالما لم تلبي الحقوق الفلسطينية.

ويدرك المتابعون للانتخابات الأمريكية، أن الناخب الأمريكي لا يهتم بالشؤون الخارجية عندما يدلي بصوته وأن ما يهمه هو الوضع الاقتصادي الأمريكي وما يدخل إلى جيبه من دولارات، وهل تتوفر له الوظيفة والرعاية الصحية وتخفض عنه الضرائب.

ونفس الاعتبارات تحكم موقف نتنياهو من الاتفاق مع الإمارات، فالقضاء يلاحق بنيامين بالفساد وسوء الائتمان والرشوة، وأزمة كورونا ضربت الاقتصاد الإسرائيلي ورفعت نسبة البطالة في إسرائيل وفقد ملايين الإسرائيليين مصادر رزقهم، ويقف نتنياهو على رأس حكومة ائتلافية هشة تقيد تحركاته ولم يجد غير اتفاقه مع الإمارات ليقدمه كإنجاز هام في مواجهة خصومه ويفاخر بسياسة القوة التي تفرض السلام ورفض مبدأ الأرض مقابل السلام وحل الدولتين، ولا يبالي إن امتد الصراع مع الفلسطينين لأجيال قادمة، والمهم عنده الصراع أن يبقى في رئاسة الحكومة كي لا يدخل السجن ويتجاهل المظاهرات التي تحيط بمقر إقامته وزوجته سارة وابنه العاطل عن العمل.

وإذا كانت هذه اعتبارات ترامب ونتنياهو للإعلان عن الاتفاق مع الإمارات؛ فما هي اعتبارات محمد بن زايد القابع في مكان قصي عن إسرائيل سوى أن يسجل كخائن للأقصى والقدس وفلسطين ورفع علم الإمارات إلى جانب علم إسرائيل على بلدية تل أبيب.