الخميس  25 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

هل تزعزع الطائرات بدون طيار استقرار السياسة العالمية؟

2020-12-17 11:19:01 AM
هل تزعزع الطائرات بدون طيار استقرار السياسة العالمية؟
طائرة بدون طيار

الحدث- جهاد الدين البدوي

نشرت مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية مقالًا لجاسون ليال، الأستاذ المساعد في كلية دارتموث، وتحدث فيه أن المركبات البسيطة ستجعل الصراع مغرياً وغير مكلف.

يرى الأكاديمي ليال أن العالم دخل عصر حروب الطائرات بدون طيار. وفي أربع حروب رئيسة بين الدول في السنوات الخمس الماضية - تلك التي نشبت في ليبيا، وناغورني - كاراباخ، وسوريا، وأوكرانيا - لعبت الطائرات بدون طيار المسلحة دوراً مهيمناً، وربما حاسماً. ومع ذلك، لا تزال المناقشات حول الطائرات بدون طيار تركز على استخدامها ضد الجهات الفاعلة من غير الدول، مثل طالبان، أو التكهنات حول دورها المحتمل في الحروب بين الولايات المتحدة والمنافسين القريبين، مثل الصين. وقد دفعت تلك المناقشات العديد من الباحثين إلى استنتاج أن الطائرات بدون طيار معقدة وهشة إلى حد أن تكون ذات فائدة محدودة أو ذات صلة محدودة بالحروب بين الدول. ويجادل بعض المراقبين بأن الطائرات بدون طيار قد تعزز الاستقرار الدولي: فقد تكون البلدان أقل عرضة لتصعيد الصراع إذا تم إسقاط طائرة بدون طيار، بدلاً من طائرة مع طيار بشري.

يوضح الكاتب أن الأدلة المتزايدة تشير إلى اتجاه أكثر إثارة للقلق. حيث أن الطائرات بدون طيار الرخيصة القابلة للبقاء، جنباً إلى جنب مع المدرعات والمدفعية، توفر للجيوش مزايا ميدانية حقيقية.

إن الصراعات الأربعة الأخيرة التي ظهرت فيها الطائرات بدون طيار تظهر أنه حتى المركبات المتواضعة يمكن أن تساعد في تحقيق انتصارات عسكرية وإعادة تشكيل الجغرافيا السياسية. ومع تحول الطائرات بدون طيار إلى جزء من الترسانة العسكرية للعديد من الدول - التي ارتفعت من ثمانية في عام 2015 إلى 20 في الوقت الحاضر – تستعد الجهات الفاعلة الجديدة لاغتنام الفرصة التي تتيحها للاستيلاء على الأراضي أو إشعال صراعات مجمدة سابقاً. ويتعين على الحكومات والمحللين إعادة النظر في الدور الذي قد تلعبه هذه الأسلحة في زيادة خطر العنف بين الدول.

أسطول يمكن التخلص منه:

يقول الأكاديمي ليال أنه لطالما اعتقد العلماء منذ فترة طويلة أن الأسلحة الهجومية تزعزع الاستقرار، لأنها تخفض تكاليف الغزو بينما تثير المخاوف الأمنية بين أهدافها المحتملة. والطائرات المسلحة بدون طيار تأخذ هذه الفكرة إلى أبعد من ذلك. فالطائرات غير المأهولة أقل تكلفة بكثير من الطائرات المأهولة، ويمكن للعسكريين إرسالها في مهام محفوفة بالمخاطر دون الخوف من فقدان الأفراد. وعلاوة على ذلك، ونظراً لأن الطائرات بدون طيار رخيصة، فإن البلدان قادرة على الحصول عليها بأعداد كبيرة بما يكفي لتشتيت دفاعات الخصم. وقد استخدمت الجيوش بالفعل عشرات الطائرات بدون طيار في الحروب الأخيرة، وفي الصراعات المستقبلية من المرجح أن تنشر الآلاف منها، إن لم يكن عشرات الآلاف، لتدمير أو إضعاف قوات الخصم قبل أن تتمكن من الرد.

وبالتالي، يمكن للجيوش تحمل خسارة أعداد كبيرة من الطائرات بدون طيار، طالما بقي ما يكفي لتدمير أهداف محددة. حتى لو كانت كل طائرة بدون طيار ضعيفة بشكل فردي، فإن نشرها بشكل جماعي يوفر الأمان. يمكن للتأثير التراكمي أن يطغى على أقوى الدفاعات.

