الخميس  25 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

مؤسسة الأيتام يتيمة.. أزمة مالية تعصف بصرح تعليمي مقدسي

2020-11-25 03:47:41 PM
مؤسسة الأيتام يتيمة.. أزمة مالية تعصف بصرح تعليمي مقدسي
نصب تذكاري لكلمات المقدسية هند الحسيني في مؤسسة دار الطفل

الحدث - سوار عبد ربه

للقدس مع العلم حكاية بدأت سطورها في عهد الفاطميين، لكنها تركزت مع تحرير صلاح الدين الأيوبي للمدينة عام 1184م، ليحذو الأيوبيون حذوه، فأسسوا المدارس وأكثروا منها، وبعدهم المماليك فالعثمانيين فالإنجليز وصولا إلى العصر الحالي في ظل الاحتلال، حيث احتضنت القدس بتاريخها القديم والمعاصر أهم المراكز التعليمية في فلسطين.

واحد من أهم هذه الصروح مؤسسة دار الطفل العربي التي تأسست على يد المناضلة المقدسية هند الحسيني عام 1948.

هذه المؤسسة التي ذاع صيتها الحسن منذ نشأتها لما قدمته من أعمال خيرية وتعاونية لا تعد ولا تحصى، تتصدر أخبارها اليوم مواقع التواصل الاجتماعي بأنباء ليست سارة عن ضائقة مادية عصفت فيها بسبب جائحة كورونا، التي عكرت صفو العالم أجمع وضربت اقتصاد الدول والمؤسسات عامة.

وفي هذا الشأن قالت رئيسة مجلس الأمناء في دار الطفل ماهرة الدجاني لـ"الحدث"، إن جائحة كورونا التي عمت العالم هي من تسببت بالأزمة المالية الحالية للمؤسسة.

وأضافت: دار الطفل العربي هي جمعية خيرية "تعتمد على تبرعات أهل الخير وليس لنا مصدر ثابت ودائم نصرف من خلاله، فاعتمادنا الأساسي على الرسوم المدرسية وعلى أهل الخير الذين كانوا دائما سباقين، ولم نحتاج في المراحل السابقة مساعدة أي إنسان".

وتابعت: "تأسست مدرسة دار الطفل عام 1948 أي منذ 73 عاما، وحتى الآن لم نطلب مساعدة أحد في مصاريفنا الجارية، وفي حال احتجنا مبلغا سيكون للمشاريع التي يتواجد من يتبناها دائما".  مضيفة: قبل أسبوع جاء القنصل التركي وتبنى مشروع الخلايا الشمسية للمدرسة، وقبلها بعامين كان لنا مشروع مع الصندوق العربي في الكويت وبنك التنمية الإسلامي في جدة.

وأردفت: عدد طالبات المدرسة 1200 طالبة بينهن 85 من الأيتام، فالهدف الأهم للمؤسسة هو رعاية الأيتام وتدريبهم وتأهيلهم وتعلميهم للاعتماد على أنفسهم.

وفي المدرسة قسم داخلي تعيش فيه اليتيمات منهن، وتتوفر لهن كل سبل الراحة والإمكانيات لحياة كريمة.

وقالت الدجاني: "في القسم الداخلي نهتم فيهن من جميع النواحي، حيث نوفر لهن بيتا آمنا وعناية صحية، تربوية، أكاديمية، نفسية، وترفيهية، حتى الزي المدرسي وملابس الرياضة والملابس الصيفية والشتوية. أما الطالبات ممن لا يرغبن في الإقامة في المدرسة، فهن معفيات بالكامل من الرسوم المدرسية.

ولا أهداف ربحية للمدرسة بحسب الدجاني، "لدرجة أنه إذا قدمت طالبتان للتسجيل في صف واحد ولا إمكانية سوى لطالبة واحدة إحداهن يتيمة والأخرى مقتدرة، لليتيمة أفضلية على المقتدرة".

وتتألف المدرسة من عدة أقسام، ففيها حضانة وروضة أطفال مكونة من 7 شعب، وفي المدرسة ككل 25 شعبة.

كما أن المدرسة تعفي الحالات الاجتماعية الصعبة من الرسوم الدراسية أو تسمح لهن بالتقسيط المريح، ليصبح المجموع الكلي للطالبات اللواتي يتعلمن بشكل مجاني 200 طالبة تقريبا.

وأشارت الدجاني إلى أن قسط العام الدراسي في المدرسة 6000 آلاف شيقل للطالبة الواحدة، معتبرة أن المبلغ ليس كبيرا مقارنة بأسعار المدارس من ذات الفئة التي تأخذ أقساطا مشابهة وأحيانا أعلى رغم أنها تتقاضى مخصصات من بلدية الاحتلال، لكن مدرسة هند الحسيني ترفض التعامل مع البلدية وأخذ أي مبلغ منها، فهذا لا يتوافق مع أهداف المؤسسة.

وأكدت الدجاني أن أقساط الطالبات لا تكفي رواتب للموظفين لمدة أربعة أشهر، حيث إن طاقم الموظفين يتكون من 90 موظفا.

