الجمعة  29 آذار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

مجلة أمريكية: فشل إستراتيجية الولايات المتحدة في سوريا

يجب على واشنطن أن تعترف بأنها لا تستطيع بناء دولة

2021-01-28 04:37:23 PM
مجلة أمريكية: فشل إستراتيجية الولايات المتحدة في سوريا
أرشيفية

الحدث-جهاد الدين البدوي

نشرت مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية مقالاً لروبرت إس فورد وهو سفير الولايات المتحدة السابق في سوريا، والباحث في معهد الشرق الأوسط وزميل أقدم في معهد جاكسون للشؤون العالمية في جامعة ييل، وأشار فيه إلى أنه خلال السنوات الأربع التي قضاها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في منصبه، وعد مراراً وتكراراً بإنهاء تورط الولايات المتحدة في عمليات بناء الأمم. وقال إن الجهود الأميركية طويلة الأمد لإعادة بناء واستقرار المجتمعات في مرحلة ما بعد الصراع كانت مضللة ومآلها الفشل. وبالنسبة للجزء الأكبر، فقد قال ترامب: إنه خفض عدد القوات في العراق وأفغانستان، وقلص تمويل تعزيز الديمقراطية بنحو مليار دولار خلال فترة توليه منصبه.

يضيف الدبلوماسي الأمريكي أن إدارة ترامب تراجعت عن سياسة عدم بناء الأمم لمتابعة جهد واحد بعيد المدى في سوريا. فحاولت الولايات المتحدة استخدام القوة العسكرية والضغوط المالية لإجبار الرئيس السوري بشار الأسد على قبول إصلاحات دستورية كبيرة وانشاء منطقة حكم ذاتي كردية في شمال شرق البلاد. وتحت إشراف الولايات المتحدة، تطورت تلك المنطقة إلى شبه دولة بجيشها الخاص، التي تعرف بقوات سوريا الديمقراطية، ولها امتداد بيروقراطي راسخ تهيمن عليها وحدات حماية الشعب الكردية السورية وذراعها السياسي، حزب الاتحاد الديمقراطي.

يتابع الدبلوماسي الأمريكي فورد: بعد ست سنوات وحوالي 2.6 مليار دولار، أصبحت هذه الدويلة طفل أميركا، الذي تم انشاءها تحت حماية الجيش الأمريكي ومحمية من الجيران المعادين. غير قادرة على دعم نفسها، وبالتالي تبقى المنطقة ذاتية الحكم معتمدة على موارد الولايات المتحدة في المستقبل المنظور. بيد أن هذا الالتزام المفتوح ليس ما تحتاجه الولايات المتحدة. فلم تكن سوريا أبداً قضية أمن قومي أمريكية رئيسة، وكانت المصالح الأمريكية هناك تقتصر دائماً على منع تحول الصراع من تهديد مخاوف واشنطن الأكثر أهمية في أماكن أخرى. ولا تؤدي السياسة الأميركية الحالية إلى تحقيق الكثير من أجل تحقيق هذا الهدف المركزي. كما أنها لم تؤمن الإصلاح السياسي في دمشق، ولم تعد الاستقرار إلى البلاد، ولم تتعامل مع فلول تنظيم «داعش». من الأفضل أن يغير الرئيس جو بايدن مساره - سحب مئات الجنود الأمريكيين المنتشرين حالياً في سوريا والاعتماد على روسيا وتركيا لاحتواء تنظيم "داعش".

عالقون في طريق مسدود

يقول فورد: ظاهرياً، تهدف الاستراتيجية الأمريكية في شمال شرق سوريا إلى التخلص من آخر بقايا تنظيم "داعش"، مما يحرم التنظيم من ملاذ آمن ت=الذي يشن هجماته منه. وعلى الرغم من أن الحملة العسكرية الدولية التي استمرت لسنوات دمرت إلى حد كبير الجماعة الإرهابية، إلا أن أعضاءها المتبقين لا يزالون ينفذون هجمات متفرقة منخفضة المستوى في سوريا والعراق. ومن المفترض أن يساعد الدعم الأمريكي لقوات سوريا الديمقراطية، ووحدات حماية الشعب الكردية، على احتواء تنظيم "داعش" بأقل قدر ممكن من المساعدة الخارجية، ودون الحاجة إلى انتشار أمريكي واسع النطاق.