ألقى المراقبون نظرة خاطفة على هذا التكتيك في صراع ناغورني كاراباخ، حيث استخدمت أذربيجان مؤخراً طائرات "An-2" من حقبة الأربعينات من القرن العشرين والتي تم تجهيزها للعمل عن بعد. وقام مشغلو هذه الطائرات باصطياد مشغلي أنظمة الرادار الأرمنية، والكشف عن موقعها حتى يتمكن المشغلون الأذريون من تدميرها عن بعد عبر طائرات "Harop" "إسرائيلية" الصنع. بينما خسرت أذربيجان في نهاية المطاف 11 طائرة من طراز "An-2"، فقد ساعدت هذه الاستراتيجية في إحداث ثغرات في الدفاعات الجوية لأرمينيا.

وتشير الأدلة المبكرة من النزاعات الأخيرة إلى أن الطائرات المسلحة بدون طيار الأساسية قد تكون في الواقع أكثر ديمومة مما كان متوقعاً في البداية. فقد أثبتت أنظمة الدفاع الجوي الروسية المتطورة، مثل S-300 وPantsir قصيرة المدى، أنها ضعيفة بشكل مدهش في ليبيا وناغورني كاراباخ وسوريا. وفي كل حالة، تمكنت الطائرات المسلحة بدون طيار من الإفلات من الاكتشاف واستغلال ثغرات التغطية في النظم القديمة التي بنيت لمواجهة الطائرات المأهولة الأكبر حجماً. وقد دمرت الطائرات بدون طيار العديد من أنظمة الدفاع الروسية القديمة في ليبيا وسوريا وأرمينيا.

وبالنسبة للدول التي تسعى إلى كسر الجمود الجيوسياسي طويل الأمد، فإن ظهور الطائرات بدون طيار المسلحة الرخيصة نسبياً والقابلة للتصرف توفر فرصة مغرية. ويمكن لمثل هذه الطائرات أن تساعد الدول على الاستيلاء على الأراضي بسرعة، والتغلب بسرعة على خصومها، وتهدد بعقاب أكبر في المستقبل.

تغير قواعد اللعبة:

أصبحت الطائرات بدون طيار مغرية أكثر لأنها نجحت في تحويل المد في ساحات القتال الفعلية. وقد استخدمت تركيا الطائرات بدون طيار لتأثير خاص. فقد قتلت غارة جوية سورية 36 جندياً تركياً يعملون بالقرب من محافظة إدلب شمال سوريا في شباط/فبراير الماضي، وردت أنقرة باستخدام طائرات بدون طيار من طراز "TB2" لتدمير عشرات الدبابات والدفاعات الجوية والعربات المدرعة، مما أسفر عن مقتل مئات، وربما الآلاف، من الجنود السوريين. وبالنيابة عن سوريا، طلبت روسيا وقفاً لإطلاق النار. كما لعبت طائرات "TB2" التركية دوراً حاسماً في كسر الجمود العسكري في ليبيا خلال عملية "عاصفة السلام": فقد قاد التوازن المشترك بين الطائرات بدون طيار من طراز "TB2" إلى طرد القوات البرية التابعة لقوات الجيش الوطني الليبي من مدينة ترهونة.

ومع ذلك، لم تعمل الطائرات المسلحة بدون طيار بمفردها. تعتبر النظم غير المأهولة أكثر فاعلية كمضاعفات للقوة، حيث تعمل جنباً إلى جنب مع المعدات التقليدية مثل المدفعية والصواريخ بعيدة المدى أو لدعم الوحدات الأرضية المتنقلة. فعلى سبيل المثال، استخدمت أذربيجان طائراتها بدون طيار لتحديد المواقع الدفاعية الأرمينية ثم توجيه نيران غير مباشرة من قاذفات المدفعية والصواريخ. ويمكن للطائرات بدون طيار الآن أن تحل محل القوة الجوية التقليدية وتجعل هذه المنصات وغيرها أكثر فتكاً. إن وجود هذه المنصات في ساحة المعركة يغير حسابات الأهداف على كل مستوى تقريباً من مستويات صنع القرار.

ستضطر الجيوش التي تعرف أن خصومهم يستخدمون الطائرات بدون طيار إلى تغيير سلوكهم لمواجهة التهديد الجوي. وعادة ما تتحصن المركبات المدرعة المتنقلة في كل من ليبيا وناغورني - كاراباخ في مواقع محصنة لخفض رؤيتها من الأعلى. ونظراً لعدم قدرتها على ترك مواقعها الدفاعية، لم تتمكن هذه القوات من تنسيق الهجمات وانتهى بها الأمر بالتنازل عن الزخم لأعدائها. وكان بإمكان الجيش الوطني الليبي والقوات الأرمينية حماية تشكيلاتها الضعيفة من خلال دمجها بشكل أفضل مع الدفاعات الجوية، ولكن فقط على حساب ربطها بمدى وتوافر تلك الأنظمة. وعلاوة على ذلك، فإن التهديد المتمثل في ظهور الطائرات بدون طيار المسلحة فجأة في مناطق خلفية يفترض أنها آمنة يعقّد حركة القوات الاحتياطية والإمدادات.