وفي القدس 6 بنايات كلها موقوفة لصالح دار الطفل العربي وهي: المتحف، بناية القسم الداخلي، مبنى المدرسة، الإدارة العامة، دار إسعاف النشاشيبي للثقافة والفنون والآداب وكلية هند الحسيني.

ودعت رئيسة مجلس الأمناء طالباتها اللواتي تخرجن من المدرسة وأنهين التعليم الجامعي وحصلن على مناصب ومراكز أن يسعفن المدرسة. مؤكدة على أن الاهتمام بالعلم والتعليم هو فرض عين على كل فرد كذلك العمل التطوعي.

كما دعت أولياء الأمور لدفع الرسوم المدرسية المتراكمة عليهم فهناك من يصل دينه إلى 12 ألف شيقل.

وأكدت الدجاني أن المدرسة حتى اللحظة لم تحصل على عرض حقيقي للمساعدة في ظل الضائقة الحالية.

وخاض المعلمون في المدرسة إضرابا جزئيا لمدة يومين، بمعنى أنهم أعطوا حصصهم عبر تطبيق زوم عن بعد، بهدف الضغط على مجلس الأمناء ظنا منهم أن الأزمة ستنتهي في يوم وليلة.

وفي السياق ذاته، وجهت ابنة هند الحسيني ومسؤولة القسم الداخلي في المؤسسة هداية الحسيني، عتبا للمدرسين مطالبة إياهم بالصبر حتى حل الأزمة وعودة الأمور إلى طبيعتها.

كما ناشدت أولياء الأمور بضرورة المسارعة لتسديد الأقساط المدرسية مشيرة إلى أن الجائحة أضرت بالجميع، ورغم هذا فالمدرسة من ناحية إنسانية ليست بصدد التشديد عليهم.

من جانب آخر أشارت هداية الحسيني إلى أن الطالبات الخريجات بدأن بالتحرك، باستخدام صفحاتهن الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك من أجل إيصال صوت المدرسة قدر الإمكان.

وهداية الحسيني هي ابنة هند الحسيني في التبني، حيث فقدت والديها فأحضرتها هند إلى دار الطفل عام 1954 ولازمتها حتى أيامها الأخيرة.

وأنشأت مجموعة من الخريجات مبادرة تهدف إلى مساعدة المدرسة من خلال وضع صندوق باسم خريجات دار الطفل داخل المدرسة، ودعوة الناس للتبرع، وكان حجم الإقبال في حينها كبيرا بحسب إحدى الخريجات. التي ترى أن مسؤولية التبرع تقع على عاتق كل فرد لأن هذا الصرح الأكاديمي قدم الكثير للقدس ولطالبات القدس وكان له دوره الاجتماعي والوطني.

وكتبت الناشطة المقدسية هنادي الحلواني -وهي خريجة دار الطفل العربي- على صفحتها الشخصية: "منذ بداية عمري، نشأت في أروقة مدرسة (دار الطفل العربي).. واستمررتُ فيها حتى تعليمي الثانوي.. ولا أخفيكم سراً أن لهذه المدرسة وهذا الصرح التعليميّ بالغ الأثر في تعليمي وصقل شخصيتي لأكون ما أنا عليه في هذا الوقت".

وأعربت الحلواني عن حزنها بقولها: "كم يحزنني أن أعلم أن هذا الصرح الذي تربيتُ في أروقته يعاني اليوم من ضائقة ماليّة بسبب الأوضاع الراهنة والجائحة التي تركت أثرها في هذه المدينة وأهلها".

ودعت الناس للتبرع قائلة: "لا تبخلوا على هذا الصرح فهو من أعرق ما نملك.. ومن أفضل الصروح التعليمية التربوية التي لا يجب أن تغلق أبوابها بينما في أمتنا أياد بيضاء كثيرة".

كما كتبت خريجة المدرسة علياء الهدمي: "اليوم وبعد مرور 72 عاماً على تأسيسها تواجه المؤسسة ضائقة مالية بسبب جائحة كورونا علماً أنها المؤسسة المقدسية الوحيدة التي لا تتقاضى أموالا من المعارف الإسرائيلية. ودعت الأهل والأصدقاء للتوجه إلى المدرسة والمشاركة كواجب وطني بحملة التبرعات التي أطلقتها مجموعة من الخريجات للمساهمة في دعم المدرسة حتى تقوم من جديد.

واستذكرت الهدمي أيام الدراسة فقالت: "تسيرُ المشاهد القديمة في ذهني... أجلو عنها غُبار الزمن وأستعرضُها واحدةً تلو الأخرى، يلوح أمامي طيف طفولتي في مدرسة دار الطفل العربي، طفلةٌ صغيرةٌ تحمل حقيبة ثقيلة تذهب إلى مدرستها على أنها بيتها الثاني".