يوضح فورد أنه على الرغم من جاذبية هذه الاستراتيجية سياسياً، إلا أنها معيبة للغاية. وقد تسبب حلفاء الولايات المتحدة من الأكراد السوريين إلى تفاقم التوترات الإقليمية القائمة منذ فترة طويلة بين العرب والأكراد. كما أن هناك احباط واسع النطاق بين الجاليات العربية على وجه الخصوص بسبب الهيمنة السياسية الكردية – التي تدعمها الولايات المتحدة – حيث سيطر الأكراد على حقول النفط المحلية. كما احتج السكان العرب على الفساد الإداري المزعوم لقوات سوريا الديمقراطية، وعمليات مكافحة الإرهاب العنيفة، وممارسات التجنيد الاجباري. من جهتها، نفذت القوات الكردية هجمات بالسيارات المفخخة ضد المدن العربية الخاضعة للسيطرة العسكرية التركية. وفي مثل هذه البيئة، المحفوفة بالتوترات العرقية والنزاعات القبلية، يمكن لـ «داعش» أن تعمل بقبول ضمني من المجتمعات المحلية وأن تجند من صفوفها عناصر من السكان المحليين الساخطين. وستواجه الولايات المتحدة هذه المشكلة دائماً طالما كانت سياساتها تفضل دولة يهيمن عليها الأكراد في شرق سوريا.

يرى فورد أن الاستراتيجية الأمريكية لديها عيب آخر أكثر جوهرية: حيث لا يتم احتواء تنظيم «داعش» في المناطق الخاضعة لسيطرة الولايات المتحدة وقوات سوريا الديمقراطية. كما تعمل الجماعة الإرهابية في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية وحلفاؤها، بما في ذلك روسيا وإيران، والتي تمتد على بعد 200 ميل تقريباً غرب نهر الفرات.

إذا كان الهدف الأمريكي هو منع تنظيم «داعش» من إعادة تشكيل نفسه أو استخدام سوريا كقاعدة لانطلاق الهجمات في أماكن أخرى، فإن الحد من انتشار الولايات المتحدة في الربع الشرقي من البلاد لا يحل هذه المشكلة. كما أن فرض عقوبات على حكومة الأسد - على الرغم من أنها مثيرة للاشمئزاز - لا يترك لقوات الحكومة السورية سوى موارد محدودة لمحاربة الجماعة المتطرفة.

يؤكد الكاتب بأن النهج الأمريكي الحالي يفتقر إلى نهاية يمكن تحقيقها. ومن دون غطاء دبلوماسي وعسكري أمريكي، من المرجح أن تواجه «وحدات حماية الشعب» و«قوات سوريا الديمقراطية» حرباً على جبهتين أو ثلاث جبهات؛ ضد كل من تركيا والحكومة السورية الأمر الذي من شأنه أن يبعد مقاتليهما بعيداً عن المعركة ضد منع تنظيم «داعش». ولمنع هذه النتيجة، وفي ظل استمرار دعم القوات الكردية، سيتعين على الولايات المتحدة البقاء في شرق سوريا إلى أجل غير مسمى. وإذا اختارت روسيا أو تركيا أو إيران أو الحكومة السورية زيادة الضغط العسكري على القوات الأمريكية أو الدولة الكردية الوليدة، فسوف تضطر الولايات المتحدة إلى تخصيص المزيد من الموارد لحل المشكلة. هكذا كانت الحال عندما بدأت الوحدات العسكرية الروسية بمضايقة الدوريات الأمريكية في صيف عام 2020 – مما دفع القيادة المركزية للولايات المتحدة إلى ارسال وحدات مدرعة خفيفة جديدة كرادع لروسيا. ومن المرجح أن تزداد هذه الديناميكية سوءاً في السنوات المقبلة.

الاعتماد على روسيا وتركيا

ونظراً لهذه العيوب في سياسة ترامب تجاه سوريا، تحتاج الإدارة الجديدة إلى مقاربة مختلفة- نهج قادر على احتواء تنظيم «داعش» بنجاح دون إلزام الجيش الأمريكي بحرب أخرى إلى الأبد. وبدلاً من الحفاظ على الاستراتيجية الأمريكية الحالية، وينبغي على فريق بايدن، أن يركز على الدبلوماسية، وأن يعتمد بشكل أكبر على روسيا وتركيا. كما أن الاعتراف بمصالح هذين البلدين في سوريا غير سار على النحو الذي يبدو عليه الأمر، وقد يؤدي إلى نتائج أفضل.

