السبت  20 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

بيتا وسؤال المقاومة الشعبية| بقلم: عصام بكر

2021-08-04 09:22:55 AM
بيتا وسؤال المقاومة الشعبية| بقلم: عصام بكر
عصام بكر

أصبحت قرية بيتا جنوب شرق نابلس نموذجاً للمقاومة الشعبية في مواجهة الاحتلال، وسياسة الاستيطان الاستعماري ضمن ما يجري من مخطط يتم تنفيذه ليس فقط لتقطيع أوصال الأرض الفلسطينية في الضفة الغربية عبر نظام الفصل العنصري الجاري تشييده ليل نهار، وإنما يهدف أيضا لمواصلة السعي لإتمام حلقات المشروع الصهيوني الهادف لاقتلاع الشعب الفلسطيني من أرضه استكمالا لما جرى إبان النكبة العام 1948 والعمل على تثبيت سياسة أمر واقع للتعامل من أي نافذة لمفاوضات مستقبلية محتملة عبر تكريس هذا الواقع القائم على نظام الكانتونات والمعازل.

وما يجري في بيتا لا يقل خطورة عما يجري في مناطق أخرى، وإن اختلفت الساحات وفقاً لخصوصية كل منها سواء في القدس أو الأغوار أو سلفيت وصولاً إلى جنوب الضفة الغربية فالثابت في ذلك كله أن الاستيطان الاستعماري المتواصل في التهام المزيد من الأرض - لم يبق شيئاً حتى يمكن التفاوض حوله، وبيتا كغيرها تقع في دائرة الإستهداف المباشر للأطماع الاستعمارية لهذا الاحتلال والمخطط فيها على جبل صبيح هو امتداد لمشروع عنصري يشمل مصادرة عشرات آلاف الدونمات، ولا يقتصر على استهداف الجبل بحد ذاته على أهمية ذلك بطبيعة الحال.

التجربة الفريدة النوعية التي أضحت محل فخر واعتزاز وتمثلها هذه البلدة هي بالفعل نموذج للمقاومة الشعبية بأرقى أشكالها فلماذا هذا النموذج وبماذا يتميز! وللإجابة على السؤال لا بد من الإشارة إلى أن هناك نقاط احتكاك متواصلة في العديد من القرى والبلدات في الضفة الغربية التي تشهد فعاليات أسبوعية بشكل متواصل لكن بيتا التي يتغنى بها الجميع اليوم وتكتب الأشعار عنها، وفيها تمثل أسطورة حقيقية للفعل الشعبي المقاوم مع عدم إسقاط أهمية القرى والبلدات الأخرى، مبعث الاعتزاز للأحداث التي تفجرت بشكل خاص في الثالث من أيار الماضي هو أنها تعتمد باعتقادي على ثلاثة محاور أساسية الأول أنها غلبت البلد "بيتا" على الفصيل، والنظرة التنافسية الضيقة معتمدة على الموارد البشرية، والمالية الذاتية، ولم تنتظر "معونة" من أحد عملت كبلد رغم وجود فصائل، وقوى، وتنظيمات، ومؤسسات، وقدمت خلال تلك الفترة ستة شهداء إضافة إلى مئات الجرحى من بينهم أكثر من 170 أصيبوا بإعاقات، إضافة إلى عشرات المعتقلين مما يعني أن تجربة ثلاثة أشهر من العمل جذرت بشكل كبير معاني الوعي بالتجربة بمضمونها الوحدوي الخلاق المبدع، أما الأمر الثاني الذي ميز التجربة هو استدامة الفعل الشعبي اليومي ليل نهار فعاليات نهارية، وإرباك ليلي حالة اشتباك متواصل ليس أسبوعيا، وليس متقطعا بمشاركة شعبية لكل الأهالي من مختلف الأعمار، والفئات. لكل فرد في القرية دور النساء، والأطفال، والرجال على قمة الجبل المقابل لجبل "صبيح" شبان يمضون الليل، والنهار لم يذهبوا إلى بيوتهم لأيام طويلة الكل في بيتا ينخرط بإرادته الذاتية الطوعية، ومستعد لتقديم التضحية، وما هو مطلوب منه في سبيل تحقيق هدف واحد وهو إزالة البؤرة العدوانية المسماة "افاتار" عن جبل "صبيح"، وحماية الأرض الفلسطينية من خطر الاستيطان.

المسألة الأخرى في هذا الإطار أن التجربة هي استمرار لتجربة الانتفاضة الأولى المراكمة على خبرات الأجيال، واستخلاص العبر والدروس منها فشلت معها سياسة تكسير العظام في عهد رابين وغدت بيتا في حينه مثلما هي الآن نموذجا ساطعا للمقاومة والعمل الشعبي وما أحوجنا على ما يبدو لهذا النموذج الذي بتنا نفتقد له أي استحضار تجرية الانتفاضة الأولى التي فيها الانصهار الكلي، والحس الجمعي، والعمل الموحد اليومي في إطار عمل منظم يومي عفوي يجمع كل الأشكال والمشاركات الشعبية الواسعة.

في زيارة الإطار المركزي للقوى الوطنية والإسلامية في الضفة الغربية الذي عقد اجتماعه الدوري في المجلس البلدي في القرية ثم تقديم واجب العزاء بالشهيد الشرفا آخر شهداء القرية المحتجز جثمانه من قبل الإحتلال حتى الآن ثم زيارة ميدانية للجبل جرى الحديث عن العديد من القضايا، وبرأيي المتواضع أن الناس الذين تحدثوا بإباء، وشموخ لم يطلبوا "معونة" وإنما كان جل الاهتمام ينصب على إغناء التجربة، والمراكمة عليها، واستدامتها، وأرى من موقع المسؤولية أن يعمل على توظيف كل الأدوات، والإمكانات المتاحة لدعم القرية بمقومات الصمود، والبقاء والاستمرار، لماذا مثلاً لا يتم اعتبارها منطقة تطوير من الدرجة الأولى! وتخصيص الموازنات اللازمة لها أمام الخسائر الاقتصادية الكبيرة التي تكبدتها القرية، الناس فخورة بما تعمل ومستعدة للمواصلة ولكن تحتاج إلى الحاضنة الوطنية للارتقاء بالنموذج نحو المزيد!! لماذا لا يتم اعتماد بيتا نموذجاً لتوسيع الفعل الشعبي كحالة يومية مستدامة في الأرض الفلسطينية أفقياً في كل المواقع لتبدو الضفة ساحة فعل موحدة يومية بطابع شعبي واسع المشاركة وصولاً للانتفاضة الشعبية الشاملة في وجه الاحتلال طالما أننا نعيش مرحلة تحرر وطني من أجل إنهاء الاحتلال، والخلاص بتحقيق الأهداف الوطنية، ومسارات الفعل والمقاومة متوفرة بشكل جلي سواء في القدس، الأسرى، الاستيطان، هدم البيوت ورفع الحصار الظالم عن قطاع غزة الجامع فيها جميعاً هو الإحتلال فلماذا لا يسار إلى برنامج وطني شامل ينخرط فيه الجميع من أجل الخلاص.