وتابعت: "بيتي الذي علمني كيف أكون مخلصة ووفية كيف لا أسكت عن الظلم مهما كلفني الأمر، كيف أكون صاحبة مبدأ وحق، كيف أتميز وأكون شخصيّة قياديّة، كيف أجمع بين العلم والمعرفة، كيف أتعطش للثقافة، كيف أحترم الاختلافات والثقافات بأشكالها، كيف أحمل القضية وأدافع عنها، وكيف يكون حُب الأرض الوطن".

وفي السياق ذاته أكدت رئيسة مجلس الأمناء أن أهمية مؤسسة دار الطفل لمدينة القدس تكمن في نشر العلم، ومهتمة في التراث الشعبي الفلسطيني، والثقافة وتعليم الفتيات حتى يصبحن فاعلات في المجتمع، إلى جانب النشاطات اللامنهجية، والدراسات والكتب التي عملت الطالبات على إنتاجها.

أزمات مالية سابقة وفي الهند الخبر اليقين

وقالت هداية الحسيني لـ"الحدث"، إن هناك أزمات مالية سابقة في حياة هند الحسيني، موضحة أنه في حينها، وقف الطاقم كاملا إلى جانبها وساندها، وكانت تخرج بنفسها وتسافر من أجل إيجاد الحلول وتودع طالباتها مطالبة إياهم بالدعاء لها بأن تتيسر أمورها، كي تعود بمبلغ تستطيع من خلاله سد رواتب الموظفين وتوفير كل ما يلزم من أجل إبقاء المؤسسة بأفضل حال.

وفي إحدى الأزمات وصل لهند رسالة من الهند جاء فيها: "لبيك يا هند، جئتك من بلاد الهند" ففرج الأزمة المالية.

ولا يغفل المقدسيون عن القصة الشهيرة لهند الحسيني التي كانت النواة الأساس لانطلاق مشروع دار الطفل العربي، حين التقت الحسيني ب 55 طفلا عند منطقة باب العامود في القدس، تتراوح أعمارهم بين عام و 14 عاما، ليتبين أنهم أطفال قرية دير ياسين الذين هجرهم الاحتلال وأحضرهم في جيب عسكري ووضعهم في القدس.

وحينها قالت هند: "لم يكن في جعبتي يومها سوى (138) جنيهًا فلسطينيًا، آليت على نفسي أن أعيش بها والأطفال أو أموت معهم".

حول هذا قالت هداية الحسيني: "التقت هند بالأطفال واستمعت إلى قصتهم ثم أخذتهم لتتكفل في رعايتهم،  فاستأجرت لهم غرفتين، واجتمعت بمحافظ القدس آنذاك أنور الخطيب مطالبة إياه بمساعدتها في توفير الاحتياجات الكاملة للأطفال فاشترط على التجار أن يمدوا هند بالدعم كل حسب تجارته".

وتابعت هداية: "بعد أيام قليلة جاءت قنبلة وقصفت الغرفتين فما كان منها إلا أن أحضرتهم إلى منزلها الخاص المكون من طابقين، مستغلة مساحته الكبيرة لإنشاء صفوف صغيرة في الطابق الأرضي، كما سجلت بعضا منهم في مدرستي المأمونية وخولة بنت الأزور في القدس، لاهتمامها الجلي بالعلم والتعليم".

وبعدها بدأت هند الحسيني بالتفكير في مشروع خاص لها تخدم من خلاله الأطفال اليتامى والقدس.

وبحسب هداية فإن هند طلبت من أفراد عائلتها أن يوهبوها منازلهم كي تتوسع في مشروع المدرسة فكان لها ذلك، كما اهتمت في الفتيات اللواتي لم يكن لهن توجه دراسي ففتحت لهن قسم خياطة.

وبحلول عام 1967 اكتمل مشروع دار الطفل العربي وأصبحت مدرسة تشمل المراحل التعليمية من الروضة حتى الثاني عشر.

وكانت الحسيني ناشطة في العمل الاجتماعي إلى جانب كونها مدرسة في المدرسة الإسلامية في البلدة القديمة، وتعتبر من أبرز السيدات المقدسيات اللواتي كرسن حياتهن خدمة لفلسطين والقدس، فكانت الحاضنة والراعية للأيتام والفقراء وأبناء الشهداء.

ويعاني التعليم في القدس من عقبات كثيرة لعل أبرزها محاولات الاحتلال المستمرة في أسرلة التعليم ومحو المنهاج الفلسطيني من المدارس الفلسطينية، مستخدمين لأجل هذا الهدف، كافة المغريات المادية حتى على صعيد الأبنية الحديثة والمعايير الأكاديمية العالية في المناهج الإسرائيلية.

على سبيل المثال رصدت حكومة الاحتلال في العام 2018، في إطار خطتها الخماسية، ما يقارب 68.7 مليون شيقل لدعم مؤسسات تربوية تدرّس المنهاج الإسرائيلي، و57.4 مليون شيقل لتطوير وصيانة المدارس التي اختارت المنهاج الإسرائيلي، و67 مليون شيقل لاستئجار بنايات جديدة لهذه المدارس، إضافة إلى 15 مليون شيقل للتعليم التكنولوجي المتطوّر بحسب ورقة تحليلية أعدها الباحث رامي معين محسن.