الجمعة  19 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

مجلة أمريكية: أمريكا تنجرف نحو مستقبل مشابه للعراق

2020-11-16 09:42:44 AM
مجلة أمريكية: أمريكا تنجرف نحو مستقبل مشابه للعراق
أرشيفية

الحدث- جهاد الدين البدوي

نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية مقالاً لزميل أقدم في زمالة "إيني أنريكو ماتي" لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا في مجلس العلاقات الخارجية ستيفن أ. كوك، أكد فيه أنه بمجرد أن يفقد بلد ما إحساسه بالهوية الوطنية، فإن التفكك الوطني أمر غير مستبعد.

يقول كوك في افتتاحية مقاله: خلال رحلة إلى العراق قبل بضع سنوات، قضيت بعض الوقت في السليمانية، حيث التقيت بمجموعة من طلاب الجامعات الأكراد من بين مجموعة متنوعة من الأشخاص المثيرين للاهتمام. في مرحلة ما من حديثنا، سألت الطلاب: "ما هي مجموعة الأفكار والمبادئ والتاريخ والسرد الوطني الذي تشاركه مع طلاب الجامعات في بغداد أو البصرة؟" وكان جوابهم الجماعي، "لا شيء". لقد أدهشني أن هذا هو لب مشكلة العراق. وإذا لم يتمكن العراقيون من الاتفاق على مجموعة مشتركة من الأفكار حول ما يعنيه أن تكون عراقياً، فإن البلاد تبدو وكأنها موجودة في حالة ممتدة من الانهيار النهائي.

يلفت الكاتب الانتباه بأن مقالته ليس بهدف اثبات أن حال الولايات المتحدة مثل حال العراق. ولكن الأميركيين لم يكونوا أبداً مختلفين عن بقية العالم كما يعتقدون. وكما هو الحال في العديد من البلدان الأخرى، في الشرق الأوسط وأماكن أخرى، يجب على الولايات المتحدة أن تواجه الحالة المرضية لهويتها.

يتابع الكاتب: وعلى وجه التحديد، أشير إلى الهوية الوطنية – وهي الطرق التي يعرّف بها الأميركيون أنفسهم، وعلاقتهم بالدولة، وعلاقاتهم ببعضهم البعض. بالطبع، لدينا جميعاً ما يسميه علماء الاجتماع "مخزن الهوية"، التي نؤكد على أجزاء منها في أوقات مختلفة بناءً على الظروف.       المفيد هنا هو الاسم المعروض لصديق قديم على تويتر، "abu el gamecock"، الذي يعكس أنه أمريكي من أصل مصري نشأ في ولاية كارولينا الجنوبية وهو من أشد المعجبين بفريق"Gamecocks" بكرة القدم في جامعة كارولينا الجنوبية. وكما أوضح لي قبل سنوات عديدة، فهو أميركي عندما يكون بين المصريين، وعربياً بين الأميركيين، ومصريًا بين العرب.

ينوه كوك أنه كثيراً ما يستخدم القادة السياسيون الهوية لتعزيز مصالحهم الخاصة أو مصالح بلدهم. بعد وصوله إلى السلطة في مصر، سعى عبد الفتاح السيسي إلى إعادة صياغة القومية المصرية بطريقة نفى عدوه اللدود، جماعة الإخوان المسلمين، من الانتماء الوطني. وفي بعض الأحيان، صاغ القادة السعوديون والإيرانيون تنافسهم الإقليمي من حيث الهوية الدينية. المشكلة، بالطبع، هي أنه من الصعب جداً التفاوض وحل النزاعات عندما يتم التعبير عنها على أنها صراع بين السنة والشيعة.

يتساءل كوك: ما علاقة كل هذا بالولايات المتحدة؟ أنا وثيق الصلة بشكل كبير جداً، فعندما كنت في السليمانية أتحدث مع طلاب الجامعات الأكراد، أتذكر أنني كنت أفكر في مدى اختلاف النظرة بين الأكراد العراقيين والعرب العراقيين عن الأميركيين. لقد كانت لدي قناعة راسخة أنه على الرغم من أنني جئت من منطقة متميزة في الولايات المتحدة وكان لدي تاريخ عائلي متميز، إلا أنني ما زلت أشارك أشخاصاً آخرين في جميع أنحاء البلاد بالأفكار الأساسية حول ما يعنيه أن أكون أميركياً. بالطبع، أدركت أن هذا كان ساذجاً بعض الشيء، وهو في حد ذاته نتاج تجاربي وتعليمي الفريدين، بالنظر إلى كيف يستمر الملونون والنساء والمهاجرون وغيرهم في مواجهة الظلم. ومع ذلك، لا أعتقد أنني كنت ساذجاً جداً في اعتقادي (أو ربما كان الأمل) أن أعداداً كبيرة من الأميركيين يمكن أن يتفقوا على روح تأسيس البلاد والشعور بأنه، حتى لو لم نرتقِ إلى تلك الروح، فإننا نريد مع ذلك أن نسعى جاهدين لتحقيقها.

