الخميس  28 آذار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

ما هو النظام الدولي الذي تريده الصين؟

2020-09-22 01:26:05 PM
ما هو النظام الدولي الذي تريده الصين؟
الجيش الصيني

الحدث- جهاد الدين البدوي

نشر موقع "politica exterior" مقالاً لخافيير باروندو الرئيس التنفيذي لشركة "Casa Asia" وتحدث فيه بأن التغيرات الناجمة عن الانتشار العالمي لجائحة كورونا لن تؤدي إلى تغيير جذري في النظام الدولي، إلا أنها تمثّل اختبار ضغط للمجتمع العالمي. فيما تسعى بكين لاحتلال مكانة تتناسب مع نموها الاقتصادي ونفوذها الإقليمي.

يشير الكاتب إلى أن ظهور الجائحة يشكل تحدياً للنظام الليبرالي الدولي. على الرغم من أن التغييرات الناتجة عن الانتشار العالمي لفيروس "Covid-19" لن يغير بشكل جذري أسس النظام الذي ظهر بعد الحرب العالمية الثانية، إلا أنها اختبار ضغط للمجتمع العالمي المعاصر.

يوضح باروندو أن حدة الأزمة وامتدادها المتوقع مع مرور الوقت يشكلان كما أشار العديد من الخبراء إلى "مفاجأة استراتيجية" مماثلة لسقوط جدار برلين عام 1989 أو الازمة المالية لعام 2008.

يطرح الكاتب مثلاً على ذلك: كان التشكيك في نموذج العولمة والتباطؤ في تدفقات التجارة الدولية حدث بالفعل قبل تفشي الفيروس في الصين. فقد تراجعت نسبة مساهمة التجارة الدولية في الناتج المحلي الإجمالي خلال العقد الماضي (61% في عام 2008 مقارنة بـ 59% في عام 2018)، وكذلك الاستثمار الأجنبي المباشر (3.8% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2008 مقارنة بـ 1.4% فب عام 2018). وتعد هذه البيانات بشكل جزئي نتاج للأزمة المالية التي وقعت عام 2008، بالإضافة إلى الكوارث الطبيعية مثل زلزال اليابان والتسونامي الذي ضرب اليابان عام 2011، والنزعة الحمائية المتنامية في الولايات المتحدة. ومن المتوقع أن يتزايد انتشار فيروس "Covid-19" هذا الخريف، وبالتالي سيبدأ النقاش حول إعادة بعض الصناعات إلى الوطن وتكريس مفهوم الامدادات الاستراتيجية (حالياً يتم انتاج 80% من المكونات النشطة لتصنيع الأدوية في الصين والهند) والحد من سلاسل التوريد.

ووفقاً للتعريف الكلاسيكي لجون إيكنبيري، فإنه يتألف النظام الليبرالي الدولي سيتألف من "نظام مفتوح تجسده مؤسسات مثل الأمم المتحدة ويقوم على قواعد مثل التعددية". ومن المفارقات أن تعميم هذا النظام في بداية هذا القرن ساهم في بداية اضمحلاله الآن، ويرجع ذلك أساسًا إلى أن النواة الصلبة لهذا النظام المتمركزة بالأساس في (الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان) لم تعد تهيمن على الاقتصاد العالمي. ويرجع ذلك إلى انضمام الصين وروسيا إلى منظمة التجارة العالمية في عام 2001 و2012 على التوالي. وظهور سلسلة من التناقضات التي بدأت تقوض أسسه على غرار (اتهامات باتباع مبدأ الكيل بمكيالين تجاه الغرب، والتدخلات في بلدان العالم الثالث دون موافقة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وإنشاء المحكمة الجنائية الدولية)، أدى كله إلى جعل بعض الدول تشكك في النظام الدولي الليبرالي من قبل تلك الدول، ولكن المشكلة الكبرى تتمثل في عجز الدول التي ساهمت في إنشائه، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، عن الدفاع عنه بشكل صحيح.

يتابع الكاتب: وفي هذا الصدد، فإن الإدارة الأميركية الحالية مقتنعة بأن النظام الذي ظهر في عام 1945 لم يعد يخدم مصالحها الوطنية على النحو الكافي، بل على العكس من ذلك، أصبح يخدم مصالح القوى الناشئة، وخاصة الصين، التي تعترف أبداً بالقيم والمبادئ التي قام عليها النظام الدولي. ومن هنا، نشأت المواجهة الحالية بين واشنطن وبكين، والتي ستمثل بلا شك معنى القرن الحادي والعشرين.

"مجتمع المصير" في الصين:

يقول الكاتب بأنه على الرغم مما يبدو للوهلة الأولى، فإن الصين لا تنوي استبدال النظام الدولي الحالي، الذي استفادت منه بشكل كبير في السنوات الأخيرة، ولكنها تسعى لتعزيز مكانتها على الصعيد العالمي، تمشياً مع نموها الاقتصادي غير العادي في السنوات الأخيرة ونفوذها الإقليمي. وقد انعكس ذلك في خطاب الرئيس شي جين بينغ في عام 2013 حول إنشاء "مجتمع المصير المشترك للبشرية"، وبالرغم من غموضه إلا أنه لا يتحدى أسس النظام الحالي.

ووفقاً للكاتب فإن المشروع الصيني سيستند إلى حد كبير على ثلاث أفكار: عالم متعدد الأقطاب مع تعدد مراكز القوة حيث تتوقف الولايات المتحدة عن لعب دور القوة المهيمنة فيه، وعالم متعدد الأطراف حيث لا يوجد بلد يحدد جدول الأعمال العالمي وإنما يكون ذلك بالإجماع، وعالم تعددي يقبل أشكالًا مختلفة من الحكم وليس فقط الديمقراطية الليبرالية.