يرى الكاتب بأن روسيا ليست شريكاً مثالياً، لكن دعمها للأسد يجعلها القوة المناسبة لتولي المعركة ضد تنظيم «داعش». كما أن موسكو ملتزمة بضمان بقاء الحكومة السورية، ومن شأن عودة تنظيم «داعش» (الذي يحتمل أن تموله حقول النفط السورية التي تم الاستيلاء عليها من قوات سوريا الديمقراطية) أن يهدد الأسد بشكل خطير. والاستفادة من هذه المنطقة الضيقة من الأرضية المشتركة، ينبغي على إدارة بايدن التوصل إلى اتفاق تفوض فيه موسكو بمهام مكافحة تنظيم «داعش» على جانبي الفرات. وسيتطلب ذلك حتماً زيادة الوجود العسكري الروسي في شرق سوريا، وستحتاج الولايات المتحدة إلى التفاوض على انسحاب تدريجي لقواتها وجدول زمني للانتقال من السيطرة الأمريكية إلى السيطرة الروسية.

ومع ذلك، فإن تسليم المسؤولية عن مهام مكافحة تنظيم «داعش» في شرق سوريا لن يلغي الحاجة إلى منع التنظيم الإرهابي من استخدام سوريا كقاعدة لمهاجمة حلفاء الولايات المتحدة أو مصالحها. وللتخفيف من هذا التهديد، يجب على الولايات المتحدة إقناع تركيا بتأمين حدودها الجنوبية. وعلى غرار موسكو، فإن أنقرة لديها حوافز واضحة للتعاون؛ وقد شن تنظيم «داعش» هجمات إرهابية داخل تركيا أيضاً. ومع ذلك، سيكون من الصعب إغلاق حدود طولها 600 ميل تقريباً، لذا سيتعين على واشنطن تزويد تركيا بالدعم التكنولوجي والاستخباراتي لمراقبة حركة الإرهابيين. وسيتطلب مثل هذا الجهد تعاوناً مكثفاً، فقد كان من الصعب التعامل مع الأتراك حتى قبل أن تقدم الولايات المتحدة دعمها لوحدات حماية الشعب، التي تعتبرها تركيا جماعة إرهابية. لكن التعاون سيكون أسهل بمجرد ألا تعود الولايات المتحدة بمساعدة القوات الكردية بشكل مباشر. كما أن الهدف الأساسي لتركيا هو منع هذه الجماعات من إنشاء كيان مستقل في سوريا.

الطرح الصحيح

وفقاً لفورد يجب على بايدن أن يتجنب مفاجأة شركاء الولايات المتحدة الأكراد بهذه الاستراتيجية الجديدة؛ ويجب على إدارته إبلاغهم في وقت مبكر عن الخطوات الأمريكية الوشيكة. فقد كانت قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب شريكين جيدين في الحرب ضد تنظيم «داعش»، وسيكون من الحكمة أن يواصل الروس العمل معهم بموجب ترتيب جديد. فتتمتع موسكو بخبرة في هذا المجال: فقد أنشأ الروس وزودوا بـ "الفيلق الخامس" من المقاتلين الموالين لدمشق الذين يقومون بمهام في جميع أنحاء البلاد. وبالاشتراك مع الحكومة السورية، ويمكن لموسكو إنشاء "فيلق سادس" جديد يتألف من أعضاء قوات سوريا الديمقراطية تحت القيادة الروسية.

وبشكل منفصل، سيتعين على «حزب الاتحاد» و«وحدات حماية الشعب» التفاوض مع دمشق حول الوضع السياسي للأراضي التي يسيطرون عليها. ويمكن لعلاقة حزب الاتحاد السوري طويلة الأمد مع الحكومة السورية أن تسهل هذه العملية. ففي عام 2012، أبرمت الجماعة اتفاقاً مع الأسد للسيطرة على المدن الشمالية الشرقية مع انسحاب الجيش السوري منها، ولم تتحمل مجتمعاتها لحملات قصف حكومية مثل تلك التي استهدفت حمص وحلب وضواحي دمشق. والآن، ينبغي على وحدات حماية الشعب و "حزب الاتحاد" أن تبني على هذا الإرث لضمان المساواة في حقوق المواطنة والملكية لمجتمعاتهم، وهي الحماية التي طالما حرم منها العديد من الأكراد السوريين. وعلى الرغم من أن مثل هذا الترتيب لن يشكل حكماً ذاتياً كاملاً في سوريا الاتحادية، إلا أنه سيكون تحسناً كبيراً مقارنة بالوضع الراهن قبل الحرب.

