الجمعة  29 آذار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

ما نحتاجه قبل أي شيء ثورة ثقافية تعليمية وأخلاقية/ بقلم: د. غسان طوباسي

2020-11-26 06:35:05 PM
ما نحتاجه قبل أي شيء ثورة ثقافية تعليمية وأخلاقية/ بقلم: د. غسان طوباسي
د. غسان طوياسي

لم يعد خافياً على أحد أن آفاق الحل السياسي للصراع الفلسطيني الصهيوني بات شبه مستحيل، وذلك أساساً يعود إلى التعقيدات غير المسبوقة في هكذا صراع حيث تتداخل الروايات والأساطير الدينية، والتي قلبت صورة المحتل ليصبح هو الضحية، خاصة وأن هذه الرواية الدينية المزعومة لم تدحض من الديانات اللاحقة.

إضافة إلى التغيرات الديمغرافية على واقع الأرض، حيث تحولت المستوطنات من بؤر استعمارية متناثرة إلى مدن مترابطة وكبيرة حيث الجامعات والمصانع والمقابر، وهكذا خُلق جيلٌ جديدٌ من المستعمرين أصبح ينتمي إلى هذه أو تلك البقعة من أراضي يهودا والسامرة.

هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى لم يعد بالمجتمع الإسرائيلي فئة ذات وزن يذكر تؤمن بمبدأ حل الدولتين، حتى على أي جزء من أرض إسرائيل أو حتى بناء سلام عادل وشامل بين الشعبين، بل تعزز معسكر اليمين بحيث أصبح الصراع الداخلي بين اليمين واليمين المتطرف الذي يطمح إلى الاستيلاء على كامل أراضي يهودا والسامرة، والطرف المعتدل عندهم يرى ضرورة حل مشاكل (المستوطنين العرب) في هذه الأرض وإعطائهم بعض الحقوق المدنية ومعاملتهم بالحدود الدنيا للبشر ولهذا فالمشوار طويل جداً.

وحتى نستطيع أن ننتزع حقنا في تقرير المصير الذي هو بحاجة إلى إعادة تعريف واتفاق بين مختلف فئات شعبنا كون هذا الحق وتفسيره ليس مقدساً بل هو قابل لإعادة تعريف خاصة بعد التغيرات الكبيرة على الأرض والتي لم تعد تسمح أبداً بإقامة دولة بالضفة والقطاع، ولذا على شعبنا أن يقرر ما هو حقهُ في تقرير المصير والذي برأيي المتواضع عاجلاً أم آجلاً لم يعد هناك سوى حل واحد ووحيد وهو دولة ديمقراطية واحدة لكل سكانها على كامل الأرض الفلسطينية.

ولكي نستطيع أن نشكل أسسا لشعب فلسطيني بهوية واحدة؛ علينا قبل كل شيء التركيز على الإنسان والشخصية الوطنية الملتزمة والقابلة للتطور وللحياة وانتزاع الحقوق وبناء الوطن المُرتجى.

وحتى نستطيع أن نبني هكذا (مواطن مُنتمي) وصاحب فكرة ومبدأ وأخلاق وقيم؛ علينا قبل كل شيء تغيير العديد من المفاهيم والسلوك والقيم وقبل كل شيء الاتفاق على رؤية موحدة لتاريخ ومستقبل الشعب الفلسطيني وعلاقته بأرضه.

وهنا لا بد من الاشارة إلى أن أحد أهم أسباب النجاح الباهر والصعود الصيني العالمي على الصُعد الاقتصادية والعلمية والتكنولوجية يعود أساساً إلى الثورة الثقافية التي قادها ماو تسي تونغ والتي واجهت العديد من الانتقادات في حينه وحتى من حلفائه بالفكر أي المعسكر الاشتراكي.  لقد ثبت حتى الآن نجاح التجربة الصينية التي أساسها بناء المواطن المنتمي والطامح للعمل والاجتهاد والانضباط وحتى نستطيع إحداث تغيير إيجابي في الشخصية الفلسطينية علينا العمل على كافة الأصعدة وكافة المستويات الرسمية والشعبية فالثورة الثقافية تعني قبل كل شيء الوعي والثقافة والأخلاق وهذا يحتاج إلى:

أولاً: ثورة حضارية بالمناهج التعليمية ترتكز إلى البحث والتفكير والإبداع بدل الحفظ والتلقين.

ثانياً: التحول الكامل إلى مدنية الدولة بكل ما يعنيه ذلك من معنى ابتداء من المواطنة الشاملة المتساوية وصولاً إلى استقلال كامل لسيادة القانون والقضاء.

ثالثاً: التواضع والتقشف وذلك بالعودة إلى الواقع الحقيقي لوضعنا أي أننا شعب تحت الاحتلال فلا نحن دولة ولا نحن بثورة بل نحن شعب حي يسعى إلى بناء نظام حياة فاعلة ومتطورة نزيهة وعادلة 'لى أن تتغير موازين القوى العالمية لنصل إلى حل سياسي عادل لقضيتنا الوطنية.

وبعد أن اتضح لنا أن صراعنا مع المُحتل أساسهُ قضية وطنية تحررية فهذا يزيد من مسؤولياتنا تجاه بناء المواطن الفلسطيني القادر على الصمود والمواجهة وبشكل رئيسي لوحده ومن ثم بدعم ومساندة أحرار العالم عرباً أو عجماً.

إننا كشعب فلسطيني علينا أن نتعلم من التاريخ الماضي والحاضر أننا أساسا لوحدنا بالميدان نواجه قوة استعمارية فريدة من نوعها تدعي أنها صاحبة الحق مدعومة من قوى عظمى ولم يعد مسموحا المساس بأمنها أو تفوقها ناهيك عن تفوقها العلمي والصناعي والعسكري ولذا فالطريق الوحيد أمامنا هو بناء الإنسان الفلسطيني المثقف والمتعلم المعاصر والمتحضر.