يضيف الكاتب أنه في الحالة الأولى، تحاول الصين استعادة المكانة التي تعتقد أنه ما كان ينبغي أن تخسرها أبدًا، خاصة في آسيا. وهذا ما يفسر الشعار الذي أطلقه شي بنفسه في سنة 2014 "آسيا للآسيويين"، لكن دون أن تحل الصين محل الولايات المتحدة الأمريكية في بقية العالم.

أما في الجانب الثاني، فإن الصين، مع احترامها لمبادئها الأساسية، تعمل منذ فترة على تعزيز فكرة "التعددية ذات الخصائص الصينية" التي تحاول بشكل منهجي إدماج لغتها في القرارات وغيرها من الوثائق، وبالتالي تآكل المبادئ المقبولة عالميا. فيما تمثل المصطلحات الصينية إشكالية خاصة في مجال حقوق الإنسان لأنها تشكك في عالمية هذه الحقوق وعدم قابليتها للتجزئة وترابطها. وثالثًا، من حيث التعددية، تريد الصين تصدير نموذج اقتصادي غير مرتبط بالديمقراطية التمثيلية، ويدافع عن مبدأ السيادة الوطنية.

يوضح الكاتب بأن الفكرة الرئيسة من وراء هذه المبادئ الثلاثة هي الانفتاح على العالم الخارجي، نظراً لأن عزلة الصين في منتصف القرن التاسع عشر كانت سبباً في سقوط حكم أسرة تشينغ وبداية ما يسمى بـ "قرن الإهانة" الذي بدأ مع حرب الأفيون الأولى سنة 1839 وانتهى سنة 1949 بإعلان تأسيس الجمهورية الشعبية. وهكذا، وفقا للفكر الصيني، كان من الممكن أن يتبع قرن الإذلال أو الاهانة قرن الانتعاش، الذي سيبلغ ذروته في عام 2049 مع عودة "الحياة الطبيعية التاريخية"؛ أي إعادة وضع البلد في طليعة العولمة، والتغير التكنولوجي ومجتمع المعرفة الذي يميز القرن الحادي والعشرين.

النموذج البديل

يقول الكاتب إنه مع انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية، اعتقد الكثيرون أن مرحلة "إرشاد الصين" قد بدأت. كانت الفكرة الضمنية في ذلك الوقت هو دمج الصين في الساحة الدولية بعد الجهود التي بذلها هنري كيسنجر وريتشارد نيكسون في سبعينيات القرن الماضي، الذي كان من المقرر أن يؤدي إلى تحرير ذلك البلد اقتصادياً وسياسياً، وفقًا للشرائع الغربية. كل هذا كان من شأنه أن يحول الصين إلى شريك مسؤول في النظام الدولي تحت إشراف الولايات المتحدة.

ووفقاً للكاتب فقد أيدت عدد من النظريات هذا النهج: ان التنمية الاقتصادية تنطوي على التحرير السياسي، وهذا بدوره لا يمكن أن يتحقق إلا عبر قنوات التجارب الغربية، وأن الابتكار لا يمكن أن يحدث إلا في اقتصاد السوق. ولكن ثبت خطأ هذه النظرية أو بالأحرى كانت تتطلب "أطرا زمنية آسيوية" وليس أطر غربية حتى تؤتي ثمارها. والحقيقة في الوقت الراهن هي أن الصين، بسبب تجربتها التاريخية (5000 سنة من التقاليد الاستبدادية)، وبسبب إطلاق سلسلة من المبادرات، مثل مبادرة الحزام والطريق (المعروف باسم طريق الحرير الجديد)، والتي تروج لأفكار عالمية جديدة، تقترح نماذج بديلة للنظام الليبرالي الدولي.

يضيف الكاتب أن الغرب يجب أن يواجه هذا التساؤل دون انزعاج، وأن نقدم التسوية للبلدان التي لا تجد النموذج المقترح ملائماً لها. ولكن كنقطة بداية لا بد من الاعتراف بأن النظام الدولي الحالي لا يعكس على نحو مرضٍ التغيرات التي حدثت منذ أن تم تصوره، وأنه يحتاج إلى تعديلات تحول دون تدهوره أو حتى اختفائه. وهكذا فإن الخطر في حالة الجمود هو أن البلدان التي لا يمثلها النظام الحالي تعمل على انشاء مؤسسات دولية جديدة تحل محل المؤسسات القائمة، والذي يتم الحديث عنه الآن فيما يتعلق بالحرب التجارية والتكنولوجية بين الصين والولايات المتحدة.

يقول عالم السياسة مارك ليونارد، أنه عندما كان الغرب وخاصة الولايات المتحدة تحكم العالم "كان النظام الليبرالي مسيطراً إلى حد ما"، لكن مع انتقال القوة العالمية من الغرب إلى "بقية العالم"، أصبح النظام الليبرالي الدولي مفهومًا مثيرًا للجدل وزاد التشكيك في أسسه.

يختتم الكاتب مقالته بالقول: " وعلى هذا الأساس، ونظراً للمركزية الجديدة في آسيا والتطلعات المشروعة للدول التي تسعى، مثل الصين، إلى أن تأخذ مكانة بارزة على الساحة الدولية، ينبغي أن يكون من الممكن الشروع في الانتقال إلى نظام دولي متجدد ـ لا يخلو من التوتر. وفي هذا الإطار، فإن الصين مدعوة إلى القيام بدور أكثر أهمية، وإلى أن تقود مع الاتحاد الأوروبي، باعتباره الحصن الرئيس لتعددية الأطراف، حركة للدفاع عن العولمة البناءة، على أساس المعايير الدولية".