يتابع كوك: وقد ثبت ذلك من خلال الصداقات التي كانت تربطني بأشخاص لم يكن لدي معهم سوى القليل من القواسم المشتركة وأختلف معهم حول جميع القضايا السياسية تقريباً. يضرب كوك مثالاً على ذلك، زميل لي من الغرب الأوسط الأعلى في البداية كانت وسائلنا الوحيدة للاتصال هي الشواهد الثقافية لكوننا مراهقين في الثمانينيات - وهي جزء من مخزون هويتنا. ومع ذلك، اكتشفنا مع مرور الوقت أننا نؤمن بالعديد من المبادئ والأفكار الأساسية نفسها التي تقوم على أساس هويتنا كأمريكيين - الحرية، وسيادة القانون، وتكافؤ الفرص، على سبيل المثال لا الحصر - على الرغم من أننا نصوت بطرق مختلفة جداً.

يضيف كوك: ولكنني في الآونة الأخيرة، أصبحت أتشكك فيما إذا كان هذا صحيحاً بالمعنى العام. هل يشترك عدد كافٍ من الأميركيين في الشعور بالانتماء الوطني بأننا لا نزال بإمكاننا الإشارة إلى هوية وطنية مشتركة؟ هل فعلنا ذلك؟ على مدى السنوات الأربع الماضية، كشف الرئيس دونالد ترامب عن جوانب من المجتمع الأميركي، وتعمقت في ذلك، وهي جوانب تزرع الشكوك في ذهني.

يقول الكاتب: لقد قرأت مؤخراً كتاباً عن الولايات المتحدة حتى وصولها للحرب الأهلية وخلالها. إن أوجه التشابه بين وضعنا الحالي والفترة السابقة للحرب صارخة ومزعجة. ولكنني كنت أعتقد منذ فترة طويلة أن التجارب والانتصارات اللاحقة في البلاد - إعادة الإعمار، والحرب العالمية الأولى، والأزمة الاقتصادية العظمى، والحرب العالمية الثانية، وحركة الحقوق المدنية، والحرب الباردة، والعولمة، والثورة التكنولوجية - تربط البلاد معاً من خلال صياغة هوية مشتركة. وقد أنتج ذلك التاريخ أساطير حول المشروع القومي الأميركي يمكن للجميع المشاركة فيها.

يوضح الكاتب: لم تكن الرواية الوطنية الأميركية دوماً من الاشياء المشرقة، والتي صورها الرئيس رونالد ريغان في برنامج "صباح يوم في أميركا". لقد فشلت عملية إعادة الإعمار، وما زلنا نعيش مع إرث جيم كرو. إن سياسات الهجرة الحالية في أميركا تشكل وصمة عار على البلاد. وعلى الرغم من النجاح الملهم الذي قامت به نائبة الرئيس المنتخبة كامالا هاريس، لا تزال النساء أقل أجوراً، ولا يقدروهنَ حق قدرهنَ، وغالباً ما يُساء معاملتهن في مجالات كثيرة جداً من الحياة الأميركية. ولكن السرد المشبع بالأساطير الذي أصبح محورياً في الهوية الأميركية خدم غرضاً توحيدياً مهماً. فمن بين أفضل المظاهر المادية لتلك الهوية – كما أراد بناتها أن تكون – جسر أرلينغتون التذكاري الذي يربط واشنطن، بـ "فيرجينيا"، مع نصب لنكولن التذكاري في أحد طرفيه، ومقبرة أرلينغتون الوطنية ومنزل روبرت إي لي في الطرف الآخر.

ومرة أخرى، في حين يتم تجاهل العديد من الأميركيين من قبل رمزية الجسر المقصودة، فإن شكل هذه اللفتة نحو الوحدة والهوية المشتركة هو الذي من المهم الحفاظ عليه. ويخضع الجسر لأعمال بناء على مدى السنوات القليلة الماضية، ولكن ما يعنيه رمزياً يبدو أنه قد ضاع. ونظراً لعدم قدرتنا على إجراء حوار، فإنه يبقى السؤال مفتوح حول ما إذا كان الأميركيون يريدون حتى صياغة هوية مشتركة.

يختتم كوك مقالته بالقول: هناك أوجه تشابه مقلقة مع طريقة تفكير من تحدثت إليهم في السليمانية بشأن بلدهم. فقد عانى هؤلاء المواطنون وغيرهم في أماكن أخرى من البلاد من عواقب وخيمة نتيجة عدم قدرتهم على الاتفاق على ما يعنيه أن يكونوا عراقيين، لدرجة رفض الفكرة نفسها في حالة العديد من الأكراد. وقد تجلت الهوية المتنازع عليها في الشرق الأوسط في عدم الاستقرار السياسي والعنف والصراع الأهلي. والأميركيون - على الرغم مما نقوله لأنفسنا عن الاستثنائية - ليسوا بمنأى عن مصير مماثل.