باختصار، تقوم الطائرات بدون طيار بمراجعة كتاب الحرب الحديث في الوقت الفعلي. وحتى المنصات البسيطة نسبياً اليوم قاتلة ومتينة بما يكفي لقلب التوازن في الصراعات الإقليمية. ومع محدودية القدرات بشكل مدهش، يمكن للطائرات بدون طيار أن تساعد الدول على استغلال الفرص الجديدة في ساحة المعركة.

الهجوم يأخذ زمام المبادرة:

يرى الكاتب بأن الطائرات بدون طيار ليست منقطعة النظير. والواقع أنها أجهزة محدودة، بل وبدائية، وعرضة للتشويش الإلكتروني، ومربطة بقواعد جوية، وغالباً ما تتأثر من سوء الأحوال الجوية. والطائرات بدون طيار القادرة على حمل أسلحة متواضعة، مثل "TB2" لديها مدى قصير تبلغ 93 ميلاً فقط. وعلى الرغم من كل نجاحاتها، فقد خسرت أذربيجان العديد من طائرات "TB2" بسبب النيران الأرمينية الأرضية، كما فعلت كل من تركيا والإمارات العربية المتحدة في ليبيا.

يتابع الكاتب: ينبغي على المحللين أن يقاوموا إغراء المبالغة في تأثير الطائرات المسلحة بدون طيار: فهذه المنصات لا تسبب الصراع بقدر ما تمكنه. ولكن لا ينبغي للمراقبين أن يتغاضوا عن إمكانيات الطائرات بدون طيار المزعزعة للاستقرار. وقد ساعدت الطائرات البسيطة بدون طيار الدول على كسر الجمود الذي طال أمده. ومن المرجح أن تكون الطائرات المسلحة بدون طيار المدفوعة بالابتكارات السريعة في القطاع التجاري، أكثر فعالية. وتعمل تركيا بالفعل على توسيع نطاق طائرات "TB2" المستخدمة في صراع ناغورني كاراباخ منذ أربعة أسابيع. ومع انخفاض تكاليف الوحدة، ستتمكن الطائرات بدون طيار المنتجة على نطاق واسع من اختراق دفاعات العدو قريباً. وبمرور الوقت، قد تتحد الطائرات بدون طيار ذات القدرات الفردية لتشكيل فرق قاتلة من الصيادين لاستغلال نقاط ضعف العدو في ساحة المعركة. ومع وجود مثل هذه التكنولوجيا رخيصة التكلفة في متناول اليد، قد يتعرض القادة لضغوط شديدة لمقاومة إغراء استئناف الحروب المجمدة أو حتى التحريض على حروب جديدة، وخاصة إذا كانوا يعتقدون أن مزاياها مؤقتة.

وبالفعل، تطور بعض البلدان أنظمة دفاعية لمواجهة الطائرات بدون طيار، ولكن هذه التكنولوجيات في مراحلها الأولى. حيث يلعب الدفاع دور اللحاق بالركب. وسيكون من الصعب سد الثغرات في الدفاعات الجوية قصيرة المدى ومنخفضة المستوى، على الأقل في المدى القريب.

كما أن التكنولوجيا الهجومية أرخص ببساطة: فنظام الصواريخ الروسي من طراز "S-400" يكلف 300 مليون دولار ونظام بانسير يكلف حوالي 14 مليون دولار. وعلى النقيض من ذلك، فإن تكلفة "TB2" لا تتجاوز 5 ملايين دولار، ولا يصل صاروخها "MAM-L" الذي استخدم بفاعلية في ناغورني كاراباخ، إلا إلى 100 ألف دولار فقط. وقد تجد البلدان التي تعتمد على أنظمة قديمة باهظة الثمن في الدفاع نفسها غير قادرة على تحمل تكاليف حماية جيوشها أو تعويض خسائرها في زمن الحرب. وإلى أن تتحول الدفاعات الجوية إلى قوة مضادة تستطيع التعامل بكفاءة عالية مع الطائرات بدون طيار، فمن المرجح أن تظل هذه الأنظمة المكلفة عرضة للخطر.

يختتم الأكاديمي ليال مقالته بالقول: ستواجه البلدان التي تستثمر في الطائرات المسلحة بدون طيار إغراءً قوياً لإعادة استئناف الصراعات الإقليمية المتأججة أو البحث عن مزايا جديدة في تلك التي وصلت إلى طريق مسدود. ومن المخيف أنه من بين الدول العشر التي يتوقع أن تحصل على طائرات بدون طيار، يوجد تسع دول عالقة في صراعات إقليمية طويلة الأمدة أو يخوضون حروباً داخلية. وقد يواجه النظام الدولي قريباً جولة جديدة من الصراعات مدفوعة بانتشار الطائرات المسلحة بدون طيار.