ومع ذلك، سيكون هناك بلا شك عويل من الاحتجاج من قبل السياسيين والمحللين الأمريكيين الذين يصرون على أن واشنطن مدينة لوحدات حماية الشعب وقوات سوريا الديمقراطية أكثر من ذلك بكثير. ولكن على الرغم من المساعدات الكردية القيمة في الحرب ضد تنظيم «داعش»، فإن الولايات المتحدة لا تدين لهذه الجماعات بمظلة عسكرية لأجل غير مسمى على حساب دافعي الضرائب بشكل كبير. إن المصلحة الوطنية للولايات المتحدة هي احتواء التهديدات الإرهابية، وليس ضمان شكل الحكم في شرق سوريا.

الاعتراف بحدود الولايات المتحدة

وفي نهاية المطاف، يجب على إدارة بايدن أن تكون واقعية بشأن قدرة الولايات المتحدة على انتزاع تنازلات سياسية في سوريا. لطالما سعى المسؤولون الأمريكيون ومن ضمنهم أنا إلى إجراء إصلاحات في حكومة الأسد– دون نجاح يذكر.

ومن جانبها، حاولت إدارة ترامب استخدام العقوبات المالية والسيطرة على حقول النفط السورية لإجبار دمشق على تغيير سلوكها. بالكاد تزحزح الأسد. فدمشق تتفوق في توتير المفاوضات، وقد توقفت محادثات الأمم المتحدة في جنيف التي علقت واشنطن آمالها عليها. وبالنسبة للأسد وزمرته، فإن الصراع هو لعبة صفرية حيث تؤدي مطالب الإصلاح أو الحكم الذاتي لا محالة إلى عدم الاستقرار، أو التحديات التي تواجه سيطرتها، أو الدعوات غير المرغوب فيها إلى المساءلة. وهكذا، يقاتل النظام على افتراض مؤلم بأن الإصلاح سيقلل من عمره. ولن تؤدي سيطرة الولايات المتحدة أو قوات سوريا الديمقراطية على حقول النفط الصغيرة في شمال شرق البلاد إلى تغيير هذه الحسابات.

ويزعم محللون آخرون أن انسحاب الولايات المتحدة من شأنه أن يمنح إيران وروسيا زمام الأمور في سوريا. وتتجاهل هذه الحجة الروابط السياسية والعسكرية بين البلدين منذ عقود مع دمشق – وهي العلاقات التي من غير المرجح أن تضعفها الضغوط الأمريكية. فقد حافظت روسيا وسوريا على علاقة وثيقة منذ الحرب الباردة،

وقد عمل المستشارون الروس في البلاد قبل بدء الصراع الحالي في عام 2011. كما أن الوجود الإيراني قديم الأمد: فعندما كنت سفيرة الولايات المتحدة في سوريا قبل عشر سنوات، تقاسم الدبلوماسيون الأمريكيون مبنى سكنياً مع أعضاء الحرس الثوري الإسلامي الإيراني. كما أن هناك منشآت عسكرية للحرس الثوري في سوريا منذ ما يقرب من 20 عاماً. ولن تغير الدوريات الأمريكية الصغيرة في بعض الأحيان في شرق سوريا أياً من هذه العلاقات الثنائية، ولن تكون قادرة على منع شحنات الصواريخ الإيرانية إلى البلاد - وهو أمر تقوم به القوات الجوية "الإسرائيلية" بالفعل بفعالية.

يختتم الدبلوماسي الأمريكي مقالته بالقول: وبطبيعة الحال، يمكن لبايدن الحفاظ على استراتيجية إدارة ترامب. لكن القيام بذلك يعني إهدار مليارات الدولارات مع تفاقم التوترات بين الطوائف وعدم احتواء تنظيم «داعش». كما أن الولايات المتحدة لديها أهداف محدودة في سوريا، ومن المفترض أن تكلف واشنطن أقل بكثير. أي أموال تريد أن تنفق يجب أن تذهب إلى مشكلة اللاجئين الهائلة. ومن الأفضل السماح لروسيا وتركيا بتأمين مصالحهما الوطنية من خلال تحمل العبء المناهض لتنظيم «داعش». وفي نهاية المطاف، فإن مثل هذه الصفقات هي جوهر الدبلوماسية - والعمل على مشاكل محددة، حتى مع الشركاء البغيضين، لتحقيق أهداف محدودة ولكن متبادلة.